الرئيسيةبحث

مجلة الرسالة/العدد 833/قطرات ندى

مجلة الرسالة/العدد 833/قطرات ندى

بتاريخ: 20 - 06 - 1949


للأستاذ راجي الراعي

ليس من السهل على من تزخر نفسه بالصور والأحاسيس أن يعرف ماذا يريد.

كن الشين أو الزاي في مستشزرات، ولا تكن الواو في عمرو. أقول كن كيف شئت ولا تكن كمية مهملة.

قلب الجبان سيف يعلوه الصدأ.

المثابرة تتحدى القدر.

الليل ثوب أسود يرتديه النور.

كلما بكى الإنسان هدم حجراً من كبريائه.

تتآخى الليالي وتتنادى ثم تندغم في ليل واحد كثيف تطلع بعده الشمس على ترابك!

كلما مشيت على التراب هبت على ريح قدميه.

تكبر ما شئت ولكن لا تنسى انك الحيوان الكبير.

ما تزال الحكمة تائهة شاردة تفتش عن مكان لها في هذه الأرض تبني فيه بناءها!

لو كنت جبلا لهويت بقمتي الشامخة إلى السهل نكاية بالمتكبرين.

العشاق والشعراء هم الذين طبلوا وزمروا للقمر فأحلوه المحل الرفيع.

عجبت للأثير كيف لم يتكاتف حتى اليوم وفيه ما فيه من زفرات البشر.

الحكمة كلها في رأس الميت فأذهب إليه واسأله أن يتلو عليك فصولها.

إن (أبا الهول) في صمته المستديم ثائر على كل ثرثار.

الجلاد والحطاب والحفار: هذا مثلث الموت!

إذا افلت من الأحياء لحق بي موتاي فإلى أين المفر؟

ماء الشجرة دمها تسكبه في الثمار.

الأرض الدائرة أسطوانة تنشد مجد الشمس.

الندم عاطفة شائكة.

الشيب ما سحقه فيك الدهر فذرته الحقيقية في خيالك.

تقضى العين حياتها بين جفنيها لا تدري أيهما تختار.

العبقرية كتاب أبرز ما فيه صفحة القلق.

ليت للأفلاك أبجديتها فأعرف أين تبدأ وأين تنتهي.

كنت احسب الفجر مخلصاً فلما رأيت له وجهين الكاذب والصادق شككت فيه. . أفي الفجر كذباً أيضا؟ أكذبه عدوي أتته من الدنيا؟

إذا حلت عليك النعمة حل قيدك.

إذا كانت الجبال شعراً تجسد معه الخيال وانقلب تماثيل فجبلي (لبنان) بيت القصيد في الملحمة الجبلية.

العمود عريان وقح.

الصحراء جثة بحر مات.

للقدر أختامه والعبقري هو الذي يفضها.

يقيمون للأسد عرشاً ولكنهم ينسون أن أمانة الكلب تعدل شجاعة الأسد.

أشم في الليل رائحة عراك وقد فازت الظلمة بالشمس.

أغصان الشجرة هي اتجاهات روحها المصفدة بالتراب التواقة إلى الانعتاق.

العين ملتقى الخطوط الصاعدة والمنحدرة والمنحرفة.

كل موهبة حجر كريم في تاج الله.

كم من خيال كثيف كالجدار وعقل يسيل كالماء وذاكرة لا أذن لها وقلب ضاق شريانه وقل ماؤه!

الفناء شرط البقاء، إن فناءك في الله هو الذي يبقيك. .

الهرم فجر الموت.

أرقام الرجل الخيالي نجومه في جدول الأفقي.

رأيت الحياة الصفراء والمنون السوداء والجنة الخضراء والجحيم الحمراء في علم واحد يخفق في الفضاء، علم الموتى والأحياء.

بين دورة الزمن ودورة الأرض ودورة الفكر ودورة الدم دورة خامسة هي دورة الدائرة علي يوم الحد!

ما أكثر وجوه الموت وألوانه! الجنون عقل مات. . . والقلب الذي لا يعرف الحب جثة في الصدر. . والبله شعلة الذكاء انطفأت. . والأعمى ميت يتأمل. . والأصم رجل توارى عن الدنيا. . والأبكم رجل ماتت فيه الكلمة. . والجاهل ميت سقط في ساحة العلم. . والحائر المتردد قتيل يسيل الدم من إرادته الجريحة. . وابن الطمع والجشع قتيل ترثيه الفلسفة والحكمة. . والعاقر قتيلة في ساحة الأمومة. . والشيخوخة موت الشباب. . والانتحار موت قبل الموت. . والعليل الذي لا برء لدائه يبني لنفسه في كل يوم لحداً. . والشاعر الحالم الطموح الذي تخذله الحياة وتهدم له عروش أحلامه هو الميت الأكبر الذي لا يعلوه ميت!

الحياة برق خلب في أفق مبهم.

الذهب يملأ السماوات وما فيها ويبرق في العظمة والجمال ولكن الناس لا يرونه ولا يعرفونه إلا في مناجمه.

لا هم لي في الحياة إلا أن أوافق بين قصرها وطول أحلامي.

أسرح الطرف في هذه الطبيعة فلا أرى غير أمهات وأرحام: الأرض تلد الشجرة والشجرة تلد أوراقها، والجبل يلد الينبوع والينبوع يلد الجدول.

الخط المستقيم هو الذي جاء بكلمة الاستقامة في معجم الأخلاق.

لو كنت بركاناً لابتلعت حممي ولم أطلقها عبثاً في الفضاء الذي لم يسيء إلي فتبقى في أحشائي ليصطلي بها موتاي.

من حبل بالروائع ولم يستطع أن يلدها تألبت عليه أجنته السجينة وأخمدت أنفاسه.

كلما أطل علي الفجر جمعت شتيت نفسي التي بعثرتها الأمس.

الهوس يشق بمحراثه النفس فيخرج لك ما فيها من قمح وزؤان.

أحب الذهب إذا كان معدنه الجبين.

أتموت جوعا؟ وسنابل القمح هذه التي تملأ الرحب، لمن هي؟؟؟

لولا المعدة القاهرة لما فكرت لحظة في المال.

يقول لي سقراط: اعرف نفسك ولكنه لم يعطيني كتابها لأقرأ هذا الذي يدعوني إلى معرفته، ويقول غيره: ادخل إلى محراب نفسك ولكنه لم يهدني إلى الباب.

لا تعجب لهذا الظالم العاتي فإن لنفسه ساحة احتلتها الشياطين فلم يبق فيها مكان لملاك!

إن للموت هيكلا عظامه عظام القبور! أعجب ما في الخليقة هذه الأرض التي تنمو سنابل قمحها بين جماجم موتاها وتشع مناجم ذهبها بين فحيح أفاعيها وتندلع السنة نيرانها من قلبها الذي تنبجس منه الينابيع. . .

راجي الراعي