مجلة الرسالة/العدد 899/الكتب
→ الأدب والفن في أسبوع | مجلة الرسالة - العدد 899 الكتب [[مؤلف:|]] |
قصص تمثيلية ← |
بتاريخ: 25 - 09 - 1950 |
من وحي السيرة
تأليف الأستاذ جمال الدين الرمادي
(95 صفحة - دار الفكر العربي)
للأستاذ محمد محمد علي
كتب الكثيرون عن السيرة النبوية الشريفة، ولا غرو فليس هناك منهل أعذب من السيرة ولا ميدان أوسع منها. بيد أن القليلين هم الذين رأوا في حياة الرسول (ص) إلهاماً، هؤلاء هم الفنانون، أولئك الذين بهرتهم حياة الرسول الكريم، فصوروا خلجات نفوسهم وخفقات قلوبهم بعد إذ أثرت فيهم السيرة تأثيراً عظيماً. ومن هؤلاء صديقنا الأستاذ جمال الدين الرمادي. فهل أني بجديد؟ نعم فقد (أعجبته مواقف رائعة من مواقف الرسول (ص) فانطلق ببراعة يصورها وطفق بريشته يحيطها بإطار يود أن يكون بفكرته وأسلوبه بهياً أنيقاً، ولكن مع هذا لا يحيد عن الحق ولا ينصرف عن التاريخ ما استطاع إلى ذلك سبيلاً!) هذا هو الدستور الذي سار عليه المؤلف في رسم روائعه الفنية.
وتقرأ الكتاب فلا تكاد تميز أسلوبه عن أسلوب عميد الأدب العربي. وهذا حق فقد أعجب صديقنا بمعالي الوزير وقلد أسلوبه حنى أصبح بحق: طه حسين الصغير. ويرد الجميل لصاحبه فيهدي باكورة إنتاجه إلى صاحب على هامش السيرة. ولكن كيف كان ذلك:
وضع الأستاذ نصب عينيه منذ الصغر أن الأدب منهل عذب يجب على الجميع أن يرشفوا من سلسبيله. فنشأ محباً للأدب العالي مغرماً بالشعر الرصين فإذا به ينظم الشعر حلواً رصيناً بالعربية والإنجليزية. وكان ذلك حينما بلغ خياله أعظم درجات خصوبته في مرحلة المراهقة. ولما أوتي من الأدب نصيباً موفوراً أخذ يغذي (البلاغ) بتحفة الأدبية كما لمع اسمه على صفحات المصري والأهرام والرسالة من هنا لا تأخذه نشوة الجرس الموسيقي الذي تبعث من وضعه البديع للنور الوليد:
(ابشري يا نفوس، وأفرحي يا قلوب، وغردي يا طيور، وأملاي الدنيا بحلو الأغاريد وعذب الترانيم، وحلقي بين الأجواء سكارى بذكر الواحد القهار وذكر الرسول المرتق المختار)
رسم لنا المؤلف في كتابه إحدى وعشرين لوحة من وحي السيرة الشريفة تمثل فجر الإسلام: النور الوليد، الفتى الراعي، وانتشاره: سحر الإيمان، الزفاف الحزين، العزيز المفقود، وانتقال الرسول إلى الرفيق الأعلى: الفوز الراحل. صاغها في أسلوب عذب، وكفاه عذوبة أنه أسلوب طه حسين الصغير.
تأمل قوله في المخاطرة الكبرى: (وتنفس الصبح وأخذت الغزالة ترقي إلى عرشها النور في كبد السماء شيئاً فشيئاً، تسكب الأضواء الزواهر على الرمال الشقراء فترف كأنها شعور غادة فاتنة هيفاء، وتلتمع الحصباء كأنها سبيكة ذهب أو جذوة لهب. ويتبدى السبيل ساكناً صامتاً ويتراءى قبل العين واضحاً لا تبدو على أديمه إلا آثار خطى لا تلبث قبالة الغار أن تفور.)
ولقد طغى العصر الحديث بماديته على أعين الشباب فنأوا بجانبهم عن غذاء الروح. فما أحوجهم اليوم إلى مثل هذا الكتاب فيقظهم من ظلمات المادة ويردهم إلى نور الدين وبهجة الروح عليهم يجدون خلاصاً من قلقهم.
لذا فليس غريباً أن نغض الطرف عن الأخطاء المطبعية التي لا ندري كيف مرت رغم دقة مطبعة الاعتماد وفطنة ملاحظها الحريص، وإنا لنشارك صديقنا المؤلف أمله في مواصلة الكتابة في السيرة النبوية، وذلك المنبع الروحي يروي الظمآن في كل زمان ومكان
محمد محمد علي
ليسانسيه في الآداب