مجلة الرسالة/العدد 848/الكتب
→ الموالى في العصر الأموي | مجلة الرسالة - العدد 848 الكتب [[مؤلف:|]] |
القصص ← |
بتاريخ: 03 - 10 - 1949 |
العالم الذي نعيش فيه
تأليف جرترود هارتمان
تعريب الأستاذين عثمان نويه ومحمود حامد شوكت
بقلم الأستاذ ثروت أباظة
كتاب يعرض الجهود العبقرية التي بذلها أجدادنا الأولون حتى أهدوا إلينا هذا العالم الذي تمرح به جنباته اليوم، لا يقف في سبيلنا وعر أو موج أو ريح. ولا شك أن المترجمين قد أحسنا الاختيار حين وقفا إلى هذا الكتاب. وهما بعد ذلك قد ترجماه في لغة سهلة ميسورة عربية صريحة لا ضعف فيها ولا كلفة. وقد كانا بارعين في هاته الترجمة إلى درجة تحس معها أنهما إنما يؤلفان لا يترجمان. وإن في الكتاب مقياساً عادلاً لحبكة الترجمة فقد لاحظ الأستاذ عثمان نويه أحد المترجمين وكاتب المقدمة، لاحظ أن الكتاب الإنجليزي لم يلتفت إلى الحضارة الإسلامية وما طلعت به على العالم من تقدم. نعقد لها فصلاً لو لم يعترف الأستاذ عثمان في مقدمته أنه هو الذي أضافه، لاعتبره القارئ من أحسن فصول الكتاب جميعاً. فإن فيه إجمالاً تاريخياً كاملاً، وعرضا لما دعمته الحضارة الإسلامية من أسس في حضارة العالم. كل ذلك في صفحات قلائل، تطالعك فيها المعلومات في حشد هائل، يقفو بعضه بعضا وهي مع ذلك مبسوطة في يسر، تغريك بنفسها فتكاد لا تحس بما ينسرب إلى ذهنك من حقائق كانت جافة، جرى عليها قلم نويه، فكسب فيها الماء ينديها ويرسلها إلى ذهنك في لطف القصة الشائقة.
والكتاب كله يترقرق بهذه المائية في عرضه. فأنت مرتاح لما تقرأ دائماً، مقبل عليه لذة. وتمتاز مؤلفة الكتاب بخاصية عجيبة، تدرك بها أين يمل القارئ، فهي منتقلة به إلى الجديد، فتجدد عنده حب المتابعة. وهكذا تظل به واثبة من عصر إلى عصر، ومن تقدم إلى تقدم.
وإنك لتلمح في الكتاب ظلاً واسعاً لفنانة مخلصة، تتتبع نشأة الفن تتبعاً دقيقاً، فتراها تلقى ضوءاً باهراً على أثر الفن في حياة الأجداد، ثم الأبناء فالأحفاد. كما تبين المصادر الأولى التي انبثق الفن من بينها. فكانت تركن حيناً إلى الحقائق التاريخية، فإن انتقدتها وفقدتها عمدت إلى خيالها، وتصورت الأسباب التي نشأ عنها كل فن من الفنون. ولكن يبدو أن الكاتبة ليس لها ولع كبير بالموسيقى، فقد اكتفت بأن ألمعت إليها في عجالة يسيرة. وقد صورت الكاتبة حياة الإنسان الأول، بل صورت الحياة الأولى كلها، وكيف كان العالم، ثم كيف تطولت فيه الجبال الشم، وكيف انفرجت الأرضون فيه عن البحار والمحيطات؛ ثم تنتقل بعد ذلك إلى الحيوانات وبدء خلقها، وكيف تشكلت كل منها لقوائم الحياة التي تعيش فيها، ثم كيف جاء الإنسان هذا وتسلح بعقله ليقابل الأسلحة التي سبقه بها الحيوان الذي تقدمه في الظهور، واستطاع أن يشكل نفسه بما يبقى عليه حياته. ولكن الكتابة تربك أن سلاح الإنسان كان أفتك وأشد قتلا، وأنه به استطاع أن يعيش، ويصل إلى ما هو عليه يتتبع الكتاب ما أحدثه هذا السلاح من تغير العالم، وتظل تتابعه في رشاقة وخفة، حتى تصل به إلى منتهاه، فترى الكاتبة وقد هالها ما فعل السلاح من أعمال مجيدة، ثم هي تقف إليه رانية إلى مستقبله في خشية؛ فتراها تحذره مغبة التقدم إذا كان إلى شرها وقاء. وترى الكاتبة تتساءل عما سيفعله الإنسان بعد أن هيأ لنفسه هذا الفراغ العريض، وبعد أن أرسل الآلات تأخذ مكانه في كل عمل يقوم به. تتساءل ترى أيرد الجيل الحاضر جميل الغابر. . . يرده بالخير والبركة على الأحفاد، أم تراه سيتقدم ليقذف كل عود يستوي إلى أتون من الظلم، فينصهر الشاب، وتنحطم الآمال، وتتواكب الظلمات من عقول آنسة لاهم لها إلا الخراب والتدمير. تخاف الكاتبة، فتناشد قومها - والعالم كله قومها - أن يمثلوا فراغهم بالفن، فهو سبيلهم إلى التحرر من الحيوانية، وهو سبيلهم إلى التحرر من الآلية، وقمة الرقي إذا ارتفاعها الإنسان فقد ارتقى.
هكذا تفكر كاتبة الغرب، فهل قرأ الغرب أفكار ابنته؟ وإذا كانوا، أتراهم بها سائرين؟ إلا فليتقوا الله في إخوانهم من بني الإنسان. وليتقوا الله في آبائهم العباقرة. وليتقوا الله في هذا العالم الذي نعيش فيه.
ثروت أباظة