مجلة الرسالة/العدد 809/الشهيد
→ يا أيها العرب! | مجلة الرسالة - العدد 809 الشهيد [[مؤلف:|]] |
لطمة على خد. . . ← |
بتاريخ: 03 - 01 - 1949 |
للأستاذ محمود الخفيف
رأى الموت جهما فما أحجما ... وأوحى له الكبرُ أن يَبسِما
فتىً همه كان خوض الردى ... وكم شق موجا له أقتما
وظل على صهوات الحتوف ... إلى أن هوى، البطل المعلما
فتىً كان في الخَلْق أوفى الخصال ... كما شاء أن يتناهى الكمالْ
كما اعتدل الرمح عودٌ له ... وحد الحسام له والصقال
كأن من الصخر قلبا له ... وكم رفَّ قبلُ لسحر الجمال
فتىً ما درى قط معنى القعود ... ولا عرفت روُحه من قيودْ
له همة أن تداعى الرجال ... يقصر عنها العُقابُ الصَّيود
على اللهو ضنَّ بأيامِه ... وبالدم في كل يومٍ يجود
له دعوة المجد أشهى نشيد ... وأحلى الغناء رنينُ الحديدْ
إذا ساورته طيوف الإيمان ... مشى للمنايا بعزمٍ جديد
وإن باح صَبٌ بأحلامه ... عن النصر حُلماً له لن يحيد
فتىً كان في السلم حلو الشباب ... وإن كان مراً غداة الضراب
وضيئ المحيا ترى كبْرَهُ ... وقد مازجته السجايا العِذاب
إذا الليل ضجَّ بِسُمَّارهِِ ... توقدَ روحٌ له كالشهاب
وإن عصف الرأي كان الأريبا ... وكان الرفيق البليغ الأدب
وإن ندبَ الناسُ للصالحات ... تردَّي من الفضل ثوباً قشيبا
فتىً أكمل الحب أوصافَه ... فبات إلى كل قلب حبيبا
وكم رشقته سهام الجفون ... وأومأ حيث استوى السامرون
وقار البطولة في ناظريه ... وإِن ضجَّ في مسمعيه المجون
وتصحو له ناعسات العيون ... ويغفو فما مسه من فتون
فتىً كان وهو الأبيُّ الطليق ... أسيرَ هوى قلبه لا يُفيقْ
وكم ذاقَ من نْشوَةٍ قلبُه ... وكمْ ذاق مثلَ عذاب الحريق وعف هواهُ فما اعتاقه ... إلا صدَّهُ عن سواء الطريق
وهام بها زهرة ناضره ... أسيرته وله آسرة!
ويعصي الضلالة في حبها ... وتوحي هداه له الساحرة!
وفي كل طُهرٍ يرى وجهها ... وينشق أنفاسها العاطرة
فتىً عرفتهُ السهولُ الفِساَحْ ... فكم هام فيها يحِّيي الصباحْ
ويملأهُ السهلُ حُريةً ... وتوحي إليه الرواسي الطماح
وكم أبهجتهُ مجالي الضحى ... ولذ الأصيلُ له في الرَّواح
وكم راعهُ مهرجانُ الربيع ... وأسكرهُ كلُّ لحنٍ بديع
وأوحى له الخُلْدَ مِنْ عيشه ... مُنىً ناضرَاتٍ وشملٌ جميع
عصىٌّ على الرحْسِ مستكْبِرٌ ... خفيفٌ إلى كل حُسْنٍ مطيع
وكم كان يأمل فيه الأمل ... ويرصدُ من عزمه ما أكتمل
وشيخ أب كم تأسي به ... وأم دعا قلبها وابتهل
وتُلقى على غده أمَّةٌ ... رجاها وترقب فيه البطل
أجاب إلى الموت داعي الفداء ... وجن اشتياقا ليوم اللقاء
وخاض المنايا على هولها ... وأوغل في حرها كيف شاء
وكيف تعاف الردى نفسه ... وفي مصرع الحر أقوى البقاء؟
وكم بعث الموت من عاصفة ... بها الأرض من حوله راجفة
وكم جن فيها جنون القتال ... وزلزل من أنفسٍ واجفة
وكم أقدم البطل المستميت ... ومن فوقه رعدةٌ قاصفة
وكم بات تنزف منه الجراح ... وأناته أغنيات الكفاح
ويغفو وفي نفسه ومضة ... تريه المنية نصراً يتاح
فبالموت يحيا موات النفوس ... وتنبعث العزمات الصحاح
(البقية في العدد القادم)
الخفيف