مجلة الرسالة/العدد 793/الأدب والفنّ في أسبُوع
→ يا بنت وايزمان. . . | مجلة الرسالة - العدد 793 الأدب والفنّ في أسبُوع [[مؤلف:|]] |
البَريُد الأدَبيَ ← |
بتاريخ: 13 - 09 - 1948 |
للأستاذ عباس خضر
كرسي شوقي:
كتب الأستاذ توفيق الحكيم في العدد الأخير من (أخبار اليوم) مقالاً بعنوان (كرسي شوقي) بين فيه أهمية إنشاء كرسي في الجامعة للمغفور له أحمد شوقي بك، واستحث أولى الأمر أن ينفذوا القرار القاضي بإنشاء هذا الكرسي في جامعة فؤاد والذي اتخذ من قبل ولم ينفذ إلى الآن. ثم تساءل عمن يصلح للتعين في هذا الكرسي، ورأي (أن الاختيار يجب أن يكون في نطاق أساتذة من خارج الجامعة، لما في هذا الكرسي من لون خاص يحتاج إلى أسلوب خاص في البحث والتدريس) ثم قال: (ما هداني البحث إلا إلى رجل واحد اجتمع له كل ما يراد من صفات، هو الأستاذ أحمد حسن الزيات، فهو قد اشتغل طويلا بتدريس الأدب العربي في مصر وخارجها، وله بشوقي معرفة، وهو أديب كبير ذواقة للشعر والنثر، حام وحارس للبلاغة، ومؤلف تاريخ الأدب العربي في مجلدات لا تخلو منها مدرسة ولا يستغني عنها مدرس، وله بعد من طول الباع ورسوخ القدم، والرغبة في البحث والدأب على الاستقصاء، ما يجعل لهذا الكرسي قدراً ويكفل له مقاماً في المحيط الفكري والأدبي في مصر والبلاد العربية).
وهذا الذي يشير به الأستاذ الحكيم من اختيار أستاذ من خارج الجامعة لم يحدث بعد عندنا، فلا تزال الجامعة قاصرة أمرها على أساتذتها، ولست ادري هل فكرت في الانتفاع بأعلام الأساتذة (غير الرسميين) أو لم تخطر لها هذه الفكرة بعد؟ والواقع أن هؤلاء الأعلام أساتذة في جامعة ليس لها مكان محدود ولا نظام موضوع.
وهي تضم طلبة من خريجي الجامعات الرسمية النظامية وغيرهم، وهم يبلغون فيها ما توجه إليه الجامعات والمعاهد. . . وسم هذه الجامعة إن شئت بما تشاء من الأسماء، وحسبي أن أقول إن أساتذتها هم هؤلاء الأعلام الذين يقرئهم الناس في الكتب والصحف والمجلات.
فهل تقبل الجامعة الرسمية أن تتعاون مع هذه الجامعة التي قدمت صفتها دون تسميتها، فتندب بعض أساتذتها ولو على سبيل (التطعيم) لكرسي شوقي ولغيره. . .؟ أما كرسي شوقي فالأليق به خاصة أستاذ من خارج الجامعة، لأن شوقي نفسه من خارجها، وقد كان من أساتذة (الجامعة العامة) إن راقك هذا الاسم. . . فمن التناسق أن يكون أستاذ كرسيه من لونه.
اللغة العربية في هيئة الأمم:
أذاعت وكالة الأنباء العربية من لندن أن الأوساط العربية هناك لم تقابل بالارتياح النبأ الوارد من القاهرة بأن الدول العربية ستطلب قبول اللغة العربية لغة رسمية في هيئة الأمم المتحدة، وأرجعت عدم الارتياح هذا إلى أمرين: الأول أن (مساومة الكتلات) لبلوغ هذه الغاية ستضعف من مقدرة العرب على المساومة في مسائل أهم من ذلك. والأمر الثاني أنه لو تركت جانباً مسألة الكبرياء والزهو القومي، فالمعروف أن مندوبي العرب يجيدون اللغات المتداولة في هيئة الأمم، فإذا تحدثوا بالعربية فلن يكون لسماع خطبهم مترجمة الأثر الذي تحدثه براعتهم في الإنجليزية أو الفرنسية.
والأمران كلاهما لغو وكلام فارغ. . . فادخار الجهد من مساومة لمساومة عجز وكسل، على أن ظفر العرب بقبول لغتهم رسمية في هيئة الأمم يقوى مركزهم الأدبي فيها، وليست مسألة الكبرياء والزهو القومي مما يترك جانباً، فإن لها أثراً نفسياً في استشعار العرب عزتهم وكرامتهم ومواصلة كفاحهم، ولها نفس الأثر في نظر مندوبي الغرب إلى العرب نظرة الند إلى الند، لا نظرة المتسلط إلى الضارع. ومن هنا ينعكس الأمر كما يقدره أولئك المقدرون، فتسهل المساومة في المسائل الأخرى.
وما دامت المسألة مساومات وكتلات فماذا تجدي البراعة في الإنجليزية أو الفرنسية التي يقال إنها ستفقد في الترجمة؟ إن مندوب روسيا - مثلا - يتحدث بالروسية في هيئة الأمم، وينام سائر المندوبين حتى ينتهي، ثم يترجم كلامه (فاقداً) البراعة. . . فهل تخسر روسيا بذلك شيئاً؟ وهل يفوتها غنم من غنائم أهل البراعة؟
إذن دعوا العربية تسير، فلن تعوق إن لم تبلغ، وإذا خسرنا الإنصاف من ذئاب الغرب وكسبنا الكبرياء والزهور القومي فلم نخسر شيئاً، لأن الشعور بالكبرياء والزهو سيعيننا على انتزاع الإنصاف منهم بغير الخطابة والبراعة.
نزهة إذاعية: قرر مجلس الإذاعة الأعلى في اجتماعه المنعقد يوم الأربعاء الماضي، إيفاد كل من محمد قاسم بك المدير العام للإذاعة، وكريم ثابت بك مستشارها، لحضور مؤتمر الإذاعة الذي سيعقد بإيطاليا فيما بين 14 و19 سبتمبر الحالي، وزيارة محطات الإذاعة في إنجلترا وفرنسا وسويسرا، لاقتباس النظم التي تلائم الإذاعة في مصر.
وفي هذا القرار مسألتان: الأولى حضور المدير والمستشار المؤتمر، وليست هذه المسألة بدعا، فما أكثر المؤتمرات، وما أكثر من يوفدون إليها من كبار الموظفين، وما أكثر ما تنفقه الحكومة في هذا السبيل! وليس يذهب كل ذلك سدى. . . فإن لم تظهر له نتائج عملية فيكفي أن يتمتع حضرات المندوبين بالرحلات، وأن يستجموا، كي يواصلوا بعد عودتهم جلائل الأعمال.
أما المسألة الثانية التي يشتمل عليها ذلك القرار، فهي زيارة المدير العام للإذاعة ومستشارها محطات الإذاعة بالبلاد المذكورة. وتستلزم هذه الزيارة طبعا السفر إلى تلك البلاد والتنقل بينها والإقامة في كل منها أياماً أو أسابيع. وسينفقان في كل ذلك مبلغاً من المال لا بد أن يكون كبيراً، تصرفه خزانة الإذاعة دون أن تصطنع في صفه ما تصطنعه في أجور الفنانين والمحدثين بها من التمهل والإبطاء.
والغاية من هذه الرحلة الطويلة الباهظة، اقتباس النظم التي تلائم الإذاعة في مصر، كما يقول القرار، فالغرض لا يتعلق بالناحية الهندسية الفنية الآلية، وإلا كان من يوفد غير المدير والمستشار، واستحق الأمر أن ينتقل الوفد من مصر إلى تلك البلاد؛ وإنما يتعلق الغرض بالبرامج، والبرامج يمكن سماعها في مصر واقتباس ما يلائم مصر منها، فلم إذن زيارة محطات الإذاعة؟ الوقوف على نظام الحجرات والمكاتب بها، أم للاطلاع على أصول ما يذاع. .؟
على أن الأستاذ محمد قاسم بك رجل كبير ممدود له في الخدمة بعد سن المعاش، أفلا ينبغي أن يستبدل به من يمكن أن يستفاد منه طويلا بعد أداء هذه (المهمة) إن صح أنها مهمة. . .؟
أو لست ترى في هذه الزيارة عدم اعتراف بالعمل الإذاعي من حيث أن الغرض منه أن ينقل إليك كل شئ في مكانك، ولا يجشمك أن تنتقل إلى مكانه؟!.
للدولة شخصيتان في الأدب والفن:
قال محدثي: أتعلم لم فازت قصة (البغل والإبريق) التي ذكرت شيئاً من أمرها، بالجائزة الأولى في مسابقة القصة بمهرجان الشباب؟
- أثمت شيء غير تقدير المحكمين لها؟
- هو تقدير المحكمين طبعاً، ولكن دخل في هذا التقدير عنصر آخر غير قيمة القصة الفنية، فلم تكن أحسن قصة قدمت على الإطلاق، وإنما رأتها اللجنة خير القصص الخالية من (فتاة الحب).
لم أكن في حاجة إلى المزيد لأدرك ما يرمي إليه محدثي، فمهرجان الشباب الأدبي نظمته وزارة المعارف، فهي أذن تحرص على الوقار والاحتشام في هذه المسابقات الأدبية، كما تحرص عليهما فيما يقدم إلى التلاميذ في المدارس من نصوص الأدب، فالمتبع في اختيار هذه النصوص أن تكون من أغراض غير الغزل كالمدح والرثاء والفخر والحكم والأمثال، وإن كان الحال قد تغير قليلا في السنوات الأخيرة إذ صار بعض الأساتذة لا يجد بأساً في قطع من الغزل (المعتدل) يجتذب بها التلاميذ ويحببهم في الأدب، ويسري عنهم عناء الحكم والأمثال والنصائح وما إليها.
جال هذا بخاطري على أثر ذلك الحديث. ثم قلت في نفسي: إن بعض المعاهد التي تشرف عليها وزارة المعارف، تقيم في بعض الأحيان حفلات عامة فيها تمثيل وغناء ورقص، وفي بعض هذه الفنون يختلط الفتيان والفتيات، وقد تقتضي الحال تمثيل الحب. ووزارة الشؤون الاجتماعية تشرف على المسرح والسينما والإذاعة وتكاد هذه الثلاثة تقوم على الحب من تمثيل وغناء ورقص، وكثيراً ما يكون فيها الحب الذي هو أكثر من الحب! والوزارتان تشتركان في استقدام الراقصات من أوربا كفتيات (الباليه) للتمثيل والرقص على مسرح الأوبرا.
ثم قلت في نفسي أيضاً: يا عجباً! للدولة شخصيتان، إحداهما متزمتة وقور والأخرى عصرية (اسبور)؟ ولم كانت الأولى من قسمة الأدب وظفر بالثانية سائر الفنون؟ قد يكون ذلك من طبيعة المشرفين على الأدب في الوزارة ومن طبيعة المشرفين على الفنون الأخرى في الحكومة وفي خارج الحكومة.
ولكن ألا ترى أن الأدب أولى بالشخصية الثانية، فهو كلام، وجوه أكثر أمناً من غيره، وقد كان بعض أسلافنا الذين لم يدركوا اختراع كلمة (الصدق الفني) يتغزلون ويصفون الحسان ويقولون في الخمر (غير ما قال مالك) ويصفون فعليها بالنفوس، ولم يذق أحد منهم طعماً للحب أو للخمر. ولم ينكر عليهم أحد ما يقولون، بل كان منهم من يعد من الفقهاء والصالحين. أما الفنون الأخرى غير الأدب وخاصة التمثيل فالحب فيها عملي. والأدب لا يفهمه إلا الكبار (العقلاء) أما المسرح والسينما والإذاعة فهي في متناول الجميع من صغار وكبار، وخاصة الإذاعة، فهي لا يمكن المنع منها، وهي تقتحم كل بيت بكل بذئ من الأغاني و (المنلوجات) لا بالتعبير عن العواطف المهذبة فقط، وفي جملة من يسمعها التلاميذ والتلميذات الذين تحرص وزارة المعارف على (وقايتهم) من الحب في الأدب.
فهل ترضى الدولة بما ينطبق عليها من (تعدد الشخصية أو ترى تراجع نفسها لتتلافى هذا التعدد؟.
اللجنة الثقافية بلبنان:
بدأت اللجنة الثقافية لجامعة الدول العربية اجتماعاتها يوم 28 أغسطس الماضي في بحمدون بلبنان. وقد عقدت إلى وقت كتابة هذا أربع جلسات نظرت فيها في مسائل هامة وانتهت فيها إلى قرارات، ولا تزال توالي اجتماعاتها لنظر بقية المسائل.
ومما نظرت فيه شؤون الإذاعة والسينما الثقافية، فقررت توصية مجلس الجامعة بمشروع إنشاء محطة إذاعة عربية كبرى، وتقوية الإذاعات الحالية ريثما يتم تنفيذ المشروع، كما تقرر الدعوة إلى عقد مؤتمر لمديري محطات الإذاعة للبحث في أنجح الوسائل التي تكفل تنسيق البرامج الثقافية العربية المشتركة وتنظيمها. وتقرر أيضاً الدعوة إلى مؤتمر للخبراء الفنيين في السينما للبحث في ترقية السينما العربية وإنتاج أفلام دعاية للبلاد العربية في الخارج وقد اشتكى الأعضاء من أن الأفلام العربية ليست في المستوى الراقي الذي ينشد منها وأنها تنافي أحياناً الأخلاق العامة والمبادئ القومية ورجوا توصية الحكومات العربية لإصلاح هذا النقص.
وقررت اللجنة تنظيم مهرجان حافل يقام في أجدى العواصم العربية تخليداً لذكرى ابن سينا، ووضعت برنامجاً لتنظيم هذا المهرجان، وقررت تأليف لجنة لنشر آثار ابن سينا، كما قررت إنشاء مؤسسة علمية تذكارية يطلق عليها اسم الفيلسوف العظيم لتخليد ذكراه.
ونظرت اللجنة قضية الأساتذة والطلاب ورجال الفكر الفلسطينيين، واتخذت فيها قرارات هامة ستعرض على الجهات المختصة لإقرارها. ومما تضمنته توصية الدول العربية لاستخدام الأساتذة الفلسطينيين الفنيين، وقبول الطلاب الفلسطينيين بالمجان في معاهد الحكومات العربية، وفتح مدارس في الأماكن التي يكثر فيها الفلسطينيون خارج فلسطين؛ وقررت أن تطلب إلى اللجنة السياسية العمل على تأمين النفقات للطلاب الفلسطينيين في أوربا وأمريكا.
عباس خضر