الرئيسيةبحث

مجلة الرسالة/العدد 841/القصص

مجلة الرسالة/العدد 841/القصص

بتاريخ: 15 - 08 - 1949


الأحلام

مسرحية للكاتب الإنجليزي أرك برادول

ترجمة الأستاذ علي محمد سرطاوي

أشخاص المسرحية:

إيف: (حواء) وهي فتاة جميلة في الثامنة عشرة من العمر

الجد: وعمره فوق الثمانين

روح

طبيب

أمير

امرأة

مكان المسرحية:

(منزل الجد: غرفة مريحة كسيت جدرانها بألواح من خشب البلوط قد عبث بها الدهر. في طرفها موقد كبير يتأجج في ناره حطب جزلي. ضوء الغرفة شاحب مضطرب، يتألف معظمه من لهيب النار. وهي غرفة تتراقص فيها الأشباح ويتراخى فيها هدوء عميق شامل. جلس الجد أمام الموقد، وقد أحنت ظهره السنون، وقد راح ينفث الدخان من غليون يماثله في القدم. ويبدو في مطلع المسرحية هادئاً لا يتحرك إلا قليلاً.

وجلست إيف أمام الموقد، منحرفة عن النار قليلاً، وقد تراقصت على وجهها ظلال اللهب، وتدل نظرات وجهها على القلق والحيرة. وكلما امتد شوط المسرحية يبدو معنى اسمها (حواء) واضحاً جلياً. أما لباسها فبترك لذوق المخرج وفنه وكل ما يتصل بحوادث المسرحية نفسها فإذا أخذ نصب عينيه أن يقلل من أهمية الزمن للمشاهدين فقد يوفق كثيراً وحينما ترتفع الستارة، تقف إيف ناظرة إلى الباب. ولا داعي مطلقاً لقطع الصمت الذي نستغرق فيه. وعندما يبتدئ الحوار يجب أن يكون هادئاً وبطيئاً).

الجد: فيم تفكرين يا بنيتي، وماذا يدور في خلدك؟ إيف: (في بطء) أفكر قليلا في أمور خطيرة، وكثيرا في أمور تافهة!

الجد: أصحيح ما تقولين؟ إذا لم تخني الذاكرة، فقد كانت أمك كذلك، وكانت أمها مثلها.

إيف: نعم! إننا من طينة واحدة. ما اغرب ذلك. الا يدعو أمر من هذا النوع إلى العجب!

الجد: لا يدعو إلى الغرابة الا السر المجهول، وحتى ذلك لا يبدو غريبا إذا اتصل بعلم الإنسان!

إيف: (متنهدة) نعم يا جدي!

الجد: لماذا تتنهدين يا وردتي العابقة!

إيف: لماذا تتنهد كل امرأة!

الجد: حقا. . . لماذا. . .؟ لقد حيرني هذا الأمر طويلا!

إيف: آه. . ترى لو قيل لي اختاري شيئا واحدا بمفرده من الدنيا بأسرها، فهل كنت أستطيع ذلك؟

الجد: لا تتعلقي بأمل واحد، مخافة ان تمر بك آمال أخرى فلا تتلفتين إليها في سير الحياة!

إيف: لست اعرف بالضبط أملا واحدا أهفو إليه.

الجد: أكان هذا سبب تنهدك؟

إيف: نعم. . . انه عمر حافل، تكاد صوره تفلت من ذاكرتي. (يتنهد) والذي اعرفه انه كان طويلا جدا.

إيف: إذن في مقدرك ان تخبرني عن اثمن شئ في الدنيا؟

الجد: ان اثمن شئ في الحياة يا بنيتي، هو الشيء الذي لا تصل إليه يد الإنسان، والإخفاق هو أساس التقدير. لا تتعبي خيالك المرهف بأفكار معقدة من هذا النوع.

إيف: لست أنا التي تضطرب في مهب هذه الأفكار، ولكنها هي التي تدفعني إلى الاضطراب دفعا عنيفا في تيارها.

الجد: ان كل إنسان في الدنيا يتمنى ان يحصل على الصحة والثروة والسعادة.

إيف: (مفكرة) الصحة. . . والثروة. . . والسعادة.

الجد: لا اعرف إنسانا اجتمعت عنده هذه الإما ني الثلاث، وقلما أدرك أحد أمنيتين منهما؛ وإذا كان في استطاعتك الحصول على واحدة منها فان حظك لسعيد.

إيف: (في رقة) نعم. . . يا جدي. (تشير فجأة إلى النار) آه! انظر!

الجد: ماذا؟

إيف: لقد تلاشى. آه. . آه. . لقد خيل إلى إنني أرى شبحاْ صغيراْ يرقص على اللهيب.

الجد: انك مرهق الإحساس، وكثيراْ ما يرى صاحب هذا الإحساس أحلاماغريبة.

إيف: وكثيرا ما أراه هناك حينما أفكر كثيرا (بسذاجة) لعلني أحلم دائما بالآمال

الجد: (ملاطفا) ان الأحلام لا تضر أحدا.

إيف: أحب ان أتمنى الثروة لأننا فقراء. . .

الجد: لكن لا تنسي ان الثروة كثيراً ما تسير في ركبها التعاسة!

إيف: إذن سأتمنى السعادة.

الجد: هل في استطاعتك ان تكوني سعيدة بغير صحة؟

إيف: آه. لقد فاتني ان أتمنى الصحة التي هي اثمن شئ في الحياة (في تصميم) نعم. . . نعم سأتمنى الصحة. ولكن إذا لم أتمن الثروة فسنظل فقراء، ولم اعرف ان الفقر حمل السعادة لنا في الماضي، فأريد أن أتمنى الثروة أيضا. وما دمت ترى ان الثروة لا تجلب السعادة، فأود ان أتمنى السعادة أيضا. (بحرارة) آه. . يا أبت. . . لقد تمنيت الثلاثة مجتمعة بدل من واحدة! (يداعب النعاس عيني الجد، فيأخذ رأسه في حركة بطيئة يميل إلى الإما م، ويستقر على صدره. . . وترتخي يده الممسكة بالغليون فيسقط على صدره أيضا. تخمد النار فجأة. . يمر بالغرفة تغيير مفاجئ تتراقص في جوها الأشباح. . تحملق أيضا في اللهب مبهورة. . . وعلى غير توقع تسمع من ورائها. . . من الظلام صوتا يقول: (

الروح: ولكن ليس في مقدورك الحصول على الثلاث معا.

إيف: لماذا؟ من أنت؟

الروح: أنا روح اللهيب الذي لا يفنى. . . أنا الذي يمنح الإما ني النادرة للذين يستطيعون الاختيار.

(ترى إيف الروح الآن في الظلام الذي يعتصم به غير جلي. . . وقد بدا كتلة من السواد لا تستطيع تبيان شكله. في استطاعة المخرج ان يطلق لفته العنان في الترتيب)

إيف: (في شئ من السرور) يا للسماء؟ لقد رأيتك ترقص في اللهيب.

الروح: آه. . نعم. أنني أرى في كل نار. . . في نار الشباب. . . وفي نار الحب. . . وفي نار الطموح. .!

إيف: ولماذا أتيت إلي!

الروح: لأحضر لك هدية!

إيف: (تدق يدا بيد) ما أجمل ذلك. ما هي؟

الروح: أثمن شئ في الدنيا!

إيف: (في لهفة) ولكن ما هو ذلك الشيء؟

الروح: ان اختياره يتوقف عليك.

إيف: (باكية) ولكنني لا أعرف.

الروح: يجب عليك ان تختاري.

إيف: (في شك) كيف في استطاعتك إعطائي ما اختار!

الروح: أستطيع ان أعطيك شيئا واحدا. . . أي شئ. . . على ان يكون من اختيار نفسك ومن غير إيحاء الآخرين.

إيف: ولكن جدي الذي تراه يغط في نومه إما م النار يقول ان أثمن ثلاثة أشياء في الدنيا هي الصحة والثروة والسعادة كيف أستطيع اختيار واحد منها؟

الروح: هنالك أشياء أخرى (محذرا) ولكن تذكري انك لا تعطين الا شيئا واحدا فقط.

إيف: يبدو لي الأمر أكثر صعوبة مما توقعت. علي ان لا أكون متهورة في الاختيار.

الروح: (بعد صمت) هل اخترت؟

إيف: واأسفآه! لم أستطع. أليس في امكانك مساعدتي؟

(يتلاشى خيال الروح مبتعدا في الظلام)

إيف: أرجوك البقاء! لما أختر! أريد ان أكون أكثر رؤية وحذرا!

الروح: أوه! أود مساعدتك! سأريك الصحة والثروة والسعادة. ولكن اذكري دائما ان هنالك أشياء أخرى غيرها في الحياة.

إيف: كيف؟ أيمكنني ان أرى ذلك؟

الروح: (في غضب) سأريك ذلك. لا تسأليني كيف؟ إيف: أنني لشديدة الأسف! (بعد صمت) أرجو ان لا أكون قد أسأت إليك.

(لا تسمع جوابا. تفتش الغرفة. لقد اختفى)

إيف: (مضطربة) أرجو ان لا أكون قد أسأت إليه.

(قرع عنيف على الباب)

إيف: آه. . من الطارق؟

(تقترب من جدها لتوقظه، ولكنها تتوقف عن ذلك. . . تتراجع إلى الباب ماشية على رؤوس أصابع رجليها. تفتح الباب. يدخل شاب جميل يبتسم)

الطبيب: عمي مساء. أرجو ان تغتفري لي تطفلي بالمجيء إليكم في مثل هذه الساعة المتأخرة من الليل. لكنها زيارة لم أجد بدا منها.

إيف: هل طلب ذلك إليك أحد؟

الطبيب: لم يطلب الي ذلك! الفرق طفيف. . . أكرر اعتذاري مرة ثانية؟

إيف: آه. . لم نرسل في طلبك أبدا! أتريد ان تقابل جدي؟

الطبيب: رغبة من هذا النوع لم أفكر فيها!

إيف: إذن لماذا أتيت؟

الطبيب: أتيت لأراك!

إيف: أرجو ان توضح ذلك!

الطبيب: أنني طبيب كمعظم الأطباء، غير أنني أختلف عنهم قليلا.

إيف: في أي شئ تختلف عنهم!

الطبيب: أنني لا أعالج مرضى.

إيف: لا تعالج مرضى! ألا يبدو كلامك غريبا!

الطبيب: غريبا! لماذا يبدو لك غريبا!

إيف: (بصراحة) حسنا! إذا كان ما تقوله صحيحا فانك طبيب غير ماهر لا يستعمل معرفته وفنه.

الطبيب: لكنني من طراز نادر من الأطباء.

إيف: إذن لماذا لا تعالج المرضى؟ الطبيب: لا أعالجهم لأنني لا أستطيع شفاء أمراضهم!

إيف: (في لهجة قاسية) فلست طبيبا أبدا!

الطبيب: ما الذي يدعوك إلى هذا الظن؟

إيف: لانك لا تستطيع شفاء المرضى.

الطبيب: (في لطف) لا أستطيع شفاء المرضى لأنني لا أراهم ولعلك تلاحظين الآن الفرق جليا.

إيف: بالتأكيد. هنالك فر ق عظيم.

الطبيب: وان حزنا غريبا ليعتادني من وقت إلى آخر.

إيف: قد يكون ذلك صحيحا.

الطبيب: لا تبصر عيناي المرضى على كثرة عددهم. لا ترى عيناي غير الصحة في أجمل وأروع مظاهرها.

إيف: ان ذلك يبدو غريبا محيرا.

الطبيب: لقد مر ألف عام علي، لم أجد فيها مريضا واحدا أجرب فني في معالجته.

إيف: (غير مصدقة) ألف عام؟

الطبيب: (متلطفا) هل بدا ذلك مخيفاً؟

إيف: آه. ربما. . . لا. . . لا

الطبيب: أتظنين ان ملامح وجهي تدل على عمري

إيف: أبد. انك تبدو قوياً، جميلاً، فاتناً

الطبيب: شكراً لك. ان هذه النقطة مهمة جداً

(يتململ الجد ويسمع لاستيقاظه صوت)

الجد: (يعتدل في جلسته) لقد غلبني الكرى على أمري

إيف: نعم يا أبت

الجد: من هو هذا الشاب يا إيف؟

الطبيب: عم مساء يا سيدي الشيخ الوقور

إيف: انه طبيب يا أبت. هكذا أخبرني الجد: (مرتجفاً) طبيب! هل نحن في حاجة إلى طبيب؟ أكرر قولي هل نحن في حاجة إلى طبيب يا إيف: (إلى طبيب) لماذا أتيت؟

الطبيب: أتيت لأشاهد جمال حفيدتك الساحر الذي تحدثت به الركبان في كل مكان ذهبت إليه في البر والبحر.

الجد: وماذا تريد؟

الطبيب: أريد ان أطلب يدها للزواج

الجد: أتعني ما تقول؟ ان هذا أول طلب أسمعه. هل في استطاعتك إسعادها؟

الطبيب: كيف تريد ان تكون سعادتها؟

الجد: بمتاع الدنيا

الطبيب: لا أحب متاع الدنيا وما فيها من نوهم وغرور

الجد: (بلهجة جافة) ولكن حفيدتي تحب ذلك. ما هي ثروتك؟

الطبيب: أتريد ثروة الجسد، أو الروح، أو ثروة المادة البراقة الخادعة؟

الجد: لا تدر حول الحقائق. أريد المادة. وأعني الثروة

الطبيب: أنني لا أملك يا سيدي شيئاً من ذلك أبداً. ان مهنتي قد علمتني ان لا أقيم وزناً لأمور تافهة من هذا النوع. ان الجمال في حاجة إلى الصحة، وفي مقدوري ان أمنحها ذلك، كما في استطاعتي منحها أموراً أخرى

إيف: ما هي الأمور الأخرى؟

الطبيب: لا أعطي ما عندي إلا لأولئك الذين يغمرونني بالحب ورغماً عن طلبي يدها للزواج فأريد منها الحب قبل ان أمنحها أي شئ. وسوف ترى كيف يصنع الحب المعجزات وينيل السعادة

إيف: انتهى كل شئ بيننا. لا أحب هذه الصفقة. أنني راغبة عنها. ان التوفيق ينقصها

الطبيب: أنني أعطي الصحة ولكنني أفتش عن الحب

إيف: (غاضبة) اذهب إلى غير رجعة أيها الذي يطلب الحب ولا يشعر به، ولا يعطي إلا الصحة. . . الصحة ليس إلا، لا أريد صحتك. . . ان مرض الجسم ليس شيئاً بالقياس إلى مرض الروح أنني أرضى عن طيبة خاطر ان تهاجم الأمراض جسدي في سبيل المحافظة على هناءة روحي. إذهب. . . إذهب. . . إذهب

الطبيب: ما دام الأمر قد انتهى إلى هذه النتيجة، فمن العبث الاستمرار في الحديث. لن تتكرر هذه الفرصة التي أتيحت لك فرغبت عنها. أتمنى لك يا آنستي مساءاً سعيداً

(يختفي الطبيب قبل ان يتلاشى صدى كلماته)

الجد: (يعود إلى كلماته) شاب غريب الطباع. ما رأيت على شاكلته أحداً قبل اليوم

إيف: انه لكما تقول. ويخيل إلي الآن أنني كنت متهورة. لقد كان جميلاً جذاباً رائعاً. (يتسلط النوم على الجد فيغفو مرة ثانية) لا أستطيع ان أصدق انه عاش ألف سنة، ولعله لم يكن جاداً في حديثه يا أبت. كم يكون جميلاً ان يكون لإنسان صحة رائعة ثم لا يموت، وان يكون إلى جانب ذلك رائعاً فتاناً. ليتني لمست في بعض حديثه معنى من معاني الحب. لقد ساومني على جسدي فاحتقرته. من يدري! لعله يعود مرة أخرى

(يظهر الروح مرة ثانية بين الضلال المتراصة في الغرفة)

الروح: انه لن يعود إليك أبداً

إيف: أهو أنت مرة أخرى! لقد روعتني!

الروح: ألم تتوقعي حضوري؟

إيف: لا

الروح: تقولين لا. . . ان الانتظار يحمل في ثناياه معنى الشك، ويخيل إلي ان ليس لديك شك أبداً. لعلي مصيب في رأيي!

إيف: لم أفهم معنى ما تقول

الروح: أنني أتكلم كما أعيش

إيف: بالكلام الذي لا يفهم

الروح: أليست الحياة لغزاً؟ ألم تجديها كذلك؟

إيف: ان جميع ما تحدثني عنه غير واضح بالنسبة إلي أليس كذلك؟

الروح: ليس فيه شئ غامض مطلقاً

إيف: أستميحك المعذرة!

الروح: هل احتفلت بالزائر الذي أرسلته إليك؟ إيف: أأنت أرسلته؟

الروح: نعم ألم تعرفي ذلك؟

إيف: ربما. . . لم أكن متأكدة!

الروح: وهل أحببته؟

إيف: (مذعورة). . . لست. . . حقيقة. . .

الروح: (بصراحة) كما توقعت تماما

إيف: (بهدوء) أبداً. . . كيف عرفت ما كان يدور في خاطري؟

الروح: هل كانت مهمته إذن غير موفقة

إيف: (في حنان) بالتأكيد. . . كما تقول

الروح: ان الأشياء في حد ذاتها لا قيمة لها، وإنما ترتفع تلك القيمة حينما تتلاقى الأضداد. ان التناقض أساس الانسجام في الحياة. ان الانسجام هو الذي يولد السعادة

إيف: لقد أحسنت التعبير. لا فض فوك!

الروح: لست في حاجتك إلى معرفة المتناقضات ودراستها، ليكون حكمك صحيحاً على طبائع الأشياء

إيف: كيف؟

الروح: (محتداً) لا تسأليني أسئلة في هذا النوع

إيف: (بهدوء) آسفة جداً. عفواً

الروح: سأريك الثروة، ولست أدري كيف يكون موقفك منها؟

إيف: ولست أدري أيضا

(تسمع أصوات أبواق خارج المنزل، يختفي الروح مرة ثانية، يفيق الجد مذعورا من الأصوات)

الجد: ماذا تسمع إذناي! يا للسماء!

(أصوات في الخارج تردد الأميرالأميرالأميرتسمع إيف الأصوات فتسرع إلى مرآتها تصلح هندامها. ينهض الجد متثاقلا إلى الباب ويفتحه)

الأمير: (من طرف المسرح) أهذا منزل إيف؟ الجد: ان لي حفيدة بهذا الاسم!

الأمير: (يدخل) إذن أرجو ان تحضرها أيها الشيخ. أريد ان أقول لها كلمة.

(يبدو الأمير في ملابس حريرية مزركشة بالحجارة الكريمة النادرة قصير وضخم الجثة. يتلفت حواليه في قلق ظاهر)

إيف: (تشير إليه) أنني إيف التي تسأل عنها.

الأمير: (يحس بشعور من الحب مفاجئ نحوها) آه. رحلة موفقة إنها جميلة.

إيف: ماذا تريد أيها الأمير؟

الأمير: (مرتبكا قليلا) أتيت لأحملك معي الآن!

إيف: تحملني معك!

الأمير: نعم فماذا تقولين؟

الجد: لا. . . ان هذا الأمر مستحيل. لقد مضى الموعد الذي تأوي فيه إلى فراشها. . قد مضى. . عليها ان. . .

الأمير: أغرب عن وجهي أيها الأثر القديم. داعب شعر لحيتك إما م النار. . إياك ان تنبس ببنت شفة

(يتراجع الجد مذعورا دون ان يقول شيئا)

إيف: (في غضب) كيف تجرأت على قول هذه الكلمات القاسية لجدي.

الأمير: تقولين تجرأت أيتها الشابة. ومن غير الأمير يفعل ذلك ويأمر الناس؟

إيف: (بجرأة) أنت تعتقد ذلك. . وربما. . .

الأمير: أنني أعجب بجرأتك التي تماثل جمالك البديع.

إيف: (ببساطة) الجمال؟ أتراني جميلة في عينك؟

الأمير: جميلة ورائعة أكثر مما أصف، وهذا الجمال هو الذي جذبني إليك.

إيف: هذا شئ يحيرني تماما.

الأمير: لقد سمعت كثيرا عن جمالك وسحرك وجمال عينيك فأحببت ان يكون كل ذلك لي من دون الناس جميعا.

إيف: لأية غاية تريد هذا الجمال؟ الأمير: (مقهقها) انك تحملين عقل طفل برئ، وهذا من حسن حظي ويمن طالعي. وهو مما يزيد في رغبتي فيك وحبي لك وتلمسي العزاء والراحة بالقرب منك.

إيف: هل الأمير في حاجة إلى مواساة من أحد؟

الأمير: (في سرور زائد) ان لها لسانا ساحراً أيضا ومنطقا سليما.

إيف: وماذا تريد مني؟

الأمير: أريد. . . نفسك وحسبي ذلك. (يحرك يدا قد أثقلت كمها الجواهر اللامعة) انظري. أنني أدفع ثمن ما أريد ذلك غاليا. من هذا الجوهر الثمين. سيكون كل ذلك لك. . . ولك وحدك

إيف: الثروة؟

الأمير: طبعا

إيف: (في هدوء) يخيل ألي أنني قد بدأت أدرك الحقائق.

الأمير: يسرني جدا ان أساعدك على ذلك.

إيف: كيف تساعدني؟

الأمير: في فهم الأمور على وجهها الصحيح.

إيف: ليبدو لي أننا نتحدث عن أمرين متناقضين، ونرمي عن قوسين مختلفين.

الأمير: ان الثروة فصيحة لا تحتاج إلى لسان.

إيف: (بمرارة) ان الحياة مع أمير لا تروق لي.

الأمير: (بلطف) معذرة يا آنستي، لم يدر بخلدي ان أجعلك أميرة.

إيف: لكن. . . لكن ظننت انك قلت. . .

الأمير: قلت ان ثروتي ستكون تحت تصرفك. وهي كما ترين صفقة رابحة بالنسبة إليك وبالنسبة إلى ما ستقدمين لي من جمال وحب.

إيف: أوه. . . الحب!

الأمير: لقد نسيت ان أذكر لك ذلك، أعطيك الثروة وتعطيني الحب.

إيف: أتعني انك تريد ان تتزوجني؟

الأمير: (ينفد صبره) كلا، كلا. أحسب أنني قد أوضحت لك ذلك بصراحة لا غموض فيها.

أنني أقدم لك الثروة والملابس الفاخرة والمجوهرات.

إيف: وماذا تريد مني عندئذ؟

الأمير: (بقهقهة) أريد منك ان تحبيني كما تفعل كل فتاة جميلة

إيف: لنتحدث الآن بصراحة مهما تكلفنا ذلك!

الأمير: إذن فقد اتضحت لك مقاصدي

إيف: تمامابالضبط

الأمير: هل أنت راغبة فيها

إيف: كلا. بكل أسف.

الأمير: ولكن لماذا؟

إيف: ان الزواج يتراءى خيالا جميلا ساحرا إما م عيني

الأمير: لماذا تثرثر النساء كثيرا عن الزواج في مناسبات من هذا النوع؟

إيف: ألا توافقني على ذلك؟

الأمير: ان الزواج حيلة اخترعتها المرأة لترفع من شان نفسها. دعينا من هذه الأمور السخيفة وامضى معي. لا أستطيع الزواج لان زوجتي أميرة ولي محظيات غيرها

إيف: ما أقبح ذلك بك أيها الأمير

الأمير: ليس قبيحا ما يبدو لك. إنما هي عادة اعتدتها. لقد وجدتها بعد التجربة متعبة

إيف: إذن لماذا الي بأسم الحب

الأمير: أنني أبحث عن الحب في كل مكان. انه الشيء الذي لا تستطيع ثروتي الحصول عليه. جربت ان أطلبه بثروتي في محاولات متنوعة، ولكنني عدت منها بخفي حنين. كثيرا ما يبدو لي هذا الأمر غريبا لأنني أدفع ثمن هذا الحب غاليا فلا أعثر عليه.

إيف: مرد ذلك الفشل إلى انك لا تعطي من قلبك ثمن الحب ولكن مما تملك يداك

الأمير: أخشى ان يكون ذلك مستحيلا

إيف: (تنظر إليه) ان لتجده حتما لو دفعت من قلبك ثمن الحب

الأمير: إذن ما الفائدة من الثروة إذا لم تكن وسيلة للحصول على شئ في الحياة؟

إيف: لست أعرف من الثروة ولا من فوائدها شيئا الأمير: تعالي. . . لتعرفي كل شئ إيف: أنني آسفة لا يمكنني ان أفعل ذلك الأمير: ولكن لماذا لا تريدين؟ (في لهجة منكسرة) لابد من سبب دعاك إلى الرفض

إيف: لانك سمين جدا وغير جميل

الأمير: (في مرارة) كنت أظن ان بريق الجواهر سيذهب بنور عينيك فلا تبصرين عيوبي. واأسفآه. ان المرء لا يستطيع ان يملك كل شئ.

إيف: ربما كان ذلك. ولكنني لم أجد صعوبة كبيرة في اكتشاف ما فيك من العيوب

الأمير: إذن ترفضين طلبي!

إيف: رفضا قاطعا

الأمير: (في لهجة حزينة) هذا ما كنت أخشاه. لقد رضيت بالغاية وكرهت الوسيلة. ان الثروة هي أحبولة الشيطان للمرأة، ولم أجد امرأة لم تقع فيها.

إيف: ان ما تقوله صعب التصديق

الأمير: لقد ولدت أحلام الحب ميتة بيننا. لقد أخفقت وانتهى كل شئ

إيف: إماأنا فلقد ربحت المعركة التي كنت احسبني مدحورة فيها

الأمير: نعم. ان ذلك يدعو إلى التفكير

إيف فكر مليا في سبب إخفاقك، ولعل ذلك يعود عليك بالخير الكثير

الأمير: (متذمرا) لا أجد شيئا يبعث الراحة إلى قلبي غير الحب الذي أضناني التفتيش عليه. لقد أخفقت فيما كان يداعب قلبي من إما ن وأحلام. كم أتمنى ان أنام نوما عميقا في الليل، وأترك الثروة التي لا تنيل الحب، طائعا مختارا

إيف: أوه. أتجد النوم صعبا بالنسبة إليك

الأمير: انه سوء الهضم أيتها الآنسة. ان الثروة لا تسير جنبا إلى جنب مع الصحة لقد دفعت ثمن الثروة غاليا من راحة جسدي. أنني ضعيف الإرادة.

إيف: إذا أصبحت إرادتك قوية فماذا تفعل؟

الأمير: لعل الأمور تختلف آنذاك. إرادة أي إنسان تقوى على الصمود إما م جمال فتاة ساحرة. ان الثروة تفتح أبوابا كثيرة ولا نعرف - إلا متأخرين ان أبوابا أخرى لا تستطيع فتحها. لا أريد ان أعترف لك كثيرا، ولكنني اندفع إلى ذلك تحت تأثير جمالك. أود لو أنني فقير بائس جميل الصورة فنجد السعادة بدلا من الحب.

إيف: أتحسب ان الفقر والحب لا يجتمعان؟

الأمير: قد يكون ذلك صحيحا أو غير صحيح. إنما مرد كل إلى طبيعة الإنسان.

إيف: (في هدوء) كل رأي مرده إلى طبيعة الإنسان! والآن أرجو ان تذهب، فان بقائك حتى الآن إلى جانبي لمما يؤلم جدي إذا استيقظ.

الأمير: (بدون احتشام) ألا تعاودين النظر في أمري!

إيف: أبدا. أبدا. . . جد آسفة. لن أرغب فيك مطلقا.

الأمير: (متذمرا) أنني لا أحسن الهجوم وهذا ذنبي (مبتهجا) لكن الجواهر لا تزال معي. ما أقبح الحياة إذا لم يجد المرء فيها ما ينسيه الإخفاق في حب امرأة. (صوت أبواق من الخارج) استمعي! ان رجال حاشيتي قد قلقوا لتأخري. الوداع أيتها العذراء الطاهرة. إذكريني. . . لا تجعلي ذكرياتي في نفسك مرتبطة بما تكرهين وإذكري. . . أنني قدمت إليك أحسن ما عندي. (خرج).

إيف: ما أثقل ظل هذا المخلوق القميء!

الروح: (يظهر) لقد بدا لي انك لم تحتفلي به أبدا.

إيف: أبدا. . أبدا.

الروح: ألا يدعو ذلك إلى الأسف؟ لقد كان لديه الشيء الكثير من الذي يتهالك الناس عليه في الحياة وكان راغبا في تقديمه إليك.

إيف: لقد تعلمت من ذلك أيضا ان لدي ثروة نادرة أغلى من الدر والجوهر والذهب يطلبها الناس.

الروح: نعم. نعم. صدقت.

إيف: وعلى ان أكون حريصة على هذه الكنوز فلا أمنحها من لا يستحقها.

الروح: صحيح مرة أخرى. لكن الذي أريد معرفته: ما هو اعتراضك على صديقي الأمير؟

إيف: أنني لأحس في قرارة نفسي بالأسف على خيبته، وانه إحساس يملأ نفسي بالزهو ان أشعر بالأسف على فشل أمير لقد وجدته قد فقد الإدراك الصحيح لموازين الأشياء ومقياس الحقائق.

الروح: إماصديقي الزائر الأول، أفلم يفقد إحساسه بالزمن! ألا بربك خبريني: أيهما وجدت أكثر أهمية إدراك الزمن، أم إدراك حقائق الأشياء؟

إيف: انك تسأل أسئلة محيرة أيها الروح!

الروح: ان الأسئلة المحيرة تغلب على أجوبتها الطرافة.

إيف: اسمح لي ان أقول لك أنني تعلمت كثيرا من صديقك وكثيرا جدا.

الروح: وماذا تعلمت أيتها الآنسة؟

إيف: تعلمت ان الصحة لا تقيم وزنا للثروة، وان الثروة كثيرا ما تطلب الصحة.

الروح: يا للأسف! هل اكتشفت ذلك؟

إيف: ذلك ما تأثرت به على الأقل. وخيل ألي انهما يفتشان عن السعادة. وقد يكون مبهجا - إن لم يكن مغريا - أن يعرف المرء ما هي السعادة. (تضم بيديها) السعادة! ترى أتكون السعادة أثمن ما في الدنيا؟ لست أدري

الروح: أراك تتعجبين؟ ان كثيرا من الناس على شاكلتك

إيف: أتستطيع ان تريني السعادة يا صديقي؟

(يختفي الروح، تتلفت إيف حولهاتسير إلى الموقد وهي تفكر تفكيرا عميقا، يفتح الباب، تدخل امرأة قصيرة الجسم يبدو على محيآها الشحوب والإعياء)

إيف: (مذعورة) آه. لا شك ان هنالك خطأ. .! ماذا تريدين أيتها السيدة؟

المرأة: (في لهجة حزينة) أسفا يا بنيتي! ألا تعرفينني؟

إيف: (تهز رأسها) لا

المرأة: (في حنان) أنني أمك

إيف: أمي؟ أمي! لقد ماتت أمي!

المرأة: ألا تتذكرين تلك الأم؟

إيف: لقد ماتت منذ زمن بعيد، ومحا الزمن صورتها من خيالي.

المرأة: لقد مات جسدها، إماروحها فلم تمت. إنها الشيء الذي لا يموت.

إيف: ولماذا رجعت من العالم الآخر؟

المرأة: لا تقولي هذه الكلمة فما بارحتك أبدا إيف: وما هي غايتك من هذه الزيارة الآن؟

المرأة: أتيت لأحملك معي. لقد بلغ جدك من الكبر عتيا، ولسوف يسير جسده في الطريق التي تسير فيه الأجساد إلى نهاياتها. سنذهب معا وهناك تعتادين على حبي، وسنجد السعادة معا

إيف: ولماذا غبت عني طويلا!

المرأة: لم أعرف ان الفراق كان طويلا إلا الآن.

إيف: أمي! أرى حديثك غريبا. ماذا تريدين مني!

المرأة: أريد حبك ولا شئ آخر.

إيف: وماذا تعطيني إذا أنا منحتك هذا الحب؟

المرأة: حنان الأم وحبها العميق. لا شئ، غير ما لك في قلبي من حنين، وما لي في قلبك من لهفة وشوق. لك مني الاطمئنان والسكينة والسعادة.

إيف: كيف أسعد الآخرين وأنا لا أجد الطريق إلى السعادة

المرأة: السعادة بين يديك إذا كان في مقدورك ان تحملي بين جوانحك حب الفتاة لأمها.

إيف: لقد سمعت الناس يتحدثون كثيرا عن الحب؛ انهم دائما يطلبون ولا يعطون.

المرأة: إمابالنسبة ألي فانك ستأخذين وتعطين. هذا هو السر. ان البساطة هي الطريق المعبد إلى السعادة.

إيف: ان البساطة هي مفتاح القناعة. لكن أين السعادة الحقيقية من ذلك. هل هنالك شئ يطلق عليه هذا الاسم؟ هل السعادة حديث خرافة يا أم عمرو؟ يخيل ألي إنها شئ معقد جبار يتألف من ألف فكرة، ومن ألف عاطفة، ومن ألف زخرة، ومن ألف عذاب. انها ليست شيئا واحدا أنني لن أجد السعادة الحقة معك

المرأة: ولماذا لا تجدينها معي معي أيتها الابنة الفيلسوفة!

إيف: لان ليس في استطاعة الإنسان ان يتذوق السعادة الخالصة الا إذا شرب كؤوسا مترعة بالشقاء من يد الزمن. ان السعادة شئ بعيد جدا عن مجرد القناعة، والسكون إلى حقائق الواقع المريرة. ليس في استطاعتنا الحكم على حقائق الأشياء دون الغوص إلى أعماقها.

المرأة: ان هذه الأفكار القوية لا تدور بخلد فتاة في عمرك

إيف: (ببساطة) أصحيح ما تقولين؟

المرأة: بعد ان يتعبك السير في الطريق الذي سترسمه لك الحياة، وبعد ان تبدد اليقظة أحلامك الجميلة؛ وبعد ان يتحطم الطموح فيك على صخرة الفشل - تعالي إلي - فستجدينني في انتظارك

إيف: أتحسبين أنني ان ذاك في حاجة إليك. ومع ذلك فان السعادة هي الحلم الجميل الذي لا يستحيل إلى حقيقة ملموسة. ويبدو لي أنني سأحلم كثيرا؛ وأتعلم كثيرا؛ وأعطي شيئا ليس بالقليل من عواطفي.

المرأة: سأنتظرك. سوف تمر بك ساعة تدركين فيها ان السعادة لا تتعلق بزمان ومكان. إنما هي سعادة الروح

إيف: ألا تحبين الصحة والثروة؛ ما رأيك فيهما؟

المرأة: أية قيمة للصحة حينما يموت الحسد؟ وما نفع الثروة إذا لم يستطع الإنسان استعمالها. وماذا يبغي بعد ذلك غير السعادة؟

إيف: نعم انك على حق. ولكن هل هنالك أمور أخرى في الحياة؟

المرأة: (في لهفة) الأمر المهم بالنسبة إلى ذهابك معي

إيف: (تهز رأسها) كلا. لن أذهب معك! ان العجز والهزيمة من الحياة أمر سهل جدا. أريد ان أحل ألغاز الحياة بنفسي. لن تهزمني الحياة أبدا. سأصمد لزوابعها

المرأة: سأكون في انتظارك اذكري ذلك جيدا.

إيف: سوف أتذكر ذلك

(تقف إيف مفكرة ومحملقة في النار، بينما تعود المرأة أدراجها من حيث أتت وتختفي)

إيف: هلم إلي يا صديقي! إلي يا مانح الهبات! ساعدني!

الروح: (يظهر) لبيك! لقد حان الوقت. هل اخترت!

إيف: واآسفآه! لم أستطع، لأنني لا أريد الصحة ولا الثروة ولا السعادة. لا أريد هذه في حد ذاتها بعيدة عن المعاني الإنسانية

الروح: يخيل إلي انك لم تتوقعي رؤيتها على هذا الشكل الذي بدت لك فيه.

إيف: نعم

الروح: لا تنسي ان هنالك أشياء أخرى في استطاعتك اختيار منحة منها

إيف: نعم هنالك أشياء أخرى. انك على صواب!

الروح: (في سأم) إنما عليك ان تختاري واحدة منها

إيف: لقد لاحظت ان الأشياء الثلاثة التي عرضتها علي، كان كل واحد منها يزعم ان في مقدوره إعطائي كل ما أريده، ومع ان كل واحد منها كان يمنح شيئا يختلف عن الآخر، الا انها جميعا كانت تطلب مني ثمن ذلك

الروح: وما هو ذلك الثمن؟

إيف: انه الحب. انها جميعا كانت تفتش عن الحب فيخيل إلي ان الحب أثمن شئ في الوجود.

الروح: أنني لا أستطيع تقرير ذلك.

إيف: لقد ظهر ذلك لي واضحا جليا لا غموض فيه.

الروح: إذن هل تختارين الحب كأغلى منحة!

إيف: كلا. لن أختار الحب. لأنه إذا كان من جانب واحد لم يكن حبا، وإنما هو خداع الطبيعة لاستدامة النوع ومد جذوره إلى المستقبل في وجه مستعار من شهوة الجسد. ليس الحب إلا امتزاج روحين، وتقارب قلبين وفناء جسدين في هدف لا يدرك. أنني لن أطلب الحب. ينبغي ان يأخذ الحب طريقه إلى القلوب بعيدا عن الإرادة والتوجيه. ان الحب الصحيح لا يطلب، ولكنه كالجوهر النفيس تكتشفه القلوب في مسارب الحياة

الروح: إذن أي شئ تختارين

إيف: إذا كان لابد من الاختيار فأختار العقل. انه ينجدني في الشدة؛ فأختار اختيارا صائبا، وأعيش حياة متزنة، وأحب حبا صحيحا. نعم سأختار العقل

الروح: (مقهقها) ها. . . ها. . . لا يختار العقل إلا إنسان مدرك عاقل. وأنت باختيارك لم تطلبي شيئا جديدا. لقد طلبت ما هو لديك. أهذا كل ما تطلبين؟ (يقهقه بصوت مسموع) انك يا آنستي العزيزة في غير ما حاجة إلى من يقدمه إليك!. . . ها. . ها. . ها. . ها. . . .

(يتلاشى الروح) إيف: (مفكرة) أنني لا أشك في سلامة عقلي

(ترجع إيف إلى وضعها الأول، جالسة إما م الموقد، محملقة في اللهيب، تتلاشى الخيالات تدريجيا ويتوهج لهيب النار، وبعد فترة تفرك عينيها، بينما يأخذ غطيط الجد يخفت، ثم يفتح عينيه)

الجد: لقد غلبني الكرى على أمري

إيف: لقد أغضيت طويلا يا أبت

الجد: ماذا كنت تصنعين أثناء نومي يا إيف؟

إيف: كنت أفكر

الجد: تفكرين! هل أضعت كل ذلك الوقت في التفكير؟

إيف: نعم يا أبت

الجد: لا أحسب انك فعلت ذلك! ربما يخيل إليك انك كنت تفكرين!

إيف: أنني واثقة من ذلك وثوقك بأنك كنت نائما

الجد: انك تفكرين كثيرا يا بنيتي؛ بماذا كنت تفكرين!

إيف: أفكر قليلا في أمور هامة، وكثيرا في أشياء لا أهمية لها! أليس كذلك يا أبت!

الجد: ان أساليب النساء تعجز الفهم، هلمي إلى فراشك

إيف: (تنهض) سمعا وطاعة يا أبت وشكرا

(أصوات ضحك تنبعث من بعيد)

(يهبط الستار)

علي محمد سرطاوي