الرئيسيةبحث

مجلة الرسالة/العدد 810/الجمعية العمومية لهيئة الأمم في دورتها الأخيرة

مجلة الرسالة/العدد 810/الجمعية العمومية لهيئة الأمم في دورتها الأخيرة

مجلة الرسالة - العدد 810
الجمعية العمومية لهيئة الأمم في دورتها الأخيرة
[[مؤلف:|]]
بتاريخ: 10 - 01 - 1949


للأستاذ عمر حليق

فيما يلي عرض موجز لأبرز القرارات التي اتخذتها الجمعية العمومية التابعة لهيئة الأمم في اجتماعها السنوي بباريس، الذي استمر من 22 سبتمبر إلى 11 ديسمبر 1948، وهي تشمل أهم المشاكل التي تواجه العلاقات الدولية، وتتصل اتصالاً وثيقاً بشؤون السلم والحرب.

فلسطين:

أنشأت الجمعية العمومية لجنة التوفيق بين العرب واليهود مؤلفة من الولايات المتحدة وأمريكا وتركيا. وللجنة معظم الاختصاصات التي كانت للكونت برنادوت الذي اغتاله اليهود وتناسته المحافل الدولية بفضل مؤامرة الصمت التي ارتكبتها الصحافة العالمية وتأثرت بها هيئة الأمم تأثراً سلبياً هداماً.

وقرار الجمعية العمومية هذا، يدعو السلطات المعنية بشأن فلسطين إلى الاتفاق مباشرة أو بواسطة اللجنة. وهذا التزام شنيع يفرض على الدول العربية الاعتراف بالكيان الذي أقامه اليهود في المناطق التي يسيطرون عليها في فلسطين. وهو اعتراف آخر بسياسة الأمر الواقع التي تناقض ميثاق الأمم المتحدة والتي لم تكن في يوم ما أساساً لاستقرار سياسي وطيد. والقرار يدعو كذلك إلى جعل مدينة القدس منطقة دولية.

ميثاق حقوق الإنسان:

وافقت الجمعية بأكثرية ساحقة على هذا الميثاق العالمي الذي يحدد الحقوق السياسية والاجتماعية والاقتصادية للفرد تحت أي نظام كان وفي ظل أية سلطة يعيش. والميثاق مقدمة لقانون دولي تنوي هيئة الأمم حمل شعوب العالم ودوله على اتخاذه أساساً للحرية الفردية بموجب التزامات قانونية تتخطى سلطة الدولة وتكون مقيدة بأحكام هيئة قضائية عليا تنشئها هيئة الأمم، للنظر في حوادث التعدي والعبث بالحقوق التي أقرها الميثاق.

مشروع مكافحة الإبادة العنصرية ومعاقبة مجرميها:

وهو قرار كان لضغط اليهودية العالمية الفضل الأول في إقراره؛ إذ أنه يحاول ضمان الأقليات والعنصرية من بطش الدولة، وهو بطش حاق باليهود في عهود التاريخ القديم والمعاصر بسبب ولائهم المزدوج الذي يتصنع خدمة الدولة التي تأويهم بينما هو يتخذ هذه الدولة وسيلة لتحقيق أهداف أنانية، مستمدة من صميم العقلية اليهودية الانتهازية وهي عقلية رجعية، لأنها لا تزال تعيش في ظلال التلمود وشريعته العتيقة، دون أن تحاول التأثر بالتطور الفكري الذي أولد حركات تقدمية في السلوك الديني والتفكير الديني والنظرة الدينية تجاري التطور العلمي الذي يعيش عليه المجتمع الإنساني المعاصر.

مشكلة البلقان:

اتخذت الجمعية العمومية للمرة الثانية خلال عامين قراراً ضد جارات اليونان لمساعدتهم الثوار الشيوعيين. والقرار يزيد عاماً في عمر لجنة البلقان الدولية التي أوفدتها الأمم المتحدة لتراقب الحالة وتحاول فض النزاع في البلقان. وقد فشلت اللجنة فشلاً ذريعاً وفقدت مهابتها ومهابة الهيئة الدولية التي أوفدتها. واتخذت الجمعية كذلك قراراً بتكليف جمعية الصليب الأحمر الدولية، بالسعي لإعادة الأطفال اليونانيين الذين خطفهم الثوار وبعثروهم في بلغاريا وألبانيا ويوغسلافيا.

تخفيض التسلح:

رفضت الجمعية العمومية المشروع الروسي الداعي لتخفيض التسلح بمعدل الثلث خلال سنة واحدة. ووافقت الجمعية عوضاً عنه على مشروع بريطاني يقضي بتكليف لجنة تخفيض التسلح - التي أنشأها مجلس الأمن منذ عامين وعجزت عن إنتاج أي اتفاق بين الدول الكبرى - بتكليف لجنة تخفيض التسلح هذه بمواصلة مساعيها لتخفيض التسلح بالرغم من هذا الفشل. وكلفت اللجنة بصورة خاصة بوضع مقترحات عملية دقيقة لإحصاء مقدار الأسلحة لدى الدولة لتكون في متناول هيئة دولية ينتظر منها أن تتولى الإشراف على الإنتاج الحربي ومراقبته إذا ما توصلت الدول الكبرى المتنافسة إلى اتفاق مبدئي بشأن تخفيض التسلح. وقد عارضت روسيا وحلفاؤها معارضة نارية هذا القرار.

الطاقة الذرية:

وافقت الجمعية على توصيات لجنة الطاقة الذرية التي تألفت منذ ثلاث سنوات. وهذه التوصيات مبطنة اللغة والمقاصد لا ترمي إلى معالجة جوهر الموضوع. وقد أوصت الجمعية العمومية لجنة الطاقة الذرية هذه بمتابعة أعمالها لإنشاء هيئة دولية لمراقبة الإنتاج الذري وتوجيهه توجيهاً سلمياً.

والخلاف بين الروس وحلفاء الغرب على مسألة مراقبة الطاقة الذرية هو أزمة في الثقة. فروسيا ترغب في أن تدمر أمريكا القنابل الذرية المخزونة لديها ووضع جميع وسائل الإنتاج الذري تحت إشراف هيئة دولية للمراقبة والتوجيه السلمي. وقد رضيت أمريكا بجزء من هذا الاقتراح وهو القاضي بوضع وسائل الإنتاج الذري تحت إشراف هيئة مراقبة دولية، ولكن أمريكا أصرت على أن تذعن روسيا لمراقبة هذه الهيئة دون قيد أو شرط وأن لا تضع في وجهها العراقيل وتحاول المخادعة. وقد رفض السوفيت التقيد بالتزامات المراقبة هذه بدعوى أن في ذلك تعدياً على سيادة الدولة.

الجمعية الصغرى:

وهي بمثابة دمية للجمعية العمومية التي تجتمع مرة في العام. والجمعية الصغرى محاولة يائسة لتعزيز أحداث الدول الصغرى أمام جبروت (الفيتو). وهي تجتمع بصورة مستديمة على غرار ما يفعل مجلس الأمن. وقد اتخذت الجمعية العمومية قراراً يقضي بمد عمر هذه الجمعية الصغرى عاماً آخر، وأعلنت روسيا وحلفاؤها معها أنها ستستمر في مقاطعتها.

الأعضاء الجدد:

قررت الجمعية العمومية إعادة النظر في طلبات الأثنتي عشرة دولة الطالبة الانضمام إلى عضوية الأمم المتحدة (سبع منها من أتباع حلفاء الغرب، وخمس من أعوان روسيا). وكانت روسيا قد استعملت حق النقض (الفيتو) في مجلس الأمن عدة مرات للحيلولة دون دخول الدول السبع، من أتباع المعسكر الإنجلوسكسوني، بينما عجزت الدول الخمس التي زكتها موسكو عن الحصول على الأغلبية المطلوبة من مجلس الأمن بسبب ضغط الولايات المتحدة وبريطانيا على باقي أعضاء مجلس الأمن دون أن يضطر الإنجلوسكسون لاستعمال الفيتو أسوة بالروس.

مناطق الوصاية: كانت مناطق الانتداب موضع انتقاد شديد من لجان هيئة الأمم التي كلفت بزيارتها والتحقيق في وضعيتها والسماع لشكاوى أهلها. وقد اتخذت الجمعية العمومية قرارات تطالب الدول المنتدبة بأن توسع شؤون التعليم والتدرج نحو الحكم الذاتي في خطى سريعة. وقد أوصت كذلك بإنشاء جامعة في مكان مناسب في القارة الأفريقية لتخريج الأساتذة الجامعيين وسد حاجة شعوب المستعمرات للتعليم العالي.

لجنة الشرق الأوسط الاقتصادية:

نجحت الدول العربية في انتزاع قرار يفرض على الأمم لمتحدة الإسراع في تأليف لجنة الشرق الأوسط الاقتصادية التي وضعت الدول الكبرى العراقيل في طريقها خلال الأشهر القليلة الماضية. وهذه اللجنة واحدة من أربع لمناطق جغرافية في أوروبا وأمريكا الجنوبية والشرق الأقصى، تسعى لمساعدة شعوب ودول تلك المناطق على تحسين أحوالهم الاقتصادية عن طريق المعونة الفنية دون أن تتقيد تلك الدول بالتزامات التسرب الأجنبي الاستعماري، وهو تسرب قاست الدول الشرقية من شروره ألواناً. وكان أحد المندوبين العرب قد اقترح وضع بترول المملكة السعودية والعراق وإيران، تحت إشراف هذه الهيئة الدولية لخير الدول صاحبة البترول وإبعاد عملية الامتصاص التي تقوم بها شركات الاحتكار الأمريكية في نجد والكويت والبحرين وغيرها، ولا تنال هذه المناطق العربية من أرباح هذا الذهب السائل إلا نسبة تافهة؛ ولا تكاد تنال من منافعه الاقتصادية الإنشائية إلا بمقدار ما يسمح الاستغلاليون من أصحاب شركات الاحتكار الأمريكية.

مجلس الأمن:

انتخبت مصر لتحل محل سوريا في مجلس الأمن لمدة عامين ابتداء من مطلع عام 1949. وانتخبت كوبا والنرويج لمثل هذا المنصب ولنفس المدة.

محكمة العدل العليا:

أعيد انتخاب مندوبي مصر والصين وكندا وبولندة ويوغسلافيا قضاة في محكمة العدل العليا. واتخذت الجمعية العمومية قراراً يسمح للدول التي ليست منضمة لهيئة الأمم ولكنها وقعت على ميثاق محكمة العدل العليا بالمشاركة في انتخاب القضاة.

وألفت الجمعية العمومية كذلك لجنة للقضاء الدولي مؤلفة من 15 عضواً. واتخذت الجمعية كذلك قرارات عديدة أخرى تتعلق بنواح ثانوية من الشؤون الرئيسية. منها التنديد بالتلاعب في المعاملات التجارية، والتجارة بالمواد الغذائية في السوق السوداء. ومنها كذلك إنشاء مركز دولي في هيئة الأمم المتحدة لتدريب بعثات من مختلف الدول على الشؤون الإدارية وفنونها المتشعبة، وهو نوع من التخصص أخذ يحتل مكانة كبرى في معاهد العلم الراقية وأصبحت الحاجة ماسة إليه خصوصاً فيما يتعلق بشؤون التعاون الدولي الذي تمثله هيئة الأمم. واتخذت الجمعية كذلك بروتوكولاً دولياً لمراقبة المخدرات وقيدته بالتزامات أدبية وقانونية قاسية ضد الدول التي تخل باتباعه، وفي البروتوكول نص على استعمال العقوبات في بعض الحالات ضد الدولة أو الدول التي لا تتقيد بقوانين هذه المراقبة.

وقد احتلت الناحية الاجتماعية مكانة ملحوظة في قرارات هيئة الأمم، منها اقتراح بلجيكي يسأل المجلس الاقتصادي والاجتماعي التابع للهيئة أن يضع مشروع ميثاق عالمي وضعته الأرجنتين لحماية المسنين من الشيوخ والعجزة وتوفير الطمأنينة الاقتصادية لهم.

وقرار آخر يقضي بأن تقوم دائرة الشؤون الاجتماعية في هيئة الأمم في لايك سكسس بتقديم المعونة الفنية مجاناً للدول والحكومات الراغبة فيها وخصوصاً ما يتعلق بالخدمات الاجتماعية وتنظيمها وتدريب الوطنيين في الشعوب التي لا تسمح ميزانياتها باستخدام الخبراء الأجانب.

هذا ملخص لأبرز قرارات الجمعية العمومية التي قضت شهرين ونصف الشهر في مناقشات حادة تجاوب أصداؤها في أركان العالم الذي يرتبط الآن بشبكة من المواصلات الفكرية السريعة.

ولعل أظرف تعليق على اجتماع باريس هذا وعلى أعمال هيئة الأمم إجمالاً هذا الرسم الكاريكاتوري الذي ظهر في جريدة فرنسية تصدر في العالم الجديد تدعى (لافرانس أميريك).

(نيويورك)

عمر حليق