الرئيسيةبحث

مجلة الرسالة/العدد 908/البريد الأدبي

مجلة الرسالة/العدد 908/البريد الأدبي

بتاريخ: 27 - 11 - 1950


إلى فضيلة الأستاذ الأكبر:

بدأ الأمل في الإصلاح يعاود نفوس الغير منذ أن تولى مشيخة الأزهر أستاذنا الأكبر الشيخ عبد المجيد سليم، وغمرت القلوب فرحة هذا النبأ لأنه قرب بعيد الآمال لمن طال بهم الانتظار. وإني حين أهنئ فضيلته بهذا المنصب الجليل أضرع إلى الله تعالى أن يعينه على النهوض بأعبائه الجسام. وأن يحقق على يديه الغاية الإسلامية الكبرى التي طالما انتظره الناس لها. وإن له من غزير علمه وتجارب سنه وحصيف رأيه وبعد نظره ومرونته التي رفعته عن مستوى الخامدين الرجعيين ما يتهيأ له به أن يمسك الدين الإسلامي عن التخلف في طريق المبادئ والإصلاح، ويدفعه للسير في طليعة مواكب الحضارة التي أقامها أصحابها على أساس يواكب روح التطور، ويعرض الإسلام على الناس نقياً طاهراً خالياً من كل شائبة ألحقها به سوء الفهم لمبادئه السامية وجمود القائمين عليه عند نصوصه التي عاصرت ميلاده، فاتهم الدين الإسلامي بالجمود والرجعية، وعدم صلاحيته لأن يطب لأدواء الحياة المعاصرة. وعلم الله أن دينه براء من ذلك وأن علاجه للمشاكل التي تورطت فيها البشرية هو السبيل الوحيد الذي ينقذ الإنسانية من متاهات الحيرة والضلال ويفضي بها إلى حياة السعادة والكمال؛ وقد شهد له بذلك من أعدائه رجال الفكر والإصلاح الذين يعصمهم الاعتدال والاتزان عن الاستجابة للأهواء والأغراض.

إن أعلى تراث ورثناه عن الآباء والأجداد قد وكل أمره إليك الآن يا سيدي وجعلك الله عليه قائماً، وإن أنبل عمل يرضى به الله عنك ويخلدك به التاريخ وترفع به شأن المسلمين، أن تنفض عن جمال الدين الإسلامي الغبار الذي أثارته الجهالة بتعاليمه، وأن تفك عنه العقل التي قيدته طويلا عن النهوض، وأن تبلغه للعالمين على الصورة الجميلة الرائعة التي صنعة الله عليها، فإن ما لحق به في عصور التخلف من إبداع وتزمت شوه تعاليمه ومسخ جماله وأخفى روائعه حتى عن بنيه، فلا عجب أن رأينا فيهم هذه الروح المعنوية الذابلة، فتطلعوا إلى كل مستحدث غربي، وأخذوا منه ما يخالف روح الإسلام وتقاليده، ونادي بذلك من هم أولى الناس برعايته وحياطته والسهر على إبراز محاسنه ودعوة الناس إليه. أمامك الآن يا سيدي مبهمات تنتظر التوضيح، ومشكلات تتطلب الحلول، وأوضاع يقف المرء حيالها حائراً جامداً سليب العزم لأن الواقع صارم في إقناعه.

أمامك الآن يا سيدي مشكلة التعامل بالفائدة. . . وماذا يعمل الفلاح الذي لا يجد من يقرض الله قرضاً حسناً ويزجره دينه عن أن يدخل في بنوك التسليف في معاملات تقوم على أساس ربوي.

وأمامك الآن يا سيدي أوراق اليانصيب التي يصرف إيرادها في بناء دور الإسعاف والمبرات والإنفاق عليها في زمن قبضت الكرزة فيه الأيدي عن البذل في سبيل الله؛ وهذا النوع كما نراه لا يوقع الشيطان بين المساهمين فيه العداوة والبغضاء.

وأمامك يا سيدي موضوع التأمين على الحياة الذي تكالب عليه الناس وخاصة طوائف الموظفين الذين لا تدع لهم تكاليف الحياة ما يدخرونه لبنيهم من بعدهم - وحرص الآباء على سعادة أبنائهم من بعدهم غريزة فطرية لا مناص للمرء من الاستجابة لها أو قضاء حياته في بلبلة واضطراب. وأمامك الآن مشكلة الطلاق وتعدد الزوجات، تلك التي تهدد الأسر وتزلزل كيانها وتعصف بهنائها وتشرد أولادها، وأمرها متروك بلا عاصم ولا ضابط، فشاع التذمر والمقت في كل الأوساط.

وأمامك يا سيدي هذه الهيئات التي تسمي نفسها إسلامية وليس للإسلام فيها ظل من ظلاله أو سمة من سماته، ولا يأخذ رجالها أنفسهم بالتزام مبادئه وتعاليمه. وأمامك يا سيدي غير هذه المشاكل مما لا تتسع له هذه العجالة ولا يخفى عليك. فأقدم على بركة الله وسلط عليها من إيمانك وعلمك وعزمك ما يفل حديدها ويجلو دجنتها ويزيل لبسها ويبين للناس موقف الإسلام منها في صراحة ووضوح. وفقك الله إلى كل خير، وكتب للإسلام على يديك النصر والغلب.

فرشوط

عبد الفتاح محمد حماد

بتفتيش المعارف بفرشوط

على حد منكب

زارني بعض إخواني بمنزلي وكنت بين كتبي التي آنس بها وأسكن إليها وقال أحدهم: مالك لا تأتينا في نادينا تحت شجرة الكافور؟ فكان جوابي: إنكم تعلمون أني لا أكاد ألم بهذا المكان إلا إذا كان الأستاذ الكبير صاحب الرسالة بين ظهرانينا، وأخذ الحدين بعد ذلك يذهب بنا ههنا وههنا، وبان من أمرهم أنهم أتوا للبحث عن معنى عبارة جرت على قلم صاحب الرسالة في الكلمة الأولى التي أنشأها عن (الأزهر في عهده الجديد) وهو يصف ما كان بين الأستاذ الإمام وبين خديوي مصر وهي (لولا أنه كان من سياسة القصر - على حد منكب) وقد قال أحدهم: لم لا يأتي الأستاذ الزيات بعبارات لا تستعصي على إفهام القراء؟ فقلت لهم: إن للبلغاء سبلاً في نشر مثل هذه العبارات يتلطفون في بثها في بيانهم لتشيع بين الأدباء وتجري على أسنة أقلامهم؛ والأستاذ الزيات لا تكاد تخلو كلمة من كلماته من مثل هذه العبارة.

وأخذنا بعد ذلك نتحدث في أمر هذه العبارة فقالوا إننا قد بحثنا عنها في المصباح المنير وما يماثله فلم نجدها فهل تكون في أساس البلاغة وهو لا يكتفي بإيراد المعنى اللغوي للكلمة وإنما يبين معناها المجازي؟ فأثبت به إليهم ولما لم يعثروا عليها فيه قلت لهم إن مثل هذه العبارة لا يصيبها الباحث إلا في كتب الأدب مما يستعمله كتاب البيان ويخيل إلى أنها توجد في مثل كتاب (نجمة الرائد) وتناولت هذا الكتاب وكان على مد يدي وأخذت أبحث فيه حتى ألفيتها جاثمة بين الصفحتين 240و41 من الجزء الأول منه وهذا نصها: (ويقال هو منه على حد منكب أي منحرف عنه دائم الإعراض) وكأنهم عندما عثرت عليها قد وجدوا كنزاً ولم يسعهم بعد ذلك إلا الإقرار بفضل صاحب الرسالة وعلو كعبه في الأدب وإلا الدعاء له بأن يديمه الله ذخرا للعربية وبلاغتها.

المنصورة

محمد أبو ريه

(الرسالة) جاء في معجم أقرب الموارد في مادة (نكب) (وفلان معي على حد منكب) أي كلما رآني التوى ولم يتلقني بوجهه. وهو كقولهم (فلان يلقاني على حرف)

ابن عباس أو حسان: أيهما قال

اطلعت على مجلة الرسالة فرأيت تعليقا على كتاب - أضواء الماضي - للأستاذ سامي الكيالي إذ نسب البيتين الآتيين إلى ابن عباس رضي الله عنهما وهما:

إن يأخذ الله من عيني نورهما ... ففي لساني وسمعي منهما نور

قلبي ذكي وعقلي غير ذي دخل ... وفي فمي صارم كالسيف مأثور

فصاحب الكتاب نسبهما لابن عباس والأستاذ المدرس بسوهاج نسبهما لحسان كما رأى ذلك في ديوان حسان.

وفي العقد الفريد جزء ثالث صفحة (105) قال: وقال ابن عباس لما كف بصره وسرد البيتين. وفي نكت العميان للصفدي صفحة 271 يقول أنشد الجاحظ لابن عباس وساق البيتين إلى أن قال الصفدي في صفحة (72) قال المعري:

سواد العين زاد سواد قلبي ... ليشتقا على فهم الأمور

وقبله قال الخريمي:

فإن يك عيني خبا نورها ... فكم قبلها نور عيني جبا

فلم يعم قلبي ولكنما ... أرى نور عيني لقلبي سعا

قلت كلاهما أخذ المعنى من قول ابن عباس

وعلى هذا فصاحب الكتاب له العذر. والذي يرجح أن ابن عباس استشهد بكلام حسان أن الأخير هو المشهور بالشعر وابن عباس عرف بالحفظ وكلاهما كانا بصيرين كف بصرهما في الكبر وليس وجود الشعر في الديوان دليلا على أن النسبة صحيحة لحسان فكم من أبيات أدرجت وكم من أبيات حذفت ولم نتلق ديوان حسان بسند متصل. وتصحيح نسبة الكلام والقول لقائلة عسير جدا وقد نسب ديوان لعلي كرم الله وجهه والأدباء يقولون أنه لم يقل شعرا إلا بيتين. وقالوا إن كل شعر مجهول نسب إلى مجنون ليلى وليس هذا خاصا بالنثر والشعر بل تتناول الأقوال والآراء والحمد لله الذي لم يعصم إلا كتابه.

أسيوط

سيد على الطويجي

الواعظ العام لمديريتي أسيوط وجرجا