مجلة الرسالة/العدد 850/الأدب والفن في أسبوع
→ تعقيبات | مجلة الرسالة - العدد 850 الأدب والفن في أسبوع [[مؤلف:|]] |
البريد الأدبي ← |
بتاريخ: 17 - 10 - 1949 |
للأستاذ عباس خضر
استقبال العضوين الجديدين في مجمع اللغة:
احتفل مجمع فؤاد الأول للغة العربية يوم الاثنين الماضي، باستقبال حضرتي الأستاذين أحمد حسن الزيات وإبراهيم مصطفى، اللذين انتخبا وصدر المرسوم الملكي بتعيينهما عضوين عاملين بالمجمع، مكان المغفور لهما أنطون الجميل باشا وعلي الجارم بك.
بدأ الاحتفال بإلقاء الدكتور أحمد أمين بك كلمة استقبال الأستاذ إبراهيم مصطفى، وقد استهلها بالحديث عن بدأ الصلة بينهما حينما كانا طالبين بالأزهر يحفظان المتون ويدرسان الأدب الذي كان يدرس في الأزهر على هامش العلوم في ذلك الزمان. وقد اهتم الدكتور أحمد أمين في هذه الكلمة بالتحدث عن النحو وجموده، وبناء قواعد اللغة العربية على أساس (العامل) ورأى الأستاذ إبراهيم مصطفى في (هدم العامل) وعقب على هذا وذاك بأن عيب النحويين جميعا أنهم يريدون أن يخضعوا اللغة للمنطق، واللغة من وضع العاقل والأحمق والمتعلم الجاهل، ثم جاء العلماء واهتموا بها على أساس المنطق فأتعبوا أنفسهم دون طائل. وضعها الصغار وتعب فيها الكبار. . .
وبعد أن افاض الدكتور في ذلك، قال إن الأستاذ إبراهيم مصطفى ليس نحويا فحسب، وإنما هو قوي الأسلوب والخيال وله قدرة على وضع القصة الصغيرة، إلا أن السلك الذي يربط بين ذهنه ويده مصاب بعطب. . . ولم يبين ما يريد بهذا العطب.
وقد كان حظ النحو وما تبعه من الطرائف في كلمة الدكتور أحمد أمين أكثر من حظ الأستاذ إبراهيم مصطفى نفسه. فكل ما ذكره عنه حفظه المتون في الصغر ورأيه في نظرية العمل، ثم الوصف الإجمالي الأخير الذي ختمه بتلك الإشارة التي لا ندري أهي دعابة أم نقد، حتى النظرية النحوية هدمها!
ثم ألقى الأستاذ إبراهيم مصطفى كلمته، فشكر الدكتور أحمد أمين وأشار بلباقة واختصار إلى بعض ما ذكره، ثم تطرق إلى الحديث عن سلفه المرحوم علي الجارم بك، وقد وجه معظم الحديث عنه إلى جهوده في النحو من حيث تيسيره وتقريبه. وهكذا كان الأمر فيما بين الدكتور أحمد أمين والأستاذ إبراهيم مصطفى أكثره نحو. . . على ذلك النحو.
ثم وقف الأستاذ محمد فريد أبو حديد بك فألقى كلمة استقبال الأستاذ الزيات، فقال إنه التقى به لأول مرة من نحو أكثر من ثلاثين سنة، زميلين في التدريس بمعهد أهلي، فوجد فيه شابا أنيقا في زيه الشرقي، حييا يفيض علما وأدبا، وأشار بفضله في تجديد تعليم اللغة العربية وآدابها، ومنهجه الجديد في تاريخ أدب اللغة بكتابه (تاريخ الأدب العربي) وأفاض الأستاذ أبو حديد في بيان أثر الأستاذ الزيات في أدب الجيل، ونوه بترجمته (آلام فرتر) و (رفائيل) قائلا بأنها الترجمة المنشودة للمشاركة الأدبية العالمية. ثم حلل ناحية في أسلوب الأستاذ الزيات وهي الخاصة بوضع الكلمة في موضعها سواء في الترجمة والإنشاء. واستطرد بعد ذلك إلى بحث مستفيض في استعمال الكلمات في المقامات المختلفة، وأتى بأمثلة من الشعر العربي وحللها مبينا ما فيها من ظلال التعبير النفسية. وهذا الموضوع: مناسبة التعبير للحال وما يضفيه من ظلال نفسية خاصة، موضوع قيم، ولكنه شيء آخر غير الإتيان بالكلمة في موضعها.
وعلى أثر ذلك نهض الأستاذ الزيات فألقى كلمته، ويراها القارئ في صدر هذا العدد من (الرسالة) ولست أقول فيها إلا أنها دلت عليه دلالة واضحة إذ قدم نفسه بها خير تقديم.
بقيت في النفس ملاحظات عامة، أردت أن أتغاضى عنها، ولكنها تلح علي، متذرعة بأن لها هدفا وأنها ذات موضوع، على حد التعبير الذي ذاع عن معالي رئيس المجمع، ذلك أن بعض الأعضاء الذين تكلموا في الحفل، لم يراعوا الصحة اللغوية في استعمال بعض كلمات وضبط أخرى، ومثل هذا إن أمكن التغاضي عنه في غير مجمع اللغة، فإنه لا يقبل من أعضاء المجمع وهم رجال اللغة. مثال ذلك ما ذكره الأستاذ إبراهيم مصطفى عن جهود الجارم في أعمال المجمع، ومنها (القاموس الوسيط) يقصد (المعجم الوسيط) والفرق بين المعجم والقاموس معروف.
أمينة:
هي امرأة فرنسية، تزوجها الشيخ إبراهيم، وسماها (أمينة) على اسم المرحومة أمه لحبه إياها.
والشيخ إبراهيم رجل من أغنياء إحدى القرية المصرية، يهتم بتربية الخيل، ويقوم عليها عنده ابن خالته الشاب الوسيم (محمد) الذي يفتتن بجمال أمينة وتفتتن هي أيضاً به، فهي فتاة في ميعة الصبا وزوجها شيخ يكبرها بعشرات السنين.
وتعود ابنة الشيخ إبراهيم (عايدة) من القاهرة إلى القرية لقضاء العطلة المدرسية، فلا تستريح أمينة زوج أبيها لقدومها، ويضايقها انصراف زوجها إلى ابنته وعطفه عليها. وينشأ حب صامت بين عايدة وبين محمد، ولكن هذا يستمر في علاقته الآثمة بأمينة.
وتساور الشيخ إبراهيم الشكوك في محمد. وتعمل عايدة على أن تجنب أباها الوقوف على حقيقة الصلة بين أمينة ومحمد، منعا لحدوث ما يخل بسمعته وشرفه، ويؤدي ذلك إلى أن تظهر في موقف مريب مع محمد فيطردهما من المنزل، فيلجأن إلى منزل أخت الشيخ إبراهيم وزوجها الشيخ عبد المحسن، فيتزوجان ويعمل محمد عند طبيب بيطري بالقرية، ويعيش الزوجان في سعادة يظللهما الحب المتبادل ويسخط الشيخ إبراهيم على ابنته لمسلكها وزواجها من محمد السائس، ويقبل على زوجته أمينة ويمعن في تدليلها والإغداق عليها.
وتلتقي أمينة بمحمد فتعمل على إغرائه فيأبى أولا ثم لا يلبث أن يعود معها إلى ما كانا فيه. وفي خلال ذلك يجمح جواد من جياد الشيخ إبراهيم فيجري وراءه بالعربة التي تنقلب في الترعة في مكان بعيد عن القرية بحيث لم يدر أهله أين مكانه.
ويذهب محمد مرة إلى أمينة فيجدها جثة، ويقبض عليه ويتهم بقتلها، كما يتهم أيضاً الخادم (ضبش) الذي كان يحبها وهي تنفر منه. وأخيرا يظهر الشيخ إبراهيم راقدا في فراش عند أحد معارفه، ويفضي إلى المحقق الذي ذهب إليه بأنه اختفى على أثر الحادث الذي وقع له، وجعل يتجسس على زوجته حتى تحقق أنها تخونه فقتلها. وبعد هذا الاعتراف فاضت نفسه.
تلك هي قصة فلم (أمينة) الذي عرض أخيرا في سينما رويال بالقاهرة، والذي قالوا عنه إنه التقت فيه مواهب الشرق بمواهب الغرب. فقد أنتجه وأخرجه المخرج الإيطالي جوفريدو إليساندريني، ومثلت فيه الممثلة الإيطالية آسيا نوريس (أمينة) ويوسف وهبي (الشيخ إبراهيم) ورشدي أباظه (محمد) وسميحة توفيق (عايدة) وسراج منير (الشيخ عبد المحسن) وحسن البارودي (ضبش).
والحق أن المخرج نجح في تنظيم حوادث الفلم ومناظره، وتحريك الممثلين، وإبراز مواهب بعضهم وخاصة سميحة توفيق، فقد ظهرت هذه الفتاة في بعض أفلام لم يحسن المخرجون فيها تخريجها، أما في هذا الفلم، فقد برزت ملكاتها الفنية بحيث استطاعت أن تقف إلى جانب آسيا نوريس، لا تقل عنها إن لم تكن فاقتها. وقد أحسن باقي الممثلين تأدية أدوارهم، وكان يوسف وهبي مندمجا في دوره، هادئا، لم يقتل في الفلم غير واحدة!
ثم ننظر في قيمة هذا الفلم الذي تضافرت عليه جهود عالمية. . . لقد تزوج رجل مصري قروي بفتاة أجنبية، فلم يستغل هذا الزواج لاتخاذ موضوع منه، فلم يصور باعتباره زواجا مخفقا لاختلاف العادات والطبائع والأمزجة بين الزوجين، بل جرى الأمر على أن الزوجة تعيش في كنف زوجها مرتاحة إلى ما يغدقه عليها، سادرة في تغفله والارتماء في أحضان الشاب الذي تبغي فيه عوضا عما تفقده في الزوج، وهذا لا يتوقف على أن تكون الزوجة أجنبية أو غير أجنبية. ويظهر أن المسألة لا تعدو تدبير دور لآسيا نوريس تظهر فيه مع يوسف وهبي. وكذلك لم أجد معنى لأن يحب الخادم (ضبش) الدميم المسن، أمينة الفتاة الرائعة الحسن، فالإنسان يدرك بغريزته وفطرته ما يلائمه وما لا يلائمه في مثل هذه الأمور. ولكن ذلك كان افتعالا غير طبيعي قصد به ترتيب الحوادث والتمهيد أن يقتل الزوج زوجته في النهاية.
والمخرج نجح حقا من الناحية الفنية، وأخرج الفلم نظيفا من التهريج والإسفاف، ولكنه أخفق في تصوير البيئة المصرية، فهذه القرية التي تجري فيها حوادث الفلم، أهلها أشبه بحي من الأحياء البلدية في القاهرة منهم بالفلاحين في كل شيء حتى لهجة الحديث، فلم أسمع أحدا يتكلم باللهجة الريفية غير أخت الشيخ إبراهيم. وقد اهتم المخرج بإبراز مناظر معينة مما يدل على الطابع المحلي، فجاء بعضها غير صادق مثل منظر الهرمين اللذين يظهران بجانب القرية، ولا نعلم قرية في مصر بجانبها هرمان على الهيئة التي ظهرت في الفلم وجاء بعض تلك المناظر في غير مناسبة مثل الخيل التي تعدو براكبيها في مفتتح الفلم واختتامه من غير ارتباط بحوادث البدء والنهاية، وكل ما في الأمر أن المخرج يريد إظهار فلاحين مصريين يجرون بالخيل. . . ولا ضرر من ذلك غير أنه حشو لا فائدة منه.
ومهما يكن من شيء فإن الفلم أصغر وأتفه من أن يكون ثمرة لالتقاء المواهب العالمية. . .
عباس خضر