مجلة الرسالة/العدد 829/قطرات ندي
→ تيتو والشيوعية (القومية) | مجلة الرسالة - العدد 829 قطرات ندي [[مؤلف:|]] |
صور من الحياة ← |
بتاريخ: 23 - 05 - 1949 |
للأستاذ راجي الراعي
سم زعاف، والمحبة سلاف، والغرور أصداف، والحياة غلاف.
كلما رفعت ستاراً من ستائر الغيب غرد لي طائر في الجنة.
الأبراج كثيرة وأعلاها تلك التي تنتقل بينها الشمس ويقيم فيها العباقرة.
اليأس جدار يتداعى.
ثلاثة حدود لم تعرف بعد: الحد الذي عنده قدرة المرء والحد بين العقل والجنون، والحد بين الجريمة والعبقرية.
كيف ترجو أن يقوم بناؤك في الأرض والحجر في إحساسك وضميرك؟
كأني بهذه الجبال جبلت من كبرياؤك وكبريائي!
أنا في رأسي وما يحويه من ذاكرة وإرادة وعقل وشعور وخيال بين منجم وجواد وميزان وقيثارة ومجنون.
أرى في المحراث مركبة للعلاء تجر إلى الخالق.
إن المواهب رفيعة عزيزة منيعة أنيقة لا تعرف التطفل والابتذال، ولا القيد والإذلال، ولا تؤخذ رخيصة ولا يسمع لها في كل مقام مقال: اسقني خمراً لأسقيك خمراً. . . هلت لي أجوائي لآتيك بجناحي. . أرسل بطاقة الدعوى إلى العلاء، لترى وجهي في الوليمة الخالدة.
البركان تطلقه الأرض إذا جأرت بالدعاء الله.
الليل ضباب أسود.
كلما مر بي نزع الموت من طريقه إلى حجراً!
للفجر مهمته، يقوم بها في كل صباح بنشاطه المعروف: يبدأ بتلاوة سيرة الليل، ويسكب نداء، ويمهد طريق الشمس، ثم يتوارى أمامها تهيباً وإجلالاً.
العقل يهمس والهوى يصرخ.
الصدى رسم الصوت.
أين أذهب بأحلامي إذا ما أحضرت غداً؟ أأذبحها حلماً حلماً على عتبة القبر؟ ليست يدي حمراء فلا قدرة لي ولا جرأة على هذه المجزرة.
الميت أمانة نودعها التراب ولكنه لا يحفظ الوديعة.
لم تهتد بعد إلى الطريق، ولم تختر الرفيق وأنت بين ذاك الرحيق رحيق الجنة، وهذا الشهيق شهيق الجحيم؟
بين المرافئ والبحيرات صلات.
بين الأوراق والثمار ما بين الأصداف واللآلئ.
لكل دمعة؛ فإذا بكى الجبل ذرف ينبوعاً.
إن لطريق الواجب منعطفات هي الخيانات.
الفم الذي لا يشبع ولا يرتوي هو فم الشهرة الشرهة.
كلما تمثلت مرارة يومي الأخير قمت إلى الأيام بفم الشره الولهان أمتص ما فيها من الشهد.
أنا مثقل بأيامي وبلاياي ومطامعي وموتاي وأحلامي، ولا أزال مع ذلك قائماً أسعى لم أرزح بعد تحت أثقالي. . . أفي ساقي هذه القوة الجبارة وأنا احسبني ضعيفاً؟. أفي هذا العتو وأتململ، وأخاف وأشكو؟
أقدم الممالك وأشدها رسوخاً وهولاً وطغياناً مملكة الأموات، يتولاها رجل صولجانه المنجل وشريعته الغدر، وجيشه راقد وخزانته فارغة وعلمه هو العلم وعرشه من تراب تخلعه عنه بين الحين والحين يد تمتد إليه من دار الخلد.
من وثق بالله وثق بنفسه ووثق به الناس. إنها الثقة المثلثة.
كم من عبد ذليل هيل عليه التراب ألف مرة قبل يومه الأخير فانطوى قبره على ألف قبر!
في كل عاصفة وإعصار خطيب عظيم من خطباء الطبيعة يدعو إلى الثورة، وفي كل صاعقة غضبة لجوبيتر، وفي كل بركان أرض تمزق أحشائها، وفي كل فجر ستار يرفع، وفي كل جبل كبرياء مجسدة، وفي كل سهل خضوع واستسلام، وفي كل ينبوع قلب لشاعر عبقري، وفي كل نجمة عين رقيب، وفي كل ليل طليعة من طلائع الموت، وفي كل شيطان ساع من سعاة الجحيم.
لقد خلقتم أفراساً لتنطلقوا في الفضاء الرحب والسهل الفسيح حتى تبلغ الحد الذي رسمه لكم القدر.
لولا العين التي تفرقني في الدنيا لجمعت نفسي وخلوت بها وعشنا معاً في جو من الطهر الناصع والمجد الساطع والفلسفة الجامحة التي لا رادع لها ولا وازع.
أنا حي ولكنني أحمل موتاي وموتي العتيد الذي غرز في وتداً منذ ولدت ورحل على أن يعود إلى بعد حين حاملاً خيمتي لينصبها لي هناك على رابيةٍ عساها تكون زاهرة وبين قوم أرجو ألا يكون الشياطين.
قد ترقد الفكرة أعواماً ثم تمر بها فكرة أخرى فتوقظها وتمشي الفكرتان متعانقتين كأنهما على موعدٍ في طريقهما إلى هنائك أو شقائك. . .
إذا جفت البحور أطلقها الإنسان من صدره وعينيه فزخرت ببلايا. . .
الثدي قرب الحب.
الأساطير هوس التاريخ وتهاويله.
الله هو الطيب يفوح ريحه في العبقرية.
الأصداء هي الأصوات في أبانيتها وقحتها وعنادها
الجنون عقل سقط تحت أثقاله
الرأس والصدر والبطن ثلاثة أقفاص أنا طيرها السجين.
الجبين هو الشاطئ الذي يبقى فيه الدماغ مراسيه كلما خاض عبابه التفكير وعاد من رحلته. . .
الحجر في أسس البناء تضحية ونكران، وفي زاويته سيادة وزعامة، وفي جداره شباب ومعونة، وفي سقفه عطف وحماية؛ وهو في سفح الجبل طموح، وفي شعابه مخاطرة، وفي قمته غطرسة وشمم؛ وفي الأعمدة تمرد وشموخ، وفي الخرائب حنين وذكرى، وفي القبور سأم وهجران. . .
المجنون رجل مجنون يلبس حداد عقله الميت!
البحر كأس من الماء إذا شرب هرقل.
الأمثال دنانير تضربها الحكمة وتوزعها على الناس.
الغصن الذي يحمل الثمرة اليانعة يد تشير إلى الخبرة والحنكة.
البصر بعض البصيرة أو هو أداتها.
بين السحر والغسق يوم يتقلب بين الهم والقلق، ودهر وعد وما صدق. . . ويجيئني الليل ويأتي الأرق وما أنا إلا سهم أطلقه الحب فانطلق، ولسان نطق وقلب خفق. . . وطارق طرق وكان جزاؤه الفلق. . . والله سره في ما خلق. . .
ماذا تفعل تلك المئات من الشموس الهاجعة في المجرة. . . أتراها تنام على غارها القديم أم هي تنتظر خلائقها وأمجادها العتيدة؟
الزمان فمه لعاب الأمل ولسانه التاريخ ولقمته العمر ونابه الموت. . .
الضباب فكرة غمضت في رأس الطبيعة.
الذكرى جرس يطن في أعاق وادي النسيان.
الشمم هو ما ارتفع فيك من الهضاب والقمم.
في اليوم الواحد يتصارع العقل والجنون ألف مرة كأنهما الأسد والنمر في غابة الرأس.
النجوم وشى الليل، أو جيش غلب على أمره، أو نظرات الخالق في ما صنع، أو شهودنا ونحن نحتكم إلى الزمان أو سلك من اللآلئ انتثر، أو بقايا سيارة كان لها يومها في ما ارتطمت بما شقها ووزعها في الفضاء. . .
كلما احتك الخالق بخليقته سكنت رياح الكفر وتألق في سماء الإيمان كوكب جديد.
إن في كسوف الشمس وخسوف القمر شيئا من العياء والسأم والقنوط.
كل فكرة نبضة من نبضات الرأس.
الليل عقد ينفرط نجوما. . .
الكفن آخر هبات الناس للناس!
المهد أول اللحد، واللحد مهد الآخرة.
كلما أقمر الهلال ترنح أملي واطمأن طموحي.
من قلت شموسه وكثر ضبابه فتح له الفن ذراعيه وضمه إلى صدره.
الأعوام أعمدة الزمن.
كلما رأيت الشجرة السامقة الشامخة حسبت أن الأرض تتطاول إلى السماء لتراها وتبثها الشكوى.
من نحر الحب أكل قلبه.
ما دام هناك رقاب تنحني فلا بد من بقاء النير! يدفنونه هنا فينهض هناك: تلك هي البطولة.
خلقت لنا الجباه لنجابه بها الدهر، فمن ألقى سلاحه أمام الحياة تخلى عن جبينه.
السهول أكتاف الجبال، والأدوية بطونها، والقمم وموسها، والشعاب عروقها، والمغاور أقفاصها، والآكام أطفالها، والثلوج شيبها، والأشجار خيالها، والرياح وحيها وتذكاراتها، والصخور ضلوعها، والرسوخ في الأرض عقلها وبقاؤها. . .
الرجل الكبير تقرأ على صحيفة قبره في كل صباح سطراً جديداً.
الموت هدنة ثم يستأنف العراك.
غضون الوجه والجبين أثلام يشقها محراث الحياة.
القراطيس لا تحمل وطأة العباقرة.
الطمع سكرة لا كؤوس لها.
الأرض التي ترحمك بسنابل خيراتها هي التي تظلمك بحديد قيودها.
كلما تعددت ذاتيتك قل عنادك.
كلما رأيت الشمس تميل إلى المغيب خشيت على ما نسجته من الأحلام.
الإيمان ذراع النفس مرتفعة إلى السماء تبتهل، والكفر ذراعها المبتورة.
المخترعون أقرب الناس إلى الخالق.
كلما فنيت أحلامي في أهدافها طاب لي البقاء.
الموت وحده هو الذي يعتقك مما أنت فيه. . إن في حريتك تراباً ولحداً.
الأبله ساعة تحطمت آلتها.
الفجر طفولة، والظهيرة كهولة، والمساء شيخوخة، والليل هو الموت.
حكاية الليل والنهار حكاية جدار تبنيه وجدار ينهار.
السماء ترمي الأرض بصواعقها فترميها الأرض ببراكينها. .
قد يكون البركان احتجاجاً على الإنسان الذي تلعب يده بأحشاء الأرض.
للكهرباء العظيم أسلاك توثقه بالخلود.
إنني أرى التراب عالقاً بالجباه الذليلة.
العقيم صفر في سفر الوجود.
النجوم عديدة ولكن هل لك بينها نجمة؟
كلما نظرت إلى الأفق الجبار شعرت أني ما أزال طفلاً.
راجي الراعي