الرئيسيةبحث

مجلة الرسالة/العدد 82/البريد الأدبي

مجلة الرسالة/العدد 82/البريد الأدبي

بتاريخ: 28 - 01 - 1935


عيد (التيمس) المائة والخمسون

احتفلت جريدة (التيمس) أخيراً بمرور مائة وخمسين عاماً على إنشائها وأصدرت بهذه المناسبة عدداً خاصاً هو آية من آيات الصحافة الحديثة في تحريره وفي طبعه؛ وفيه تقص تاريخها منذ إنشائها، وتستعرض المراحل والعصور المختلفة التي مرت بها، والحوادث والأعمال العظيمة التي ساهمت فيها واستطاعت أن تؤثر في مجراها، وعلاقاتها ومواقفها المختلفة إزاء الإمبراطورية البريطانية. وقد تلقت (التيمس) بهذه المناسبة سيلاً من التهاني، من معظم حكومات العالم وملوكه، ومن سفراء الدول المختلفة في لندن ومن أقطاب العلم والأدب في سائر أنحاء العالم

والتيمس فخر الصحافة الإنكليزية، وتاريخها ليس تاريخ صحيفة عظيمة فقط، ولكنه تاريخ لصفحات باهرة من الجهاد السياسي والعلمي والأدبي، ومعرض بديع لتقدم الصحافة الكبرى خلال القرن الماضي. وقد أنشئت (التيمس) في سنة 1785، أنشأها جون والتر (الأول) باسم (السجل اليومي العام) ثم غير الاسم في يناير سنة 1788 إلى اسمها الحالي وهو (التيمس). وكان جون والتر صحفياً بالفطرة، وافر المقدرة والبراعة؛ وكان شعاره أن يخرج صحيفة معتدلة الثمن سباقه إلى الأخبار متنوعة المواد قوية بمواردها وإعلاناتها، وفي سنة 1803 خلفه ولده جون والتر (الثاني) في تحرير الصحيفة وإدارتها؛ وفي عهده دخلت التيمس في عهد جديد من القوة والتقدم، وقامت بدور هام في إذاعة حوادث الحروب النابوليونية وفي الدعاية ضد نابليون، وكثيراً ما كانت تسبق إلى نشر الأخبار قبل أن تعلم بها الحكومة. وفي سنة 1817 تولى تحريرها السياسي كاتب قوي هو توماس بارنس، فسار بها سريعاً في طريق الزعامة السياسية؛ وكان يستخدم لمعاونة أقطاب الأحزاب والحكومة مثل دزرائبلي ولورد بروجهام وسترلنج في الدعوة إلى سياسة مستقلة تميل إلى (المحافظة) وبلغ من نفوذ بارنس أن وصف بأنه (أقوى رجل في إنكلترا) وفي ذلك العهد بلغت (التيمس) في تنظيم الأخبار الداخلية والخارجية والأبواب الصحفية ذروة القوة والطرافة، واشتراك في تحرير أقسامها الأدبية والفنية أعلام العصر وفي مقدمتهم ماكولي وفاكري وتوماس مور؛ وتقدم استعدادها الفني والطباعي تقدماً مدهشاً ولما توفي بارنس سنة 1841 خلفه في تحرير القسم السياسي تاديوس دلاين. وفي أيام حرب القرم (سنة 1853) بعثت التيمس إلى ميدان القتال بمراسل حربي شهير هو وليم رسل، وذاعت شهرة التيمس يومئذ بما كانت تنشره من الملاحظات الفنية والأخبار الطريفة. واستمر دلاين في إدارة التيمس السياسية أعواماً طويلة، وجعل منها أداة سياسية مستقلة، وكان من معاونيه في تحرير القسم السياسي أعظم ساسة العصر وكتابه. ولما توفي جون والتر الثاني سنة 1847، خلفه ولده جون والتر الثالث في ملكية الجريدة؛ وفي عهده تقدمت من الوجهة الفنية تقدماً عظيماً، وزودت بأحدث الآت العصر، وخلف دلاين توماس شنري فاستمر في توجيه سياسة التيمس حتى وفاته سنة 1884، ثم خلفه (بكل)؛ واشتهرت التيمس في هذا العهد بحملاتها على جلادستون ومعارضته في سياسة (الهوم رول) في أيرلندة، وحملاتها على الزعماء الايرلنديين وما وجهته إليهم من تهم اقتضت تأليف لجنة حكومية للتحقيق، وغرمت التيمس في هذا السبيل مبالغ طائلة، ووقعت على رغم انتشارها وازدهارها في مصاعب مالية. ولما توفي صاحبها جون والتر الثالث في سنة 1894، وضع نظام للفصل بين ملكية الجريدة وآلات الطباعة، وبذلت محاولات عديدة لإنقاذ الصحيفة من متاعبها المالية ولكنها برغم ذلك أشرفت على الإفلاس ووصل أمر الشركة إلى القضاء، فقرر بيعها. وفي سنة 1907 عرضت التيمس بعد مائة واثنين وعشرين عاماً من تأسيسها للبيع، فاشتراها اللورد نور ثكليف وتولى إدارتها موبرلي بل؛ وجددت آلاتها وعُددها الفنية؛ وفي عهده أنشأت التيمس ملحقها الأدبي، وملحقاً للتربية، وملاحق أخرى. ولما توفي سنة 1911 خلفه جوفري داوزون مديرها الحالي. واستمرت التيمس تخفض من ثمنها حتى بيعت ببنس واحد (سنة 1914) وترتب على ذلك مضاعفة انتشارها حتى بلغ ما تبيعه 150 ألفاً. ودخلت الحرب الكبرى بهذا الرقم، وأدت أثناء الحرب خدمات جليلة للجيش والصليب الأحمر، واستطاعت أن تجمع للصليب الأحمر وحده ستة عشر مليوناً. وأصدرت أثناء الحرب تاريخها الشهير عن الحرب ودائرة المعارف للحرب وغيرهما

وفي سنة 1922 توفي لورد نور ثكليف فاشترى ملكية الصحيفة جون والتر (الرابع) وعادت التيمس بذلك إلى ملكية الأسرة التي أنشأتها، واشترك معه الماجور آستور

هذا هو ملخص تاريخ (التيمس) ولا تزال الصحيفة الكبرى إلى اليوم محتفظة بنزعتها المستقلة مع ميل إلى المحافظة. ومع أنها تقل في الانتشار عن كثير من الصحف الإنكليزية الأخرى، فأنها لا تزال في طليعتها من حيث النفوذ السياسي والمقام الأدبي

مباحث علامة اجتماعي

يقوم العلامة الاجتماعي الروماني الأستاذ جوستي بأبحاث وتجارب طريفة لإثبات نظرياته الاجتماعية وتطبيقها. والأستاذ جوستي من أقطاب علم الاجتماع المعاصرين، وقد ذاع صيته ونظرياته في جميع الأوساط العلمية الغربية؛ وكان الأستاذ مدى حين وزيراً للمعارف الرومانية، وهو الآن أستاذ الاجتماع في جامعة بوخارست ورئيس المعهد الاجتماعي. وقد دعته جامعة باريس أخيراً ليقوم بعرض بحوثه ونظرياته؛ وتلقت جريدة (الجورنال) منه شرحاً لطريقته خلاصته، أنه يقوم بأبحاث جغرافية وجنسية واقتصادية. وفولكورية (ما يتعلق بالأمثال والعادات الشعبية) في القرية ويدرسها كوحدة اجتماعية، وأنه هو وتلاميذه قد اختاروا بعض قرى ترانسلفانيا، وقسموا السكان أصنافاً بحسب السن والحالة والأسرة؛ واختاروا بعض الأسر ووضعوا لها شجرة أنسابها، ووضعوا تاريخاً لملكياتها وتقلب أحوالها، وكذلك وضعوا قوائم خاصة بأحوالها المعيشية وتربيتها وميزانياتها إلى غير ذلك. ويعتمد الأستاذ جوستي على هذا المباحث الدقيقة في وضع نظريات بخصوص الوحدة الاجتماعية الحديثة، وهي القرية، وهو في طريقته هذه يشبه ابن خلدون في اعتبار القبيلة وحدة اجتماعية للبادية وبناء نظرياته على أساس أحوالها وتطوراتها

الثقافة النسوية النازية

تقوم اليوم في ألمانيا ثقافة نسوية خاصة هي إحدى ذيول الحركة الفكرية النازية؛ وقد تناولت إحدى الزعيمات النازيات شرح هذه الثقافة في جريدة (بيرزن تسيتونج) وتحدثت عن مسألة الأزياء وأثرها في تطور نفسية المرأة؛ فقالت إن الثقافة النسوية الجنوبية لا تناسب الشعوب الشمالية؛ ذلك أن الجنوب يجد مثله الأعلى في المرأة في الشباب والجمال الغض، ولكن الشمال يراه في الأمومة، وتتطور الأزياء تبعاً لهذه المثل. وقد كان لاقتباس الأزياء وأسباب التجميل الجنوبية أثر سيئ في المرأة الشمالية، في جسمها وفي أذواقها وفي روحها. ولهذا يدعو النازي إلى الرجوع إلى المثل الشمالية القديمة في رد المرأة إلى حظيرة الأسرة والأمومة

الذكرى الألفية للمتنبي

استفاض الحديث في جميع الأقطار العربية عن عزم الحكومة العراقية على إقامة مهرجان فخم للشاعر العبقري أبي الطيب أحمد المتنبي بمناسبة مرور ألف عام على وفاته. وقد تريثنا في نشر هذا الخبر لأنه لم يَعْدُ أن يكون حديثاً من أحاديث المنى لم تَعِد به حكومة ولم تتعهد به جماعة. على أننا ما شككنا قط في أن العراق سيهتبل هذه الفرصة ليجعل من هذا العيد الأدبي مظاهرة عربية تحتشد لها قلوب العرب وأصدقاء العرب ليهتفوا على ضفاف الرافدين لهذا الشاعر الخالد. وكان اليقين أن العراق منبت هذا النبوغ لا يدع السبق إلى هذا العيد لقاهرة كافور أو لحلب سيف الدولة، ولكنا تلقينا من صديقنا الشاعر الجليل الأستاذ الزهاوي كتاباً يذكر فيه أنه كان قد أعد لمهرجان المتنبي قصيدتين صغيرة وكبيرة، فلما رأى قومه انصرفوا عن هذه الفكرة فلم يعودوا يحفلون بها ولا يعملون لها، بعث بهما إلى الرسالة، فنشرنا الصغرى في عدد سابق، ونشرنا الكبرى في هذا العدد. وبقينا نقلب الخبر بين ثقتنا في المخبر، وعلمنا بعصبية العراق، فلا نجد له مساغاً في وجه من الوجوه

وفاة فيلسوف وزعيم صيني

من أنباء الهند الصينية أن الزعيم الفيلسوف (بام بوي شان) قد توفي في مقامه المنعزل على مقربة من (هوي) (الهند الصينية) في نحو السبعين من عمره؛ وكان (بام بوي شان) من تلاميذ المدرسة الصينية القديمة، ومن أقطاب مفكريها؛ بدا حياته بتعليم اللغة الصينية والفلسفة في معاهد سيحون وهتوى، ولكنه جنح إلى السياسة، وأنضم إلى زعماء الحركة التحريرية، واستطاع بنفوذه الفكري والثقافي أن يثير على الحماية الفرنسية دعاية قوية، وانتهت هذه الدعاية بثورة عنيفة انتهت بمقتل الملك (تاي بين دي توان فو). وفي سنة 1913 ألقيت القنابل على حاكم الهند الصينية مسيو البيير سارو في شرفة أحد الفنادق، ولكنه نجا وقتل بعض حاشيته. واتهم (بام بوي شان) في هذه الجناية، وقضي عليه غيابياً بالإعدام؛ ولكنه فر إلى الصين. وغدا (بام بوي شان) عندئذ بطلاً وطنياً وزعيماً روحياً وفكرياً للحركة الوطنية على مثل صن يات صن في الصين وغاندي في الهند.

ولكن قبض عليه في شنغهاي سنة 1925، وقدم للمحاكمة مرة أخرى فحكم عليه بالأشغال الشاقة المؤبدة. وعلى أثر الحكم عليه أضربت الهند الصينية بقلاقل عنيفة فاضطرت السلطات أن تصدر العفو عنه بعد شهرين. وعلى أثر ذلك أذاع الفيلسوف بياناً على مواطنيه قال فيه إنه يعتزل القيادة العنيفة ويدعو منذ الآن إلى سياسة الوفاق. وكان هذا التحول أكبر عامل في ضياع نفوذه السياسي، فعاش منذ ذلك الحين في عزلة، ينقطع إلى تأملاته ونظرياته الفلسفية والروحية التي كانت قبساً جديداً من فلسفة الصين القديمة