الرئيسيةبحث

مجلة الرسالة/العدد 906/عهد جديد للأزهر

مجلة الرسالة/العدد 906/عهد جديد للأزهر

بتاريخ: 13 - 11 - 1950


للدكتور محمد يوسف موسى

الحمد لله! ذلك ما كنا نبغي، شيخ للأزهر له فكرة واضحة ناضجة عن الإصلاح، ويقبل المنصب الثقيل التبعات لتنفيذ هذه الفكرة، ويجمع إلى الجلالة في العلم الاستقلال في الرأي، ومن ثم لنا أن ننتظر بحق من أستاذنا الأكبر الشيخ عبد المجيد سليم الخير الكثير للأزهر والإسلام، مادام متمتعا - إلى ما ذكرنا - بتأييد مولانا جلالة الملك، وتقدير الحكومة وعونها.

وهذه الاتجاهات الإصلاحية التي طالعتنا بها الصحف، والتي استوحاها فضيلته من التوجيهات الملكية السامية الحكيمة يوافقه فيها الأزهريون جميعا بلا ريب، ففيها خلاصة ما يرجوه كل محب للأزهر وإصلاحه، وليس لنا ما نزيده عليها إلا بعض التفاصيل.

ذلك بأننا نستطيع أن نقول بأن رسالة الأزهر في رأينا ذات نواح خمس:

1 - ناحية دينية بالعمل على فهم الدين فهما عميقا، وتنقيته مما أضافه إليه الزمن مما ليس منه، ثم تجليته (عقيدة وتشريعا وأخلاقا) للناس جميعا في الشرق والغرب باللغة العربية واللغات الأجنبية، وهذا الواجب الذي يجب أن نضطلع به مراقبة البحوث الفنية.

2 - ناحية خلقية، بصيانة الأمة من الانحلال الخلقي، وتثبيت الخلق الصالح بالقدوة الطيبة، وهذا ما لا يكون إلا إذا أخذنا أنفسنا، ومن نلي أمورهم من الناشئة، بالمثل العليا والإقبال على المعنويات.

3 - ناحية علمية، بالعمل على نشر عيون التراث الإسلامي والإفادة منه، ومما يضاف إليه من المعارف الحديثة، في صوغ عقول النشء وتوجيههم للخير والحق والجمال في القول والعمل.

4 - والأزهر، يعد هذا، هو رباط ما بين الشعوب الإسلامية والمركز الثقافي الإسلامي الأكبر الذي يفد إليه كل عام الآلاف من البلاد الإسلامية، لذلك يكون من رسالته العمل على أن يفيد هؤلاء الوافدون إليه أكبر فائدة، حتى يكونوا متى انقلبوا إلى بلادهم رسل خير وصلاح، وسفراء لمصر والإسلام أينما وجدوا؛ وهذا لا يكون إلا بالعناية بإصلاح مراقبة البعوث الإسلامية إصلاحا جادا، وتعرف حاضر العالم الإسلامي بلدا بلدا، ليكون من الممكن بعد ذلك معرفة حاجة كل بلد من الثقافة الإسلامية لونا وقدرا.

5 - والأزهر، مع ذلك كله، جامعة، بل أقدم الجامعات العالمية وأمجدها تاريخا، ولكل جامعة طابعها وأهدافها وتجاربها وتطوراتها، وربما شركتنا بعض الجامعات الأخرى، في الشرق أو الغرب، في بعض ما نهدف إليه من غرض وغاية، وإن خالفتنا في الطرق والوسائل. على الأزهر إذا باعتباره جامعة عالمية أن يحرص على الاتصال الصحيح بهذه الجامعات، وإنه لواجد ولا ريب من ذلك خيرا كثيرا: تعاون في الوصول إلى هدف مشترك، وقوف على تطور بعض العلوم التي نعني بدراستها وعلى ما جد فيها من حقائق جديدة، إلى غير هذا وذاك مما نربحه من اتصالنا الحق بهذه الجامعات وهنا أيضا مجال كبير لنشاط مراقبة البحوث الفنية.

وبالإجمال، إن للأزهر رسالة يؤديها للأمة الإسلامية في مصر، وأخرى خارج مصر.

إن عليه في مصر أن يخرج للأمة جيلا من الناس يتميز بفهم الإسلام وتعاليمه الأصيلة فهما عميقا؛ كما يتميز بعدم الاحتفال بالدنيا وزينتها، وبالحق يصدع به وإن أغضب هذا أو ذاك، حتى ليستطيع الواحد منهم أن يقول كما قال سلف له من قبل: إن الذي يمد رجله لا يمد يده. إن مصر في حال انحلال خلقي، وتنأى عن الدين وتعاليمه كل يوم بخطى رتيبة وليس يمكن أن تخرج من هذا الحال الأليم إلا بالأزهر حين يربي رؤساؤه ناشئته على القول الحق والعمل الطيب.

وإن على الأزهر خارج مصر، متى تم له إعداد هذا الجيل يستعين بأبنائه في الدعاية للوطن والتبشير بالإسلام ونشره في كافة أرجاء الأرض. إن أفراد هذا الجيل يكونون سفراء لمصر والإسلام ينفذون بأقوالهم وأعمالهم إلى القلوب، ويصلون إلى الأوساط التي لا يمكن للسفراء الرسميين الوصول إليها، ومن هذا يكون لهم من التأثير الحسن الحاسم ما لا يكون مثله لهؤلاء.

كلنا نعرف أن هناك في العالم المسيحي ملايين وملايين من الناس ضاقوا ذرعا بالمسيحية وأسرارها التي تعجز العقول، وصاروا لا يستطيعون التوفيق بين حضارتهم القائمة على المادة والقوة وبين وصايا المسيحية القائمة على التسامح والروحية. إنهم لهذا وذاك يلتمسون دينا آخر يسير على العقل فهمه، وفيه من المادة ومن الروحية، ويرون أن هذا الدين - على ما يسمعون - هو الإسلام، ولهذا يريدون أن يصلوا لفهم هذا الإسلام، ولكن يحول بينهم وبين ذلك جهلهم باللغة العربية وعدم وجود كتب سهلة التناول تعرض هذا الدين عرضا طيبا، ولقد سألني كثير من هؤلاء وأنا بباريس وحين زيارتي لألمانيا: لماذا لا يعمل الأزهر على تقريب الإسلام لهم بوضع كتاب عنه من نواحيه المختلفة، ثم يترجم هذا الكتاب لكل لغات العالم ويوزع في أقطار الأرض كلها.

وبعد، فهذا بعض ما كتبت عن رسالة الأزهر صيف هذا العام، في تقرير أرجو أن أوفق قريبا لنشره، وإن كان هذا الذي كتبت لا يخرج في جوهره عن بعض ما وفق الله تعالى إليه مولانا الأستاذ الأكبر.

والآن لا نستطيع إلا أن نضرع لله أن يؤيد مولانا الأستاذ الأكبر، هو ومن يعاونه من كبار رجال الأزهر، بروح من عنده؛ وأن يوفق الجميع لإصلاح هذا المعهد الخالد، ففي ذلك كل الخير للإسلام والمسلمين.

الدكتور محمد يوسف موسى

أستاذ بكلية أصول الدين