مجلة الرسالة/العدد 812/الأدب والفن في أسبوع
→ تعقيبات | مجلة الرسالة - العدد 812 الأدب والفن في أسبوع [[مؤلف:|]] |
البريد الأدبي ← |
بتاريخ: 24 - 01 - 1949 |
للأستاذ عباس خضر
الأدب الشعبي
شمل التعقيب على محاضرة الأستاذ الشبيبي في مجمع اللغة، موضوعاً آخر غير موضوع حرية الأدب الذي تحدث عنه في الأسبوع الماضي، ذلك الموضوع هو الأدب الشعبي، فقد قال الأستاذ ماسينيون: سمعنا حديثاً طيباً عن النهضة الأدبية في العراق وأرى أن كلمة نهضة يجب أن ترجع إلى اندفاع غريزي في الشعب كله نحو التقدم والترقي، وأنا أعرف أن في الشعب العراقي قوة غريزية أو شوقاً للشعر والأدب، فهل أمكنت الإفادة من تلك القوة الغريزية وهذا الشوق لتصفية الأسلوب وترقية الأدب؟
وما أحسبه قصد الأدب العامي، فما في هذا تصفية أسلوب وترقية أدب، وإنما يرمي إلى أن يكون الأدب الفصيح نابعاً من غريزة الشعب مصوراً لمشاعره. ولكن الدكتور أحمد أمين بك قال: أن العناية بالأدب الشعبي واجبة، فكل مؤرخي الأدب، أن في العراق أو في مصر، يميلون إلى الأرستقراطية الأدبية ولا يؤرخون إلا للمتعلمين الذين ينتجون على النمط (الكلاسيكي)، ودعا الأباء إلى أن يؤرخون للزجل والموشحات والروايات العامية لأنها تدل على حالة الشعب أكثر مما يدل عليه الأدب الأرستقراطي.
وقال معالي الرئيس لطفي السيد باشا: ربما كان هذا الضرب من الكتابة أقرب إلى علم أحوال الإنسان منه إلى الأدب.
وقال الأستاذ العقاد: أن الأرستقراطية الفنية والفكرية يجب أن تسود، وأنا أشتري أرستقراطية واحدة كهذه بمائة مليون إنسان لا غرض لهم من الحياة إلا أنهم يأكلون ويشربون.
وقال الأستاذ الشبيبي: اعتقد أن أدبنا في الفترة الحاضرة ليس أدباً أرستقراطياً بل هو أدب ديمقراطي يعبر عن الحياة الواقعة، أما أن يعد الأدب أرستقراطياً لأنه مصوغ في لغة فصيحة فقول لا أوافق عليه.
ثم قال الدكتور طه حسين بك: العربية الفصحى للآن هي لغة الأدب، ونحن مجتمعون هنا لندرسها وحدها، وقال أن الإنتاج الأدبي يجب أن يستمد قوته وبعض خصائصه من البيئة التي يعيش فيها أي من البيئة الشعبية، وبعد أن فرق بين أدب الفصحى والأدب العامي قال: نحن حريصون على أرستقراطيتنا الأدبية حرصنا على الديمقراطية السياسية.
وقد نجح الدكتور طه إلى أرستقراطية الأدبية على اعتبار أنها أدب الفصحى، ولكن هل يصح أن تطلق الأرستقراطية على الأدب الذي يستمد قوته من البيئة الشعبية؟ ألسنا نتجه الآن إلى الشعب، نعلمه العربية الفصيحة ونكتب له بها معبرين عن قضاياه ومسائله؟ بل ألسنا نحن من صميم الشعب؟ وماذا نصنع بالأرستقراطية التي نشتريها إذا فرطنا في مائة مليون إنسان بدل أن نرفعهم ونحييهم بأدبنا؟
إنني لا أفهم أرستقراطية الأدب إلا أن تكون ذلك النوع الذي كان يتحلى بأصحابه الحكام والأمراء لقاء ما يرزقونهم، أما الأديب الذي يأكل ويشرب من ثمن أدبه وكتابته، الذي يدفعه إليه الشعب، فما ينبغي له أن يسقط الشعب من حسابه، إن الشعب في الحياة التي نهدف إليها هو كل شئ، فيه نبتنا، وإليه نتجه، وبه يجب أن نرتقي وعنه يجب أن نعبر، حتى ينسب أدب الفصحى إليه فيقال له (الأدب الشعبي)، أما الأدب العامي من زجل وموشحات و. . . الخ فهو شئ آخر، الكتابة فيه (أقرب إلى علم أحوال الإنسان منه إلى الأدب، كما قال أستاذ الجيل.
وأما الأرستقراطية فهي كلمة ممقوته مرذولة في السياسة وفي الأدب وفي كل شئ.
ذكرى باحثة البادية
احتفل الحزب النسائي الوطني يوم الأحد الماضي بذكرى باحثة بادية ملك حقني ناصف بمناسبة مرور ثلاثين عاماً على وفاتها وقد تكلم في هذا الحفل عدد من النساء وبعض الرجال، ودار كلام السيدات والآنسات كله حول حقوق المرأة وظلم الرجل له وأن المحتفل بذكراها كانت من الماجدات في هذا الميدان؛ ولم تعن إحداهن بأن تجلو شخصية باحثة البادية من جوانبها المختلفة، وخاصة الناحية الأدبية، فلم يكن الحفل إلا مناحة على حرمان المرأة المصرية حق الانتخاب ودخول البرلمان. . .
وأنا أحب أن أقول لهؤلاء السيدان والآنسات: لو كان عندنا عدد من مثيلات باحثة البادية لكان للمرأة المصرية اليوم شأن غير ما هي عليه الآن فباحثة البادية أول امرأة مصرية أمسكت القلم ودافعت عن حقوق المرأة ودعت إلى تعليم البنت، واستعانت على ذلك بأدبها وما أوتيت من البيان، فكن واحدة عندنا ليوم تكتب أو تنظم كباحثة البادية؟ وهذا الحفل المقام لذكراها لولا آنستان من الجامعة لكان مأتماً للغة العربية وبيانها، والآنستان هما نعمت بدر، وعزيزة هيكل، فقد وقفت كل منهما موقف الفتاة المتعلمة التي تتكلم بلغة بلادها
ولا أنكر على النهضة النسائية في مصر ما آتت من ثمرات في نواحي حياتنا المختلفة ولكنها نهضة خرساء وإن كانت تنطق بالهذر. . . فالقلم لا يزال عصياً على أناملهن، وميدان الأدب خال منهن إلا قليلاً. وأقل ما يدل على ذلك أنه ليس لدينا جماعة نسوية تستطيع أن تحتفل بذكرى أدبية كباحثة البادية احتفالاً وافياً لائقاً.
ثم أسال: هل الرجل يظلم المرأة حقاً؟ قد ينكر عليها أمراً من الأمور، ويمنعها شيئاً من الأشياء، وقد يفعل ذلك جاهلاً، وقد يكون له فيه رأي ووجهة نظر، ولكن المحقق أنه لا يريد أن يظلمها، وخاصة لأنها محبوبة لدية أثيرة عنده، فالمسألة مسألة رأى واتجاه لا ظلم وهضم حقوق، والحقيقة الظاهرة أن أكثر ما ظفرت به المرأة من عمل الرجل ودفاعه، فكيف يكون محامياً عنها ومتصباً ضدها في آن؟ ومن الخطأ الشائع أن يعد الرجل والمرأة خصمين متنازعين، فما هما إلا أليفان متعاونان متكاملان.
وقد لاحظت أن جميع من خطبن من السيدات والآنسات بدأن بقولهن: سيداتي وآنساتي وسادتي. والمفهوم أن الرجل يقول ذلك مجاملة للجنس الرقيق أفلا يجدر بالجنس الرقيق أن يكون رقيقاً في مجاملة الرجل وعدم الجور على حقوقه. .؟
ولم يخل الحفل من بعض الطرائف، فقد قال أحد الخطباء إن المرأة اليابانية في الحرب الأخيرة كانت تسأل ابنها وهو ذاهب إلى الميدان: من سيخطر ببالك وأنت تتقدم الصفوف لقتال الأعداء؟ فيقول: لن يكون في خاطري غير الوطن وقد أذكر أمي فتتسرع الأم إلى الانتحار حتى لا تشرك الوطن في خاطره. وأهاب الخطيب بالحاضرات أن تكون المرأة اليابانية لهن مثالاً يحتذينه. . فأجبته:
(لا. . كله إلا الانتحار!)
وقال الأستاذ عبد الحميد حمدي في كلمته إنه وإن كان يؤيد المرأة في المطالبة بحقوقها السياسية إلا أنه يرى الوقت الحاضر غير ملائم لدخولها مجال الانتخابات لما يلابسها من الفوضى، فقالت إحداهن: نعين في مجلس الشيوخ. أقول: ولكن عضو الشيوخ يشترط فيه ألا تقل سنه عن الأربعين فهل هناك امرأة بلغت الأربعين. .؟
الدكتور عمر بن أبي ربيعة
نحن الآن أمام لون جديد من شعر الغزل، فقد كان الشاعر يتغزل في حبيبة لا يعرفها الناس، فأقصى ما يصرح به أنها (ليلى) وإن شئت فقل (زوزو) وكم في النساء من (ليلى) وما أكثر (زوزو)!
وكذلك كانت تصنع من جرؤت على التغزل في الرجال، وإن كانت مرات هذه الجرأة تكاد لا تحصى.
أما الذي جد في هذا الفن من الشعر فقد وقع في هذا الأسبوع، فهذه صفحة من مجلة (العالم العربي) أول ما يطالعك فيها صورتان، كتب تحت أولاهما (أماني فريد الهائمة) والثانية صورة الدكتور إبراهيم ناجي، ولكل منهما قصيدة غزل صريح في الآخر، عنوان إحداهما (إلى الدكتور إبراهيم ناجي) وعنوان الأخرى (إلى الهائمة أماني فريد)
قالت الهائمة للدكتور:
تعال إلى القلب بعد العذاب ... فقد مر عمري وولى سدى
يناديك قلبي هوى واشتياقاً ... فمالك لست تجيب الندى
أبيت على لهفة للقاء ... ولكن أخاف حديث العدا
فكم ليلة يا قرير الجفون ... تركت جفوني بها سهدا
وقبل أن أدع (قرير الجفون) الذي لا يجيب الندا يرد على الهائمة، أقول أن عمرها لم يول سدى بعد. . فهي لا تزال في الريعان. . . وإنها لا تخاف العدا، وهذا ظاهر جداً. . . .
ثم يقول الدكتور ناجي للهائمة به (كما يقول) أماني فريد:
فأنت الوجود وأنت الخلود ... وأنت النداء وأنت الصدى
وكيف بغيرك تحلو الحياة ... وبعذب موردها موردا
وأنت النعيم وأنت العذاب ... وأنت موردها والصدا
ثم يجيب نداءها:
تنادينني! إن قلبي إليك ... غدا هاتفاً، وشعري منشدا
وينفي ما زعمته من أنه قرير الجفون: تظنينني ناعماً بالرقاد ... وإني الذي خاصم المرقدا
وبعد فليعلم الغادي والرائح أن الدكتور ناجي يحب الهائمة أماني فريد، وأنه هو (الملهم) لها. . ولكن هل يدينان بالتوحيد في الحب؟ أو بصريح العبارة - فلم يعد في الأمر ما يمنع الصراحة - ألا يحب كل منهما أو يهيم بآخر أو بأخرى؟ أما الهائمة أماني فلم تصرح بعد في شعر ولا كتابة - فليس يعنينا ما وراء الأدب من خصوصيات - بحبيب غير ناجي، وليس لفضولي أن يسأل لم تحبه، فالهوى ذو أعاجيب على أنها لن تعدم منه الشعر. . . يقوله لها. . . وحسبه منها - كما قال بشار - الحديث والنظر. .
وأما (المهيم به) وهو الدكتور ناجي، فقد غبطته مرة أو قل نفست عليه أن حظي بثلاث من حسان الملاهي جمع بينهن في شعر قاله فيهم بمجلة (الاستديو) وهذه الهائمة أماني هي الرابعة. . . ولا شأن لنا - كما قلت - بما وراء الأدب والشعر من خصوصيات. فهو إذن ليس كشعراء بني عذرة، وما (شهرزاد ومديحة يسري وسهام رفقي والهائمة أماني) إلا كصاحبات عمر بن أبي ربيعة. . .
أدباء العراق
أتينا في عدد ماض من الرسالة على ملخص المحاضرة التي ألقاها معالي الأستاذ محمد رضا الشبيبي في مؤتمر الجمع اللغوي عن النهضة الأدبية في العراق، متضمناً أسماء طائفة من الأدباء العراقيين. وقد اطلعت على نسخة مصححة من أصل المحاضرة فوجدت بها أسماء عدد آخر من أدباء العراق، باحثين وكتاب وشعراء، منهم الأساتذة الأزري والسماوي واليعقوبي ومحمد باقر الشبيبي ومهدي البصير من الشعراء المجيدين، والدكتور جواد علي والدكتور سوسه وعبد الحميد الدخيلي وكوركيس عواد من الكتاب والباحثين.
عباس خضر