مجلة الرسالة/العدد 803/الأدب والفن في الأسبوع
→ عودة | مجلة الرسالة - العدد 803 الأدب والفن في الأسبوع [[مؤلف:|]] |
البريد الأدبي ← |
بتاريخ: 22 - 11 - 1948 |
للأستاذ عباس خضر
أسلحة من براغ:
نشرت إحدى الصحف الأسبوعية لمراسلها من براغ، أن اللغة العامية المصرية وغيرها من اللغات العامية بالأقطار العربية تدرس في كثير من جامعات العالم وفي براغ، كما تدرس فيها اللغة العربية (الكلاسيكية) واسترعى انتباهي ما قصد إليه الكاتب من تعظيم شأن العامية على حساب الفصحى. . وخاصة قوله:
(ويعتقد كثير من إعلام المستشرقين الأوربيين أن اللغة الدارجة المصرية سوف تكتسح اللغة الفصحى وتحل محتها يومياً ما فتصدر الصحف وتطبع الكتب باللغة الدارجة التي يتكلمها الشعب وتبسط الكتب الدراسية وتنال اللغة العربية نفس نصيب اللغة اللاتينية وحظها بعد أن تفرعت عنها اللغات الإيطالية والفرنسية والأسبانية والبرتغالية).
وأنبه أولاً على أن هذا الكلام من (براغ) عاصمة تشيكسلوفكيا أو العاصمة الصهيونية الثانية بعد تل أبيب. . . كأن لم يكفها إمداد اليهود في فلسطين بالأسلحة والعتاد الحربي لمحاربة العرب، فأراد دعاة الصهيونية هناك أن يصوبوا سهماً إلى لغة العرب الجامعة بينهم، لتحقق أحلامهم في تفريق العرب، فهذا حلم يبدوا لهم جميلاً، وأي شئ أجمل لديهم
من أن تتهزم العربية وتتقهقر لتحل محلها اللغات العامية، ولكل شعب من الشعوب العربية
عاميته، فيصدر بها الصحف ويؤلف الكتب، فتنال اللغة العربية نصيب اللغة اللاتينية، وتنحل
رابطة اللغة بين أقطار العرب؟. . .
وذلك من غير شك سهم طائش، وليس هذا أول كلام قيل في هذا الموضوع، فقد سبقته محاولات خائبة، تتحد معه في الغاية والمرمى، وإن كان لكل منها مصدره وباعثه. . . فالغاية أن تنمحي اللغة العربية وتتفرع عنها لغات كالإيطالية والفرنسية. . . الخ، والبواعث شتى، فمن أعجمي لا يبين، ومن عامي يريد أن يكون شيئاً، ومن متظاهر بالتقدمية
الحمقاء، ومن شاعر في أحشائه بلذعة الفلفل من العروبة. . . فيتبرد مرة بالفرعونية، ويتذرع أحياناً بالعامية. . . ثم جاءت الصهيونية في آخر الزمن تريد أن تساهم في هذه الخيبة. .
ولاشك في حسن نية الصحيفة التي نشرت ذلك الكلام أو - على التدقيق - في غفلتها. . . وكان عليها أن تتنبه له ولبض العاملين في تحريرها من ذوى المحاولات القديمة الخائبة. ومن يدرى فقد يغزو صحفاً أخرى مراسلون من براغ. .
ولتدرس جامعة براغ أو أي جامعة أخرى ما تدرس، ولتعلم بها العامية نفر من أبناء بلادها أو غيرهم، فهل هؤلاء هم الذين سيصدرون الصحف ويؤلفون الكتب باللغة الدارجة المصرية ويكتسحون ويفرعون؟. ثم من هم المستشرقون الذين يعتقدون أن اللغة الدارجة المصرية سوف تكتسح اللغة العربية الفصحى. . الخ؟ لم يذكر لنا الكاتب أسم واحد منهم، وأكبر الظن أن هؤلاء الذين سماهم (أعلام المستشرقون الأوربيين) أنا أنهم صهيونيون وأما أنهم أشباح تمثل أحلام ذوي المحاولات الخائبة والسهام الطائشة.
وبعد فكيف تنال اللغة العربية نفس نصيب اللغة اللاتينية؟ لقد تفرعت اللغات الأوربية الحديثة عن اللاتينية القديمة مع النهضة التي قامت اللغات الجديدة بأعبائها، وكانت مظهراً من مظاهرها، وهذا يختلف عن حال اللغة العربية كل الاختلاف، إذ وسعت اللغة الفصحى النهضة العربية الحديثة واستقلت بها، فهي لغة الآداب العصرية ولغة الكتابة والتأليف في سائر الفنون والعلوم، أي أنها واجهت النهضة وقامت بأغراضها وعبرت عنها وأصبحت لغتها وانتهى الأمر، فلم تخلي مكانها لتحل محلها لغات متفرعة؟ من أجل سواد عيون الوعول التي تكسرت قرونها. . أم لتحقيق أحلام الصهيونية في تمزيق الأمة العربية؟
عزيزتي الآنسة أم كلثوم
قرأت في أخبار اليوم أن محطة الإذاعة يتجه تفكيرها إلى الاتفاق معك على أن تدفع لك ألف جنيه في الشهر مقابل إذاعة أغنياتك المسجلة حسبما ترغب، بدلاً من أن تدفع خمسين جنيهاً عن إذاعة كل مسجل من هذه الأغاني.
ولم أتبين مقصد الإذاعة من ذلك، أهي تريد الاقتصاد. . . لأن عدد إذاعة المسجلات في الشهر مضروباً في خمسين جنيهاً يساوي أكثر من ألف جنيه. . . أم أن حاصل الضرب أقل من ذلك وتريد زيادة التقدير أو تلبية رغبة في الزيادة؟.
والواقع على أي حال أنها تدفع لك مبلغاً كبيراً لا يقل كثيراً عن الألف في الشهر مقابل أغنيات أخذت ثمن كل منها ثلاثمائة جنيه عند التسجيل.
وأنت تستحقين كل خير، وفنك العالي لا يقدر بمال. ولكن محطة الإذاعة. . . محطة الإذاعة مسكينة (غلبانة) أعني هؤلاء الفنانين والفنانات الذين يأخذ أحدهم مقابل الحفلة الغنائية خمسة عشر جنيهاً يقاسمه فيها أفراد (التخت) والمؤلف، وأعني الذين لا تعطيهم المحطة أجراً على إذاعة مسجلاتهم كما تصنع معك وحدك، وأعني الذين تضيق بهم المحطة رجالها وأن كانوا ممتازين في فنهم، وأعني كل فكرة أو مشروع إذاعي نافع يقف في سبيله ضيق الميزانية، ثم أعني هؤلاء الذين يسعون لإرضائك ويرضخون لقوة شخصيتك. فارحمي كل أولئك المساكين وكوني عادلة مقتصدة في معاملة الإذاعة، عامليها مثلاً كشركة (بيضافون) التي كان تعطيك ثمن التسجيل، ثم تبيع (الاسطوانات) ولا يدفع إليك كل من يدير (اسطوانة) في (الفونغراف) أي شيء.
يا كروان الشرق، أن كنت تريدين المال فبعض هذا يكفي، وأن كنت تريدين إعلاء الفن فلست في حاجة إلى إعلائه؟ فقد أعليته حتى بلغت به سماء لا يطار لها على جناح ولا يسعى على قدم. . وأعلمي أنك من الأعلام الخالدين وأنك لا تقلين إن لم تزيدي عمن خلدهن أبو الفرج في (الأغاني) مع الفاروق الذي به تفوقينهن، من حيث ما أضفاه عليك روح العصر من استقلال الشخصية والكرامة العامة.
فأسألك بالله وبحق الفن، أن ترأفي بحال الإذاعة، فهي لك مطواعة، وتبذل من أجلك ما فوق الاستطاعة، وغيرك لا ينال إلا بالشفاعة. وتفضلي بقبول تحيتي واحترامي.
(حسونة) الإنسان:
هو ذلك الشاب الأعرج بياع الصحف الذي ظهر في فلم (اليتيمتين) إنساناً ينبض قلبه بالعطف والحب والخير، برغم سوء بيئته ورقة حاله. يرى فتاة ضريرة ضالة فيشفق عليها. وتقع هي فريسة في يد أمه الشريرة الضارية، فتستغلها في بيع ورق (اليانصيب) وتعاملها بقسوة ووحشية، فيتألم لها حسونة أشد الألم ويبذل وسعه في التخفيف عنها ومقاومة أمه وأخيه الذي يعاونها على قسوتها، حتى يستطيع آخر الأمر أن ينقذها من براثنهما. وكم كان مشهده رائعاً وهو يحضر لها ما يقدر عليه من طعام ويهيئ لها شيئاً من الفراش ويصنه لها على السلم درابزيناً لتتحسسه وليقيها السقوط في صعودها وهبوطها. كان حسونة في هذا الفم نبضة إنسانية رائعة، من النبضات التي تخلد الفنون، وهو مثل ينبغي أن ينظر فيه السينمائيون المصريون ليروا كيف يمكن أن تكون السينما فناً رفيعاً لا مجرد استعراض للتهتك الذي يتخلله الوعظ المكشوف.
وفلم اليتيمتين الذي عرض بسينما الكوزمو، لم يذكر له مؤلف، وأكبر الظن أنه مقتبس ممصر، من تلك الأفلام التي تنسب إلى المخرج فقط، وأن كانت حادثته تبدأ بلقيطة وتنتهي بلقاء الوالدة وابنتها بعد ما كبرت وجرت عليها حوادث القصة، فهذا قالب من القوالب المعروفة التي يتكرر صب القصة في كل منها بالأفلام المصرية؛ فإن كان هذا الفلم ممصراً فقد أجيد تمصيره حتى بدت فيه ملامح البيئة المحلية وقوامها كأنه مصنوع على قدمها. . . أما أن كانت القصة إنشاء مصرياً فمن هو المؤلف الفنان الذي أبدع حسونة الإنسان؟.
مؤامرة نفرين تتكرر:
ألقى البكباشي عبد الرحمن زكي محاضرة يوم السبت الماضي بنادي الاتحاد الثقافي المصري، عن لإبراهيم باشا في تأريخ مصر الحربي، فبين مزايا البطل العظيم في الناحية العسكرية بإلقاء نظرات على ميادين القتال التي خاضها، وعرض لحملته على الموره وبلاء الأسطول المصري في مياهها، فقال أن الجيش المصري كان يحارب في بلاد الموره أوربا كلها التي كانت تمد اليونانيين بالرجال والأسلحة والعتاد، وانتهزت إنجلترا وفرنسا وروسيا فرصة انشغال إبراهيم باشا بتنظيم الجيش البري وتآمرت على السفن المصرية فكانت موقعة نفرين المشهورة التي كانت في الحقيقة مؤامرة ولم تكن موقعة، لأن أساطيل هذه الدول أخذت الأسطول المصري والتركي على غرة.
والواقع أن موقعة نفرين حادث من الأحداث التي بدا فيها التعصب الغربي ضد الشرق، ومن قبلها الحروب الصليبية، ومن بعدها معارك فلسطين الجارية، فالغرب في القرون الوسطى هو الغرب في القرن التاسع عشر، وهو هو في القرن العشرين؛ وهو بعد الذي يرمي الشرق بالتعصب. .
عوائق الفكر المصري: قال الأستاذ إبراهيم المصري في مقال بالعدد الخاص بعيد الجهاد من أخبار اليوم: (إن هناك ثلاثة أخطار تهدد مستقبل الفكر المصري هي: إغراء السهولة، وضعف النقد، ونقص الحرية) ثم فصل ذلك بقوله إن الكاتب قد شعر بقوة الصحافة فأصبح لا يحفل في الغالب بالفكر المتئد الناضج العميق، قدر احتفاله بالفكر البسيط السهل يذيعه في مختلف الصحف ويتقاضى عليه أجراً كبير لا يكلفه طويل عناء. والفكر لا ينهض بدون نقد، وظل النقد قد تقلص اليوم في مصر، فمعظم الصحف والمجلات تشير إلى الكتب الجديدة دون أن تبحثها وتحدد قيمتها وقيمة أصحابها، وحرية الفكر المصري ما تزال مقيدة، فهو إن مس التقاليد سخط عليه المحافظون، وإن نقد نظام المجتمع ثار عليه البيروقراطيون واستبدوا به واضطهدوه شر اضطهاد.
المعجم المفهرس لألفاظ الحديث:
يشرف (الاتحاد الأممي للمجامع العلمية) على إصدار (المعجم المفهرس لألفاظ الحديث النبوي) الذي رتبه ونظمه لفيف من المستشرقين من مختلف الأقطار يبلغ عددهم اثنين وأربعين مستشرقاً، وتولى الدكتور أ. ي. ونسنك طبعه بمطبعة بريل في مدينة ليدن بهولندة، ونشر منه أحد عشر فصلاً يحتوي كل منها على تسعين صفحة من أكبر قطع، وبعد وفاته أستأنف العمل الدكتور ي. أ. ب. منسنج فوصل إلى لفصل السابع عشر.
وهذا المعجم موضوع عن كتب الحديث الستة المعروفة وثلاثة أخرى هي مسند الدارمي وموطأ ابن مالك ومسند الإمام أحمد بن حنبل. وطريقته وضع جزارة لكل نقطة من ألفاظ الحديث الواردة في هذه الكتب التسعة ضمن الجملة التي هي فيها، ثم الدلالة على موقع هذه اللفظة من هذه الأصول التسعة بتوضيح أسم الأصل ثم أسم الكتاب ورقم الباب أو رقم الحديث سواء أكانت هذه اللفظة في أصل واحد أو أكثر. أما فيما يختص بمسند أحمد فبما أنه لم يطبع إلا طبعة واحدة، ففيه الدلالة على الحديث بتعيين رقم الجزء ورقم الصفحة.
وقد وصل العمل في آخر جزء ظهر إلى مادة صبر من حرف ص. ويقدر إتمام المعجم في مثل ما ظهر من الأجزاء أي نحو سبعة عشر جزءاً أخرى. وقد احتاج المشرفون عليه إلى إعانة مالية تمكنهم من مواصلة العمل، فجاء الدكتور منسنج إلى مصر في أغسطس سنة 1947، وقابل فيمن قابل معالي الأستاذ أحمد لطفي السيد باشا رئيس مجمع فؤاد الأول للغة العربية، بقصد أن يرعى هذا العمل ويمده بالإعانة، ثم سافر بغتة دون أن يتم الاتفاق ولما افتتح المجمع مؤتمره السنوي في أول هذا العام ذكر لطفي باشا في جلسة الافتتاح أن من ضمن أعمال المجمع القيام بعمل المعجم المفهرس للقرآن وللحديث. وعلى أثر ذلك تحدث معه الأستاذ فؤاد عبد الباقي، فأشار إلى أن الأولى بالمجمع أن يعين على إتمام معجم المستشرقين بدل أن يتكلف إنشاء العمل، فطلب منه الباشا أن يكتب إلى المشرفين عليه ليبينوا ما يلزم لإتمام طبع المعجم وما يحتاج إليه العمل من المال سنوياً ونصيب مصر مقابل الاتفاق على طبعه، فكتب، ولم يرد الرد المطلوب إلى الآن.
وفي انتظار الرد أحيل الموضوع إلى مكتب المجمع، فاعتذر بعدم كفاية الميزانية للقيام بالإعانة المطلوبة، ولكنه كتب إلى وزارة المعارف والجامعتين والجامع الأزهر، مقترحاً على كل منها شراء عدة نسخ من الأجزاء الصادرة على سبيل التشجيع، وكل ما تم من الإجراءات الإيجابية العملية في هذا الموضوع هو قرار الإدارة العامة للثقافة بوزارة المعارف شراء خمسين نسخة.
عباس خضر