مجلة الرسالة/العدد 794/الأدب والفنّ في أسبُوع
→ الشعر بين الوثنية والإيمان | مجلة الرسالة - العدد 794 الأدب والفنّ في أسبُوع [[مؤلف:|]] |
البَريدُ الأدَبيَ ← |
بتاريخ: 20 - 09 - 1948 |
للأستاذ عباس خضر
اقتراح للإذاعة:
عادت الإذاعة أخيراً إلى برنامج (أعلام الأدب العربي) الذي كانت قد بدأته ثم قطعته منذ شهور. وهى تجرى في هذا البرنامج على تقديم البارزين في تاريخ الأدب العربي ابتداء من العصر الجاهلي، كامرئ القيس والأعشى وعنترة والمهلهل والنابغة الذبياني، وتختار للتحدث عنهم كبار الأساتذة، تعين لكل منهم من يتحدث عنه. وقد لوحظ أن الأساتذة المتحدثين يسلكون في تقديم تلك الشخصيات المسلك التقليدي المعروف في كتب تاريخ أدب اللغة العربية المتداولة في المدارس وغيرها، وقد وفى مؤلفو هذه الكتب تلك الشخصيات من الدراسة ما يربو على المطلوب للإذاعة، فلا يحتاج تقديمها للمستمعين إلى كبير عناء.
وفى الإذاعة برنامج آخر يشبه هذا البرنامج في شهرة أعلامه وقرب منالهم، هو برنامج (أعلام الإسلام) ويقدمه أيضاً كبار الأساتذة.
وأضم إلى ذينك البرنامجين أحاديث الصباح الدينية التي يقدمها الأعلام من علماء الأزهر، وهى مثلهما في سهولة الإعداد ووفرة المصادر، فقد جرى هؤلاء الأساتذة على أن يشغل متحدثهم خمس دقائق بشرح حديث من الأحاديث النبوية الشريفة، المختارة من كتب الحديث المعروفة وهى مخدومة في شروح وافية.
تلك البرامج الثلاثة لها قيمتها الأدبية والعلمية والدينية، ولها أثرها في التثقيف والتقويم والتهذيب، فلا يتبادرن إلى ذهنك أني أهون من أمرها بذلك الوصف، إنما أقصد إلى الاقتراح التالي:
أرى أن تطلب الإذاعة إلى كليات الجامعة وكليات الأزهر، أن تختار لها من طلبتها من يصلحون لتقديم تلك البرامج؛ ولا شك أن الطلبة الذين يختارون لن يجدوا أية صعوبة في القيام بهذا العمل لتوافر المصادر وخاصة المؤلفات الحديثة المنظمة السهلة الأسلوب.
ولهذا الاقتراح ثلاث فوائد: الأولى تدريب الشباب وإفساح المجال أمامهم، ولا بد أن تظهر من بينهم (وجوه جديدة) فمن العدالة إتاحة الفرص لمواهب الناشئين. الثانية مساعدة الطلبة على مواجهة أعباء المعيشة وخاصة في هذه الآونة التي استشرى فيها الغلاء. الفائدة الثالثة لخزانة الإذاعة، فإن الطالب يكتفي بجنيه واحد تدفعه إلى بدلا من عشرة لأحد الكبار الذين لن يغضبهم أن ينتفع أبناؤهم مهما كانت تضحيتهم.
وهذا الاقتراح أقدمه بالمجان لإدارة الإذاعة، فلا أكلفها ما يتقاضاه منها عضو بالمجلس الأعلى لقاء جلسة يقترح فيها مثل هذا الاقتراح، وهذه فائدة مادية ثانية للإذاعة. ومن الله الأجر والثواب.
ارسمي شجرة الزقوم:
نشرت جريدة (الأساس) مقالا بتوقيع (أمين صفوت) حمل فيه على صعوبة الامتحانات، وأورد أمثلة من الأسئلة الصعبة، منها سؤال في الرسم لطالبات السنة الثانية بالمدرسة السنية، نصه:
(بسم الله الرحمن الرحيم. أذلك خير نزلا أم شجرة الزقوم إنا جعلناها فتنة للظالمين. إنها شجرة تخرج في أصل الجحيم. طلعها كأنه رءوس الشياطين. فإنهم لآكلون منها فمالئون منها البطون. ثم إن لهم عليها لشوباً من حميم. ثم إن مرجعهم لا إلى الجحيم. . .
(ارسمي ما تتخيلينه بعد قراءة الآيات السابقة عن الجحيم وشجرة الزقوم وعذاب المجرمين في الآخرة).
فماذا يتخيل هؤلاء الطالبات المسكينات عن الجحيم وشجرة الزقوم وما عليها من رءوس الشياطين؟ إنه لخيال لو قرأناه في (رسالة الغفران) لأبي العلاء المعري، أو في (الكوميديا الإلهية) لدانتي اللاجيري - لعددناه من الإعجاز الأدبي، فما بالك بطالبات في أول المرحلة الثانوية يطالبن بهذا الخيال وبرسمه؟.
ويدافع بعض أساتذة الرسم عن مثل هذه الأسئلة بما هو أعجب منها، فيقولون إنهم لا يريدون أن يقفوا بفن الرسم عند (القلة والزير) وإنما يريدون أن يرضوا الطلاب على التعبير عن العواطف وتصوير الانفعالات، أو هم يريدون على الحقيقة أن يأتي الناشئون بالخوارق والمعجزات فيصورون عالم الغيب غير مكتفين بعالم الشهادة. . .
ولو أن هذا النمط من الأسئلة أو من تعليم الرسم، يؤخذ به طلاب تحققت لديهم الميول الفنية، لهان الأمر؛ ولكنهم في تعليم عام يحتشد فيه الجميع من ذوي الميول والاستعدادات المختلفة، وليس يطلب من جميعهم أن يكونوا فنانين في الرسم مقتدرين على التعبير والتصوير، بل يكفي في هذا التعليم العام أن تفرض الأصول والخطوط الأولى في الرسم. وليس تكليف الناشئ العادي أن يكون فناناً معبراً في الرسم، إلا كمطالبته بإنشاء قصيدة من الشعر أو كتابة موضوع من الأدب الرفيع أو قصة من القصص الإنساني، وليس كل ذلك إلا كمطالبته بإضافة أو وضع نظرية في في العلوم الطبيعية، وقل مثل ذلك في سائر ما يتلقاه من العلوم والفنون.
أما بعد فقد سمعنا أن مشيخة الأزهر ستنشئ معهداً للبنات، وإني أشير عليها أن تستعير من المدرسة السنية الأستاذ الفاضل الذي وضع سؤال (شجرة الزقوم) وتسند إليه تدريس (رسم مشاهد القيامة) لبنات المعهد الأزهري لأنهن سيكن، بمشيئة الله، أقدر من تلميذات السنية على الخيال المستمد من آيات القرآن الكريم.
وهذه الصحافة:
ذكرت في الأسبوع الماضي أن أعضاء اللجنة الثقافية لجامعة الدول العربية، اشتكوا في أثناء الاجتماع الذي نظروا فيه مسألة ترقية السينما العربية من أن الأفلام العربية ليست في المستوى الراقي الذي ينشد منها وأنها تنافى أحياناً الأخلاق العامة والمبادئ القويمة، ورجوا توصية الحكومات العربية لإصلاح هذا النقص.
ولست أرى تدخل الحكومات في ذلك مجدياً أو ناجعاً إلا أن يكون (تأميما) وأن يكون لدى الحكومة فنيون قادرون مخلصون للعمل، يستطيعون أن يقوموا بتنفيذ هذا التأميم على الوجه المنشود. أما بغير ذلك فإن عمل الحكومة المباشر لا يتعدى حذف ما ينافي الأخلاق والآداب العامة وهاهي وزارة الشؤون الاجتماعية تؤلف اللجان للنهوض بالسينما، فتجتمع وتنفض، وتنظر وتقرر، وكل شئ في السينما كما هو: أفلام بلا موضوع، وقصص تجرد من قبعاتها، وتسلية فارغة، ومجون مسف. . الخ.
ولست أدعو إلى تأميم السينما، فلست الحال ملائمة له، وإنما أريد أن أقول إن الجمهور - من حيث إقباله أو إعراضه - هو أهم عامل في ترقية السينما أو استمرار تفاهتها وسخفها. وقد ثار الرأي العام المستنير على هذه الأفلام، وبدأ الجمهور يعرض عنها إعراضاً يدخل فيه الوعي والملل من تكرر الحوادث المتشابهة، إلى جانب سوء المعيشة. وأحس السينمائيون بكل ذلك إحساساً يرجى أن يؤدى إلى الأخذ في التحسن.
ثم لأنتقل بعد ذلك إلى شئ آخر غير الأفلام التي شكا منها أعضاء اللجنة الثقافية كما يشكو منها الجميع، ذلك الشيء هو نوع من الصحافة عندنا، أقرنه بتلك الأفلام لأنه يماثلها في أن كلا منها (دون المستوى الراقي الذي ينشد منه، وأنه ينافى أحياناً الأخلاق العامة والمبادئ القويمة) وأقصد هذه المجلات التي لا ترمي إلا إلى كسب القراء عن طريق التسلية الفارغة والمجون المسف كالأفلام حذواً. . . فكل شئ يكتب للترفيه الخاوي والإضحاك الهابط، ولا شئ وراء هذا أو ذاك من متعة فنية أو ثقافة نافعة، وفتيات هذه المجلات لا تقل إغراء ولا فتنة عن كواكب تلك الأفلام، وكثيراً ما تكون هذه هي تلك. . .
وإني أسأل بعد ذلك، وأنا أنظر إلى من خلف هذه الصحف من المخرجين والمشرفين عليها: ما هي رسالتهم؟ ويقف السؤال مشفقاً من استخذاء الجواب. . . فكل ما يبغون هو الربح المادي، أي أنه ليس لهم رسالة ثقافية أو فنية أو إصلاحية. وننظر إلى الوراء فنعبر السنين الماضية لنرى ما كانت عليه الصحافة من قبل، كان كل من يصدر صحيفة أو مجلة لا بد أن يرمي إلى غاية من تلك الغايات ولو مكرها بدافع الحياء من الناس. . . وحتى المجلات الفكاهية كانت ذات موضوع، فلم يكن هزلها خالياً من الأهداف الجدية.
وقد تقدمت الصحافة اليوم تقدما كبيراً يغتبط له وإن كان فيه ما يؤسف، وهو ما يشغل بعض الصفحات من الهذيان الذي يقدم منسوباً إلى الآداب والفنون، ثم ذلك اللون التافه المسف من المجلات التي لا غاية لها تحمد عليها.
وقد ثار المستنيرون على هذه الأفلام وازور الجمهور عنها. وهذه الصحافة لا تقل عن تلك الأفلام جدارة بالشكوى منها. . . فمتى تنال من الاستنكار والإعراض ما يجعلها تحس إحساساً يؤدي إلى الأخذ في التحسن؟.
اللجنة الثقافية واليونسكو:
ختمت اللجنة الثقافية للجامعة العربية اجتماعاتها بلبنان يوم الأربعاء الماضي، وتوجه على أثر ذلك إلى دمش أعضاء الوفد المصري في اللجنة برياسة الأستاذ محمد شفيق غربال بك، تلبية لدعوة وزارة المعارف السورية، وعاد الوفد بعد ذلك إلى مصر.
وقد أتيت في الأسبوع الماضي بأهم قرارات اللجنة في الشؤون الثقافية العربية، وكنت ذكرت قبل أن ستعرض على اللجنة في اجتماعها بلبنان مسألة موقف الدول العربية من مؤتمر اليونسكو وما يلابسه من طلب تأجيله وسعى اليهود للاشتراك فيه. وأذكر اليوم أن اللجنة رأت أن تسير في طريق الإعداد للمؤتمر، فدرست المسائل التي تتعلق باجتماعه في بيروت وأقرت خطة المساهمة فيه وتنظيم مظاهر النشاط الثقافي والعلمي والأدبي والفني الذي سيصحب المؤتمر طوال مدة اجتماعه، ويطلق على هذه المدة (شهر اليونسكو).
ثم اتخذت اللجة قراراً يقضي بتأييد الحكومة اللبنانية في تمسكها بعقد المؤتمر ببيروت في موعده المحدد في أكتوبر القادم. ومن مصر كتب معالي السنهوري باشا وزير المعارف إلى سفير مصر في فرنسا أن يطلب باسم الحكومة المصرية مؤازرة الحكومة اللبنانية في خطتها بشأن عدم تأخير عقد مؤتمر اليونسكو عن موعده الأصلي وعدم تغيير بيروت كمقر للمؤتمر.
ولا يسع المتتبع للظروف المحيطة بهذا الموضوع إلا أن يتساءل: هل يجتمع مؤتمر اليونسكو حقاً بلبنان في موعده الأصلي؟ ويبعث على هذا التساؤل ما قرره المجلس التنفيذي لليونسكو بباريس من قبول إسرائيل المزعومة في مؤتمر لبنان بصفة عضو مراقب إذا طلبت ذلك. . . وهي لا بد ستطلب. ولن يقبل العرب الاشتراك في المؤتمر وفيه الصهيونيون بأي صفة من الصفات؟ لذلك يبدي بعض أعضاء اللجنة الثقافية شكه في أن يتم اجتماع اليونسكو في لبنان ما دامت المشكلة الفلسطينية قائمة.
طلائع الأدب في الحجاز:
وقع في يدي أخيراً كتاب (أريد أن أرى الله) فسررت به، لأنه كتاب واحد من إخواننا أدباء الشباب بالحجاز، وما أخال أدباء الحجاز إلا شباباً. أولئك الذين وجدت البذور الكامنة في تلك البلاد منافذ في ثقافتهم الحديثة، فنبتت وترعرعت، وجعلت تبهر الأنظار بما تؤتي من الثمرات الطيبات.
ومن أولئك الشباب الأستاذ أحمد عبد الغفور عطار صاحب كتاب (أريد أن أرى الله) وهو مجموعة أقاصيص يفتح بها باباً جديداً في الأدب الحجازي الحديث. وتحتوي هذه المجموعة على قصتين اختار أولاهما وهي (أريد أن أرى الله) من قصص تولستوي، والثانية من تاجوو. ثم خمس قصص مؤلفة بدت فيها موهبته وقدرته على العرض والتحليل، وتبدو في هذه القصص صور ظريفة من البيئة المحلية، رسمها المؤلف بدقة، وأشاع فيها كثيراً من الظرف والدعابة.
ليس المقام للاسترسال في الحديث عن تلك القصص، وإنما أريد أن أعبر عن اغتباطي بنفحة من نفحات الحجاز.
من طرف المجالس:
أقبل صاحبنا فاتراً، وأخذ مجلسه متهالكا، ثم أرسل الصعداء. . .
- مالك؟
- محاضرة!
- ألست قد فرغت من إعدادها؟
- أتظن أني أعد محاضرة لألقيها؟ كلا، لقد ألقيت علىّ محاضرة. . . صبت علىّ. . . إنني أعلم وقع هذه المحاضرات التي يحسب أصحابها أن ما يقولونه لا يعلمه إلا هم، فيبدءون ويعيدون، ويطيلون ويثقلون، ولا يحسبون حساباً لما يشعر به السامعون من ملل وأسف لضياع الوقت. ولا أطيل عليكم كما يطيلون، فقد رأيت بالأهرام أن الدكتور فلان سيلقي محاضرة بنادي كذا. ولست سريعاً إلى تلبية الدعوات إلى المحاضرات. ولكن الدكتور فلان محدث طلي صاحب فكرة، وهو صديقنا، فذهبت لألقاه هناك وأستمع إليه ساعة. فما راعني إلا اعتذاره من عدم الحضور وقيام أحد الحاضرين ليحل محله. وانهال علينا المحاضر (المتطوع) فأطال وأمل، وأنا أتململ. . . ومنعني الحياء أن أغادر المكان. وهكذا وقعت في الفخ، ومن مأمني أتيت. . .
قال له أحد الجلساء: تعيش وتسمع غيرها!
وقال آخر: لقد كانت إذن محاضرة (مبرحة)!
عباس خضر