مجلة الرسالة/العدد 87/صور من أدب السودان
→ في تاريخ الأدب المصري | مجلة الرسالة - العدد 87 صور من أدب السودان [[مؤلف:|]] |
قصة أميرة مصرية ← |
بتاريخ: 04 - 03 - 1935 |
قصيدة نقدية
للأستاذ عبد الله عبد الرحمن
العروبة
تنكر من وادي العروبة مورد ... فلا الزهر مُفتر ولا الغضن أملدُ
ولا ماؤه ينساب بين رياضة ... ولا الطير في أفنانهن تغرد
وقفتُ على الوادي مليا فهزني ... وبدد شملي شمله المتبدد
مضى متنبيه وحسان دوحه ... وغاب معريه الحكيم المجدد
أسائله: أين الذين تحدثوا ... اليك وفي هذا المكان ترددوا
على ظلك الضافي جلوس وكلما ... أهاب بهم داعي السماحة أنشدوا
أحمد زكي باشا
كأن لم يكن شيخ العروبة نازلاً ... به ولهاً من علمه متزود
زكي! نصير العرب في كل موطن ... بهول، وماضيها الذي تتقلد
عليك سلام الله أحمدُ، هامداً، ... وأستغفر المولى، فما الفضل يهمد
وكان الرجال العبقريون إن قضوا ... بما لهمُ من شامل النفع خلدوا
لقد كنت برا بالعروبة كلها ... وفي نصرها قد كنت لا تتردد
إذ طلع الغرب الحديث بآية ... من العلم كبرى وازدهاه التفرد
عمدت التاريخ تسأله حكمه ... وأثبت أن العرب من قبل مهدوا
فساحوا وطاروا في السماء ويممت ... سفينهم الكونَ الجديد وأصعدوا
الفوضى
وفوضى على الأكوان جرت ذيولها ... وبات يعانيها مَسود وسيد
مظاهرها في كل نادٍ، وإنما ... عواقبها موت الشعور المؤكد
فشت في زمان فاض غدراً بأهله ... ودب إلى آدابهم فيه مٌرقد
لنا لغة أما بنوها فأنكروا ... فضائلها والمنكر الحق ملح همو جهلوا منها علوماً كثيرة ... وفاتهمو منها المعين المجدد
وما قدروها في اللغى حق قدرها ... وكانوا أناساً للأباعد أخلدوا
وآياتها في كل يوم وليلة ... تثنى، ولكن بالمحامد تفرد
أرادوا، وظلم ما أرادوه بين، ... بما لم يكونوا فاعلين ليحمدوا
إذا نظروا للأقدمين مقالة ... ولم يفهموا، قالوا: كلام معقد
وإن لمتهم يوماً أشاحوا بوجههم ... وأرغوا كما يرغى البعير وأزبدوا
همو زعموا أن الزمان مؤخرٌ - وما لزمان في تأخرنا يد
ولكنه لما وهى حبل خُلقنا ... مشينا كما يمشي الأسير المقيد
لقد مُنيت أم اللغات بفتيةٍ ... طعام على أعلامها تتمرد
وقد أشربوا حب الأعاجم فانبروا ... إلى هذه الفصحى سهاماً تسدد
تواصوا بسرٍ وهو كتمان فضلها ... وقالوا بأنا معشر لا تقلد
وقالوا لقد ضاقت عن العصر حاجها ... وفي وجهها باب الثقافة يوصد
وقالوا بأنا أنجبتنا معاهد ... وأوحت إلينا يا بني العصر جددوا
وما هو تجديد فنكبر أمره ... ولن دعاوى منهمو وتزيد
وهل ينبغي التجديد إلا لعالم ... له في فنون الضاد رأي مسدد؟
قضى زمناً في البحث والدرس جاهداً ... فقرت له الفصحى بما هو مًورد
حوى قصبات السبق في جيله وهل ... حوى قصبات السبق كسلان قٌعْدُد
أقول لمن قالوا شهدت لها وقد ... تغاليتَ فيها. لكن الله يشهد
وهل كان إلا الله داع لرفعها ... وبنائها إلا النبي محمد
أرى الخرق يزداد أتساعاً بثوبها ... وعارٌ علينا ثوبها يتقدد
تمسك قوم بالجديد فاتهموا ... وعُلق بالعادي قوم فأنجدوا
وبين الفريقين استحرت كما ترى ... حروب. وخوفي أنها ليس تخمد
فما لبني الضاد الكريم تفرقت ... بهم سبل والحق لا يتعدد
ومرشدهم ضل الطريق فما عسى ... يكون سوى الخسران إن ضل مرشد؟
الشعر لعمرك إن الشعر أضحى مخنثاً ... قوافيه من تحنانها تتأود
وأصبح غثاً في الركاكة ضارباً ... بسهم، وعما سنت العُرب يبعد
وأمعن في لين وبخس مطالبٍ ... وكاد على أيدي التشاعر يجمد
لقد خمدت بالقوم نار حميةٍ ... تلظى، وخوفي أنها ليس توقد
فحتى متى تغفى الجفون على القذى ... وحتى متى نُعنى بما ليس يحمد
إذا ما أسود الغاب خلت ذئابها ... تعيث فان الحرث والنسل يفسد
لقد هاجني أني أرى الروض باسما ... ولست أرى فيه بلابل تغرد
وقد هاجني أني أرى الربع مقفراً ... وليست له أنفاسنا تتصعد
إذا الشعر لم يترك بقلبك روعة ... فلا هو سيار ولا هو جيد
وإن هو لم ينهض بأعباء أمةٍ ... فذاك هراء ميت قبل ينشد
وإن أنت لم تذعن لآيات سحره ... فقل إنني بين الخلائق جلمد؟
إذا ما شياطين النفاق تمردت ... بأرض فباسم الشعر في الأرض تطرد
كتاب العصر
ولا أكذب الرحمن، في العصر أنجم ... حماة لها، من غيرة تتوقد
وصيابة أدت أمانة قومها ... وقامت على ضوء (الرسالة) ترشد
يطالعنا (الزيات) فيها بنافعٍ ... من القول لا يطغى ولا يتقيد
(وهيكل) في أثوابه أي كاتبٍ ... خصيب إلى خير الأساليب يعمد
ولله طه بن الحسين فانه ... على نثره الفذ الخناصر تعقد
وان تذكر الكتاب فاذكر غريبهم ... (شكيباً) ففي آثاره ما يخلد
حمى حوزة الدين الحنيف وغادرت ... جواثبه الدنيا تقوم وتقعد
شعراء العصر
(ومطران) يسمو للخيال مصعيداً ... فيألفه وحشية المتأبد
ويعجبني شعر (الهراوي) فإنه ... رصين قويم ليس فيه تجعد
جميل الزهاوي والرصافي كلاهما ... هو اليم في آذيه يتزبد أقاما بأرض الرافدين ليرفدا ... وودا لو أن الناس طرا تبغددوا
السودان
وكانت لنا في غابر الأمس نهضة ... مباركة لا اللهو منها ولا الدد
فعبد الرءوف و (الخطيب) كلاهما ... له بيننا الفضل الذي ليس يجُحد
هما حركا منا النفوس وأنشرا ... علوماً على أضوائها اليوم نصعد
وقد طالما هزا النفوس بطيب ... من القول يرضاه الوليد وأحمد
ولاحا على الخرطوم نجمي مغارفٍ ... به وعوادي الدهر إذ ذاك تولد
وفي اليوم قد شابت وشب وليدها ... ومارسها منا كبير وأمرد
وذلك عهد قد سعدنا بظله ... لو أن الكريم الحرفي الدهر يسعد
فآليت لا أنسى له فضل نعمة ... علي، وللإحسان مني ممجد
أولئكم الكتاب آساس نهضة ... وكنز ثمين للثقافة يرفد
هم العائشون في نفوس كثيرةٍ ... وفي كل قطر من صنائعهم يد
تخيرتهم بين الأنام لفضلهم ... وأكبرتهم إن كنت للناس أنقد
إلى العرب
بني العرب في السودان والشرق كله ... بكم ولكم يوري زنادي ويصلد
أفيقوا فان الوقت سيق مجرد ... عليكم ووقت الناس في الغرب عسجد
إذا لم نشخص داءنا فدواؤنا عسير وفي إغفاله ما يهدد
يهدد نهضات بدت في شبابنا ... جديداً وخوفي أنها سوف ترقد
علوم اللسان لو علمتم كثيرة ... وفي جهلها ترك لما هو أوكد
وأولها أن تروي الشعر ناصعاً ... عن العرب لا يسمو إليه المولد
وأن تقتل الألفاظ فهماً وتنتقي ... أحاسنها يوم الكتابة تقصد
فيا ليت شعري هل ملأتم وطابكم ... من العلم حتى تكرموا وتمجدوا؟
هلموا نوادي العلم في كل بلدة ... تقول لكم إن الطريق معبد
إلى حاملي الأقلام من كل ملة ... إلى العرب في أي الأماكن توجد نظمت لكم مما أحس قوافيا ... لعل أماني اليوم يأتي بها الغد
وهيهات يسمو للكرامة في الورى ... أديب عن الإنتاج في الفن يقعد
فان تنصروا العرب الأكارم تنصروا ... وإن تخذلوها فالبقية تفقد
أناس متى ما تطلب مشبهاً لهم ... طلبت من الأشياء ما ليس يوجد
الخرطوم - سودان
عبد الله عبد الرحمن