مجلة الرسالة/العدد 837/مالتوس
→ مصطفى كمال الزعيم التركي | مجلة الرسالة - العدد 837 مالتوس [[مؤلف:|]] |
من أدب رمضان ← |
بتاريخ: 18 - 07 - 1949 |
ومشكلة السكان في مصر
للأستاذ محمد محمد علي
يعتبر مالثوس أشهر من كتب في مسألة السكان، إذ أثار الرأي العام في بلاده وفي البلاد الأخرى، كما نبه إلى ضرورة دراسة السكان، فهي أساس المشكلات الاجتماعية.
وقد ألقى مالتوس ضوءاً جديداً على مسألة السكان وقد أثار هذا جدلاً واختلافاً في الرأي. ولعل ما يعنينا في مصر هو معرفة الحد الذي تتحقق عنده آراء مالتوس في مشكلة السكان في مصر. وللوصول إلى ذلك يجمل بنا أن نعرض آراء مالثوس ونظريته في السكان، ثم نلخص النقط الأساسية في مشكلة السكان في مصر.
هنالك دوافع ثلاثة حفزت مالتوس إلى وضع كتابه المشهور: هي حياته وثقافته، والعصر الذي عاش فيه، ثم آراء معاصريه. فقد كان أبوه صديقاً لجان جاك رو سو، ونشأ في بيت تسوده المحافظة على التقاليد، لذلك كان لا يعتقد في إمكان إصلاح المجتمع عن طريق الثورة. وفي كمبردج جعلته حياته الدينية يؤمن بملازمة الألم للإنسان بسبب وجود الغريزة الجنسية وغريزة البحث عن الطعام.
وكان للعصر الذي عاش فيه أكبر الأثر في تكوين آرائه، ووضع نظريته؛ إذ كانت أوربا - في أواخر القرن الثامن عشر - في حالة سيئة نتيجة الثورة الفرنسية، وإنجلترا كانت تسودها أزمة اقتصادية واجتماعية، فقد ساء المحصول الاقتصادي في الريف. وكانت الصناعة تتقدم تدريجياً وزاد السكان تبعاً لذلك، وحالت الضرائب ورسوم الجمارك دون ازدياد موارد الغذاء. كما نتج عن الاختراعات لتحسين الآلات الاستغناء عن الكثير من العمال فانتشرت البطالة وعم البؤس مما أثقل كاهل الفقراء.
وكان من نتيجة كل ذلك ظهور آراء فوضوية بغية الإصلاح. وكان من زعماء الحركة الاشتراكية حينئذ: جودرين الذي كتب بحثاً في العدالة الاجتماعية، وكان يعتقد في طبيعة الخير التي تنطوي عليها البشرية؛ وكندرسيه وكان يرى إن الإنسانية تسير نحو الكمال في عشر مراحل وإنها كادت تبلغ ذروة الكمال في عهده.
إذن فالظروف التي سادت في عصره أوحت إليه بالتشاؤم فأراد أن يحذر مواطنيه من سوء العواقب. ثم إن آراء معاصريه لم ترقه فأراد أن يرد عليهم. لذلك وضع مالتوس كتابه وظهرت الطبعة الأولى منه 1798 بعنوان طويل اختصره في الطبعة الثانية عام 1803 ويبحث الكتاب في أربعة موضوعات:
العقبات التي تعترض زيادة السكان في الأزمنة الغابرة. ثم العقبات التي تعترض زيادتهم في الأمم الحديثة. ثم دراسة النظم المقترحة لعلاج أضرار زيادة السكان، وأخيراً عرض لآرائه ومقترحاته.
وتتلخص نظريته في السكان في نقط ثلاث:
1 - إن عدد السكان يحدد بالغذاء، فهناك علاقة بين عدد السكان وكمية القوت.
2 - يزيد عدد السكان كلما زادت كمية القوت إلا إذا وجدت عقبات قوية.
3 - هذه العقبات التي تجعل ازدياد السكان متناسباً مع الغذاء هي البؤس، أي المجاعة والحرب والأوبئة، والرذيلة أي الخيانة الزوجية والعلاقات الجنسية الفوضوية؛ والضابط الأخلاقي أي تأخير الزواج مع حياة العفة. وهذا العامل الثالث أضافه في الطبعة الثانية بعد إذ أتهمه الناس بالكفر لظنهم أنه إنما ينسب البؤس والرذيلة إلى قوة إلهية.
فمالتوس يرى أن المجتمع الإنساني كالكائن الحي في حاجة دائمة إلى الغذاء. وان من العبث معالجة الفقر بالتوزيع العادل للثروة. وينسب الفقر في المجتمع إلى اختلال التوازن بين عدد السكان وموارد الغذاء، على أن السكان يزيدون على حسب متتالية هندسية والغذاء طبقاً لمتتالية حسابية. لذلك يتضاعف عدد السكان كل ربع قرن: ما لم تكن هناك ضوابط إيجابية أو مانعة. ولم يناد مالتوس بضبط النسل بل نادى بالضابط الأخلاقي.
هذا عرض عام لآراء مالتوس والظروف التي أحاطت به حين تأليف كتابه. أما عن مشكلة السكان في مصر، فقد تحدثت عنها بإيجاز في مقال سابق. وأساسها ازدياد عدد السكان زيادة لا تتناسب مع زيادة الموارد الغذائية، وسوء توزيع الثروة، وإحجام أصحاب الأموال والشباب عن خوض غمار الصناعة واستغلال الثروة المعدنية. والآن يمكن أن نتبين مدى تحقق آراء مالتوس في مسالة السكان في مصر:
لم يتضاعف عدد السكان في ربع قرن بل تضاعف في نصف قرن. وقد يكون هذا راجعاً إلى الضوابط الإيجابية وهي البؤس والرذيلة.
وزاد السكان زيادة خطيرة في حين أن الغذاء زاد زيادة بسيطة. وهنا يحسن ألا ننظر إلى المسألة بعين مالتوس، فقد قامت الصناعة في مصر وبدأت تزدهر منذ ربع قرن وذلك بفضل عاملين: الحرب العالمية الأولى، والتعريفة الجمركية وحمايتها للصناعة المحلية. وليس من شك في أن العامل الصناعي يعيش في مستوى أرفع وأرقى مما يعيش فيه العامل الزراعي، وأوضح دليل على ذلك تكوين النقابات العمالية واهتمام الحكومات بالعامل الصناعي وخاصة في (وضع الكادر) والتأمين الاجتماعي. . . ومما يبعث على الأمل إمكان ازدهار الصناعة المصرية في المستقبل، وغنى مصر بثرواتها المعدنية، وما سيحدثه من تغيير عظيم مشروع توليد الكهرباء من خزانة أسوان.
ومن الصعب تنفيذ الضابط الأخلاقي في مصر في ظل المدنية الحديثة وما يعج فيها من مباهج و. . . حقاً يعمد الشباب إلى تأخير الزواج لدوافع اقتصادية واجتماعية، ومن جهة أخرى يستخدم ضبط النسل بنجاح بين الطبقة العليا والمثقفة.
أما توزيع الثروة توزيعاً عادلا فهذا ليس من العبث كما قرر مالتوس فليس يعيب ثروة مصر كميتها بل توزيعها. إذن لم تتحقق آراء مالتوس كلها كاملة:
ويرى الدكتور وندل كليلند حلاً لمشكلة السكان في مصر بما يأتي:
1 - العمل على زيادة الموارد الطبيعية زراعية وصناعية.
2 - تحديد عدد السكان بوسائل ضبط النسل.
ويظهر لنا من كتاباته أنه يحبذ الاتجاه الثاني لأنه لاحظ أن التقدم الحضاري في أوربا يصحبه نقص في المواليد، وذلك لزيادة رغبة الناس في صحة أحسن وسعادة أعظم وثقافة أرقى ورغبات أسمى، ولكن تحديد النسل من الصعوبة بمكان تبعاً للتقاليد والعادات والأفكار القديمة.
ولعل من المفيد أن أختم هذا المقال بما اختتم به كليلند كتابه إذ يقول:
إن موقع مصر الجغرافي يجعل من الصعب عليها أن تحل مشكلتها وحدها بل لابد من التعاون مع جاراتها، ذلك لأن النيل دولي:
محمد محمد علي
ليسانسيه في الآداب