مجلة الرسالة/العدد 818/الأدب والفن في أسبوع
→ تعقيبات | مجلة الرسالة - العدد 818 الأدب والفن في أسبوع [[مؤلف:|]] |
البريد الأدبي ← |
بتاريخ: 07 - 03 - 1949 |
للأستاذ عباس خضر
قصة أوديب في الآداب المختلفة:
ألقى الدكتور طه حسين بك محاضرة عنوانها (قصة أوديب في الآداب المختلفة) بنادي الخريجين المصري يوم الجمعة الماضي. فبدأ بتلخيص قصة أوديب كما وضعها سوفوكل في أوائل القرن الخامس قبل المسيح، وحوادث القصة - كما هو معروف - تدور حول أوديب ابن الملك لايوس ملك طيبة، وصراعه مع الأقدار التي قضت بأن ينشأ بعيداً عن والديه، ثم تسوقه إلى حيث يقتل أباه وهو لا يعلم بأنه أبوه، ثم يتزوج أمه وهو لا يعلم أنها أمه، ويولد له منه أربعة أولاد، ثم يعلم أن أولاده هم أخوته لأمه. . . الخ
ثم قال الدكتور طه: أن سوفوكل صور في هذه القصة الصراع بين القضاء المحتوم والإرادة الإنسانية المختارة، وبين ذلك في مواقف القصة المختلفة. وقال إن الأسطورة كتبها كثيرون في القديم وفي الحديث، حتى لم تخل منها لغة من اللغات الحية في العالم الغربي، وقد أتيح للعربية أن تشارك في هذه الجهود، فترجمت (الدكتور طه) إليها قصة سو فوكل وقصة أندريه جيد. وجاء أخيرا الأستاذ توفيق الحكيم فكتبها بالعربية، وأنا سأقصر الحديث إلى قصتين هما قصة جان كوكتو وقصة أندرية جيد، وقد وضعتا في وقت واحد تقريبيا حوالي سنة 1930.
ثم حلل قصة جان كوكتو وقال إنه جمح فيها إلى الفن ولم يعن بالفكرة الفلسفية، فقد صور جوكاستا (أم أوديب) امرأة مرحة ماجنة تعشق الكاهن ترسياس وتتغزل فيه، وقد أهمل جان كوكتو الفكرة الفلسفية القديمة في القصة واتجه نحو فلسفة فرويد فيما يكون من الأحاسيس الخفية بين الأمهات والأبناء. وأنتقل الدكتور بعد ذلك إلى قصة أندرية جيد إنه أمضى القصة كما أمضاها سوفوكل ولكنه جعل أولاد أوديب من شباب العصر الحديث يندفعون إلى التجديد في كل شيء، وجعل الصراع بين الدين ممثلا في الكاهن ترسياس وبين أوديب الملك الذي لا يؤمن إلا بنفسه وعقله وشعوره ووجدانه.
ثم قال إنه يفضل قصة أندرية على قصة جان كوكتو. ويفضل على الاثنين قصة سوفوكل.
وبعد ذلك وصل الدكتور طه إلى الأستاذ توفيق الحكيم فقال إنه يسره أن يحاول الأستاذ توفيق هذه المحاولة، ولكنه لم يتخذ ما كان ينبغي أن يتخذه من عدة، وأول ما كان ينبغي أن يتخذه من عدة، وأول ما كان ينبغي أن يتخذ أن يقرأ وأن يقرا كثيرا، على رغم ما يحدثنا به من أنه قبل أن يكتب القصة قرا في الأدب اليوناني كثيرا، فإنا نرى أن هذه القراءة متواضعة ومتواضعة جدا. . . ثم ذكر الدكتور بعض المآخذ في قصة الحكيم، منها جعل أوديب يقتل الأسد بهراوة بيده ثم يحمله على ظهره ويلقيه في البحر، ولو فرضنا أنه من الممكن أن يقتل الرجل الأسد بهراوة ويحمله على ظهره فأي بحر هذا الذي ألقاه فيه؟ إن الإنسان يسير بين طيبة وبين البحر يوما كاملا دون أن يحمل أسداً على ظهره. أكبر الظن أن توفيق الحكيم لم ير الخريطة، ولعله قد اشتبهت عليه قرية صغيرة قريبة من البحر أسمها طيبة وهي غير طيبة والتي وقعت فيها أحداث القصة.
ومن تلك المآخذ مأخذ قال إنه أفسد القصة من ناحية الفنية إفسادا ليس بعد إفساده، ذلك أنه صور ترسياس في صورة المتآمر الذي ينزل إلى ما يجري عليه الناس من أنواع الدسائس والشرور، ثم مأخذ قال إنه افسد الناحية الفلسفية بأن جعل أوديب يطلب إلى زوجته وأمه جوكستا أن تصرف النظر عما حدث، ليعيشا مع أولادهما مكتفين بالنفي من طيبة، وهذا لا يتفق مع غاية القصة من شعور بالإثم، ومن حسن الحظ أن جوكستا ماتت ولم تقبل ذلك.
ثم قال أن توفيق الحكيم لم ينس أنه كان عضواً في النيابة العمومية، فقد خلط الحوادث خلطاً عجيباً عندما حكم على الكاهن ترسياس بأن يختارا بين الموت والنفي ثم وقفهما أمام الشعب ليحاكما.
وخرج الدكتور طه من الكلام على قصة توفيق الحكيم بأنها جمعت بين قصور جان كوكتو في الناحية الفلسفية وبين قصور أندرية جيد في الناحية الفنية.
ثم تحدث الدكتور عن المقدمة التي كتبها الأستاذ توفيق الحكيم لقصته فقال إن أقل ما يقال فيها إنها كانت تحتاج إلى عناية، فقد كتب صفحات في الجواب عن السؤال: لماذا لم ينقل العرب التمثيلية اليونانية؟ وذكر أن أمرأ القيس ذهب إلى قسطنطينية - وأنا لا أعرف أن أمر القيس ذهب إلى قسطنطينية - فلماذا لم يعد من هناك بشيء من هذا الفن؟ وراح الأستاذ توفيق يسهب في ذكر أسباب وفروض كثيرة، وما كان إغناه عن هذا كله لو علم أن العرب لم ينقلوا التمثيل عن اليونان بسبب واحد بسيط، هو أن اليونان لم يكن عندهم تمثيل في عهد العرب لأن المسيحية كانت قد قضت عليه، ولو ذهب أمرؤ القيس إلى هناك لما وجد تمثيلا. . .
ثم ختم المحاضرة بقوله: وأنا على كل حال أهنئ الأستاذ توفيق الحكيم بهذا الجهد، وأقول إننا يجب أن نبدأ ولو مخطئين لننتهي مصيبين.
تعقيب:
أما وقد تعرض الدكتور طه حسين بالنقد لكاتب (أوديب الملك) للأستاذ توفيق الحكيم، فقد كان قسطاس النقد المستقيم يقتضيه أن يشير إلى مواطن الإجادة فيه، ولا يقصر النقد على مواضع المؤاخذة ثم على الثناء والتهنئة الساخرين. . . وأنا لم أقرأ بعد هذا الكاتب، ولكني لا أتصوره خيالا من شيء يستحق أن يوضع في كفة الحسنات، فتوفيق الحكيم كاتب معروف بجودة الإنتاج القصصي على العموم مهما كان في هذا الإنتاج من مآخذ، ويعرف قراء العربية حسن رأي الدكتور طه في بعض ما كتب الحكيم، فهل هو الآن يستوفي النقد بذكر المآخذ في (أوديب الملك) بعد أن فرغ فيم مضى من الإشادة بما أحسن توفيق الحكيم في (أهل الكهف)؟! وهل لي أن أقول أن الدكتور طه حسين لا يقصد في التقريظ إذا قرظ ولا يقتصد في الثلب إذا ثلب؟.
الثقافة المصرية في السودان:
زار السودان منذ أسابيع الدكتور عبد السلام الكرداني بك الوكيل المساعد لوزارة المعارف، واتصل هناك بالمشرفين على التعليم في حكومة السودان، وبطبيعة الحال كانت المسائل التعليمية والثقافية هي موضع الاتصالات؛ وقد استرعى التفاني من أنباء هذه المرحلة أمران، الأول رد الكر داني بك على جريدة (النيل) السودانية وكانت قد تناولت مسألة توحيد التعليم في السودان التي أثارتها الحكومة السودانية في وجه مشروع التوسع في التعليم المصري بالسودان - قال الدكتور الكر داني: (إنني ممن يرون الخير في تعدد أنواع التعليم والثقافات واعتقد أننا في مصر قد كسبنا من وجود مدارس ذات مناهج مختلفة) ثم قال: (إن هناك من يقولون في الوقت الحاضر بضرورة توحيد الثقافات عند الأمم المتكتلة بتوجيه ثقافاتها وبرامج دراستها وجهة واحدة، وكذلك ترى الجامعة العربية فيما تختص بالأقطار العربية المشتركة فيها وقد اتخذت خطوات فعلية في هذا الاتجاه، فهلا ترون أن من مصلحة السودان العزيز وأهله الأعزاء أن يكون لديهم في بلادهم فريق من أبنائه يسيرون في دراستهم وفق المنهج الذي يسير عليه أشقاؤه في مصر الشقيقة الكبرى وأبناء عمومتهم في بقية البلاد العربية المتحدة المتضامنة سعياً وراء خيرها ورفعتها جميعا؟).
وهذه لفته بارعة من الدكتور الكرداني، وإن كان قد صاغها في قالب من التحفظ، فالسودان باتفاق السودانيين جزء من البلاد العربية إلى تتجه إلى توحيد غايتها الثقافية والتقريب بين برامج الدراسية، وتتخذ خطوات مصر وجهودها في ذلك المضمار محورا ومثلا لها، فكل جهد يبذل في الوقوف أمام انتشار التعليم المصري بالسودان ليس ضاراً فقط بوحدة الوادي، وإنما هو يمتد إلى مكان السودان من العروبة ونصيبه من قيمها الثقافية.
أما الأمر الثاني الذي لاحظته في هذه الزيارة، فهو أن الكرداني بك أدى مهمته باعتباره رجل تعليم وثقافة على خير ما تؤدى، وكان عندما يجعل بمثله أن يكون، لقي الجميع وأحسن التفاهم مع الجميع، فاحتفى به الجميع حتى امتدحت جريدة (النيل) وهي لسان الانفصاليين مسلكه في المناقشة وسعة أفقه. والذي يهمني من كل ذلك أن أضربه مثلا لرجل التعليم المصري ورسل الثقافة إلى جنوب الوادي، ولو أن كل من بعثنا بهم إلى هناك لهذه الغاية كانوا كذلك، ولم يقحموا أنفسهم فيما ليس من شأنهم، لتجنبنا كثيراً من الأشواك، ولما اضطرت حكومتنا إلى ما اضطرت إليه من الحرج فيما يتعلق ببعض مناصب التعليم بالسودان.
عزيزتي السيدة ملك:
أكتب لك هذا بمناسبة استئنافك العمل في مسرحك، بتمثيله كليوباترا لشوقي بك، فأهنك أولا بهذا الافتتاح وأتمنى لك أطيب التمنيات، ثم أتوكل على الله وأفضي إليك بغاية القصد المراد. . . راجيا أن تتقبلي ما أفضي به تقبلا حسنا وألا يتكدر منه خاطرك.
ذلك يا سيدتي أن صوتك جميل جدا ولكنك تجنين على جماله بتشبك أن تلحني لنفسك، ولا أقول فقط إنك لا توفقين في التلحين، وإنما يخيل إلي حينما أسمعك أنك تغنين غناء فطريا، وأن سامعك ليأسف على ضياع تلك الآهات والنبرات الحارة الشجية المنبعثة من قلب يشعر، في الهباء، تذروها فوضى التنغيم. ولا شك في أن عدم توفيقك في التلحين لا ينقص شيئاً من قيمة مواهبك الأخرى، فأنت ممثلة مسح ذات ذخيرة فياضة من حنان الأنوثة، ومغنية مسرح معبرة من الطراز الأول؛ واعتقد أن صوتك يكون شيئاً آخر لو أسلمت قياده لملحن مقتدر، ونحن في عصر الاختصار، فمن أراد أن يكون كل شيء فلن يكون شيئا.
والمهم بعد هو أن الميدان الغني عندنا تنقصه الآن المسرحية الغنائية، مع أن الجمهور المصري يعشق هذا اللون من الفن. وأنت الآن - ولا أرى غيرك في هذه الظروف - التي تستطيع أن تحي المسرح الغنائي بتقديم روائع التمثيليات من الأدب الرفيع، كما يدل على ذلك اختيارك لإحدى مسرحيات أمير الشعراء في افتتاح موسمك الحالي.
فالتلحين، ياست ملك، التلحين. . . ولاشيء ينقصك غير التلحين، فلا تكابري وكوني ممن يسمع القول فيتبع أحسنه.
ولك تحياتي واحترمي.
عباس خضر.