مجلة الرسالة/العدد 816/البريد الأدبي
→ الأدب والفن في أسبوع | مجلة الرسالة - العدد 816 البريد الأدبي [[مؤلف:|]] |
الكتب ← |
بتاريخ: 21 - 02 - 1949 |
حرية الأدب والفن:
إن المناقشة التي دارت في المجمع اللغوي بين الدكتور احمد أمين والدكتور طه حسين في حرية الكاتب وتقيده بأهداف معينة - وعلينا الشكر للأستاذ عباس خضر على نشره لموجز أدلة الفريقين - إنها لمناقشة جديرة باهتمام كبير وإن كان الموضوع قد قتل بحثاً ودرساً في الغرب منذ إن اتفق لفيكتور هيكو اختراع قوله (الفن للفن) فقد كان الصراع بين أنصار هذه النظرية - نظرية عدم استخدام الفن لأغراض معينة - وخصومها، ومن بينهم هيكو نفسه، قوياً حاداً طيلة القرن الماضي ولسنا نحن الشرقيين في حاجة إلى (تمثيل) ذلك الصراع في بلادنا وترديد آراء الغربيين في مسألة كهذه لأن الغربيين هم كما قال الدكتور إقبال الحكيم الشاعر الهندي (يكتشفون ويتتبعون مسير النجوم في السماء، ولكن لا يسعهم أن يهتدوا إلى الطريق في دنيا الأفكار) لا يؤمل منهم أن يصلوا إلى رأي قاطع حازم فيما يتعلق بالمسائل الأخلاقية، مع أن تفوقهم في العلوم الطبيعية لا يسع أحداً إنكاره في العصر الحاضر. والحقيقة التي يجب أن نتأكد منها ونذكرها دائماً، هي أن الاختلاف والتجديد في الرأي والتقدم - تلك الكلمة التي يحلو لنا الإكثار من النطق بها - إنما هو مفيد في حقل المسائل الطبيعية دون ما ينتمي إلى الأخلاق والمبادئ التي يبتني المجتمع عليها؛ فإن الحرية بشأن التعرض لها إنما تؤدي إلى عدم الاستقرار والفوضى الاجتماعية، وعلاوة على ذلك فإن الحرية لا تتميز عن الفوضى إلا بأن الأولى تحدد بحدود معروفة، والثانية لا حدود لها.
وخلاصة القول أن المسلمين في غنى عن مثل هذه المناقشة في المسائل الأخلاقية والاجتماعية، لو أنهم ردوها إلى الإسلام وسيرة الرسول. لننظر إلى قوله تعالى: والشعراء يتبعهم الغاوون وقول النبي في أمريء القيس بأنه قائد الشعراء إلى النار، ولنتقارن هذا وذاك بما هو معروف من تشجيع النبي لحسان بن ثابت وإنعامه على كعب بن زهير، ثم لنتأمل لعلنا نجد فيه حكما فصلا بأن الفن ليس للفن، بل إنه عامل من العوامل الشديدة التأثير في النفس وفي الحياة، ولذلك يجب أن يخضع لقاعدة التنظيم الإجماعي حتى يخدم أغراض المجتمع الخاصة ولا يخرج عليها. وهذا هو تفسير تلك القيود التي وضعه الإسلام على بعض نواحي النشاط الفني والتي ربما ثقلت على دعاة حرية الفن؛ فإن كل ما يدعوا إلى الوثنية أو أخلاق الجاهلية إن كان من الفن فهو فن سوء، ولا مجال للاعتراف به في نظام شامل كالإسلام الذي يكفل حياة جد وعمل دائمين في سبيل الخير لا حياة لهو وترف في حال من الأحوال. وكذلك الانهماك في اللذات والتعبير عنها تعبيراً صادقاً مثل حكاية طروق حبلى ومرضع، فإن هذا النوع من الحرية للأديب التي يدعوا إليها بعض الكتاب الفرنسيين ويعجب بها بعض كتابنا البارزين - لا توجه الإنسانية إلى سواء السبيل وحسن المصير، بل تعاون على صرف النظر والذهول عن سوء الحال وخير المستقبل وتسبب الفتور في العزيمة والركود في التعمير لاشك أن مدار الفن على التعبير الصادق ولكن هل يتحول الشر بمجرد كونه موضوعاً لمثل هذا التعبير إلى الخير؟ أفلا يجب على الكاتب إذا اتخذ الشر موضوعاً لعمله أن يعالجه بحيث يبغضه إلى القراء؟ ولا يقل أحد في ذلك إرهاقاً للكاتب لأن الكاتب الذي حبب إليه الشر قل نفوره منه عن نفور الجمهور هو عدو للخير والمجتمع قبل أن يكون كاتباً أو شاعراً. أما القول بأن مذهب الفن للفن ليس له أية صلة بالأخلاق فإنه سينتفض إذا راعينا هذا الجانب نفسه أعني جانب الموضوع الذي يقع عليه اختيار الكاتب، كما أن حسن التصوير أو قبحه من الناحية الأخلاقية لا يمكن في الفن نفسه، بل يأتي من الموضوع الخارجي له. وعلى كل حال فإن الأدب الذي لا يرمي إلى غاية إنما مثله هز الأرداف العارية الذي يسمي فن الرقص في بعض الحانات ولكل منا رأيه في مدى جدواه للمجتمع والأخلاق والإنسانية.
السيد محمد يوسف الهندي
معنى المكروفون:
اطلعت في عدد الرسالة الغراء (814) على مقالة صاحب العزة الأستاذ الفاضل الدكتور عبد الوهاب عزام بك بعنوان (من آفات هذه المدينة) وفيه ذكر عزته أن المكروفونات (المجاهر) تسبب ضوضاء. . . الخ وبودي في هذه الرسالة العاجلة أن أبين من الناحية العلمية خطأ ما سار عليه البعض في تسمية هذه الأجهزة بالميكروفونات.
فهذه الأجهزة من الناحية العلمية تسمى وهو ما يمكن ترجمته (أجهزة مخاطبة الجماهير) وتتركب هذه الأجهزة من ثلاثة أجزاء رئيسية:
الأول: المكروفون ووظيفته تحويل الموجات الصوتية الحادثة أمامه إلى موجات كهربية.
الثاني: جهاز تكبير ووظيفته تكبير الموجات الكهربية الواصلة إليه من المكرفون وهو مركب من عدة صمامات لاسلكية بطريقة تختلف من وقت إلى آخر.
الثالث: مضخم الصوت ووظيفته تحويل الموجات - الكهربية - الواصلة إليه من المكرفون عن طريق المكبر - إلى موجات صوتية.
وبذلك تصل الموجات الصوتية الحادثة أمام الميكروفون إلى جمهور المستمعين مكبرة مضخمة (عالية).
والمكروفون متصل بالمكبر بسلك كهربي
والمكبر المتصل بمضخم الصوت بسلك كهربي أيضاً.
لذلك رأيت أن أكتب إلى حضرتكم راجياً الإشارة إلى ذلك في مجلتكم الغراء لما في إطلاق اسم ميكروفون على هذه الأجهزة من خطأ علمي.
أحمد محمد حلمي
مهندس لاسلكي
في التعزية عن مصيبة الموت (للرافعي):
لما فجع الأستاذ الجليل عبد الرحمن الرافعي بك في وحيده (أمين) رحمه الله غراء السيد مصطفى صادق الرافعي رحمه الله عن فجيعته، بهذا الخطاب المؤثر البليغ:
سيدي الأخ الجليل.
كنت مسافراً وعلمت بالنبأ الفاجع الذي يتكلم عنده الصمت: إنا لله لقد دفعك الإيمان إلى أشد معاركه في هذه الفجيعة وكأنك الجبل الباذخ لا تريد الحكمة الآلهية أن يستندإلى شيء ليكون جلاله ظاهراً بنفسه.
(إن قلبك العظيم يحمل الزمن بما فيه، ولكن الذي هو أشد من حمل الزمن، هذه القطعة الصغيرة من الماضي.
أسأل الله أن يثبت بما ثبت به النبوة، وأن يضاعف لك بالصبر والإيمان قوة على قوة، وأن يجعلك من الذين عليهم صلوات من ربهم ورحمة. ولما احتسب الدكتور شخاشيري طفلا له لم يجد في مرضه طب أبيه ولا علمه (وخرّ العلم والطب على أقدام الموت جرى على لسان الوالد الحزين هذا البيت من الشعر).
أين السعادة والأيام تأباها ... مرت علينا فلم نشعر بمجراها
وبعثت بهذا البيت إلى صديقه الرافعي رحمه الله فأجابه بالأبيات الحكيمة الآتية:
الله أوجدها للناس قاطبة ... فما الذي عن جمع الناس أخفاها
لا ذلك المال سواها لنا ذهباً ... ولا من الطين هذا الفقر سواها
والعمر في وهمها ضاعت حقائقه ... كأنما هي تحيا بين موتاها
فسل صغار الورى عن هم أولها ... وسل شيوخ الورى عن هم أخراها
إن السعادة أن ترضى بلا غضب ... وكيف ذاك بدنيا لست ترضاها
وكتب الرافعي رحمه الله إلى صديق يعزيه قال:
المصيبة حرسك الله، وإن كانت أكبر من التعزية لكن ثواب الله أكبر من المصيبة، والإيمان بالله أكبر من الثواب، وما آمن بالله من لا يثق به، ولن يثق به من لا يطمئن إلى حكمته، ولا اطمأن إلى حكمته من لا يرضى بحكمه، ولا بحكمه من سخط على ما ابتلاه. ولقد عرفتك من أوثق الناس إيماناً فلتكن من أحسنهم صبراً وأجملهم عزاء. ونحن الضعفاء المساكين إنما نعامل الله بما يصيبنا به، فإن جزعنا فقد بلغنا حق أنفسنا فلا حق لنا من بعد! وكأنما أصبنا مرتين، وإن صبرنا فما أحرى أن يكون الصبر على المصيبة هو ربح المصيبة والسلام.
ولما مات أخوه كامل بك الرافعي قال يشكر الناس:
(تتوجه أسرة الرافعي إلى الله بقلوبها المتوجعة الحزينة تستلمه فيما تشعر به ما تشكر به، فلئن كان رزؤها في فقدها أليما، لقد كان عطف الأمة عليها كريماً. والحمد لله الذي لا بأس من روحه، بيده الخير يجعله ما يشاء فيما يعطي وفيما يمنع وهو القوي العزيز فيما يصيب به، لكنه الرحمن الرحيم فيما يثيب عليه. فاللهم اجز بفضلك عنا أحسن ما جزيت كل من واسانا أو توجع لنا أو عطف علينا ممن ساروا في الجنازة أو جاءوا للتعزية، أو حضرت رسائل عطفهم برقاً وبريداً، ندعوك اللهم أكرم مدعو، فكن اللهم أكرم مستجيب.
رحم الله الرافعي رحمة واسعة.
(المنصورة)
محمد أبو ريه
الأحرف السبعة:
قرأت ما كتبه الأستاذ عبد الستار أحمد فراج في (عدد الرسالة 815) فكان من الواجب الحتم أن أتمم ما كتبه بكلمة أنقلها من مقالة للأستاذ محمد زاهد الكوثري المتخصص في هذا الشأن الخطير، لأنه كان أستاذ علوم القرآن في معهد التخصص باصطنبول:
تواترت الأحاديث في إنزال القرآن على سبعة أحرف، لكن اختلفوا في تفسيرها إلى نحو أربعين قولا، لا تعويل إلا على أقل قليل منها. قال الطحاوى في مشكل الآثار: إنما كانت السعة للناس في الحروف لعجزهم عن أخذ القرآن على غير لغاتهم، فوسع لهم في اختلاف الألفاظ إذا كان المعنى متفقاً، فكانوا كذلك حتى كثر منهم من يكتب وعادت لغاتهم إلى لسان رسول الله (ص) فقدروا بذلك على تحفظ ألفاظه، فلم يسعهم حينئذ أن يقرءوا بخلافها. أهـ. قال القرطبي: قال ابن عبد البر: فبان بهذا أن تلك السبعة الأحرف إنما كانت في وقت خاص لضرورة دعت إلى ذلك ثم ارتفعت تلك الضرورة فارتفع حكم هذه السبعة الأحرف، وعاد ما يقرأنه القرآن على حرف واحد. أهـ وقد أطال الطحاوي النفس في مشكل الآثار (ج4) في تمحيص هذا البحث بما لا تجد مثله في كتاب سواه. ومما قاله هناك إن ذلك توسعة من الله عليهم لضرورتهم إلى ذلك لحاجتهم غليه، وإن كان الذي نزل على النبي ﷺ إنما بألفاظ واحدة. اهـ
فأقامة المرادف مقام اللفظ المنزل كانت لضرورة وقتية نسخت في عهد المصطفى عليه صلوات الله وسلامه بالعرضة الأخيرة المشهورة.
عبد الله معروف