مجلة الرسالة/العدد 914/رسالة الشعر
→ غزو بدر بين القرآن والشعر | مجلة الرسالة - العدد 914 رسالة الشعر [[مؤلف:|]] |
تعقيبات ← |
بتاريخ: 08 - 01 - 1951 |
صلوات روح
للأستاذ إبراهيم محمد نجا
سموت بالروح إلى خالقي ... في ليلة نشوى بخمر الضياء
ذابت بها الظلمة حتى غدت ... أسطورة طال عليها العفاء
ورق فيها النور مسترسلا ... كهمس ناي هاشم في فضاء
ما زلت أسموا، والمنى في يدي ... رفاقه مثل النجوم الوضاء
وفي شعوري نشوة حلوة ... تسكب في نفسي أرق الغناء
وملء نفسي فتنة ترنوي ... من روعة الليل، وسحر المساء
حتى انتهت روحي بأشواقها ... لمنهل الغيب الذي في سماء
كما انتهي للنبع بعد السري ... في البيد ركب الحائرين الظماء
فانتفضت فيها ضراعتها ... وأطلقت في الصمت هذا النداء:
يا منهل الغيب. . . اسقني قطرة ... من ذلك النور، وهذا الصفاء
تجعل حياتي نغما شادياً ... في عالم يهفو إليه الرجاء
أحسه صوتاً عميق الصدى ... يهز أعماق بسحر الدعاء
وصورة طال عليها المدى ... وما خبا فيها رفيف الرواء
يا منهل الغيب. . . وبي حيرة ... قد صيرتني أستحق الرثاء
كطائر أبعد عن عشه ... فهام في إحدى ليالي الشتاء
وبي حنين يتحدى الثرى ... ويرتقي بي طائراً حيث شاء
ولي قيود تتمنى سدى ... لو أنني سبيل العلاء
حتى يحين الأجل المرتجى ... فأنزع القيد، وألقى الرداء
يا منهل الغيب. . . وبي غربة ... تنبت في عمري هموم البقاء!
لا الأرضداري، لا، ولا أهلها ... أهلي، فكيف الصبر؟ كيف العزاء
غريبة بالحب في عالم ... الحب فيه خدعة أو رياء
نسخته ظلا به يحتمي ... وصغته نوراً به يستضاء وطفت في دنياي مسحورة ... تغمرني إشراقة وانتشاء
أبحث عن روح أرى طيفه ... يفتن أيامي بحلو اللقاء
فلم أجده، فالفت المنى ... حتى جفتني، فألفت البكاء!
غريبة بالصمت. . . من نايه ... يثير إلهامي أرق الحداء
أراه ظلا سابحاً في السنا ... كطيف عطر سابح في الهواء
وأحتسيه حمرة عتقت ... في الغيب. . . يدري سرها الأنبياء
والصمت سر هائم في الدجى ... يهفو إلى الغيب، ويبغي الخفاء
صاغت حياتي منه أسرارها ... فاستغرقت في عزلة وانطواء
والصمت سحر همت في جوه ... على جناحي لهفة واشتهاء
والصمت بحر موجة نائم ... يحلم بالعودة من حيث جاء
عبرته وحي على زورق ... يود لو يسري لغير انتهاء
وعدت منه بشهي الرؤى ... وفي الرؤى ري، وفيها غذاء
غريبة بالحزن. . . نيرانه ... تلقى على ضوئي ظلال الفناء
وسره في داخلي كامن ... محجب بالصمت والكبرياء
يدري أساه من زماني به ... ومن تولاني بطول العناء
إليه أشكو وحده غربتي ... وحيرتي في الأرض أرض الشقاء
ولهفتي الكبرى إلى موطني ... في عالم يهفوا إليه الرجاء
أبعدت عنه، فعرفت الأسى ... ولست أدري سر هذا الجزاء!
خطيئة الجنة من آدم ... علام تكوى نارها الأبرياء؟
وأطرقت روحي بأشجانها ... لعلها نسمع صوت القضاء
فاهتزت في أعماقها هاتف ... يشع مثل البارق المستضاء
وقال في صوت عميق الصدى ... نماذج الرقة فيه المضاء:
يا هذا الروح الذي تشتكي ... من دائها، والداء فيه الدواء!
من يحمل الآلام يقعد بها ... إن لم يجمعها بروح الفداء
فلتحملي الآم في قوة ... فإنها تخشع بروح الفداء ولا تضيقي بحياة الورى ... وتهربي مما بها من بلاء
وجاهدي الليل بهذا السنا ... وكافحي الشر بهذا النقاء
قالبدر لا تظهر أنواره ... إن لم يرقها في ظلام المساء
والخير ما جدواه؟ إن لم يكن ... قد ألجأ الشر إلى الاهتداء
ورقرقي نورك من نبعه ... لكل ظمآن إلى الاهتداء
فالدر في الأصداف مثل الحصا ... ما دام لا يكشف عنه الغطاء
والبقلة الخضراء في أرضها ... خير من البستان بين العراء
حتى إذا ناداك رب الورى ... وكنت قد أبليت خير البلاء
دخلت دنيا ناداك رب الورى ... وكنت قد أبليت خير البلاء
دخت دنيا الغيب مزهوة ... اتغنمي فيها دوام البقاء
هذا قضاء الله في خلقه ... لكل شيء محنة وابتلاء
وخيم الصمت سوى نبأة ... من الصدى قد آنت باختفاء
فأذعنت روحي، وعادت إلى ... دنيا الشقاء البكر والأشقياء
ولم تزل تعجب مما رأت ... في ليلة نشوى بخمر الضياء
أكان وهما شاعري الرؤى ... أم كان حلماً ساحري البهاء؟
إبراهيم محمد نجا