مجلة الرسالة/العدد 855/تاريخ استخدام الدبابات
→ الباكستان | مجلة الرسالة - العدد 855 تاريخ استخدام الدبابات [[مؤلف:|]] |
من شجرة الدر ← |
بتاريخ: 21 - 11 - 1949 |
في جيش المسلمين
للأديب عطا الله ترزي باشى
يرجع تاريخ استخدام الدبابات في الحروب إلى وقت نشوء العجلات الحربية. وقد وجد في العراق كثير من التصاوير التي تكشف لنا عن وجود العجلات غير الحربية منذ سنة (2000) قبل الميلاد، أما الحربية فوجدت في الصين سنة (1450) ق م وظهر بنتيجة البحث ولتدقيق أن استخدام الدبابات لأول مرة في التاريخ كان في إحدى الحروب الدائرة بين المصريين والميتانيين (الانسيكلوبيديا التركية (اينونو) ج3، ص195، سنة1949).
وفي الواقع كان المصريون القدماء أول من استخدموا الدبابات في الحروب، ومن بعدهم الآثوريين فاليونانيون القدماء ومن بعدهم العرب (تاريخ التمدن الإسلامي، جرجي زيدان، ج1، ص160).
وكان المسلمون يتخذون الدبابات لتسلق أسوار العدو، وهي آلات من الخشب الصفيق، وقد تكون طباقاً، وتغلف بالجلود المنقوعة الخل لدفع النار. وتركب على عجل مستدير يدفعها الرجال ويصعد الجند في أعلاها ويستعلون على السور. قد يستخدمون الدبابات لهدم الأسوار فيسيرونها ويحتمون بجدرانها ويجعلون رأسها محدداً يصدمون بها الأسوار حتى تهدم (المرجع السابق).
وقد أستخدم المسلمون الدبابات لأول مرة في السنة الثامنة من الهجرة أثناء غزوة الطائف (أحمد رفيق، الغزوات النبوية، حاشية ص45).
وكذلك جاء ذكر هذه الآلة في كتاب آخر للأستاذ نفسه (باللغة التركية) وهو كتاب (تاريخ الانتصارات العثمانية) نقلاً عن كتاب (كوكب المسعود في كوكبة الجنود لابن إسحاق ص77). أنه في غزوة الطائف استخدم المسلمون الدبابات المصنوعة من جلود الأبقار التي لا تتأثر كثيراً بمقذوفات العدو، وتقدموا بها نحو السور لإحراق الأمكنة المجاورة له. غير أن أفراد قبيلة ثقيف المحصورين في البلدة بدءوا يرمونها بقطع الحديد المحماة بالنار. . . (حاشية ص250، 251من المرجع السابق).
ويبحث الأستاذ محمد حسين هيكل في كتابه (حياة محمد) عن استخدام المسلمين في غزوة الطائف بشيء من التفصيل، فيقول:
أنه لم يكن من اليسير أن يقتحم المسلمون هذه الحصون المنيعة إلا أن يلجئوا إلى وسائل غير التي ألفوا حتى اليوم حين حاصروا قريظة وخيبر. . . فما عسا أن تكون هذه الوسائل الجديدة التي يهاجمونها بها؟. . .
وكان لبني دوس (إحدى القبائل المقيمة بأسفل مكة) علم بالرماية بالمنجنيق ومهاجمة الحصون في حماية الدبابات. وكان أحد رؤسائها الطفيل قد صحب محمداً منذ غزا خيبر؛ وكان معه عند حصار الطائف؛ فأوفده النبي إلى قومه يستنصرهم؛ فجاء بطائفة منهم ومعهم أدواتهم؛ فبلغوا الطائف بعد أربعة أيام من حصار المسلمين إياها. ورمى المسلمون الطائف بالمنجنيق وبعثوا إليها بالدبابات دخل تحتها نفر منهم ثم زحفوا بها إلى جدار لطائف ليخرقوه، ولكن رجال الطائف كانوا من المهارة بحيث أكرهوا هؤلاء على أن يلوذوا بالفرار. فقد أحموا قطعاً من الحديد بالنار، حتى إذا انصهرت القوها على الدبابات فحرقتها، فغر جنود المسلمين من تحتها خيفة أن يحترقوا. (حسين هيكل، حياة محمد، ص420، 421).
ويظهر أن الدبابات في السابق وإن كانت لها قيمة كبرى في الحروب لإخافة العدو وإثارة ضجيجهم، فإنها لم تنل حظاً في إحراز النصر حيث كانت عرضة للاحتراق، فإن موادها المركبة من الجلود والأخشاب كانت سريعة التأثر بالنار. وقد حاول المهندسون المسلمون عبثاً إيجاد بعض الوسائل لتقيها من الأخطار المعهودة. فاستعملوا الجلود المبلولة بالماء والمستقاة بالخل ولكنهم لم يفلحوا.
ويحدثنا الأستاذ أحمد بدوي في مقال له تحت عنوان (القوة الحربية في مصر والشام) كتبه في مجلة الرسالة عدد 809 وتاريخ 14 - مارت - 949 نقلا عن (النوادر لابن شداد، ص103) عن عظمة الدبابات التي استخدمها العدو في حصار عكا، بما يلي:
(صنع العدو ثلاثة أبراج من خشب وحديد وألبسها الجلود المستقاة بالخل بحيث لا تنفذ فيها النيران؛ وكانت هذه الأبراج كأنها الجبال عالية على سور البلد، ومركبة على عجل يسع الواحد منها من المقاتلة ما يزيد على خمسمائة نفر، ويتسع سطحها لأن ينصب عليه منجنيق، وقد ملأ ذلك نفوس المسلمين خوفاً ورعباً، ويئس المحاصرون في المدينة، ورأوها وقد تم عملها ولم يبق إلا جرّها قرب السور. وأعمل صلاح الدين فكره في إحراقها ووعدهم على ذلك بالأموال الطائلة والعطايا الجزيلة، ولكن ضاقت حيلهم عن ذلك. وكان من جملة من حضر شاب نحاس دمشقي ذكر بين يديه إن له صناعة في إحراقها وأنه إن مكن من الدخول إلى عكا وحصلت الأدوية التي يعرفها أحرقها، فحصل له جميع ما طلبه، ودخل إلى عكا وطبخ الأدوية مع النقط في قدور نحاس حتى صار الجميع كأنه جمرة نار، ثم ضرب واحداً بقدر فلم يكن إلا أن وقعت فيه، فاشتعل من ساعته ووقته، وصار كالجبل العظيم من النار طالعة ذؤابته نحو السماء واستغاث المسلمون بالتهليل، وعلاهم الفرح حتى كادت عقولهم تذهب. وبينما الناس ينظرون ويتعجبون إذ رمى البرج الثاني بالقدر الثانية فما كان إلا أن وصلت إليه واشتعل كالذي قبله فاشتد ضجيج الفئتين، وما كان إلا ساعة حتى ضرب الثالث فالتهب وغشي الناس من الفرح والسرور ما حرك ذوى الأحلام).
وحسب ما نعلم كانت هذه المواد هي زيت النفط والكبريت والجير والقار فتتكون النار اليونانية. وقد أشار إلى استعمال المسلمين هذه النار في الحروب الصليبية الأستاذ كوستاف لوبون في كتابه (المدينة العربية، ص 514، 515).
ويروى الأستاذ أحمد بدوي في المقال السابق الذكر نقلا عن (خطط المقريزي، ج 1ص347) أن الفرنج هاجموا دمياط سنة 615في آخر أيام العادل وعملوا آلات ومرمات وأبراجاً متحركة (والدبابات) يزحفون بها إلى برج (السلسلة) ليملكوه حتى يتمكنوا من المدينة.
وتبحث بعض المصادر التاريخية عن أهمية الدبابات التي استخدمها السلطان محمد الفاتح أثناء محاصرة القسطنطينية، فيقول المؤرخ التركي الشهيد أحمد رفيق:
أن السلطان قد أمر بإنشاء أبراج تسير بواسطة عجلات لتستخدم في خرق السور فصنعوا برجاً خشبياً سياراً يسمى ب (كشوركشا) أي (فاتح البلاد) وهو مغلف من الخارج ومبطن من الداخل بالجلود بالماء لدفع النار. وكان الجنود يتحصنون في داخله، وإذا ما أرادوا الخروج فتحوا الأبواب الثلاثة باتجاه المدينة من القسم الأسفل منه فكانوا في ذلك في مأمن من مقذوفات العدو أثناء النزول والركوب. وقد جمعت فيه أكوام من الحطب والأخشاب لإملاء الخنادق وتسهيل الهجوم، هذا ويحمل البرج مائة جندي انكشاري (ينيجرى) مع كامل أسلحتهم ومعداتهم.
وفي ذات ليلة جاءوا بهذا البرج إلى الموضع الذي عينه
السلطان للزحف إلى ميدان القتال. غير أن العدو تمكنوا من
إحراقه بقذفهم النار اليونانية إياها طيلة الليل (18نيسان1453)
(راجع تاريخ الانتصارات العثمانية، ص250، 251).
وقد عقد الأستاذ كوستاف شلومبرجيه فصلاً مفصلاً في كتابه (فتح القسطنطينية) باللغة الفرنسية - نقلاً عن بعض المؤرخين الذين حضروا المعركة أمثال باربارو وتتالدى وفرانجس وبيه رس - وصف فيه الدبابة الضخمة التي استخدمها الجيش العثماني أثناء محاصرتهم للقسطنطينية وصفاً دقيقاً جاء فيه:
أنه في صباح18 مايو ذُعِر المحصورين في المدينة وأخذهم فزع شديد إذا رأوا بغتة البرج الخشبي السيار كالجبل عالياً فوق السور، فملأ ذلك قلوبهم خوفاً ورعباً، وفقدوا صوابهم فتحيروا في أمرهم ولم يدروا ماذا يصنعون؟!. . . وقد حضر الإمبراطور قسطنطين - حين بلغه الخبر - مع أركان جيشه لمشاهدة هذا البرج العجيب المسمى بالقلعة الخشبية (أو الدبابة).
لقد قاموا المهندسون الأتراك بصنع هذه الآلة قرب السور أثناء الليل بصورة خفية وسريعة جداً لم تستغرق أربعة ساعات بدرجة ينبغي أن نقول بأن أهل القسطنطينية جمعاء لم يكونوا ليصنعوا مثر هذا البرج في شهر كامل وإن يساعد بعضهم بعضاً.
كانت هذه القلعة الخشبية مصنوعة من أخشاب قوية مربوطة بعضها ببعض ربطاً محكماً وهي مغلفة من الجهة العليا بطبقتين من الجلد الإبل. وقد غطيت من جميع أطرافها بالطين حفظاً من التأثيرات الخارجية: وكانت تسير على عجلات متحركة ومغلفة بجلود البقر والجاموس. وهناك يوجد في داخلها الدرج (السلم) للصعود إلى الطابق الفوقاني منها. وفيها أنواع العتاد والأسلحة، كما كان فيها أيضاً كثير من السلالم الخشبية بغية استعمالها في التسلق على الأسوار. كانت لها ثلاث نوافذ متجه نحو السور يرمون من خلالها العدو بالسهام. . .
تحركت هذه القلعة وبدأ الجنود يرمون التراب والأخشاب في الخنادق لتسهيل السير حتى بلغوا السور وتمكنوا من فتح ثغرة فيه وبدءوا يثبتون السلالم ويستعلون بها على السور، ولم يتأثروا كثيراً بالمقذوفات التي كانت تلقى عليهم حتى تمكن العدو من إحراق هذه القلعة باستعمال النار اليونانية، وأستشهد بعض من فيها من جنود الانكشارية.
ويصف (فرانجس) هذه القلعة التي يشاهدها عن كثب وهي تلتهب وصفاً جميلاً فيقول إن السلطان كان يصيح بصوته العالي: أنني لم أكن لأعتقد أن باستطاعة العدو إحراق هذا البرج في ليلة واحدة وإن صدق ذلك سبعة وثلاثون ألف نبي.
(وللتفصيل راجع الفصل السادس من كتاب فتح القسطنطينية لكوستاف شلومبرجيه).
(بغداد)
عطا الله ترزي باش
كلية الحقوق