مجلة الرسالة/العدد 916/البريد الأدبي
→ تعقيبات | مجلة الرسالة - العدد 916 البريد الأدبي [[مؤلف:|]] |
القَصَصُ ← |
بتاريخ: 22 - 01 - 1951 |
طه حسين الشاعر
أتاح لنا حضرة الباحث المطلع الأستاذ محمد سيد كيلاني فرصة التعرف على جانب هام في أدب معالي الدكتور طه حسين باشا في العدد الماضي من الرسالة الزهراء فشرح كيف قرض الدكتور الشعر في الصبا والشباب، ودلنا على ما كان يفيض به ذلك الشعر من بدوات وأحاسيس إلى آخر المقال القيم.
ويختتم الأستاذ كيلاني بحثه بقوله: (ولكن الشاعر منذ سافر إلى أوربا في عام 1914 لم ولا بيتاً واحداً. فقد هجر القريض هجرا تاما. ونسى الناس هذا الشاعر الموهوب، بل ربما يكون هو نفسه قد نسى شعره).
والذي أفهمه جيداً أن معالي الدكتور طه حسين باشا لم يهجر القصيد هجراً تاما عام 1914، فالناضر في كتابه الرائع (على هامش السيرة) لا بد واجد شيئا غير فليل من شعره الجميل منبثا بين ثنايا النثر، وهو أمر لا يلمحه غير شاعر أو عروضي. . .
وأذكر أن الأستاذ دريني خشبة أول من لفت الأنظار إلى تلك الناحية في أثناء كتابته عن الشعر المرسل، ولولا وجودي الآن بعيدا عن القاهرة لأوردت البرهان القاطع، وفي الذاكرة من شعر الكتاب المذكور هذا الكتاب:
أقبلت تسعى رويدا ... مثلما يسعى النسيم
هذا والأستاذ كيلاني تحياتي وإعجابي
كلية الآداب
محمد سلامة مصطفى
طهروا الأزهر من الحزبية:
يا أولي الرأي في الأزهر ويا أصحاب الفضيلة، هبوا فأنقذوا الأزهر من هذه الواهدة المترعة بقذارة الرغبات إلا وهي الحزبية العمياء التي بذرت في نفوس أبنائه الشقاق، فتشتتت صفوفهم كلمتهم، وصاروا لا يعلمون إلا بوحي القادة ولا يسيرون إلا على هدى الزعماء، وأسدلت هذه من ظلماتها الحالكة، فنسوا أنهم رجال الدين وأن عليهم واجبا نحو وطنهم وأنفسهم، وأن ما يجري بينهم ليس خلقيا بهم ولا جديراً بأمثالهم، وأنهم بذلك قد فقدوا وازع الخلق، ومزقوا دستور النظام ووطئوا بأقدامهم قداسة الدين وحومة العلم.
أليس عجيبا - أيها الأزهريون - أن يصير الطالب خصما لدودا لأخيه إذا أبصر به الطريق ازور عنه ونفر منه، فهل بهذا الوضع يرجى من أمثالهم عدة للوطن، ورجالا يعملون إعزاز مكانته ورفع لوائه. وأعجب من ذلك أن تتعدى هذه الشحناء إلى معارك يتبادل الطلاب فيها ضرب الهراوات التي يتخذونها من مقاعد العلم التي طالعها السيئ وحظها المنكود.
وأنها لمأساة كبرى أن تنقلب معاهد العلم ومنابع والعرفان إلى أمكنة يسرى فيها لهيب العداء وتصطلي بنار الفوضى والاضطراب، ولا تلقي من أبنائها إلا بعدا عن العلم وفرارا من الجد وجريان وراء الرغبات الحزبية والمنافع الشخصية، وحبا في إحداث المشاغبات وعدم سير الدراسة في هدوء حتى أننا - وأيم الله - من ابتداء هذا العام إلى الآن لم نحضر أسبوعا كاملا بدون إضراب. فيا قام (لن يستقيم الظل والعود أعوج) فيها طهورا الأزهر من هذا الوباء وقوموا هذه النفوس الحاسدة عن سواء السبيل وألجموا هذه النزعات الكاذبة فهي بلاء مستطير وشر خطير. وليس من الواجب أن يترك هذا الجيش الأزهري يتخبط في دياجي هذه الحزبية وغيابها فمغبة ذلك لا يحمد أثرها ولا يستطلب ثمرها.
وانتم أيُها الشباب قيئوا إلى أنفسهم وحاسبوا ضمائرهم، وانتقوا بكم وثقوا أن مطالبهم لن تحقق إلا باتحاد قوتهم وعزيمتكم وترك هذه الحزبية وراءكم فهي قد باينت رغباتكم وفرقت قلوبهم ونفوسهم، وإن كانت مطالبكم لم تحط من الأداة الحكومية إلا بنسيان والوعود والإهمال.
وجاهدوا فالله ولن يتركم أعمالكم.
م. ع. الدسوقي
معهد طنطا الثانوي
لنصر أخاك ظالماً لو مظلوما
جاء في البريد الأدبي من الرسالة الغراء (911) الصادر في 18 ديسمبر كلمة موجزة للأستاذ عبد العظيم هاشم اعترض فيها على جزء من كلمتي: (شعر الحماسة عند العرب) المنشورة في الجزء (909) من الرسالة الغراء.
فقد ورد في كلامي بصدد العصبية الجاهلية ذكر المبدأ الجاهلي: (انصر أخاك ظالماً أو مظلوماً) فقال عن ذلك (ولا أرى معنى لإيراد هذا الحديث الشريف في هذا المقام. . . وأضاف أن ذكره (خروج بالحديث الشريف عن معناه وانحراف عن قصده ومرماه) ثم عزز قوله برواية الحديث عن البخاري ولم تفته الاستفادة من بلاغة الصمت فذكر الحديث من غير تعليق.
إن عبارة: انصر أخاك ظالماً أو مظلوماً) كلمة جاهلية بمعناها السافر قبل أن نروي حديثاً بعد تخريجاً سليماً يلائم نظم الإسلام. قال الأستاذ صاحب الرسالة في بحثه أحوال العرب الاجتماعية: (أما علاقة أبناء الأسرة بأبناء القبيلة فجماعها (بضم الجيم وتشديد الميم) مدلول هذه الكلمة الجاهلية: (انصر أخاك ظالماً أو مظلوماً).
وذكر الميدان هذه الكلمة هذه الكلمة فقال: (يا رسول الله هذا ننصره مظلوماً فكيف ننصره ظالماً؟ فقال (ص) ترده عن الظلم. قال أبو عبيدة أما عبيدة أما الحديث فهكذا. وأما العرب فكان مذهبها في المثل نصرته على كل حال. قال المفضل أول من قال ذلك جندب العنبر من تميم ثم ذكر قصة ارتجال ولا حاجة لذكرها وأحسب أن الدكتور أحمد أمين يشير إلى الكلمة الجاهلية في بحثه عن حالة العرب الاجتماعية بقوله. (وأفراد القبيلة متضامنون أشد ما يكون التضامن ينصرون أخاهم ظالماً أو مظلوماً).
والظاهر أن هذه الكلمة من منحول الحديث فمن الصعب أن نصدق أن الرسول الكريم وهو سيد البلغاء يستعير كلمة جاهلية. أما ما يبعث الشك في صحنها فهو اختلاف رواية الميدان عن رواية البخاري فقد ذكر الميداني (نرده عن الظلم) وذكر البخاري: (تأخذ فوق يديه) ولم أجد فيما راجعت عن المعاجم (يأخذ فوق يده) وإنما المذكور (يأخذ على يده أي يمينه). ثم ما حاجة المسلمين إلى مثل جاهلي لا يلائم نظم الدين الحنيف إلا بعد التخرج والتوجيه وعندهم قول القرآن الكريم: (وتعالوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان)؟
والظاهر أن نسبة الحديث إلى أنس وهو صاحبي كريم استدرج لتصديق الناس. قال الدكتور محمد حسين هيكل: (ومع ما أبداه جامعوا الحديث من حرص على الدقة لا ريب فيه فقد جرح بعض العلماء كثيراً من الأحاديث أثبتها جامعوا على أنها صحيحة. قال النووي في شرح مسلم (قد استدرك جماعة على البخاري ومسلم أحاديث أخلا بشر طهما فيها ونزلت عن درجة ما النزماه) يقول النووي في كلامه السابق قد استدرك (جماعة) على البخاري ومسلم واستدراك هؤلاء الجماعة شيء معقول فقد روى البخاري سبعة آلاف حيث فإذا أسقطنا المقدار المكرر وهو ما يقرب من ثلاثة آلاف حديث فإن الباقي أربعة آلاف حديث وهو رقم بعيد لا يصله البخاري ولا غيره قبول كثير من منحول الحديث.
وقد عارض القرآن الكريم روح العصبية التي أشار المثل وخفض منها بالتدرج إلا أنها لم تستأصل فقد بدأت أن تنتعش منذ أيام عثمان وظهر أثرها واضحاً في معركة مرج راهط فقد كان أغلب جيش الضحاك بن قيس الفهري قائد ابن الزبير من عرب الشمال وكان الكلبيون جنود بني أمية من عرب الجنوب فثأرت الحزازات المستورة وصرح عن عصبية كامة امتد أثرها حتى جعلها المؤخرون من أسبا هزيمة الجيش العربي في فرنسا.
وذكر الدكتور فليب حتى (أن هذه الخلافات العصبي ظلت حتى الأيام قائمة في لبنان وفلسطين إذ روى لنا التاريخ أن معارك قامت بين الحزبين: (الشماليين والجنوب) في أوائل القرن الثامن من عشر).
وليست هذه العصبية وقفاً على العرب دون سواهم وليست هي خاصة بعصر من عصور أو قطر من أقطار دون غيره فقد رأينا كثيراً من الغ ربيين في الشرق يجعلون التعصب الأعمى لأبناء وطنهم على غيرهم دستوراً في حياتهم ومعاملاتهم.
وأضاف الأستاذ عبد العظيم إلى الكلمة الأخيرة من أسمى الكامل كلمة (عبد) فصيرها (عبد الرحيم) وهذه الإضافة أما من استبداد السهو بالقلم أو أن الأخ يرى كلمة (رحيم) من الأسماء الحسنى لا يجوز أن يسمى بها شخص من غيره تعبيد. وعلى الاحتمال الثاني أقول أن (رحيم) بمعنى الفاعل من أسماء الله الحسنى وبمعنى المفعول من غيره فإنتفى الحرج. وقد ورد في مختار الصحاح وغيره: و (الرحيم) قد يكون بمعنى المرحوم كما يكون بمعنى الراحم)
وأحمد للأستاذ هذا الاهتمام وأشكره.
الحلة (العراق) أحمد حسن الرحيم