مجلة الرسالة/العدد 856/أهل العلم والحكم في ريف فلسطين
→ الخطر إليه ودي | مجلة الرسالة - العدد 856 أهل العلم والحكم في ريف فلسطين [[مؤلف:|]] |
الملاح التائه!! ← |
بتاريخ: 28 - 11 - 1949 |
للأستاذ أحمد سامح الخالدي
- 2 -
أنهارها وبحيراتها
ويصف لنا ياقوت أهم أنهارها وبحيراتها وقد زار بحيرة طبرية مراراً ويكشف لنا عن مشروع ري عظيم يجمع بين نهري الأردن واليرموك فتسقي مياهها الغور والبثنية (وهي الناحية الواقفة على الضفة اليسرى من الأردن بعد جريانه من بحيرة طبرية) كما يذكر لنا زراعة قصب السكر في هذه المنطقة وتصدير السكّر إلىسائر بلاد الشرق، ويروى لنا ما قاله الشعراء في هذه الأماكن.
فيقول عن الأردن في (ج1 - ص186) وطبرية على طرف جبل يشرف على هذه البحيرة، فهذا النهر أعني الأردن الكبير بينه وبين طبرية البحيرة. وأما الأردن الصغير فهو نهر يأخذ من بحيرة طبرية ويمر نحو الجنوب في وسط الغور فيسقي ضياع الغور. وأكثر مستغلهم السكّر، ومنها يحمل إلىسائر بلاد الشرق وعليه قرى كثيرة منها بَيْسا، وفراوا، وأريحا والعوجاء وغير ذلك.
(وعلى هذا النهر قرب طبرية قنطرة عظيمة ذات طاقات كثيرة تزيد على العشرين، ويجتمع هذا النهر ونهر اليرموك فيصيران نهراً واحداً فيسقي ضياع الغور وضياع البثلية ثم يمر حتى يصب في البحيرة المنتنة (البحر الميت) في طرف الغور الغربي (كذا) (الجنوبي).
وقال أبو دهلب أحد بني ربيعة بن قريع. . . بن تميم:
حنَّت قلوصي أمس بالأرُدن ... حنى فما ظَلمت أن تحنّى
حنَّت بأعلى صوتها المُرن ... في خَرعب ٍ أجشًّ مستجِن
فيه كتهزيم نواحى الشن
وقال عدى بن الرقاع العاملي:
لولا الإله وأهل الأردن اقتسمت ... نار الجماعة يوم المرج قالوا والأردن في لغة العرب النعاس، قال أبان الزبيري:
وقد علتني نعسة الأردن ... وَموهبُ مبر بها مُصن
والظاهر أن الأردن الشدة والغلبة، فإنه لا معنى لقوله (وقد علتني نعسة الأردن).
وقال المتنبي يمدح بدر بن عمار وكان قد ولى ثغور الأردن والساحل من قبل أبي بكر محمد بن واثق:
تهنا بصور أم تهنئها بكا ... وقل الذي صور وأنت له لكا
وما صغر الأردن والساحل الذي ... حبيت به إلا إلىجنب قد ركا
تحاسدت البلدان حتى لو أنها ... نفوس لسار الشرق والغرب نحوكا
وأصبح مصر لا تكون أميره ... ولو أنه ذو مقلة وفم بكا.
وحدث اليزيدي قال خرجنا مع المأمون في خرجته إلىبلاد الروم فرأيت جارية عربية في هودج. فلما رأتني قالت يا يزيدي أنشدني شعراً حتى أصنع فيه لحناً فإنشدت:
ماذا بقلبي من دوام الخفق ... إذا رأيت لمعان البرق
من أقبل الأردن أو دمشق ... لأن من أهوى بذاك الأفق
ذاك الذي يملك منى رقّ ... ولست أبغي م حييت عتقي
قال فتنفست تنفساً ظننت أن ضلوعها قد تقصفت منه، فقلت هدا والله تنفس ما شق. فقالت أسكت ويلك أنا أعشق والله، لقد نظرت نظرة مريبة فادعاها من أهل المجلس عشرون رأساً ظريفاً (معجم ياقوت ج1 - 185).
وجاء في شذرات الذهب (ج6 - 273) في حوادث سنة 782هـ أن برقوق أمر ببناء جسر الشريعة (الأردن) بطريق الشام وجاء طوله مائة وعشرين ذراعاً وانتفع الناس به. وفي الشذرات أيضاً (7 - ص7) لما بنى الجسر قال فيه شمس الدين محمد المزين:
بنى سلطاننا للناس جسراً ... بأمر والوجوه له مطيعة
مجازاً في الحقيقة للبرابا ... وأمراً بالسلوك على الشريعة
وفي رواية أخرى بنى سلطاننا برقوق، والأنام بدل الوجوه والمرور بدل السلوك.
وعلى الأردن خمسة جسور هي من الشمال إلىالجنوب: جسر بنات يعقوب، وجسر المحامع، وجسر الشيخ حسين، وجسر اللنبي، وهو الذي يوصل طريق القدس بعمان، وله أكثر من مخاضة يسلكها العرب في غدواتهم.
أما بحيراتها، فقد جاء ذكر الحولة، بأنها كوره بين بانياس وصور وأنها أي ناحية الحولة ذات قرى كثيرة من إحداها كان الحارث الكذاب الذي ادعى النبوة أيام عبد الملك بن مروان وكان هذا من أهل دمشق وكان له أب بالحولة (معجم البلدان3 - 368).
ويقول عن بحيرة طبرية إنه رآها مراراً وهي كالبركة يحيط بها الجبل ويصب فيها فضلات أنهر كثيرة تجئ من جهة بانياس وينفصل فيها نهر عظيم فيسقي أرض الأردن الأصغر وهو بلاد الغور ويصب في البحيرة المنتنة (البحر الميت) قرب أريحا. ومدينة طبرية في لحف الجبل مشرفة على البحيرة ماؤها عذب شروب ليس بصادق الحلاوة ثقيل، وإياها أراد المتنبي يصف الأسد:
أمعفر الليث الهزبر بسوطه ... لمن ادخّرت الصارم المصقولا
وقعت على الأردن منه بلية ... نضدت لها هام الرفاق تلولا
وَردُ إذا ورد البيحرة شارباً ... ورد الفرات زئيره والنيلا
(راجع معجم ياقوت ج2 - 80).
أما عن البحر الميت، أو بحر لوط، أو زُغر كما يسميها فيفول أن زغر أسم بنت لوط، نزلت بهذه القرية فسميت بها. قال حاتم الطائي:
سقى الله رب الناس سحاً وديمة ... جنوب السراة من مآب إلىزُغر
بلاد إمرىء لا يعرف الدم بيته ... له المشرب الصافي ولا يطعم الكدر
وقد جاء ذكرها في حديث الحساسة، وهذه في وادي وخم رديء في أشأم بقعة، إنما يسكنه أهله لأجل الوطن وقد يهيج فيهم في بعض الأعوام مرض فيفني كل من فيه أو أكثرهم. (معجم البلدان4 - 393) والأرجح أن المرض الذي يشير إليهياقوت إنما هو الملاريا.
أما عن الأنهر الصغيرة فيذكر نهر أبي فطرس أو نهر فطرس (العوجا، وهو تحريف كلمة انتبياترس المدينة التي ينبع هذا النهر بالقرب منه.) فيقول ياقوت، موضع قرب الرملة من أرض فلسطين مخرجه من أعين في الجبل المتصل بنابلس ويصب في البحر الملح (البحر المتوسط) بين يدي مدينتي ارسوف ويافا وبه كانت وقعة عبد الله بن العباس مع بني أمية فقتلهم في سنة 132هـ، وهي السنة التي زال فيها ملك الأمويين وقامت فيه دولة بني العباس.
قال إبراهيم مولى قائد العبلي يرثيهم:
أفاض المدامع فتكي كدا ... وقتلى بكثوة لم ثُرمَسِِ
وقتلي بوجٍٍ وباللابتين ... بيثرب هم خيرُ ما أنفس
وبالذابيين نفوس ثوت ... وأخرى بنهر أبي فطرس
أولئك قوم أناخت بهم ... نوائب من زمن متعس
إذا ركبوا زينوا المركبين ... وإن جلسوا زينة المجلس
هم اضرعوني لريب الزمان ... وهم الصقوا الرغم بالمعطس
فما أنس لا أنس قتلاهم ... ولا عاش بعدهم من نسي
قال المهلبي وعلى نهر ابي فطرس أوقع أحمد بن طولون بالمعتضد فهزمه. قلت إنما كانت الوقعة بموضع يقال له الطواحين بين المعتضد وخمارويه بن أحمد بن طولون قال وعليه أخذ العزيز هفتكين التركي. وفلت عساكر الشام عليه. وبالقرب منه أوقع القائد فضل بن صالح بابي ثغلب حمدان فقتله ويقال إنه ما التقى عليه عسكران إلا هزم الغربي منها.
وقد ذكر أبو نواس في قصيدته في الخصيب نهر فطرس ولم يضفه إلىكبيه فقال:
وأصبحن قد فوّزن عن نهر فطرس ... وهنّ من البيت المقدس زور
طوالب بالركبان غزّة هاشم ... وبالفرَ ما من حاجهن شعور
وقال العبلي:
ابكي على فتية رزئتهم ... ما إن لهم في الرجال من خلف
نهر أبى فطرس محلهم ... وصجوا الزابين للكتف
أشكو من الله ما بليت به ... من فقد تلك الوجوه والشرف
راجع معجم البلدان (8ج - ص333).
وقد ذكر ياقوت اليرموك مع الوديان، فقال أنه واد بناحية الشام في طرف الغور يصب في نهر الأردن. كانت به حرب بين المسلمين والروم أيام أبي بكر الصديق، وقدم خالد الشام مدداً لهم. قال القعقاع بن عمر يذكر مسير خالد من العراق إلىالشام:
بدأنا بجمع الصفَّرين فلم يدع ... لغسان أنفاً فوق تلك المناصر صبيحة صاح الحارثان ومن به ... سوى نفر نجتذهم بالبواتر
وجئنا إلىبصرى وبصرى مقيمة ... فألقت إلينا بالحشا والمعاذر
فضضنا بها أبوابها ثم قابلت ... بنا العيش في اليرموك جمع العشائر
ذكر الجبال والوديان والحصول والمواقع:
(أنظر معم البلدان 8ج - 504):
ذكر ياقوت من الجبال، جبل الجليل في ساحل الشام ممتد إلىقرب حمص. كان معاوية يحبس في موضع منه من يظفر به ممن ينبز في قتل عثمان. وجبل الجليل بالقرب من دمشق وهو يقيل من الحجاز فما كان بفلسطين منه فهو جبل الحمل، وما كان بالأردن فهو جبل الجليل، وهو بدمشق لبنان وبحمص سنير. قال أبو القسيس بن الأسلت:
فلولا ربنا كنا يهوداً ... وما دين إليه ود بذي شكول
ولولا ربنا كنا نصارى ... مع الرهبان في جبل الجليل
ولكنا خلقنا إذ خلقنا ... حنيف ديننا عن كل جيل
قال الحافظ الدمشقي واصل بن جمبل أبو بكر السلاماني من بني سلامان الجليلي من جبل الجليل من أعمال صيدا، وبيروت، من ساحل دمشق، حدث عن مجاهد ومكحول وعطاء وطاووس والحسن البصري وروي عنه الأوزاعي. قال يحيى بن معين، واصل بن جميل مستقيم الحديث، ولما هرب الأوزاعي من عبد الله بن علي بن عبد الله بن العباس اختبأ عنده وكان الأوزاعي يحمد ضيافته ويقول ما تهنأت بضيافة أحد مثل ما تهنأت بضيافتي عنده، وكان خبأني في هرى العدس، فإذا كان العشاء جاءت الجارية فأخذت من العدس فطبخت ثم جاءتني به فكان لا يتكلف فتهنأت بضيافته. (معجم البلدان 3 - 131).
ويصف لنا جبل الطور (طابور) وديره فيقول الطور هو الجبل المشرف، أما هذا فمستدير واسع الأسفل، مستدير الرأس لا يتعلق به الجبال، وليس له إلا طريق واحد وهو ما بين طبرية واللجون مشرف على الغور ومرج اللجون (مرج بني عامر) وفيه عين تنبع بماء غزير وكثير، والدير في نفس القبلة مبني بالحجر وحوله الكروم يعتصرونها فالشراب عندهم كثير. ويعرف أيضاً بدير التجلي، والناس يقصدونه من كل موضع فيقيمون به ويشربون فيه. موضعه حسن يشرف على طبرية البحيرة وما والاها على اللجون وفيه يقول مهلهل بن غريب المزرع:
نهضت إلىالطور في فتية ... سراع النهوض إلىما أحب
كدام الجدور حسان الوجوه ... كهول العقول شباب اللعب
انخث الركاب على ديره ... وقضيت من حقه ما يجب
(معجم البلدان 4 - 212):
أحمد سالم الخالدي
للكلام بقية