مجلة الرسالة/العدد 83/بيان للناس
→ من الأدب الفرنسي المعاصر | مجلة الرسالة - العدد 83 بيان للناس [[مؤلف:|]] |
القصص ← |
بتاريخ: 04 - 02 - 1935 |
بقلم صاحب السعادة محمد طلعت باشا حرب
لمناسبة حلول موسم الحج الشريف لبيت الله الحرام - يسرني أن أذيع على مواطنينا الأعزاء بعض ما قلمت به (شركة مصر للملاحة البحرية) لراحة الراغبين في تأدية هذه الفريضة المقدسة:
اولاً - قامت الشركة بتجهيز باخرة ثانية (الكوثر) لمشاطرة شقيقتها (زمزم) شرف نقل الحجاج، وهي باخرة غاية في الفخامة ولا تقل عن زمزم أناقة ونظاماً ونظافة
وستوجه الدعوة لزيارتها قبل مبارحتها الاسكندرية كما فعلنا في العام الماضي بالنسبة لزمزم وسيدعي ايضاً لفيف من رجال الصحافة والأصدقاء للسفر عليها من الاسكندرية لبور سعيد في طريقها إلى السويس. وبفضل اشتراك الباخرتين في النقل أصبحت محلات الدرجة الممتازة (اللوكس) والدرجتين الاولى والثانية متوفرة تماماً، وأصبحت الشركة مستعدة باذن الله تعالى لنقل أي عدد من ركاب هذه الدرجات في الذهاب والاياب
ثانياً - لزيادة راحة الحجاج في نزولهم من الباخرتين وطلوعهم اليهما بجدة قد أعدت الشركة مراكب كبيرة (قليلة الغاطس) وجعلتها شبه صنادل تقف على جانبي الباخرة عند رسوها وجهزتها بالسلالم والكبارى اللازمة لنزول الحجاج منها وصعودها إليها بكل راحة وبدون أدنى خطر مهما كانت الرياح شديدة ومهما كان البحر هائجاً
وهذه الصنادل التي يسع الواحد منها نحو الخمسمائة حاج مجهزة (بالدكك والكراسي والخيام) (تندات) للوقاية من الشمس والمطر ويجرها رفاص لداخل الميناء
وفضلاً عن ذلك فالسنابك الأصلية موجودة أيضاً للنقل منها للميناء إذا تعذر لسب ما وصول الصنادل إليها: وهذه تضحية جديدة من الشركة تكلفها مبالغ لا يستهان بها، ولكنها تبذلها عن طيب خاطر حسبه لله تعالى دون أن يحرم أصحاب السنابك والمشتغلون عليها من اهل الحجاز أجورهم المقررة بالتعريفة الرسمية التي تدفعها الشركة اليهم كاملة من مالها
والشركة تنتظر منهم أن يقابلوا ذلك بالشكر الجزيل وزيادة العناية في خدمة الحجاج
ثالثاً - لتشويق من يرغب من أهل اليسار من الطبقتين العليا والمتوسطة في أداء الحج فكرت الشركة - فيما فكرت فيه - في ايجاد محلات لائقة لهم بجدة ومكة المكرمة - فاستأجرت منزلين بهما زودتهما بكل وسائل الراحة، وبالادوات الصحية العصرية، والأثاث الوثير الفاخر، والأطعمة النظيفة، وجهزتها بالثلاجات والمراوح الكهربائية وبالنور الكهربائي، فأصبح لا عذر من هذه الوجهة - حتى لمن تعودوا الترف والرفاهية - في عدم القيام بفريضة الحج. وكل ذلك بأجور غاية في الاعتدال لا تتجاوز جنيهاً مصرياً عن كل يوم بما في ذلك الأكل والنوم عن الشخص الواحد للسرير الواحد
نعم إن عدد الأسرة محدود في الوقت الحالي، ولكن مع زيادة الاقبال ستفكر الشركة في زيادة الأماكن
ويمكن حجز الأسرة من مكتب الشركة او بالباخرة او بذات المنازل بجدة ومكة
وزيادة في راحة الحجاج قبلت الشركة اقتراح (قومسيون نقل الحجاج) الخاص بالقيام بتقديم الغداء لهم بالبواخر في جميع الدرجات - فقامت بذلك في العام الماضي وستقوم في هذا العام بتقديم الغداء النظيف الصحي لهم جميعاً مغتبطة بعملها الذي تقصد به وجه الله قبل أن تنظر إلى الربح
فهي تقدم الى ركاب الدرجة الثالثة الخبر الكافي والأطعمة الصحية من الخضار واللحم والأرز والحلوى والجبن والزيتون للفطور والغداء والعشاء بمكيات وفيرة - وهي التي تشرف على شراء القمح وطحنه وعجنه وخبزه لتستوثق من أنها تقدم خبزاً جيداً نظيفاً غير مخلوط - كما تشرف على شراء الزيدة وتسييحها، وعلى شراء العجول والخراف الجيدة السليمة، وعلى ذبحها وطبخها لتقدم غداء شهياً صحياً كما قدمنا
وكان هذا بثمن زهيد قدره 40 قرشاً عن كل حاج الدرجة الثالثة طول مدة السفر بحراً ذهاباً وإياباً
ورابعاً - الاتفاق تام بين الشركة والحكومة الحجازية على بذل قصارى الجهد من جانبها لتمهيد الطرق وتوفير الوسائل الصحية والاجتماعية لراحة الحجاج
وقد تبرعت الشركة والبنك وبعض أهل الخير بمبالغ لاتمام المستشفيات في مكة المكرمة، وتجهيزها بأحدث الآلات الجراحية واشعة رنجتن ليمكنها القيام بأجل الخدمات لحجاج بيت الله الحرام على اختلاف اوطانهم ولأهل البلاد انفسهم وهذا فوق أنه عمل إنساني جليل يزيد في اطمئنان الحاج، وتشجيع الاقبال على استكمال هذا الركن من الدين
وبما ان الحرب العالمية أثرت أكبر تأثير في رخاء المدينة المنورة ويسر أهلها حتى هاجر معظمهم وأصبح الباقون - من حضر وبادية - في ضنك عظيم يفتت الأكباد، كانت العناية بشؤونهم واجبة، وفي مقدمة ما يعني به دراسة حالة تلك الربوع، وأهل باديتها لعل الله يوفق لمشروع يشغل بعض الأيدي العاطلة ويشحذها لعمل فيه خير ورزق لهم، ويرد للمدينة بعض روائها القديم
خامساً - اتفقت الشركة مع الحكومة الحجازية على دراسة مشروع تعبيد محل السمعي بين الصفا والمروة ليكون أكثر انطباقاً لما يقتضيه من الاجلال والاحترام. وعلى منع أنهيال الاتربة عليه، وتدفق السيول التي تغشاه في أكثر الأوقات بل وتتعداه الى المسجد الحرام
وقد ارسلنا بعض الخبراء لدرس المشروع ووضع التصميمات والتقارير اللازمة لعرضها على الحكومة الحجازية والتفاهم على تنفيذها
سادساً - البحث جار فيما إذا كان من المتيسر إيجاد خط جوي بين جدة والمدينة لتيسير الزيارة لكثيرين ممن يستصعبونها الآن، وإذا نجح المسعى نتمكن من تنظيم خط جوي بين جدة والمدينة مرتين او ثلاث مرات في اليوم
فيتمكن الحاج من تأدية الزيارة والعودة في يوم واحد أو يومين لمن أراد البيت. وفي هذا كسب الزيادة لمن لا يجد في وقته متسعاً لها، او لمن تمنعه المتاعب من القيام بها، ولا ربح لأهل المدينة بسبب زيادة عدد الزائرين
سابعاً - أوجدت الشركة (كوثر) كما أوجدت في العام الماضي على (زمزم) مسجداً للصلاة ومكتبة بها كثير من كتب الدين والأدب وغيرها، كما أن بهما علماء يحاضرون الحجاج في أمور دينهم
ثامناً - أوجدت الشركة بالسويس لراحة الحجاج او عائلاتهم الذين يحضرون قبل ميعاد السفر او يرغبون في الاستراحة قبل مغادرتهم السويس في العودة (فندقاً) مستوفياً شروط النظافة والراحة، نسأل الله عز وجل أن يجعله نواة شركة للفنادق المصرية
تقوم بأيدي المصريين وأموالهم، وقد سميناه من باب التيمن (لوكاندة مصر) تاسعاً - سيجد حجاج بيت الله الحرام على الباخرتين مكتبين لبنك مصر لتبديل العملة المصرية بالذهب او بالريالات السعودية ولتبديل هذه بالعملة المصرية - حين العودة - ولقد رأى من حج منهم في العام الماضي أي تسهيل عملنا. ولعلهم يذكرون أننا صرفنا لهم العملات الذهب والسعودية بأسعار أرجح مما كانت تصرف به في جدة أو مكة
واذا صح ما أذاعته الجرائد من أن الحكومة المصرية السينية تريد أن تكلفنا بصرف جنيهات ذهبية لحسابها الى الحجاج فنحن مستعدون للقيام بهذه العملية بالسعر الذي تحدده الوزارة، فيمتنع ما أذاعه في العام الماضي بعض المغرضين الذين لم يقفوا على حقائق الأمور - إذ ظنوا أننا أخذنا الذهب من الحكومة بالسعر الذي تشتريه هي به من السوق المصرية وبعناه بالأسعار العالية؛ على أن الحكومة قد باعت لنا الذهب في العام الماضي بسعره في (لوندرة) يوم البيع حتى دون استبعاد نفقات نقل الذهب براً وبحراً والتأمين والمحافظة عليه والقيام بمهمة المصارفة
ومع كل ذلك فقد بعنا الذهب للحجاج بأقل من الأسعار التي وجدوها في جدة ومكة ببضعة قروش في الجنيه. وقد بعنا للحجاج الريالات السعودية بثمن يرجح السعر الذي وجدوه بجدة بنحو نصف ريال سعودي في الجنيه، ومن صرفنا لهم بمصر بسعر أقل قبل معرفة حقيقة السوق رددنا لهم الفرق إما بالباخرة أو بالقيد لحسابهم الجاري لدينا بمصر، أو بصرفه لهم نقداً بعد عودتهم، ولم نسمع في تاريخ البنوك بمثل هذا
وقد عملنا الترتيب اللازم بحيث يرد لنا يوم قيام الباخرة من السويس تلغرافات بالسعر الحالي لكل العملات بجدة لنصرف للحجاج ما يلزمهم بأسعار أوفق لمصلحتهم
وفي حال تكيفنا من الحكومة بصرف الذهب لحسابها يكون ل بالسعر المتفق عليه ويعلن للحجاج
ولتسهيل قبض تحاويل بنك مصر على الحجاز ولراحة الحجاج قد جعلنا الصرف بجدة من محل وكلائنا بها (الحاج عبد الله رضا وشركاه) وقد عينا مندوباً للبنك بمكة بمنزل شركة مصر للملاحة البحرية لخدمة الحجاج وتأدية طلباتهم المالية وصرف التحاويل بها
وانفقنا في المدينة المنورة مع (حضرات الشيخ عبد العزيز الخريجي وشركاه) على أن يكونوا وكلاء في ذلك وهم من أشهر تجارها وأمامنا مشروع بخصوص العملة سنعرضه على حكومتنا السنية عسى أن تقره للمواسم المقبلة، ففيه تحقيق مصلحة الحجاج وعدم غبنهم على قدر الاماكن. وإذا نجح هذا المشروع - ولا ندري لماذا لا ينجح - اتيح للحاج أن يحج ويعود دون أن يكون مضطراً لحمل نقود معه
فبنك مصر يتولى حينئذ شئونه المالية من البيت للبيت - على حد تعبير مصلحة السكة الحديد - فيدفع عنه بالحجاز كل الرسوم والضرائب وأجور للمطوفين والأتومبيلات والجمال مما هو مقرر في التعريفة بحساب الذهب - ويقدم له هناك ما يحتاجه من عملة سعودية لنفقاته المحلية المقررة بهذه العملة
وقد وافقت حكومة الحجاز على هذا المشروع الذي يضع حداً لفوضى تبديل العملة والتلاعب فيه، ولا يبقى إلا أن يعرض على حكومتنا السنية حتى إذا ما بدت لها مزايا فيه من عدم غبن الحجاج اقرته، وعملت على تنفيذه محاطاً بكل ما يضمن مصلحتهم
عاشراً - افردنا محلا في كل من الباخرتين لبيع الاحرامات (من بفتة وبشاكير) لمن يرغب فيها من الحجاج، وهي من صناعة شركة مصر للغزل والنسيج وأثمانها معتدلة
وحتى لا يطيل الحجاج في عودتهم المكث في جدة - رأت الشركة ان يكون نقلهم من جدة للطور على (زمزم) ومن الطور الى السويس على (كوثر) وهذا تسهيل كبير لهم ووفر في الوقت
مما تقدم ترون الجهد الجهيد الذي تبذله شركة مصر للملاحة البحرية، ويبذله بنك مصر لتوفير اسباب الراحة والطمأنينة لحجاج بيت الله الحرام كتب الله لهم السلامة في الذهاب والاياب ووقفنا لخدمتهم وتوفير اسباب الراحة والامان لهم أينما كانوا وحيثما حلوا
وكل ما نطلبه من حجاج بين الله الحرام هو أن يعاونونا على حفظ النظام والمواعيد وألا يكونوا سبباً في إثارة الخواطر بين تلك الربوع المقدسة، وليعلموا أننا لا نريد إلا راحتهم، فان رقع تقصير فعن غير قصد، ولنا من حسن نيتنا خير شفيع.
(وما هجرتنا إلا الى الله ورسوله)
ولما كانت العصمة لله، وما نحن إلا بشر نخطئ ونصيب، فانا على أتم استعداد لسماع أية ملاحظة بريئة، أو أية شوى نزيهة، أو أية نصيحة خالصة، أو إرشاد نافع، الى ما يكون من ورائه تحقيق أمانينا جميعاً التي تنحصر في وجوب العناية بحجاج بيت الله الحرام والسهر على راحتهم ابتغاء مرضاة الله تعالى لا يضيع أجر من أحسن عملا
فبراير 1935
محمد طلعت حرب