مجلة الرسالة/العدد 836/الأدب والفنّ في أسبُوع
→ تعقيبات | مجلة الرسالة - العدد 836 الأدب والفنّ في أسبُوع [[مؤلف:|]] |
الَبريدُ الأدبيَ ← |
بتاريخ: 11 - 07 - 1949 |
للأستاذ عباس خضر
خليل مطران
فقد عالم الشعر يوم الخميس الماضي (3061949) علماً من
أعلامه بوفاة خليل مطران، كما فقدت به وسائر الأقطار
العربية شاعراً كبيراً، عاصر حقبة مضطربة من حياتها
السياسية ولابس فترة انتقال في حياتها الأدبية، فكان في
الأولى ممن غضبوا للكرامة الوطنية وجاهدوا في سبيل
الحرية، وكان في الثانية أستاذاً من أساتذة الجيل الذين ارتادوا
آفاقاً جديدة في عالم الشعر العربي الحديث، فسبق أقرانه في
الابتعاد بافتنانه في المعاني والصور الشعرية الجديدة، ومهد
السبيل لمن أتى بعد المدرسة الشعرية القديمة من شعراء
اتجهوا بكل فهم إلى الحس والشعور والحياة. . .
نشأ خليل مطران في موطنه الأول لبنان، وأمضى به صدر شبابه، ثم هجره إلى باريس حيث اشترك في بعض الحركات الوطنية، ثم عاد إلى مصر وكان قد نزل بها في طريقه إلى باريس فطاب له المقام بها، واشتغل فيها بالصحافة، وشارك بالإنتاج الأدبي كتابة وشعراً، وكان من العاملين على رقي المسرح فترجم له وألف، وظل يغرد بأشعاره في وادي النيل حتى أخذ مكانه في الصف الأول من الشعراء المقدمين. وكان المطران إلى جانب ذلك نشاط في مجال الاقتصاد والمال، زاوج بينه وبين نشاطه الأدبي.
كان رحمه الله دقيق الجسم، رقيق الحس، كريم العاطفة، وكان من الذين تأكل مشاعرهم العليا وإنسانيتهم الرفيعة وحيويتهم وغذاء أجسامهم. . . وقد قضى سنواته الأخيرة يعاني الاعتلال ويغالب الأدواء، ثم غلبته ففقدناه.
وكان مطران موضع التقدير والتكرم من كبار الرجال في مصر وغيرها، وكان أباً ودوداً وأخاً كريماً للأدباء والشعراء، ولم يسعد كاتب هذه السطور بلقائه ومعرفته الشخصية، ولكن طالما استرحت نسمات من سيرته الطيبة في مجالس الإخوان، وامتلأت مشاعري بما استفاض من بره ورقة شمائله0
فان مات خليل مطران فهو خالد في ضمير الأمة العربية شاعراً وإنساناً 0
اللغة في الإذاعة:
نشرت مجلة الإذاعة المصرية، أن حديثاً جرى في اجتماع لجنة الشؤون الدستورية بمجلس الشيوخ، بين بعض الأعضاء وبين الأستاذ محمد قاسم بك المدير العام للإذاعة الذي كان يشهد هذا الاجتماع، وأن سعادة العشماوي باشا رأى أن تكون الأغاني والتمثيليات باللغة العربية المبسطة، وقال الأستاذ جمال الدين أباضة بك: أن الشيخ سلامة حجازي الذي كان الجميع يطربون لأغانيه وتمثيلياته كان يلقى هذه الأغاني والتمثيليات باللغة العربية، ثم طلبت المجلة أن يبدي المستمعون آراءهم في هذا الموضوع.
والذي يقرأ هذا يخيل إليه أن الإذاعة تحافظ على اللغة العربية في كل برامجها ولم يبق إلا الأغاني والتمثيليات، والواقع أن جزءاً كبيراً من برامج إذاعتنا يؤدي بلغة لا هي عامية ولا هي عربية، مثل الأحاديث الطبية والزراعية، وما يلقى في ركن المرأة وركن الفلاح وغير ذلك، وأقصد هذا النوع الذي يعده صاحبه على أنه باللغة العربية، وما هو إلا تكسير لها واعتداء على صحتها. وأنها لمهزلة كبرى أن تذاع هذه اللغة المكسرة المهلهلة من الإذاعة الرسمية بأكبر عاصمة عربية في العالم.
في الصحف والمجلات رقابة لغوية، وأن لم تكن دقيقة في بعضها، تمنع نشر ما كتب بأسلوب غير سليم، أو تقومه؛ فلم لا يكون بالإذاعة موظفون في مقام رئيس التحرير أو سكرتير التحرير أو المصححين في الصحف، يشرفون على لغة الأحاديث؟ ولم لا يشترط على المتحدث أن يجيد النطق العربي ويجرب قبل إلقاء حديثه؟ وإن بعضهم ليخجل إذا أخطأ في نطق لغة أجنبية وأنه لأجدر أن يخجل لخطئه في لغته.
ذلك مثل من الفوضى اللغوية في إذاعتنا المصرية التي تنطلق بلسان مصر زعيمة العروبة، وفيها غير ذلك كثير، وقد كدت أنفلق من المذيع الذي يلقي النشرة الجوية فيقول: إذاعة مصلحة الأرصاد التنبؤات التالية عن حالة الجو من ظُهَيْرة اليوم إلى ظهيرة غد، فهو يريد أن يظهر مقدرته اللغوية بالإتيان بكلمة (ظهيرة) بدل (ظهر) ولكن نطقه لها يأبى إلا أن يظهر حقيقة مقدرته ولو أنه تجنب الحذلقة لما وقع في هذا الخطأ الفادح.
أما الأغاني والتمثيليات فمن الواجب حقاً أن تكون باللغة العربية المبسطة كما قال العشماوي باشا، فاللغة الفصيحة يجب أن تكون لسان الإذاعة المصرية العربية في كل برامجها، وليس من الحق ما يقال من أن طبقات الشعب الجاهلة لا تفهم العربية فهما صحيحاً، فإن هذه الطبقات تصغي إلى القران الكريم وتفهم كثيراً من آياته، ويقرؤون أو تقرأ عليهم الصحف بالأسلوب العربي المصري فيفهمونه حق الفهم، وأن وسائل الاتصال بالمجهول المعبرة بالعربية لتمد الألسنة بفيض منها فتدنى لغة العامة من لغة الخاصة، فلماذا تتخلف الإذاعة عن سائر تلك الوسائل؟ وتقول مجلة الإذاعة فيما نشرته تسويغاً للعامية، أنها أدق تصويراً لواقع الحياة في المجتمع. وإذاعتنا نفسها تذيع باللغة العربية تمثيليات مترجمة فهل اللغة العربية قادرة على تصوير واقع الحياة في المجتمع الإنجليزي مثلاً وليست بقادرة على ذلك في المجتمع المصري. . .
أقول ذلك وأنا لا أشير على الإذاعة أن تتخذ العربية لغة لكل الأغاني والتمثيليات، فهذا هدف لم تعد العدة الكافية لبلوغه في إذاعتنا أو لم نصل إلى الحال الملائمة له بعد، فإن أكثر المغنين والمغنيات والممثلين والممثلات الذين يعملون الآن بالإذاعة، لا يحسنون إلقاء هذه الفنون بالعربية، فلو أنهم حملوا عليها لما كانت هذه الأغاني والتمثيليات خيراً من تلك الأحاديث.
يجب أن يسبق الإقدام على (تعريب) التمثيليات إعداد ممثلين وممثلات، مدربين على التمثيل بالعربية. وهناك كثيرون مدربون ولكنهم غير الذين يعملون بالإذاعة، وهناك أيضاً خريجو المعهد العالي لفن التمثيل. أما الأغاني فالإذاعة تذيع كثيراً منها بالعربية وبعضها لا بأس به ولكن جمهرة المغنين والمغنيات لا تحسن أداء العربي الفصيح
ومدار الأمر في كل ذلك على السياسة المرسومة والعمل لبلوغ الهدف؛ فإذا لم يكن من المستحسن أن تكون الأغاني والتمثيليات بالعربية جملة واحدة والحال على ما هي عليهالآنفي الإذاعة - كما أرى - فينبغي أن توضع خطة توصل إلى الحال التي يصح فيها تنفيذ ذلك الغرض.
في قاعة المطالعة بدار الكتب
شيئان في مصر لا يزالان كأول عهدهما لم يلحقهما التطور، ولم تجري عليهما سنة الارتقاء: محراث الفلاح، وقاعة المطالعة في دار الكتب المصرية، فكما أن الفلاح المصري لا يزال يشق الأرض بمحراثه على نحو ما كان يفعل أسلافه منذ آلاف السنين، لا يزال ذلك الساعي ذو الحلة الصفراء يتردد بين المخزن وقاعة المطالعة في دار الكتب. توافينا أنباء الغرب بما يجد هناك في عالم المكتبات العامة وما يصطنعه القوم من أنواع التيسير على جمهور المستعيرين، وأني لأخال آخر نبأ في الطريق أن مكتبة في نيويورك أو واشنطن أو غيرها من العالم الجديد قد استحدثت طريقة تكفل لطالب الكتاب الحصول عليه بمجرد كتابة رقمه ووضعه في ثقب معين، إذ يخرج الكتاب إليه ساعياً إلى لقاءه دون أي انتظار. .
أما في دار الكتب المصرية الكائنة بميدان أحمد ماهر من القاهرة المعزية، فإنك بعد ما تكتب (سند الاستعارة) وتملأ المطلوب فيه من الاسم والوظيفة والسن والمسكن والعنوان واسم الكتاب والجزء والمؤلف ورقم الفن ورقم المعقد. . . الخ، تجلس في القاعة ترقب طلعة الساعي، تستبشر إذا بدا ينقل خطوة كما يخطو الطير الآمن على الأرض. . وقد ضم إلى حضنه مجموعة من الأسفار مختلفة الأحجام، وتؤمل أن يرمي لك أحدها، وإذا هو لا يلتفت إليك بل يجاوزك تنتظر لتعيد التطلع إليه في الدورة القادمة لعل وعسى. . . وقد يرمي إليك بعد كل ذلك (سند الاستعارة)
مخطوطاً عليه مالا تفهمه، فإذا لجأت إلى من يحل الرموز ظهر أن المكتوب: (في الخارج) أو (في المطالعة) أو (لدى الموظفين) أو (ليس في المخزن نور) وما إلى ذلك وخلاف ما يستجد من نحو (الكتاب متعب) أو (في لجنة!)
وإذا كنت من ذوي الجد السعيد وجاءك الكتاب، فعليك أن تقرأه أو تأخذ منه حاجتك في نصف ساعة بقي من الوقت وأنت بين صغار يتحدثون ويعبثون ويتضاحكون، لم يخصص لهم ولكتبهم مكان في القاعة، بل أنتثروا فيها لا فرق بين كبير وصغير ولا رعاية لمزاج باحث تضايقه حركات الغلمان من قراء روايات حافظ نجيب وأرسين لوبين.
والمترددون على قاعة المطالعة من قراء تلك القصص والروايات هم الذين يضخمون العدد الذي تصدر به بيانات الدار التي تنشر ويظهر أن الدار تحب أن تنشر هذه الأرقام الكبيرة مغتبطة بدلالتها على إقبال الجمهور على التزود من المعارف والآداب، ولكن التزود من المعارف والآداب مظلوم لأن دار الكتب تزحم نفسها بهذه الروايات وبطلابها، وهي ليست بذات غناء في التثقيف من جهة، والجهة الأخرى أنها تباع في الخارج الواحدة بقرش، والأولى منها بالتوفير في الدار الكتب ذات القيمة العلمية والأدبية، وخاصة الكتب والمراجع الغالية التي يحتاج إليها طلبة الجامعة وطلبة الأزهر، والتي يقال لمن يطلب واحداً منها (معار) أو (لا يوجد منه غير نسخة في الدار) فيخرج الطالب وهو ينظر إلى عشرات من الصغار منهمكين في قراءة الروايات البوليسية والغرامية.
لا اعتماد للفن:
كان مجلس النواب قد وافق في ميزانية وزارة الشؤون الاجتماعية على اعتماد 7000 جنيه لإنشاء فرقة نموذجية من خريجي المعهد العالي للتمثيل، و1500 جنيه زيادة على المقرر لتشجيع التأليف المسرحي، 2500 جنيه لإنشاء مسرح صيفي بالقاهرة و300 جنيه جائزة لأحسن فلم خلال العام. ولكن لما عرضت هذه الميزانية على مجلس الشيوخ رفض اعتماد تلك المبالغ، قائلاً أنه لا داعي لإنشاء الفرقة النموذجية، ويلحق خريجو المعهد بالفرقة المصرية ليكسب الشباب الجدد مرأناً وتجربة إلى جانب من مارسوا التمثيل قبلهم؛ أما الزيادة للتأليف المسرحي فلا مبرر لها لأن ما صرفته الوزارة من اعتماد العام الماضي لم يزد على نصفه؛ وأما المسرح الصيفي فكان قد اقترح إقامته في حديقة الأزبكية أو على شاطئ النيل شمال حديقة الأندلس بجوار المسجد المقام بها، فرأى مجلس الشيوخ أنه من غير اللائق إقامة المسرح بجوار المسجد، وسكت عن حديقة الأزبكية؛ وأما من حيث الجائزة السينمية فاستند المجلس إلى أن إنتاج الأفلام يجب أن يترك المنافسة الحرة.
وقد أعيدت الميزانية إلى مجلس النواب، فوافق على حذف تلك الاعتمادات منعاً لتعطيل الميزانية.
وهكذا خرج الفن من هذه الجولة البرلمانية صفر اليدين، فلم يظفر بأي اعتماد في ميزانية وزارة الشؤون الاجتماعية التي تشرف على المسرح والسينما.
والدولة بعد كل هذا تعتبر فن التمثيل ضرورياً لتربية الشعب وتثقيفه عن طريق الإمتاع الفني، فهل يتفق حذف اعتماداته مع هذا الاعتبار؟ لقد علل مجلس الشيوخ رفضه لكل اعتماد منها، ولكن أين الهيئة الفنية التي تستطيع أن تؤيد المشروعات الفنية وتدافع عنها وتدعم رأيها إزاء وجهة نظر المجلس؟ أين من يقول مثلاً بحاجة البلاد إلى عدة فرق مسرحية لا فرقة أو فرقتين، وبأن المسرح الصيفي يمكن إقامته في غير المكان المعترض عليه، وبأن التأليف المسرحي يكاد يكون معدوماً، وبأن مكافأة الفلم تؤدي إلى تحسن الإنتاج.
تتجه الأنظار إلى وزارة الشؤون فهي راعية الفنون، ولكن من المؤسف أننا نجدها غير جادة في هذه الرعاية، ومما يدل على ذلك ما لاحظه مجلس الشيوخ من أنها لم تصرف من المقرر للتأليف المسرحي في العام الماضي غير نصفه. . . فهل هي تحرص على الإشراف على المسرح والسينما لتتفرج أو لتنهض بهما؟
عباس خضر