مجلة الرسالة/العدد 848/الموالى في العصر الأموي
→ رسالة النقد | مجلة الرسالة - العدد 848 الموالى في العصر الأموي [[مؤلف:|]] |
الكتب ← |
بتاريخ: 03 - 10 - 1949 |
تأليف الشيخ محمد الطيب النجار
بقلم الأستاذ علي العماري
هذا كتاب ألفه الشيخ محمد الطيب النجار، وهو رسالة قدمها لينل درجة الأستاذية في التاريخ الإسلامي.
ونحن يسرنا أن ينشر هؤلاء المتخرجون في قسم الأستاذية بالأزهر الشريف، رسائلهم، ولكن نحب وننصح ألا ينشر منها إلا الصالح للنشر، وأنا أعرف أن في هذه الرسائل ما يعد في مقدمة المؤلفات العصرية، عمقاً في البحث، وسلامة في الاستنباط، ونصاعة في الأسلوب، ومع الأسف لم تظفر المكتبة العربية بشيء من هذه المؤلفات التي تشرف الأزهر والأزهريين، وإنما أتيح النشر لبعض رسائل ليست أقوى تلك الرسائل بل ولا من أقواها، وكنا نتمنى، ولكن كما يقول البارودي:
يرى بصري من لا أود لقاءه ... وتسمع أذني ما تعاف من اللحن
وقد ترددت طويلا في نقد هذا الكتاب خوفاً من تقولات إخواننا وأساتذتنا من الأزهريين وسترا لما يبدو من بعض مؤلفينا من نقص في التفكير، وضعف في التأليف، ولكني - بعد التردد الطويل - رأيت من الواجب أن أنشر نقداً لهذا الكتاب، حتى يكون نبراساً لمن يريد أن ينشر مؤلفه، وحتى نبقى على سمعة الأزهر العلمية، وحتى لا يقدم من تحدثه نفسه، ويجد في جيبه المساعدة على النشر أن ينشر، بل يجب أن يتريث وأن يتريث طويلاً قبل أن يقدم، فإن الناس لهم عقول ناقدة، وعيون مبصرة.
وقد رأيت أن أبدأ بنقد شكلي أرفه به عن القراء، وإن كنت أعتقد أنه ضرورة، وأنه ربما كان فيه نفع كثير، وسأبدأ بنقد الكتاب من غلافه، فإذا انتهيت أخذت في نقد موضع الكتاب، وأرجو أن أهيئ ذهن القارئ بهذا النقد الهامشي إلى ما يأتي بعده من نقد جدي في صميم الموضوع، فلعل أعون شيء على الجد ما يصحبه من بعض الهزل.
في أعلى الغلاف كتب المؤلف هذه العبارة (صفحات من تاريخ الصراع بين العصبية والدين) ثم ذكر عنوان الكتاب، والذي أعرفه أن هذه الكتابات الجانبية إنما هي من (تقليعات) كتاب المقالة، ونظام الشعر من المحدثين، أما المؤلفون فإنهم يكتفون بذكر عنوان الكتاب في وسط الغلاف، ويرون في هذا بلاغاً، على أن هذا التعبير لا ينطبق على حقيقة الكتاب، فليس موضوع المولى من موضوعات الصراع بين العصبية والدين، وإلا ففي أي نفوس كان هذا الصراع، أفي نفوس العرب؟ فما نعرف أن الذين قسوا على الموالى من الأمويين أو من غيرهم كانوا يجدون في أنفسهم صراعاً بين الدين والعصبية، وإنما كانوا يعتقدون أن العرب أفضل من الموالى ديناً ونسباً، وأن هؤلاء الموالى يحاولون القضاء على الإسلام، لو مد لهم الحبل، ووطئت لهم الأكناف، فمن الإسلام أن يضرب على أيديهم، وأن يحال بينهم وبين ما يبتغون، ونمد الشوط فنقول أن بعض العرب كانوا يقسون على الموالى صادرين عن عصبية عربية، وهؤلاء فيما نعتقد ونؤكد لم يكونوا يشعرون بسلطان الإسلام على نفوسهم حتى تكون هذه النفوس ميداناً للصراع بين العصبية والدين. أم كان هذا الصراع بين الموالى والعرب وهؤلاء متعصبون وأولئك متدينون؟ فقد أخطأ المؤلف التوفيق، فإن دفاع الموالى عن أنفسهم، وتحينهم الفرص، وتربصهم الدوائر بالعرب لم يصدر شيء من ذلك عن تدين في نفوسهم، بل كانوا يصرحون بأن أصولهم وأنسابهم وماضيهم لا تتضاءل أمام أصول العرب وأنسابهم وماضيهم، وإن كان للعرب ماضٍ يفخرون به، بل كانوا يرون أنهم أنقى جوهراً، وأعرق مجداً، والمؤلف نفسه يصرح بهذا المعنى في غير موضع من كتابه، فالصراع إذن إنما كان بين عصبية فارسية، وعصبية عربية، حتى الذين تذرعوا بالدين وحاربوا به الأمويين لم يكونوا يحاربون العصبية العربية، وإنما كانوا يحاربون الأمويين لأنهم اغتصبوا الخلافة من الهاشميين، وهم أحق بها، ومعروف أن المظهر الدين في محاربة الأمويين إنما كان يخفي وراءه عصبية فارسية قاسية، وحقداً أعجمياً عنيفاً. وعنوان الكتاب نفسه أضيق مدلولا، وأقصر ذيلا عن موضوع الكتاب، فالذي يرى العنوان يظن أن المؤلف قصر بحثه عن حال الموالى في عصر الدولة الأموية، ولكن الذي يجد في نفسه الرغبة، فيقرأ الكتاب يجد المؤلف تحدث عن الموالى منذ قيام الإسلام وأفاض في ذلك، فقد تحدث عنهم في عهد أبي بكر وعمر وعثمان وعلى حديثاً مستفيضاً، بل تعدى ذلك إلى العصر الجاهلي، وإن كان اختصر في هذا البحث، وكان المؤلف - لو نُبِّه أو تنبه - أن يجعل عنوان الكتاب (الموالى في العصر الإسلامي الأول) أو ما أشبه هذا العنوان مما يكون شاملاً لكل موضوعات الكتاب، وإلا فأي مبرر لأن يقصر العنوان على العصر الأموي في حين أن ما ذكره عن الموالى في عهد أبي بكر وعمر لا يقل استيعاباً عما ذكره عنهم في العصر الأموي؟.
ثم كتب المؤلف العنوان (بقلم محمد النجار الحائز لدرجة الأستاذية في التاريخ الإسلامي، وأستاذ التاريخ بالأزهر الشريف) ونحن نحب أن نقف معه قليلا عند (الحائز) وتسأله كيف عداها بآلام مع أن الفعل متعد بنفسه، فكان الأحسن أن يقول: الحائز درجة. . . الخ فإذا تسامحنا وقلنا إن اسم الفاعل فرع في العمل، وأنه لذلك ضعيف فلا بأس أن يأتي بآلام تقوى فعله وتشد أزره، فلا تتسامح مع المؤلف في تركه الأفصح في عنوان كتابه حتى لا يعطى للقارئ في بادئ الأمر فكرة غير جميلة عن إيثاره للضعيف أو غفلته عن قواعد اللغة. على أن يقيني أن المؤلف لم يدر بخلده أن ذلك جائز. وإنما انساق مع عوام المؤلفين.
(يتبع)
علي العماري