الرئيسيةبحث

مجلة الرسالة/العدد 890/في التربية

مجلة الرسالة/العدد 890/في التربية

بتاريخ: 24 - 07 - 1950


التربية لوقت الفراغ

للأستاذ محمد حسن عبد الرحمن

التربية كلمة شاملة نريد أن نستخرج منها ما فيها لوقت الفراغ. فما هي؟ وما الذي نخصصه منها لوقت الفراغ؟ وما هو هذا الوقت الذي نسميه وقت الفراغ؟

ذلك ما نبغي شرحه وبيانه مع البحث والفحص لعلنا نصل إلى نور يستضاء به في هذا الباب.

التربية: عمل قديم قدم الأحياء الخليقة جميعها. كلهم أدوه ويؤدونه على صورة ما، ما اندثر منهم وما تطور، وما عليها الآن.

فهي خلق في نفس الأحياء كافة أودعه الله فيها، فالخالق لما خلق الإنسان والحيوان والنبات أودع كلاً أمانة التربية الجنسية، حتى إذا انجب النبات الأول والحيوان الأول والإنسان الأول تحركت هذه الأمانة المودعة فيه نحو نسله، فخالطه برعاية منه حتى اطمأن عليه ثم انفصل عنه.

دع الإنسان والحيوان فحلق التربية فيهما واضح، وانظر إلى النبات، نظر إلى الشجرة مثلا كيف تحتضن براعمها، وتمدها بالغذاء، وتدوم على حملها حتى تكبر وتطول وتخرج أزهارها فترعى هذه الأزهار حتى تتكون فيها الثمرة والبذر، وتستمر تغذيتها حتى تستكمل نموها وتنضج وحالتئذ فقط تمنع عنها الغذاء لتجف وتنفصل عنها، ولتسلك بعد طريقها في الأرض وعليها كما سلكتها أصولها الأولى. ألا يماثل هذا ما يفعله الحيوان نحو نسله؟ يرعاه حتى يستقيم عوده ثم يتركه يأخذ سبيله قادراً عليه. فالتربية هي جميع أعمال الرعاية التي يحاط بها الطفل لتنمو أعضاءه ومواهبه في اتجاهها الطبيعي فتساعده على أن يتخلص من كل ما يعترض هذا النمو أو يضره. وحتى إذا أكتمل نضجه يكون خبرة يمكنه أن يسلك طريقه في الحياة كما سلكناه أو أفضل منا وذلك ما نبغي.

والتربية الحديثة تشمل كل ما نعمله مع الطفل ولأجله حتى يسبر في مراحل نموه سيراً طبيعياً لا تعرقله عوائق ولا عراقيل تضره، ثم ما يساعده على أن ينمو نموا سليما لا تشوبه شائبة من كبت أو انحراف أو ضغائن. وإنما النشأة السليمة التي تمكنه من استخدام جميع ما وهبه الله من مواهب صالحة، ونحفظه من كل السيئات التي تضره أو تجعله ضارا بغيره. ويمكن أن ألخص هذا الهدف العام في القول بان التربية الحديثة تهدف إلى أن يكون تفكير الفرد جمعياً وتفكير الجماعة فردياً، فالواحد للكل والكل للواحد.

عرفنا ماهية التربية البدنية عامة ونعرف أننا أنشأنا لها المدارس والمعاهد والكليات وحقول التجريب والتدريب فهل ندخل في أثناء أعمال التربية في هذه المنشات توجيهات وتدريبات وخبرات يستفيد منها وبها الذين نربيهم من أوقات فراغهم، طبعاُ نعم.

فواجب مسلم به أن يهتم المربون بالفراغ في أوقات تلاميذهم. بل وان تهتم الحكومات بالفراغ في أوقات جميع طوائف الشعب وفرقه. فوزارة الشئؤن الاجتماعية أرى من اختصاصها أن تتدخل في تنظيم أوقات الفراغ لطوائف الشعب كافة كل طائفة على حسب مهنتها ومنطقها. ويسرنا أن نرى اتجاها سلكته وزارتنا في هذا السبيل فأنشأت الساحات الشعبية يقصدها أفراد الشعب أحرار في أوقات فراغهم حيث الكثير من أعمال الرياضة والعابها، وكم يكون أكمل لو نظمت فيها الأعمال الثقافية بجانب الرياضة في كل ساحة. ثم أريدها تتدخل لتحدد للزارع والصانع والعامل والموظف والتاجر أوقات وأيام ومواسم فراغه وحالتئذ يمكنها أن تصل بهذا الفراغ المنظم أن يكون خيراً كله للفرج وللمجموعة معاً.

فلنتعرف الفراغ ولنحصره - الفراغ هو الوقت الذي تبتعد عنك فيه المسؤولية المهنة أو تبعات الوظيفة ولو إلى حين. فعندما تنتهي من عملك المطلوب منك بحكم مهنتك كعامل أو وظيفتك كموظف أو تجارتك كتاجر أو بحثك كباحث أو عالم - حين هذا الانتهاء تشعر بشيء من الارتياح يسري فيك فيبعث في نفسك السرور ونشاطا قد يغطي ما اعتراك في أثناء العمل من نصب وكبد. ولا أجزم أن يشعر المنتهي من المسؤولية هذا الشعور السار المريح دائما، فهو شعور يتوقف على حالة الانتهاء وما سبقها من فوز أو فشل ومن توفيق أو خطأ.

وعليه فأرى أن الوقت الذي يصرفه الشخص في التخلص من حالة العمل والمسؤولية وفي الاستجمام الجسمي أو العقلي أو هما معاً، وفي التهيؤ لعمل جديد - أرى هذا الزمن بين العملين داخلا ضمن وقت العمل ولبس بفراغ. فالفراغ يبدأ من بعد هذا. والآن فلنوضح الفراغ بأنواعه وأوقاته.

أولا - فراغ مقيد - وهو الوقت القصير الذي يجده الطالب بين كل حصة وأخرى ويجده العامل مرة أو مرتين في أثناء العمل اليومي.

هذا الوقت يستغله صاحبه في قضاء حاجاته الجسمية العاجلة وفي استجمام بسيط يروح به عن نفسه بهدوء أو مطالعة سريعة أو حركة، كما فيه ينهي عمله السابق ويستعد لعمله اللاحق.

وأنتقد مصالحنا الحكومية في هذا الباب أنها لم تحدد لموظفيها في المكاتب والدواوين مثل هذا النوع من الفراغ الذي يتخلل العمل اليومي فاظطرتهم إلى حالات من الفوضى وعدم الاطمئنان

ثانيا فراغ يومي - يكون بعد انتهاء جميع الأعمال المهنية اليومية.

وهذا النوع من الفراغ له أهميته التربوية. وقديما كان يستغله الأستاذ استغلالا سيئا فيكثرون من الواجبات التي يكلفون بها تلاميذهم فلا يجد الطالب بعد العمل المدرسي وقتاً لنفسه بل ينتهي من هذا ليبدأ عمل الواجبات حتى يغلبه النعاس وهذا أسلوب ضار وغير مفيد.

فعلينا كمربين أن نوازن بين ما نكلف به التلاميذ من واجبات يومية وبين اتساع هذا الفراغ اليومي فلا نشغل منه أكثر من ثلثه.

ثالثاً - فراغ أسبوعي - وهو اليوم الكامل أو النصف يوم لبعض الطوائف. وأرى أن يترك المربون هذا الفراغ للطالب يتصرف فيه كيف يشاء، ويكتفون بالتوجيه إلى أصلح ما يعرفه فيه، بسؤاله عن عطلته الأسبوعية كيف قضاها والدخول في مناقشة تربوية للموضوع، أو يذكر الفراغات الأسبوعية ضمن الموضوعات التي نتدارسها خلال الأسبوع.

رابعا - فراغ سنوي - وهو العطلة الصيفية وللعطلات المقررة للموظفين. وأرى أن الفراغ أنسب ما يكون للقيام بالرحلات والمعسكرات الجماعية لمختلف المدارس والجمعيات والأندية فيجمل أن تنظم المدارس والهيئات والشعب التي في داخلية القطر رحلات إلى السواحل والشواطئ مثلا فتقضي شهرا أو اكثر أو أقل في معسكرات أو نحوها. كما أن هذه العطلات مناسبة لزيارة الأقطار الأخرى قريبة أو بعيدة فليس يخفى ما في ذلك من منافع يبتهج لها وبها التلاميذ ومن فرص عظيمة تمكن الأساتذة من التربية العملية الفعالة الناجحة.

والآن أجمل ما تربى عليه التلاميذ حتى يستفيدوا بفراغهم ويفيدوا مهما كان نوع الفراغ، إذ تكسبهم الخبرة والمران لتكييف استخدامهم لكل فراغ فيتصرفوا في كل بما يناسبه مقدمين العاجل على الآجل والأهم على المهم. وأرى أن نفرد لذلك في الزمن المدرسي حصصاً تتناول التربية لوقت الفراغ. واضع النواحي الآتية أسسا لها.

أولا - استكمال اللازم للمهنة التي يزاولها حسب ما دونه في مذكرته - فيوجه التلاميذ ليثبت كل في مذكرته ما يعترضه في دروسه من مشكلات أو موضوعات أو أشياء تستلزم منه بحثا أو دراسة أو تجرب أو استخدامها في مختلف النواحي الجسمية أو العقلية أو المادية فليستكمل بنفسه ما شعر أنه في حاجة إليه، وليتول بنفسه شراء ما يلزمه من أدوات ومؤلفات وخامات ونحوها. فمثلا أعترضك في أثناء قيامك بمهنتك مشكل كخبرة تلزمك في ناحية منه أو أداة تنقصك لتستخدمها مثلا، دون هذا في مذكرتك وعندما تدخل في فراغك استكمل ما تريد. فأرى لو أننا ربينا أطفالنا وعلى طلبتنا هذا النظام، واتبعه عمالنا وموظفونا وتجارنا لنهضنا نهضة سريعة وطيدة في جميع مرافقنا، وربطنا بين العمل والفراغ وبطاً فرديا شخصياً اختياريا حبيباً إلى النفس لأنه ليس فيه روح المسؤولية ولا تعنت الرئيس ولا رياسة الكبير ولا عقاب الأستاذ، بل هو سعى إلى الكمال صادر من الأعمال الباطنية.

قال الله تعالى - (اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون ثم تردون إلى عالم الغيب والشهادة فينبئكم بما كنتم تعملون)

وقال النبي ﷺ - (إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملا أن يتقنه). وقال حكيم - (أننا لا نصل إلى الكمال إلا بإتقان التفاصيل)

ثانيا - واجبك نحو بدنك - فقم نحوه بما يلزمه من راحة ومن تغذية ومن رياضة ونظافة ومن علاج ونحوه. قال عليه الصلاة والسلام - (أن لبدنك عليك حقا)

وواجبك نحو عقلك من راحة وثقافة وخيرات ودرية وظاهر أن للعقول رياضة كما للأبدان رياضة وان العلم للعقول كالطعام للأبدان.

ثالثا - واجبك نحو ربك - من صلاة وعبادة وتثقيف ديني ونشر دعوته والعمل بأوامره واجتناب نواهيه؛ وتطبيق أحكامه وشرائعه في المعاملات جميعاً فتخلق المسلم بمكارم دينه خير دعاية له. قال عليه الصلاة والسلام - (أدبني ربي فأحسن تأديبي) وقال - (إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق) وقال الله سبحانه وتعالى - (وعباد الرحمن الذين يمشون على الأرض هونا وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما. والذين يبيتون لربهم سجداً وقياما. والذين يقولون ربنا اصرف عنا عذاب جهنم إن عذابها كان غراما. إنها ساءت مستقراً ومقاما) قول معروف ومغفرة خير من صدقة يتبعها أذى) (وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون) (أفلم ينظروا إلى السماء فوقهم كيف بنيناها وزيناها وما لها من فروج. والأرض مددناها وألقينا فيها رواسي وأنبتنا فيها من كل زوج بهيج تبصرة وذكرى لكل أواب منيب) وغير ذلك من كثير مما يلذ لأولي الألباب وقد قرن الله تعالى بين وقت العبادة ووقت العمل، وحث الناس على الاستفادة من الأثنين فقال جل شانه (يا أيها الذين آمنوا إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله وذروا البيع ذلكم خير لكم أن كنتم تعلمون. فإذا قضيت الصلاة فانتشروا في الأرض وابتغوا من فضل الله واذكروا الله كثيرا لعلكم تفلحون) وقال (إنما يعمر مساجد الله من آمن بالله واليوم الآخر وأقام الصلاة وآتى الزكاة ولم يخش إلا الله)

يعمرونها بأعدادها وباستكمالها، يعمرونها بمراعاتها وخدمتها يعمرونها بالعبادة فيها فلنرب أولادنا يؤمون بيوت الله في فراغهم فيؤدون واجب ربهم ثم ينظرون ما يستطيعون أداءه لعمارة هذه البيوت واستكمال طهارتها وأدواتها فيجودون بشيء من مالهم مثلا لشراء شيء يؤمن لزوما ته من أدوات تطهير أو أضاءه، أو يتبرعون لها بمؤلفات مما ينفع الجالسين فيها ويهديهم صراطا مستقيما وديناً قيماً. أو يقومون بالأذان فيها أو بشرح شيء للمسلمين بين الصلات المفروضة مما أفاء به عليهم من فقه أو أدب أو سيرة تنفع في الدنيا أو في الآخرة أو تنفع أو تنفع الوطن الخاص كوطننا المصري فهو خاص بالنسبة لنا، أو تنفع العروبة كافة أو تنفع الوطن العام أريد المعمورة كلها، فالناس اليوم يجب أن ينظروا إلى أوطانهم الخاصة باعتبارها عضوا في جسم واحد وباقي الأعضاء في هذا الجسم هي الأوطان الأخرى فيهمهم أن يسلم الجسم كله لأنه إذا تألم عضو تداعى له سائر الأعضاء بالسهر والحمى.

فليسعدوا وطنهم أولا ثم ليسعدوا الأوطان معهم الأقرب فالأقرب عملا بالجيرة وحقوقها.

فقد علمنا أن رسول الله ﷺ أوصى بالجار وجار الجار وهكذا: إذن فهذه الوحدة التي تنشدها الإنسانية اليوم هي مما دعا إليه الدين الحنيف. دعا إليها الرسول من نيف وسبعة وستين وثلاثمائة وستين سنة. رسولنا العظيم من هذا التاريخ السحيق يدعو لتكون الأرض كلها وطنا واحدا والأوطان الخاصة فيه متماسكة بحقوق التجاوز وترابط الجيرة تماسكا وترابطا متسلسلا يفضي بعضه إلى بعض بالأخوة والمحبة والرعاية (ما زال أخي جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورثه) هذا التماسك والتودد وتلك الرعاية وما تنطوي عليه من تعاون في البأساء والضراء.

لا شك يفضي إلى ضم العالم كله في وحده واحدة هي ما يدعو إليه فلاسفة العرب ومربوه الآن.

وقال جل شانه (يا أيها الذين آمنوا اذكروا الله ذكرا كثيراً وسبحوه بكرة وأصيلا) نعم من تحق الله علينا أن نذكره. فلنرب أولادنا على ذكره تعالى حتى يأنسوا به في وحدتهم وفراغهم وفي جمعهم وشغلهم. فهو يقول (اذكروني أذكركم) وما اسعد من يذكره خالقه فليعرفهم كيف يكون في ذكرهم إياه وقاية من السوء وردع عن الشرور جميعا وهداية إلى الصالحات الباقيات (ما عندكم ينفذ وما عند الله باق)

رابعا ً - واجبك الاجتماعي - أنت عضو في المدرسة عضو في الأسرة، عضو في جمعيتك، عضو في قريتك أو بلدتك، عضو في قطرك، عضو في الإنسانية عامة. أن لكل ناحية من هؤلاء ما تستطيع من واجبات حتى يشعروا بوجودك وبنفعك وقيمتك لهم، واجبات القرابة والجيرة والصداقة والزمالة: المودة والزيارات والتراسل. فلنرب أطفالنا من صغرهم كيف يزورون ويراسلون، وكيف يشكرون على الزيارة ويردون على المراسلات. وكيف يواجهون كل حالة في المجتمع وله بما يناسبها. والصحافة فلنصلهم بها يراسلونها ويبادلونها الرأي ويفيدون منها ويفيدونها.

خامساً - الكسب - يسارعون إليه في الإجازات السنوية الطويلة لا يثنون عنه أبدا بل وفي إجازاتهم الأسبوعية أو اليومية إن أمكن وأقول إن أمكن لأن مجتمعنا لم يرق بعد إلى تهيئة الحالات التي تساعدنا نحن المربين فيجد التلاميذ خارج مجتمعهم المدرسي، لا ما نحن عليه الآن: يرى التلاميذ ومنا ويسمعون عنا في المدرسة ما لا يمكنهم ولا يمكننا نحن أساتذتهم أن نحققه لهم خارجها. فمجتمعنا في حاجة قصوى لإصلاحات كثيرة تربط بينه وبين المدرسة، فلنواصل جهودنا لإصلاحه عن طريق من نربيهم للجيل الجديد. وفي هذا الباب من التربية لوقت الفراغ. وبالشراء وبالبيع، وبالمساهمة في الشركات والمصارف. . . الخ.

فهذه الصحافة مثلا، فلنوجههم لطرق أبوابها يذهبون إليها بأنفسهم يعرضون على أوليائها خدماتهم كل فيما تخصص فيه أو نبغ أو يهواه وله فيه مواهب خاصة أو عامة. ولا يأنف أحدهم من أي عمل حتى ولو كان تنظيف المكتبة أو أعداد أوراق الطبع أو تغليف المراسلات للمشركين وغيرهم أو إحضار البريد والذهاب به.

ولتوجههم إلى المعامل والمصانع والمزارع والشركات والفنادق المصارف والمصايف. . . الخ

فليبحث كل لنفسه في أي منها من عمل ولا يستنكف أن يزاوله في أوقات فراغه مهما كان ضئيلا أو مرموقا بغير الرضى والوقار في بلادنا الآن أو منظورا إليه باحتقار.

أولادنا سيسلكون كل هذه المسالك بإقبال ونجاح متى لمسوا أن كل كبير كان صغيرا وان سنة الحياة التدرج من البسيط إلى المركب ومن الضعف إلى القوة. قال تعالى - (وهو الذي خلقكم من ضعف ثم جعل من بعد ضعف قوة).

انظروا إلى الشعوب الغربية وخاصة التي في المقدمة منها كأمريكا وإنجلترا وألمانيا تجدوا الطلبة فيها ينعمون بخيرات كثيرة مما تكلمت عنه في باب الكسب العالي. فمجتمعاتهم وأخلاقهم ونشأتهم تساعدهم مساعدة فعالة على الكسب والتكوين المالي. انظروا في هذا وفكر بعض التفكير تجد الطلبة هناك والمجتمع وحدة متماسكة متعاونة على الحياة والنهضة جميعا وسأضرب لذلك بعض الأمثال مما أتمنى أن تتحقق في بلادنا قريبا بأذن الله تعالى.

لا يعترف الشباب الأوربي بالفقر عقبة تعوقه عن إتمام دراساته لأنهم لا يجدون غضاضة في القيام بأنفة الأعمال في أثناء العطلة وفي أوقات الفراغ لتوفير المال اللازم، فالعمل مهما كان نوعه ليس عيبا وإنما العيب أن يقف الساب في منتصف الطريق فلا يكمل تعليمه أو أن يكون عالة على غيره.

فطلبة الآداب لا يستنكفون أن يوزعوا الصحف والمجلات في الأحياء التي يسكنون فيها ولا بد أن يدرسوا للصغار ولو بأبخس الأجور.

وطلبة التجارة يشتغلون بالدعاية وتنظيم حسابات المتاجر الصغيرة.

وطلبة الطب يقضون أوقات فراغهم في التمريض في المستشفيات والعيادات الخاصة أو المنازل.

وطلبة الزراعة يربون الدواجن والماشية ويعقدون الأسواق لبيعها ومنتجاتهم.

وطلبة العلوم والصيادلة يؤلفون فيما بينهم لجانا لصنع المواد الكيميائية والمداد الذي يحتاجون إليه ومعجون الأسنان والروائح العطرية وغيرها من وسائل التجميل.

وطلبة الهندسة تجدهم في فراغهم داخل المصانع يشتغلون مع العمال جنبا إلى جنب.

والطلبة نزلاء الفنادق يتفق كل منهم مع مدير الفندق أن يشتغل في الفندق أو لأجله كذا من الوقت كان يحضر ما يريد الفندق ويوزعه مثلا أو يراجع حساباته أو يعمل في المطابخ أو في البوفيه أو في التنظيف أو الكي أو الخدمة. . الخ. وبهذا يسدد بعض أو كل نفقات معيشته في الفندق وأحيانا يربح ما يفيده في مرافقه الأخرى.

وقد تألفت في جامعة برستون بأمريكا لجنة من الطلبة لرعاية الأطفال في المنازل عندما يغيب أولياؤهم فتستطيع كل أم أن تتصل باللجنة طالبة أحد أعضائها ليرعى طفلها فيقوم أحد المساهمين بالذهاب توا إلى المنزل للعناية بالطفل وبذل اللازم ليسعده خلال غياب أمه فيقدم له الغذاء في الوقت المحدد وبغير ملابسه عند الحاجة ويداعبه ويناغيه. مقابل عشره قروش في الساعة.

فلنعمل نحن المربين على نشر هذه الروح بين تلاميذنا فمرافق بلادنا في حاجة واسعة للأيدي والجهود والأعمال. فهذه صحراؤنا الشاسعة ما أحوجنا إلى إصلاحها واستعمارها، وهذه ثرواتنا الزراعية والمعدنية والمائية والحجرية والعلمية ما انفع أن نستعملها فيجد العاطل فيها مكسبه ويجد أولادنا فيها مصرف فراغهم بالربح الوفير للوطن ولهم

محمد حسن عبد الرحمن معهد التربية للمصلحين بالمنيرة بالقاهرة