مجلة الرسالة/العدد 875/البريد الأدبي
→ الأدب والفن في أسبوع | مجلة الرسالة - العدد 875 البريد الأدبي [[مؤلف:|]] |
القصص ← |
بتاريخ: 10 - 04 - 1950 |
من وحي فلسطين:
جاءنا من الأستاذ الجليل محمد توحيد السلحدار بك هذا الكتاب
تعقيبا على كلمة الأستاذ كامل السوافيري في كتاب من وحي
فلسطين وهذا نصه بعد الديباجة:
في العدد 784 من الرسالة الصادر في الثالث من أبريل هذا العام، مقالة لحضرة الأستاذ الكريم كامل السوافيري خص بها كتاب أحمد رمزي بك (من وحي فلسطين).
استشف الأستاذ الماهر هذا الكتاب المفيد، ونوهت به مقالته الصادرة عن بصيرة وإخلاص؛ وأعجبه الموضوع واطلاع المؤلف وإقدامه على التصريح بحقائق في إظهارها خير وفي إخفائها شر، فاستجاب الأستاذ بمقالته لإعجابه، وأوحت إليه أريحيته بصفات تعتني بها عند ذكره مقدمتي للكتاب، فأنا شاكر له حسن ظنه وقصده جزيل الشكر.
وأرى من حقه علي، وهو يحسبني خليقا بتلك الصفات السامية، أن اقرن شكري الصريح بالتعرف إليه: لست مؤرخا، ولا سياسيا، ولا علامة، ولا من أصحاب الرتب، ولست أقول ذلك عن تواضع، بل أقوله عن الواقع واليقين وتفاديا من تقليد أولئك المصريين الذين يجهلون أنهم بعيدون عن علم العلماء وفقه الفقهاء وفضل الفضلاء في الشعوب المتيقظة! وحسبي أن اعد من المصريين المتعلمين في تفاوت بينهم، غير المحرومين من حساسات العفة ومن الشعور بواجبات التضامن القومي والمصلحة العامة. وإذا لاح في فكري خاطر، أو نبهتني مناسبة إلى موضوع أو كتاب وكانت حالي الصحية مسعدة، ربما كتبت بشأنه ما أظن أن نشره قد لا يخلو من فائدة لبعض القراء، ولا تكون لي عندئذ رغبة سوى أن ينظر القارئ، إن هو قرأ لي، إلى المكتوب وليس إلى الكاتب.
وبودي لو يتضاعف عدد الأقلام التي تعالج إنقاذ الغارقين في غمرة لما يصل إليهم في أعماقها نور القرن العشرين. بودي حقا لو يكثر ظهور المؤلفات من أنواع (الوعي القومي) و (معنى النكبة) لقسطنطين زريق، و (الاستعمار الفرنسي) و (من وحي فلسطين) لأحمد رمزي و (في أصول المسألة المصرية) لصبحي وحيدة. فهذه كتب، أصابت كل الإصابة أم أخطأت بعض الخطأ، تفتح عيونا وتوقظ قلوبا مدت الأيام لأصحابها في الغرور والضلال، ففتنتهم مغانم التهويش والتضليل على حساب الشعب. وعسى أن يأتي انتشار هذه المؤلفات وأمثالها بالفائدة المطلوبة، ومن هنا كانت إشادة الأستاذ البصير بكتاب رمزي بك خدمة للمصلحة العامة ومحمدة تذكر وتشكر.
محمد توحيد السلحدار
حفلات التأبين - إلى صديقي الأستاذ عباس خضر:
إذا كنت من اتباع دعاة المحافظة على القديم وقصر حفلات التأبين على ذكر محاسن الفقيد وتعديد مناقبه تكون من الراضين أيفاق الشعراء وكذب الخطباء في هذا العصر، ومن المتساهلين في سماع الشعر الوسط وما هو دون الوسط كالذي سمعته في حفلة المرحوم علي محمود طه.
وإذا كنت ممن لا يؤيدون ما أدخل على حفلات التأبين من مقالات - ومبالغات في تعديد المناقب وافتعال الصفات لكل فقيد كما هو واقع الآن، فأنك تكون قد جاريتني في إقحام أكثر الشعراء والخطباء في زمرة الندابين المأجورين.
أما إذا كنت ممن يقدرون نهضتنا الأدبية ومن العاملين في وضع لبنة واحدة في بنائها - وأنك لكذلك - فكان الأخلاق بك أن تنكر معي على شعراء وخطباء حفلات التأبين تباكيهم وتفجعهم المكذوب وإلحاحهم في النواح الممجوج، وأن تدعوهم - لا بالمطرقة والسندان - إلى سلوك السبيل التي يسلكها الأدباء في الأمم الراقية.
هكذا يكون الرثاء:
مات الشعر فلان فأقام له أصدقاؤه الأدباء حفلة تأبين، ولما اعتلى رئيس الدعوة المنبر قال (يتكلم أربعة من الخطباء في أربع ناحيات من شعر الفقيد) وتكلم الخطباء ففاضوا في تعديد تلك النواحي، وإني لأرجو الأستاذ عباس أن يصدقني أن أحد أولئك الخطباء لم يكتف في الكلام على بوهيمية ذلك الشاعر فحسب، بل أفاض في تحليل ناحية الشذوذ فيه - وهل يخلو من شاعر من شذوذ؟ وأنهض الدليل، وهو مستمد من شعر الفقيد، فلم يسع أرملة ذلك الشاعر إلا تغطية خديها بكفيها والاستعاذة بالله من جرأة النقاد الذين يلمحون فيخمنون فيصيبون، ويحللون فيصدقون، ولم يتورع ذلك الخطيب، أعود فأقول لم يتورع ذلك الخطيب عن الاعتذار إلى تلك الأرملة بقوله (لقد أصبح الشعر الذي كان زوجك ملكنا نحن الذين نرسم الخطوط للمؤرخين (وأنت يا مناظري الكريم إذا تفحصت أية مجلة أدبية غربية تجد أن التأبين ليس معناه (ذكر محاسن وتعديد المناقب) كما يطيب لك أن يكون.
أنت تشك يا صاحبي في أني رسمت مع الزيات خطوطا رئيسية لمن سيتوفر على دراسة الشاعر الصديق علي محمود طه وتدعوني إلى (الاستقلال برسم خطوط للدراسة).
يحسن بي قبل أن أقول لبيك أن أسألك: ألم تكن صورة خطابي معك؟ لم لم تقارن كلامي بكلام الزيات فتطمئن بعد المقارنة إلى ما يؤيد دعواي، ويدحض ادعائي، ويزول عنك الشك أويبقى؟ ألم تسمعني أتكلم في خصومة الأدباء ومزاياها وصداقتهم ومطاويها؟ ألم تقرأ في خطابي كلاما عن (الحب) في شعر علي طه. وأنه - يرحمه الله - قد أحب مرة واحدة، وأنه صور ذلك الحب العارم في قصيدة واحدة هي كالمنارة في بحور شعاره؟ أليس في كل هذا خطوط كخطوط الزيات؟ لقد تواضعت برغم كبريائي فاستشهدت بالخطوط الرئيسية التي رسمها الزيات وسكت عن نفسي، أما كان يجدر بك أن تذكرها أنت وتنشر نتفاً منها؟ لقد سكت عن كل هذا وتشككت لماذا؟
الجواب: لأنك تعلقت بأذيال (البوهيمية) لتظهر أمام الناس معمماً بعمة خضراء وقداسة بيضاء، وجبة سوداء لتقول مع المتوقرين المستقدمين (اذكرا محاسن موتاكم) ولكن أن الشاعر لا يموت.
وأخيرا مالك يا صاحبي توهمني بأن كلمتي التي ألقيتها في ذلك (يجب أن تسطع شمسها فتحجب سائر النجوم والكواكب)؟ ثم من هم نجوم تلك الحفلة ومن هم كواكبها؟
- الشعراء ولا شك!!
أما أكثر الشعراء يا صاحب فقل معي يرحمهم الله.
حبيب الزحلاوي