مجلة الرسالة/العدد 83/من روائع الشرق والغرب
→ القصص | مجلة الرسالة - العدد 83 من روائع الشرق والغرب [[مؤلف:|]] |
صائب التبريزي ← |
بتاريخ: 04 - 02 - 1935 |
الوادي
لشاعر الطبيعة والجمال لامرتين
تعب قلبي كل شيء حتى من الأمل،
فلن يثقل بعد اليوم بأمانيه على القدر،
فأعرني يا وادي صباي وأحلامي،
ملجأ يومٍ انتظر فيه موافاة حمامي
ذلك هو الشعب يضرب في حشايا الوادي،
والغابات الكثيفة تقوم على سفوح الربي،
وأدواحها الحانية تقلى الظلال على جبيني
فتملأ شعاب نفسي بالسكون والغبطة
وهناك جدولان اختفيا تحت أعراش الخضرة،
يرسمان في انسيابهما منعطفات الوادي،
ثم يمتزح منهما الموج والخرير بالخرير،
ويفنيان وهما من المنبع على مدى قصير
كذلك جرى نبع أيامي جريان هذين الجدولين،
ثم ذهب من غير هدير ولا سمة ولا رجعة!
ولكن ماءها كان صافياً شديد الصفاء؛
اما نفسي فلم يتراءَ في كدرها صفو ولا هناء!
إن طراءة الجدولين وبرودة الظلال،
تعقلانني طيلة النهار على ضفافهما الخطيبة،
أهدهد نفسي على خرير مائها السلسال،
كما يُهدهَدُ الفل على المناغاة الرتيبة آه، حبذا المقام هنا بعيداً عن الناس وحيداً مع الطبيعة!
يحيط بي سور أخضر من رياض الأرض،
ويقوم حوالي أفق محدود فيه مجال للبصر،
فلا أسمع غير همس الموج ولا أبصر غير وجه السماء
لقد رأيت كثيراً واحسست كثيراً واحببت كثيراً
ثم جئت هنا حياً لأبحث عن هدوء (ليتيه)!
فيا أيها الوادي الجميل! كن لي ذلك
النهر الذي يُذهب بالنسيان هموم القلب؛
ففي النسيان وحده منذ اليوم سعادتي ونعيمي
إن قلبي في رخاء ونفسي في سكون،
وإن ضوضاء العالم لتفنى قبل أن تصل إلي
كالنغم البعيد يخفت على طول المدى
ثم لا يقع منه في الآذان إلا صدى
من هذا المقام ومن خلال ذاك الغمام
أرى الحياة حولي تغوص في غيابة الماضي،
فلم يبق مائلاً غير الحب بقوى ويتجدد،
كالصورة الكبيرة تبقى على اليقظة من حلم تبدد
استروحي يا نفس في هذا الملجأ الأخير،
كالمسافر اللاغب يجلس على باب المدينة،
وقلبه ذاخر بالأمل والطمأنينة،
فيستثنى قبل أن يدخل نسيم المساء العبث
فلننفض عن اقدامنا الغبار كما نفض هذا الرجل المجهود،
فانا لن نسلك هذه الطريق مرة اخرى؛
ولنْنْشق مثله في آخر المدى المحدود،
نفحات الهدوء المبشر بالسلام الدائم إن أيامك الكئيبة القصيرة كأيام الخريف،
تنقبض انقباض الظلال عن حوادر الهضاب؛
فالصداقة تغدر بك، والرحمة تتخلى عنك،
وتقطع وحدك الدرب الى عالم القبور
ولكن الطبيعة هناك تهيب بك وتحنو عليك!
فألق نفس في أحضانها التي لا تتجافى عنك،
فان كل شيء يتنكر لك وينزوي عنك إلا الطبيعة،
فجوها هو الذي ينضح على آلامك،
وشمسها هي التي تشرق على أيامك
بالأشعة والظلال لا تزال تحيطنا الطبيعة.
فطهر قلبك من الغرور الباطل والمتاع الزائل،
واعبد هنا الصدى الذي يعبده فيثاغورس،
وأرهف أذنك مثله لموسيقى السماء.
ثم اتبع الشمس في السماء والظل في الأرض،
وطِرْ في السهول مع ريح الشمال،
وحُس مع شعاع هذا الكوكب الهادي
خلال الغابات في ظلال هذا الوادي.
إن الله خلق العقول لتدركه،
فاكتشف في الطبيعة خالق الطبيعية؛
فان صوتاً لا يني يُحدث المرء عن ربه،
ومن ذا الذي لم يُصخْ إلى هذا الصوت في قلبه؟
الزيات