مجلة الرسالة/العدد 913/عهود الظلام
→ من شئون المساكين وتخطيط البلدان | مجلة الرسالة - العدد 913 عهود الظلام [[مؤلف:|]] |
صلواتي ← |
بتاريخ: 01 - 01 - 1951 |
للأستاذ إبراهيم الوائلي
من قصور رحيبة الأفياء ... وليال مجنونة حمراء
فتنة الحالمين والنماء ... نهزة العابثين في الظلماء
من كؤوس تعج بالصهباء ... وثغور تموغت بالدماء
من ثياب ترف بالأشذاء ... تتحدى النجوم بالأضواء
من صدور محمومة الأهواء ... ونحور تموج باللألاء
ونهود عربيدة خرساء ... تتنزى على رؤى الخيلاء
كان هزء الطبيعة الحمقاء
بالجماهير من بنى الإنسان
من بقايا هياكل كل جوفاء ... نحتت من حجارة صماء
في حياة مجنونة رعناء ... تحسب المجد في فتون المرائي
في وسام مذهب ورداء ... وضروب النعوت والأسماء
من صروح منيعة شماء ... ساخرات بالبؤس والبؤساء
من نفوس حقيرة سوداء ... ورؤوس مريضة بلهاء
خلقها سياسة الدخلاء ... من هباء وذاك شر بلاء
لم يعد في الحياة أي رجاء
لشعوب تعيش كالديدان
من بروج تشاد فوق الجماجم ... حافلات بكل غض وباسم
غرف كالخيال في رأس حالم ... وأفانين من حصيد المغانم
هي في موكب الحسان الكرائم ... وهج الشمس ذوبته النسائم
تتحلى به (العذارى) النواعم ... في نحور رقيقة ومعاصم
وأكف ندية ومباسم ... كزهور ترف بين الكمائم
تحسب الطهر من بقايا المآثم ... وتخال النهى خرافات واهم
عصفت بالضعاف شتى كالأعاصير في بقايا دخان
من قوانين شرعت ومحاكم ... وحدود تنوعت وعواصم
وزعامات مستبد وآثم ... سابح في قرارة الشر هائم
فإذا الحق أن تداس المحارم ... بين مستضعف على الذل جاثم
ومقيم على استلاب الغنائم ... من عراة على الرمال سوائم
أثقلتهم حياتهم بالمغارم ... بالتي لا يردها سخط ناقم
من شيوخ تدثروا بالعمائم ... لم يهيموا بغير حل الطلاسم
كان أفق الحياة أسود قائم
في شعوب تنوء بالحرمان
من وحوش مجنونة الخطوات ... تتشهى حتى بقايا الرفات
لم تدع في الخرائب الموحشات ... غير أشباح أعظم نخرات
من جياع على الصخور حفاة ... كقبور تعج بالأموات
فإذا بالجنان كالفوات ... وإذا بالحياة مثل الممات
من جناة مدمرين غزاة ... وطغاة مخربين قساة
سلطتم سياسية الفلتات ... في عهود الظلام والكبوات
قد ركسنا فكان عهد سبات ... وأفقنا فكان عهد هوان
من ضلالات أحمق مأفون ... مستهين بكل شرع ودين
وضراعات أبله مسكين ... يتخطى السنين بعد السنين
وهو في صمته الطويل المهين ... من سياط تنث فوق المتون
وسجون تقام حول سجون ... ليس فيها سوى الظلام الحزين
وانطلاقات زفرة وأنين ... يتلاقى بها دخان الجفون
من قوى ببطشه مفتون ... وأسير مكبل موهون
جن ظلم الحياة شر جنون ... بالألى يركعون للأوثان
من أراجيف عالم محموم ... يتغنى بنافثات الجحيم
حامل في يد قوى التحطيم ... وبكف مخدرات السموم بين وغد مزيف موهوم ... وغد غامض الخطا مزعوم
من مدل بطيشه المذموم ... تزدهيه مواكب التفخيم
فهو في نشوة الأثيم ... يحسب الشمس من صغار النجوم
من شقي معذب محروم ... مستغيث بصمته المكلوم
مزق العدل كل عات غشوم ... فتلاشى كضحكة النشوان
أيها الركب طال عهد الحداء ... والسرى والطريق والظلمات
أنت تطوى مجاهل الصحراء ... بين عصف الرياح والأنواء
أترى تستريح بعد عناء ... ونضال مكلل بالدماء
فلقد طال منك في البيداء ... تعب لم يزدك غير بلاء
أيها الركب رب ليل شقاء ... يتواري بلحمة من ضياء
فترقب لعل في الأجواء ... قبسا يستجيب للحيران
إبراهيم الوائلي
القاهرة