مجلة الرسالة/العدد 804/أين كنا وأين صرنا؟
→ مثل المهذبين من بني آدم | مجلة الرسالة - العدد 804 أين كنا وأين صرنا؟ [[مؤلف:|]] |
لمحة من سيكولوجية الطفل ← |
بتاريخ: 29 - 11 - 1948 |
للأستاذ نقولا الحداد
كنا قبل عصر برنادوت لا نقبل دولة إسرائيل المزعومة ولا حديث لنا إلا عروبة فلسطين فإذا بنا الآن لا لنا إلا الهدنة. وكل يوم نذهب إلى مجلس الأمن باكين ناحبين صارخين: (اليهود خرقوا الهدنة). نسنا مشروع التقسيم ونسبة اليهود أيضاً. نحن رضينا بالهدنة الدائمة، واليهود لم يرضوا بالهدنة المؤقتة. الهدنة علينا لا عليهم. الهدنة لهم لا لنا.
لنا وفود سبع دول رسمية في مجلس الأمن وليس لليهود وفد واحد رسمي، لأن دولة إسرائيل لا تزال مزعومة، وقد نسينا مشروع التقسيم الذي كنا نجحده ونرفضه رفضاً باتاً وأصبح همنا الآن هل نقبل مشروع برنادوت أو نقبل هدنة بونش الأبدية التي تسمى صلحاً.
أن مصيبتنا هذه جاءت أولاً وأخراً من الإنجليز - فتباً لها من دولة فاسقة مارقة.
كان جيشنا المصري على أهبة أن يحتل تل أبيب؛ وإذا اليهود يستغيثون لأنهم أصبحوا على شفا الهلاك، فأنجدهم مجلس الأمن بأن أقترح هدنة 36 ساعة، وإذا المندوب الإنجليزي كادوجان يقول لا 36 ساعة لا ماذا تنفع؟ يجب أن تكون الهدنة 4 أسابيع. وإذا بها صارت أسابيع، لأن إنجلترا تهددت بأنه إذا كان العرب لا يقبلونها فيحرمون السلاح فقبلوها ولا سلاح واليهود لم يقبلوها وهم يخرقونها كل يوم وهم طلبوها لكي يقبلها العرب ويخرقوها هم. وهكذا كان.
وانتهت الأربعة أسابيع ولكن اليهود لم يبلغوا كل مأربهم فالتمسوا تجديدها فجددها لهم برنادوت هدنة دائمة. ففعلوا فيها ما شاؤوا لمصلحتهم حتى إنهم قتلوا برنادوت لأنه ارتأى أن يكون النقب للعرب وهم لا يريدون أن يبقى شيء للعرب حتى ولا بقعة الرمل هذه.
ففي الهدنتين جاءتهم الأسلحة من كل ناحية حتى صاروا في مأمن والعرب صابرون ويقولون لا نقبل إلا عروبة فلسطين ودولة فلسطين العمومية ولا دولة لإسرائيل. وبنو إسرائيل يصادقون على هذا القول بالقول. ولكنهم بالفعل هم على غير هذا القول. والإنجليز يقولون لنا: لا بأس، أقبلوا هذه الهدنة الدائمة واعتبروها صلحاً، ولكن لا توقعوا على شروط صلح.
لنظر هذه البراعة البريطانية. اقبلوا الهدنة كما هي وخلوا جيوشكم في أماكنها ولا تتقدموا. يوم كان اليهود ينهبون سلاح الألمان وغير الألمان بعد معركة العلمين ويرسلنه تحت ذقوننا إلى فلسطين كنا نقول للإنجليز أن هؤلاء اليهود اللئام ينهبون السلاح من معسكراتكم وأنتم غاضبون الطرف. لماذا؟
أليس لكي يحاربوننا به؟
ولكن الإنجليز كانوا يرمون إلى هذا بدليل أنهم إذا أمسكوا عربياً معه بندقية شنقوه، وأما يهودي يسوق مركبة مصفحة ملأى بالسلاح فيقولون له باسمين مبروك.
والآن يستورد اليهود السلاح من كل مكان رغم أنف مجلس الأمن، وإذا استورد العرب سلاحاً من أي مكان حال الإنجليز وغير الإنجليز دونهم.
إذا قلت لكم أيها العرب أن العالم كله يحاربكم، فهل ظننتموني مهولاً؟ ها قد وصلنا لها.
أيها العرب عيب أن تنوحوا وتنحبوا لمجلس الأمن. وعيب أن تتذمروا من دول أوربا لأنها تمنعكم أن تتسلحوا، وأن تتغيظوا من دول أوربا لأنها مستبدة بكم ولأنها غير منصفة لكم.
نعم دول أوربا وأمريكا غير منصفة، ولا يمكن أن تكون منصفة، لأن لإنصاف ليس من مصلحتها. تقولون أنها لا تخجل أن تكون جائرة. نعم لا تخجل ولا تستحي ولا يهمها أن تعيروها بقلة الحياء. كان يجب أن تعلموا هذا الدرس؛ وأن تضحوا بكل شيء في سبيل مصلحتكم لأنكم في وسط هذه أخلاقه. . . نعم العالم كله ضدكم لأنكم أكلة دسمة سهل طبخها. فلماذا أنتم هكذا؟ أتتوقعون من إنجلترا أن تسلحكم؟
لماذا لا تنشئون آلات ومعامل لصنع السلاح؟ أليس عندكم مال؟ أليس عندكم عقول؟ أليس عندكم عضل؟.
أمس كتب الملحق التجاري للسفارة الأمريكية أن بترول الشرق الأوسط هو 60 بالمائة من بترول العالم. فهل هذا قليل وأي سلاح أمضى من البترول. هل تطير طائرة أو تسير سيارة أو تدب دبابة أو تتحرك سفينة إلا بهذا البترول.
بعد 3 سنين تتهافت المدنية الشائخة على بترول العراق والحجاز والبحرين وإيران وبترول الصحراء الذي لم يستنبط بعد تهافت النمل على قصعة عسل أو تهافت الذباب على المزابل. بعد بضع سنين يرتقع ثمن لتر البترول من شلنين إلى عشرة شلنات. ولو شاء أصحاب البترول لأمكنهم أن يرفعوه الآن ولا أحد يمتنع عن دفع الثمن لأنه ضروري للحياة وللحرب.
يا ناس عندنا سلاح قوي جداً ولا نستعمله - ليس في أمة تخاذل كهذا التخاذل وجبن كهذا الجبن.
واليهود من أين يأتون بالبنزين لسياراتهم وطياراتهم و. . . الخ أليس من بترول العراق والحجاز. يأخذون بترولنا ويحاربوننا به.
يا قوم تيقظوا. أن الويل اليهودي القادم عليكم لا تحسون به الآن لأنه لم يقع بعد. ومتى وقع فلا ينفعكم لو ولا ليت.
قيل أن اللاجئين في شرقي الأردن أصبحوا في درجة من اليأس لا يحتمل وهم يفكرون في مفاوضة اليهود. وهذا ما يتوقعه اليهود. فإذا حدث سقطت فلسطين كلها في أيدي اليهود، ثم تلتها شرق الأردن. ثم. . . ماذا وماذا؟ الويل ثم الويل. . .
نقولا حداد