مجلة الرسالة/العدد 899/الأدب والفن في أسبوع
→ تعقيبات | مجلة الرسالة - العدد 899 الأدب والفن في أسبوع [[مؤلف:|]] |
الكتب ← |
بتاريخ: 25 - 09 - 1950 |
للأستاذ عباس خضر
الثقافة العربية في المؤتمر الثقافي:
أشرت من قبل إلى التقرير القيم الذي وضعته لجنة الثقافة العربية في المؤتمر الثقافي. وأرى الآن من تمام الفائدة أن نذكر بعض ما احتواه.
أخذت اللجنة كلمة الثقافة في مدلولها الواسع، وهو معارف الأمة وأدبها وعاداتها وتقاليدها واتجاهاتها الروحية والفنية. ونظرت بهذا المعنى إلى الثقافة العربية فوجدت أن من أهم مقوماتها (1) تراثها الفكري الخصب الغني الذي اتسعت آفاته لثمار الثقافات القديمة الأخرى التي احتك بها العرب في أيام نهضتهم وأثر بدوره في ثقافة العالم من طريق تأثيره في الفكر الأوربي.
(2) أن لغة تلك الثقافة - وهي العربية الفصحى - لغة ذات تاريخ قديم متصل الحلقات، وأنها قد سايرت الحضارة وكانت أداة طيعة للعلم والأدب والفلسفة في العصور الازدهار الفكري للعرب.
(3) أن لهذه الثقافة أدبها وفنونها وآثارها التي انطبعت بطابعها وتأثرت وترجمت عن أطوار تاريخها.
(4) أن هذه الثقافة منذ ظهور الإسلام أصبحت تستمد أهم مثلها واتجاهاتها من الدين وتعاليمه، وأنها قد حاولت في مختلف عصورها أن تستمد من تشريعه قواعد وأساسا لحياتها الأخلاقية والاقتصادية والاجتماعية والسياسية، وأن أدبها ودراستها الأساسية قد تأثر بكتاب ذلك الدين والحرص على حفظه وفهم أسراره.
(5) أن هذه الثقافة تمثل فلسفة في الحياة والاجتماع أهم ما تتميز به توفيقها بين سلطة الحاكم وحرية المحكوم، واحترامها للملكية الفردية وتوجيهها للتعاون بين الغني والفقير، وعدم تفريقها بين الأجناس والألوان، وإصرارها على قسط معين من الأدب والاحتشام في حياة الجنسين (الرجل والمرأة) وتسويتها بينهما - إلا في حالات معدودة - في الحقوق والواجبات.
وتناول التقرير بعد ذلك حاضر الثقافة العربية فقال إنها منذ قرن من الزمان - دخلت دور نهضة - بعد مرحلة طويلة من التأخر والركود - واتجهت في ذلك اتجاهين لم تجد من كليهما بداً: الأول إحياء قديمها الزاهر، والثاني الاقتباس من معارف الغرب وعلومه. وقد لا بست تلك النهضة ظواهر أهمها ما يلي:
(1) انقسام المثقفين العرب طوائف: إحداها اندفعت نحو ثقافة الغرب دون أن تتسلح بالمعرفة الحقيقة لتراثها القديم، والثانية ظلت منطوية على نفسها عاكفة على قديمها الذي فقد أصالته في عصور التأخر، والثالثة طائفة وسط حاولت أن تزيد في ثروة الثقافة العربية بخير ما تثقفه من الثقافة الغربية. وقد أثر هذا الانقسام بدوره على الفرد فأورثته التناقص وكاد يشله عن السير في الحياة.
(2) اضطراب الموازين الخلقية والاجتماعية في المجتمع العربي، والحيرة بين مقتضيات روح الدين والتقاليد من جهة، وما تتطلبه بعض مظاهر الحياة المدينة الحديثة من جهة أخرى.
(3) ضعف الوحدة التعليمية في البلاد العربية لاختلاف معاهدها في ألوانها واتجاهاتها الثقافية فتعددت النظم واختلفت تبعاً لذلك العقليات والأهداف.
(4) اضطراب المجتمع العربي بين الذوق الفني المتوارث وبين ما يفد عليه من الفنون والآداب الغربية مما نوع الاتجاهات فلم يعن على تميز طابع واضح للإنتاج الفني العربي.
(5) انشغال الذهن العربي بمشكلاته السياسية والتعليمية والعمرانية، فلم يستطع بعد أن يفرغ كثيراً للشعور الحقيقي بكيان ثقافته وتعرف مقوماتها ومحاولة التوفيق بينها وبين ما نقتبسه من ثقافة الغرب.
ولخصت اللجنة أهداف الثقافة العربية الحاضرة، بأنها في زوجها ثقافة إنسانية، وأنها تستطيع الإقبال على الثقافة الإنسانية العصرية دون أن تفقد خصائصها ومقوماتها الجوهرية، وأن الإقبال على الثقافة العصرية ضرورة لحياتنا وسلامة أوطاننا ونهضتنا العلمية والاقتصادية، ولا ينجم عنه إلا الخير والقوة إذا ما وعى العرب خصائص ثقافتهم العربية وعياً صادقاً واعتزوا بها وتمثل فيهم روحها في التربية المدرسية وفي مناهج الحياة.
إهمال الفنون: رأينا توسع لجنة الثقافة العربية في مدلول كلمة (الثقافة) بحيث شملت العادات والتقاليد، وقالت اللجنة إنها تشمل الاتجاهات الفنية، وقد حوت توصياتها كثيراً من الأمور الثقافية المختلفة التي ذكرنا أهمها في عدد سابق. ولكنها مع ذلك لم تلتفت إلى الفنون باعتبارها من ألوان الثقافة وأدواتها، فلم تقل ولم توص بشيء عن المسرحوالسينما والإذاعة والموسيقى والنحت والرسم.
حقاً أننا نعاني أزمات في هذه الفنون، وأن أمورها مضطربة، وبعضها ينحرف عن جادة الفن، وخاصة السينما التي لا تزال أداة للهو الرخيص والتسلية الفارغة من الموضوع، مما يجعل المثقفين يزورون عنها ولا يكادون يعترفون بثقافيتها بل فنيتها. . .
وحقاً أيضاً أن فنوناً - في مجموعها - لم تستطع بعد أن تقنع ذوي الجد والوقار بأنها فنون لها غايات تقصد.
لكن ذلك كله لا ينبغي أن يدعو إلى إهمالها، بل هو على العكس يدعو إلى الاهتمام بها لتحديد موقف الدولة منها وتوجيهها توجيها نافعاً بحيث تؤدي رسالتها على الوجه الصحيح.
ومما يؤسف له أن برنامج المؤتمر أيضاً خلا من المظاهر الفنية عدا (معرض الزخرفة الأندلسية) الذي تحدث عنه في الأسبوع الماضي والذي لم يلق ما هو جدير به من العناية. وقد كان من الممكن أن تدبر بعض الحفلات التمثيلية أو الموسيقية. وكانت هناك في المسرح القومي بالإسكندرية الفرقة المصرية لتمثيل التي أنهت مدتها بالإسكندرية قبيل انعقاد المؤتمر وقد حدثت في ذلك بعض المسئولين، ولكن الوقت قد فات فلم يدبر الأمر من قبل ولم يكن في الإسكندرية غير شكوكو وإسماعيل يس وتحية كاريوكا. . .
ألا ترى معي أن انعقاد مؤتمر عربي كبير دون أن يكون في برنامجه ومظاهره نشاط فني، يدل على فقر البلاد في الفن، وأن هذا الفقر الفني كان جديراً بنظر المؤتمر؟
ولعل عذر لجنة الثقافة أنها كانت بصدد الإجمال وأنها تركت التفصيل للمؤتمر الخاص بالثقافة، ولعله القادم، ولعل الفنون تأخذ بطرف من عنايته.
ومما يذكر أيضاً أن المؤتمر لم يكن فيه أحد من المشتغلين بالفنون يوجه الاهتمام إليها.
تكوين المؤتمر وعلى ذكر خلو المؤتمر من الفنانين أقول إن أعضاء كانوا إلا قليلاً من المعلمين وشاغلي مناصب التعليم، وإن الإدارة الثقافية ووزارة المعارف في البلاد العربية عنيت باختيار الأعضاء من رجال التعليم، ومن القليل أن الوفد السوري كان به طبيب بيطري وموظف كتابي. وعلى ذلك لم نلق في المؤتمر أحداً من الأدباء غير المشتغلين بالتعليم، وقد كنا نود أن نرى وجوها عرفنا أقلامها. وكان يجب أن يشكل المؤتمر من هؤلاء وهؤلاء، وكان يجب أن يكون فيه كتاب صحفيون يحدثون قراءهم عنه وينقلون صداه إلى آفاق أوسع من قاعته. .
ومما يؤسف له أنه قصد إلى إهمال الأدباء والصحفيين في عضوية المؤتمر قصداً، فقد سمعت الأستاذ سعيد فهيم وكيل الإدارة الثقافية يقول إنهم لا يبيحون العضوية العاملة للصحفيين، بل يحضر منهم من يريد دون الاشتراك العملي في المؤتمر!!
والأستاذ لا يقول ذلك أو يفعله بسوء نية. . إنما هو نوع من الإدراك! ولكنه يحتاج إلى أن يعلم أن معالي رئيس المؤتمر الدكتور طه حسين بك ومدير الإدارة الثقافية الدكتور أحمد أمين بك وأحد أعضاء وفد مصر الرسمي الأستاذ أحمد حسن الزيات وغيرهم من قادة الأدب والفكر - صحفيون. بعضهم كان وبعضهم لا يزال. والكلام في هذه المسألة بدهي، ولكن ما حيلتي؟!
العنصر النسوي في المؤتمر
كان معظم النساء آلائي اشتركن في المؤتمر مرافقات لأزواجهن وخاصة المصريات، فلم يكن من غير الزوجات إلا اثنتان، هما الدكتورة رمزية غريب والآنسة عزيزة توفيق. وقد أشرت فيما سبق إلى إهمال دعوة الهيئات النسوية في مصر إلى الاشتراك في المؤتمر، وفي وزارة المعارف سيدات وآنسات فضليات بعضهن مراقبات وناظرات ومفتشات، ومع ذلك لم تشترك إحداهن في المؤتمر ولم تشرك إحداهن في الوفد الرسمي كما فعلت سوريا ولبنان.
وقد كان المؤتمر نحو سبعين سيدة وآنسة أكثرهن من سوريا، وقد لوحظ أنه لم يكن لهن نشاط يذكر في المؤتمر، وكل ما في الأمر أن عدداً قليلاً منهن اشترك في بعض اللجان، ولم يشترك في المناقشة العامة في جلسات المؤتمر إلا الدكتورة رمزية غريب وهي مدرسة في معهد التربية العالي للبنات، وقد تحدثت على المنصة حديثاً منطقياً قيماً.
وبعد فمتى نرى النصف الآخر في مجتمعنا نصفاً حقاً؟
عباس خضر