مجلة الرسالة/العدد 819/الأدب والفنّ في أسبُوع
→ تعقيبات | مجلة الرسالة - العدد 819 الأدب والفنّ في أسبُوع [[مؤلف:|]] |
الكُتُب ← |
بتاريخ: 14 - 03 - 1949 |
للأستاذ عباس خضر
النقد الأدبي في القرن العشرين:
ألقى الدكتور محمد مندور يوم السبت الماضي محاضرة عنوانها (النقد الأدبي في القرن العشرين) في القاعة الشرقية بالجامعة الأمريكية. وقد بدأ بتعريف النقد الأدبي بأنه فن تمييز الأساليب قائلاً بأن الأسلوب ليس هو طريقة الأداء اللغوي فحسب بل هو كذلك طريقة إدراك الكاتب للعالم الخارجي ثم مدى قدرته على اصطياد المعاني والأحاسيس وإسكانها اللفظ الملائم. ثم قال إن النقد فن لا علم، ولكنه لا يقوم على الجهل، فأول ما يطلب في الناقد الاستنارة، وإن الناقد يلزمه أن يحصل كثيراً من المعارف ولكن يجب عليه أن ينساها في الأدب، فثقافة الإنسان هي ما يتبقى في نفسه بعد أن ينسى ما حصله. والثقافة التي تنبغي للناقد متعددة الجوانب، وأولها الأدب ذاته الإنشائي والنقدي، ومن ذلك معرفة المعنى الدقيق للكلمات والاصطلاحات، فإن كثيرين يرددون كلمات مثل (الواقعية) و (الرمزية) وهم يفهمون خطأ غير معناها، فيفهمون الواقعية مثلاً على أنها تصوير لواقع الحياة كما هو، ويتبادر ذلك إلى أذهانهم من المعنى اللغوي للكلمة. غير عالمين بالملابسات التاريخية لهذا المذهب الذي يقوم على النظرة إلى الجانب الحالك من الحياة والإيمان بعدم وجود الخير فيها. ومن ذلك مذهب (الفن للفن) فليس هو كما يفهمه الكثيرون من أنه يقتضي الخروج على مواضعات المجتمع والأخلاق، وإنما هو يدعو إلى أن تكون غاية الفن صور جميلة لذاتها، وأن الفن غاية في ذاته وليس وسيلة للتعبير عن مشاعر خاصة.
ثم قال الدكتور مندور: إن ثقافة الناقد في القرن العشرين أصبحت ضرورية لتعدد المذاهب واختلاطها، فمثلاً كانت المسرحية إما كوميديا أوتراجيديا، فجاء النقاد في القرن العشرين يقولون أن الحياة ليست كلها مآسي كما أنها ليست فكاهة مغرقة في الضحك، فهي ليست بالسوداء ولا بالبيضاء الخالصة، وإنما هي خليط من الأمرين، فما الذي يمنع من وجود لون رمادي على المسرح، هو الدراما التي تجمع بين المحزن والمضحك؟
ثم تساءل المحاضر: ترى هل يستحق النقد كل ذلك العناء؟ وأجاب بأن النقد ليس تبعياً وإنما هو خلق أدبي، وسيان أن يتحدث جيته عن منظر طبيعي أوإنسان في الحياة يتحدث عن شخصية روائية أو كاتب زميل، فتحصيل الأدوات للنقد جهد غير ضائع.
وبعد ذلك قال الدكتور مندور: وفي مصر هل نستطيع أن نقول إن النقد الأدبي قد استقر له أصول؟ ترجمت كتب، وكتب نقاد، بحيث نلاحظ أن النقد أخذ يرتفع عن الشخصيات إلى الأفكار، ولكن الملاحظ أن وسائل إذاعة النقد لا تزال محصورة، فأكثر ما ينشر في الصحف والمجلات تعريف لا نقد تغلب عليه المجاملة والرغبة في ترويج الكتاب. وهناك نوع يتمثل في الطعن والقدح لأسباب شخصية أو شعبية. . . وعلى العموم نرى النقد الأدبي الصحيح من حيث التطبيق على مؤلفاتنا - يعاني ضيق مجال النشر.
ثم قال: إننا الآن في مرحلة تتطلب أمرين: الأول أن نكثر من النقل والترجمة عن الغرب، والثاني أن يتجه النقد إلى غرس روح العلم والخلُق الأدبي بجانب نقد الأدب ذاته. وبذلك نستطيع أن ننشئ أدباً أصيلاً وأن نبني على أساس سَليم.
وألاحظ أن نقطة نسيان المعارف كانت تحتاج إلى بيان، وما أحسب الدكتور إلا يشير بذلك إلى الحقيقة النفسية القائلة بأن كل المعلومات تكمن في العقل الباطن الذي يهضمها ويماثل بينها، ثم هي تسعف الإنسان في الفرصة الملائمة دون التفات الواعية الظاهرة، ويكون ذلك أدنى إلى الأصالة من الترديد الببغاوي، بل هوالأصالة نفسها. ولكن هل نقول من أجل هذا بنسيان كل ما نحصله؟ وكيف إذن ندرك ما دعا إليه من معرفة المذاهب الأدبية ودقائق الفروق بينها إذا لم يظل ما نحصله منها عالقاً بالذاكرة؟
شعر البالاليكا:
رأيت في (البلاغ) يوم الاثنين الماضي قطعة تحت صورة امرأة وفوق إمضاء (يوسف جبر) عنوانها (بالاليكا) وهي كلام مكتوب على هيئة النظم، أعني أنه مقسم أجزاء كأجزاء الشعر، ومنه ما يأتي:
قبل شروق السحر
أسمع نجوى وتر
عند خيام الفجر
فعندما يتنفث
بلحنه الحيران يعود وجدي ويبعث
ما كان من شجن
في بالاليكا
وأنا لم أذهب إلى (بالاليكا) حتى أحكم على ما توحي به من الروائع. . . ولكن أليس لقائل آخر، ما دام الباب مفتوحاً، أن ينشر قطعة قد تكون أروع من هذا العنوان (شرم برم)؟!
مسرحية أوديب:
قدمت جمعية أنصار التمثيل والسينما رواية (أوديب) على مسرح الأوبرا يوم السبت الماضي، وهي مسرحية قديمة مترجمة عن الفرنسية، وقام بدور أوديب فيها الأستاذ جورج أبيض بك الذي قام بنفس الدور وقت أن قدمت فرقته هذه المسرحية سنة 1912.
وقد نقلت الإذاعة تمثيل الرواية إلى مستمعيها، وكان صوت (الملقن) مسموعاً واضحاً كأصوات الممثلين، فالمستمع يسمع كلاماً كالفحيح ثم يسمع نفس الكلام من الممثلين بصوت عال. . . وكانت فرصة لحذلقة المذيع، إذ أخذ يخبط ويخلط قبل أن يرتفع الستار، فقال إن هذه المسرحية مثلت لأول مرة في مصر سنة 1920، ورأى أن يدلنا على واسع علمه فقال: إن هذه المسرحية قام عليها المسرح في كل أمة! وتصور أنت مسرح أمة واحدة يقوم على رواية واحدة. . . ولو أنه قال إن الرواية مثلتها المسارح في مختلف الأمم لكن معقولا.
وقد بدأ أسلوب المسرحية وموسيقاها التي وضعها الشيخ سلامة حجازي، بعيدين عما يستساغ في هذا الوقت، مما جعلها غير مستحقة لإعادة تمثيلها الآن، وليت الذين قدموا الرواية القديمة أتعبوا أنفسهم ببذل جهد جديد، فقاموا بإخراج (أوديب الملك) لتوفيق الحكيم ووضع تلحين لها يناسب الذوق المصري، بدل هذا الاجترار الذي لا طائل وراءه. . .
المسرح بين جيلين:
الجيل الأول يتمثل في الفرق الحاضرة، وأهمها الفرقة المصرية التي تشرف عليها وزارة الشئون الاجتماعية، والجيل الثاني هو الجيل الجديد الذي تتطلع إليه الأنظار في المعهد العالي لفن التمثيل التابع لوزارة المعارف.
ولا ينكر أحد ما أسداه الجيل القديم لفن التمثيل، ومقدرة أفراده التي تكونت على مر السنين من المران وتنمية المواهب، ولكن هناك حقيقتين بارزتين، الأولى كسل هؤلاء الممثلين في العمل المسرحي، أوبتعبير أصح انشغالهم عن المسرح بالسينما، فهذه الفرقة المصرية تجتر الروايات القديمة التي حفظ الممثلون أدوارهم فيها فلا تكلفهم عناء في الحفظ ولا في التجارب (البروفات) وقد دعا مديرها العام الأستاذ يوسف وهبي في أول الموسم، الأدباء إلى معاونته بالتأليف، ولكن البرنامج الذي قدمته الفرقة طوال الموسم إلى الآن دل على رغبتها في الراحة من العناء في إنتاج جديد، فقد قدم لها الأستاذ محمود تيمور بك مسرحية جديدة هي (اليوم خمر) كما كتب لها أيضاً الأستاذ توفيق الحكيم مسرحية (اللص) وقد مضت شهور على فراغ الأديبين الكبيرين من هاتين المسرحيتين وتقديمهما ولم يبد ما يدل على أن الفرقة ستقدمها في هذا الموسم. وتسأل الأستاذ زكي طليمات المدير الفني للفرقة عن ذلك، فيقول: وماذا أصنع وأنا لا أجد يوسف وهبي؟ وأين يوسف؟ في (الاستديو) أي أن (مبعوث العناية الإلهية لإنقاذ المسرح) ليس عنده وقت للمسرح! وهكذا نرى أن الممثلين العريقين يتخذون الفرقة المصرية (محطة) يشربون بها النبيذ المعتق ويأكلون الشطائر المعدة في (جروبي) كما يقول ديوان المحاسبة. . .
الحقيقة الثانية، وهي التي تقضى بها سنة التطور في كل شيء، أن المسرح في حاجة إلى نوع جديد من الممثلين قد يكون أقدر على التقدم بالفن ومسايرة ما جدَّ فيه. وهنا نصل إلى الجيل الجديد المرجو من خريجي معهد التمثيل وطلبته، ولاشك أن هؤلاء يمتازون بأنهم يتلقون دراسات منتظمة في الآداب والفنون وثقافة العصر، وأحرى بهم أن يكونوا - كما قال الأستاذ زكي طليمات عميد المعهد في كلمته بحفلة توزيع الجوائز على الخريجين في الأوبرا - (حجر الزاوية في حركة جديدة يكون من ورائها إصلاح وتقدم للمسرح المصري يتمان على يد الممثل نفسه وبواسطة الممثل نفسه) وقد قال الأستاذ طليمات أيضاً في تلك الكلمة (لقد جرت الحكومة منذ أكثر من عشرين عاماً، وهي تحاول الارتقاء بالمسرح، على سياسة منح الإعانات المالية للفرق العاملة وإجراء تعديل وتغيير في أنظمتها، ثم الإشراف عليها وتولى توجيهها توجيهاً فعلياً بوساطة اللجان وإصدار القرارات، وقد أفاد هذا إلى الحد الذي ترون فيه (الفرقة المصرية) كما أفاد أيضاً في إبراز كيان اجتماعي للمثل. ولكن الحكومة اليوم تواصل عملها لتحقيق الارتقاء المنشود، متخذة طريقاً أخرى، استلهمتها ولاشك على ضوء البديهية الاجتماعية المبذولة لكل مفكر، وهي أنه لن يفيد ولن يجدي في شيء أن نحاول إصلاح النظم القائمة بالتغيير والتعديل قبل أن نأخذ بإصلاح الفرد الذي يعمل في هذه النظم، ويتولاها وينهض بكيانها. فالمعهد بحكم هذا مرجوأن يكون معقد الأمل في تحقيق هذا الإصلاح باعتبار أنه المصنع الذي يخرج رؤوساً جديدة تعد أحسن إعداد لاحتضان المسرح في نظامه الديمقراطي).
وقد أشرت منذ أسابيع إلى أن وزارة المعارف تعمل على إنشاء فرقة نموذجية خاصة بطلبة معهد التمثيل، وقد كان معالي السنهوي باشا وزير المعارف السابق وافق على المبلغ المقترح لهذه الفرقة وهو ثمانية آلاف جنيه، وقدم معاليه المشروع إلى اللجنة المالية لمجلس النواب، وقد رفضت اللجنة الموافقة على هذا (الاعتماد) ورؤى إرجاء المشروع إلى العام القادم. وكان من حجة اللجنة المالية في هذا الرفض الاكتفاء بالفرقة المصرية على أن يضم إليها خريجو المعهد. ولكن الفرقة المقترحة شيء آخر غير الفرقة المصرية القائمة، لأن الأولى يرجى منها أن تنهج منهجاً آخر يقوم على استغلال الحماس الفني في إحياء التمثيل المسرحي، وهذا الحماس يخشى عليه أن يخبو وأن يثبط إذا عاشر واصطدم بالجيل القائم المتسلط، كما يقوم المنهج المرجو على الخلاص من الاعتبارات التجارية إذ يكون الاتجاه إلى تقديم مسرحيات من الأدب الرفيع، والفرقة المقترحة بعد كل هذا تؤمل أن تكون أساساً سليماً لبنيان جديد في المسرح المصري بعد أن دلت التجارب الماضية على فساد البنيان القائم.
وإلى معالي الأستاذ علي أيوب وزير المعارف الحالي أسوق الحديث، راجياً أن يتم على يديه إنعاش المسرح الراقي، وحبذا أن تحقق وزارة المعارف الغرض المنشود من الفرقة الجديدة بإمداد المعهد بالمال اللازم لإقامة الحفلات التمثيلية العامة من ميزانيتها الخاصة، حتى يستطيع أن يبرز مجهوده ويقدم ثمراته، إلى أن يتيسر إنشاء الفرقة المأمولة.
عباس خضر