مجلة الرسالة/العدد 891/إلى معالي وزير المعارف
→ مع حافظ في ديوانه | مجلة الرسالة - العدد 891 إلى معالي وزير المعارف [[مؤلف:|]] |
الغزالي وعلم النفس ← |
بتاريخ: 31 - 07 - 1950 |
للأستاذ كامل محمود حبيب
أرأيت - يا سيدي - يوم أن زفت لنا البشرى السعيدة، يوم أن تقلدت منصب الوزارة؟ لقد وجفت - إذ ذاك - قلوب، واستبشرت قلوب.
وجفت قلوب لأنها تعلم في غير شك أن فيك قوة جبارة إن قالت فعلت، وأن فيك صلابة عاتية إن وعدت أنجزت، وأن فيك جرأة عارمة إن هامت انطلقت، وأن فيك بطولة صارمة إن انطلقت مرقت. فاستولى عليهم الرعب خيفة البطشة الكبرى، وعصف بهم الفزع خشية الرجفة العظمى.
ولكنك كنت طيب القلب سمح الخلق كريم السجايا رقيق العاطفة، فقذفت بالنقمة جانباً، فقربت نفراً منهم إلى نفسك، وحبوتهم بالخير، وأغدقت عليهم من الفضل؛ فاطمأنت النفوس وهدأت القلوب ونام الجزع؛ غير أن أياديك البيض لم تستطع أن تستل غلاً قديماً سرى في العروق، ولا أن تستلب ضعفاً دفيناً اختلط بالدم.
فلا عجب - يا سيدي - أن تكون - كدأبك أبداً - سماوياً في رأيك، علوياً في خواطرك؛ ولكن لا تجعل الأفعى تحس بالدفء في يوم قر.
وبذلت جهد الطاقة لتحل قضية المعلمين، واستنفذت غاية الوسع لتهدئ من روعهم؛ وأحسوا هم منك العطف فشكروا لك الجهد الضخم، وشعروا بالحنان فحمدوا لك الهمة العالية. ولكن فريقاً من الذين وجفت قلوبهم لدى البشرى السعيدة اتخذوا من فضلك دعاوة يروجون بها لأنفسهم ويبهرجون بها لأشخاصهم، ابتغاء لمنفعة شخصية أو طلباً لمصلحة خاصة. وأنت تعلم ما يضطرب في قلوبهم وتسمع ما تخفق به أرواحهم.
فلا عجب أن تكون معهم - كدأبك أبداً - سماوياً في رأيك، علوياً في خواطرك؛ ولكن لا تجعل الأفعى تحس بالدفء في يوم قر.
وطفرت بالعلم الطفرة العظمى، الطفرة الموفقة التي عجزت القرون الطوال عن أن تأتي بمثلها، ففتحت باب المدرسة للمقل وذي الحاجة بعد أن أوصده الصلف وأغلقته الكبرياء. فاهتزت الدنيا واستبشر الناس. ولكن الذين وجفت قلوبهم لدى البشرى العزيزة. . . الذين وجفت قلوبهم - يا سيدي! ولا عجب أن تكون - كدأبك أبداً - سماوياً في رأيك، علوياً في خواطرك؛ ولكن لا تجعل الأفعى تحس بالدفء في يوم قر.
واستبشرت - يا سيدي - قلوب وجدت فيك - منذ زمان - العميد والأستاذ والمرشد واستخفها الطرب فهفت نحوك أرواحهم، وحاموا حواليك يباركون العهد الذهبي؛ ثم غمرهم السرور حين تفتحت أيامك عن مثل الزهر شذي وعطراً وشملتهم البهجة لأن يدك الرقيقة مسحت على الأرض الجرداء فاهتزت وربت وأنبتت من كل زوج بهيج.
فكن - كدأبك أبداً - سماوياً في رأيك، علوياً في خواطرك؛ فضمهم تحت جناحك وأفض عليهم من حنانك.
وأشرعت أقلام تستحثها قلوب استبشرت بالبشرى السعيدة. . أشرعت أقلام تحوطك بالإجلال في أخلاص، وتحفك بالإكرام في محبة، لا تبتغي إلا أن تكون أنت في السنام والرفعة.
فكن لهم - كدأبك أبداً - سماوياً في رأيك، علوياً في خواطرك؛ فضمهم تحت جناحيك وأفض عليهم من حنانك. . . وكن - يا سيدي - كدأبك أبداً. . .
(الإسكندرية)
كامل محمود حبيب