الرئيسيةبحث

مجلة الرسالة/العدد 783/حجة خيط العنكبوت وقد فات وقتها

مجلة الرسالة/العدد 783/حجة خيط العنكبوت وقد فات وقتها

بتاريخ: 05 - 07 - 1948


للأستاذ نقولا الحداد

يدعي اليهود أن أهيه (وعناه: أكون الذي أكون) وما لبث آل

سمى أيضاً يهوه (أي يكون) وهو اسم علم لإله الإسرائيليين

كما هو مذكور في سفر الخروج الإصحاح الثالث والعدد 14

- يدعون أن يهوه وعددهم وهم خارجون من مصر انه يملكهم

من بحر سوف (أي البحر الأحمر) إلى بحر فلسطين (أي

البحر الأبيض)، ومن الجزيرة (برية سينا) إلى النهر

(الأردن). أنظر خروج ص23 عد31، كذا قال يهوه الذي

لقبوه بعد إذ برب الجنود، خروج ص3 عد14، وقد وعد

موسى قائلاً أن ملاكي يسير أمامك (وملك شعبك طبعاً)

ويجيء بك إلى الأمويين والحثيين والكنعانين والحوييين

والببوسيين فأبيدهم. خروج ص23 عد23.

بعد أن خرج موسى بشعبه من مصر إلى برية سينا صعد إلى جبل سينا لكي ينقل وصايا الرب. وتأخر طويلاً إلى أن نفذ صبر شع بإسرائيل، فاضطروا هارون أخا موسى أن يصنع لهم عجلاً من الذهب الذي كان في أعناق نسائهم مما استلفنه من المصريات قبل أن يخرجوا من مصر لأنهم يريدون إلهاً من ذهب لا من حجر ولا من خشب، فهم عبدة المال المعبر عنه بالذهب، فغضب يهوه لأنهم تركوه وعبدوا العجل الذهبي. وقد اقتبسوا هذه العبادة من مصر، وتهددهم بان يبيدهم. فعاد موسى يسترضيه ويذكره بوعده لأجداده: إبراهيم وإسحاق ويعقوب بقوله لهم: انه يجعل نسلهم كنجوم السماء بالكثرة، وانه يعطيهم تلك الأرض فيملكونها إلى الأبد. خروج ص32 عد13، 14 فا اااااااستعطفه موسى إلى أن ندم على الشر الذي يقال انه يفعله بشعبه. خروج ص32 عد13 14 - هذا ما ورد في الثورات التي كتبها اليهود.

فاليهود يقدمون هذه النصوص حججاً مسجلة لهم في التوراة بملكية فلسطين كما نعرفها اليوم، ويزيدون على هذا الميراث الأملاك التي بين النيل والفرات.

والأنكى أن هناك فريقاً مغفلاً من النصارى يستشهدون بالتوراة في إثبات هذا الميراث لليهود. فلنر ما قيمة هذه الحجة.

إلا يقولون لنا من أعطاهم هذه الحجة، ومن سجلها لهم في التوراة؟ ومن كتب التوراة؟

خرج موسى بالإسرائيليين من مصر في سنة 1250 تقريباً قبل المسيح أي منذ 32 قرناً. وفي ذلك الوقت لم يكن فن الكتابة بالحروف الذي اخترعه الفينيقيون. كان الكهنة والحكام في مصر ينقشون على الحجارة بالرسوم الهيرغليفية أسماء الملوك وسني حكمهم ونحو ذلك. وكان البابليون ينقشون على الأجر النيئ مثل ذلك بالحروف المسماري ثم يحرقونه. فلم يكن لا في الخط الهيرغليفي الذي هو رسوم أشياء تدل على أشياء، ولا في الحرف المسماري الذي ليس أرقى من الخط الهيرغليفي، ما يحتمل أن تكتب به أسفار التوراة الضخمة. والذين بحثوا في هذا الموضوع وصلوا إلى نتيجة لا تقبل الشك وهي: أن الأسفار الخمسة التي أسندت إلى موسى ولا كتب في زمن موسى لان حروف الكتابة لم تكن قد اخترعت بعد.

والمجمع عليه ألان في هذا الموضوع: أن اليهود الذي عادوا من سبي بابل سنة 527 قبل المسيح أي منذ 1773 سنة من خروج موسى بشعبه من ارض مصر، يعني بعد نحو 18 قرناً هم الذين شرعوا يكتبون تلك الأسفار الخمسة مقتبسين فيها أساطير البابليين وشرائعهم وخرافاتهم وعاداتهم. وقد طبقوها على ملتهم من أسطورة الخليفة إلى أسطورة الطوفان إلى غيرهما. وشريعتهم في سفر تثنية الاشتراع تكاد تكون حرفاً بحرف من شريعة حمورابي العربي الذي غزا أشور وبابل، وحكم هو وخلفاؤه فيهما نحو مائة سنة.

فهذه الحجة التي يتمسك بها اليهود لم يكتبها موسى ولا كتبها أحد لعهد موسى، بل هم اليهود الذي عادوا من السبي كتبوها بسنين بعد موسى بثمانية عشر قرناً. وليس عندهم سند واحد يثبت أن ما نسبوه إلى موسى هو قول موسى، ولا سند واحد يؤيد أن ما نسبوه إلى يهوه قاله يهوه. فهم كتبوا ما شاءوا مما تسلسل إليهم من أقوال الأجداد ومما تصوروه مناسباً لهم من تقاليد ما بين النهرين وما تخيلوه يؤيد عقائدهم الدينية والاجتماعية ووعدوا أنفسهم ما شاءوا أن يكون ميراثاً لهم وملكاً وفي إمكاني أنا أن اكتب حجة لي بفندق شبرد أو ميناهوس وغيرهما حتى انه يمكنني أن اكتب حجة بملكية سراي عابدين وبعد قرن أو قرون يقوم حفدائي يطالبون بهذه الأملاك بموجب هذه الحجج. فمن يقبلها؟

وهب أني أخذت حجة من صاحب فندق ميناهاوس، فمن يقبلها بعد ثلاثة آلاف سنة؟

فالتوراة كما وصلت ألينا على يد اليهود ليست حجة بان يهوه قالها وموسى كتبها إذ ليس عندنا إسناد بهذا.

ولما رأي اليهود أن حجة التوراة أصبحت واهية بعد تشتتهم وخيبة آمالهم في ارض الميعاد ودولة إسرائيل ولا سيما بعد أن سارت بين أيدي النصارى والمسلمين تنكبوا عنها كأساس لديهم واخترعوا التلمود فصار أساساً لديهم، ونقحوه مراراً حسب مقتضيات الزمن. وأخيراً لما رأوا أن التلمود ليس أقوى حجة من التوراة جمعوا أسا طينهم في مؤتمرات متعاقبة ووضعوا (مواثيق شيوخ صهيون) (البرتوكولات) التي كتبت بعضها في (الرسالة) وعقبت عليها.

والغريب انه ليس في تاريخ مصر ولا في غير مصر أن شعباً غريباً يدعى شعب إسرائيل خرج من مصر بقيادة زعيم اسمه موسى اقنع فرعون بمنجزاته أن يسمح لهم الخروج.

ليس لهذا الحادث ذكر في تاريخ من تواريخ الأمم ولا إشارات أليه إلا ما ورد في التوراة التي كتبت بعد 18 قرناً لخروجهم كما زعموا.

مع ذلك لم تنطبق حوادث اليهود على تلك الوعود المنصوصة في التوراة.

فأولا لم يفتح اليهود بعد دخولهم ارض الميعاد ألا بعض بقاع منها بعد حروب عنيفة. فلماذا لم يطرد يهوه من أمامهم الكنعانيين والجرزيين الخ كما وعدهم.

ثانياً: لم يقيموا في ارض كنعان اكثر من قرنين ثم سبوا مراراً إلى بابل وغيرها. فما أقاموا فيها مدة تملكم البلاد بحق اليد.

ثالثاً: أن نسلهم لم يكثر كنجوم السماء. والمعروف ألان أن نجوم المجرة تبلغ نحو ثلثمائة ألف مليون نجم وهم لا يبلغون بعد 36 قرناً اكثر من 16 مليوناً.

رابعاً: أن اليهود منذ خرجوا من مصر ودخلوا ارض كنعان (أن كانوا دخلوا أو خرجوا) ما كفوا عن عبادة البعل (الذهب) واغضبوا يهوه مراراً. هارون صنع لهم عجلاً من ذهب وهم يصنعون كل يوم ألف عجل. سلهم هل حفظوا شيئاً من وصايا الله؟ هل يوجد الربا الفاحش عند غيرهم؟ هل هم أنسا نيون كما يريد الله؟

خامساً: تشتتوا على وجه الأرض. فلماذا تشتتوا إذا كانت ارض كنعان لهم بموجب صك منم الله؟ لماذا لم يبقوا فيها فلا ينازعهم أحد عليها؟ اصبحوا حيثما نزلوا كانوا رغم أنوفهم من مواطني ذلك المهجر مكروهين لأنهم كارهين لكل من ليس يهودياً وأبوا أن ينتموا وإلا أن يكونوا من رعايا دولة صهيون القائمة في الهواء.

فهل بعد مرور هذه القرون كتبت لهم ملكية في فلسطين؟ وهل تقوم لهم حجة بملكية بملكيتها.

اليهود يفهمون هذا كما نفخمه نحن، وإنما يريدون أن يتمحكوا بهذه السخافات ما دام بين نصارى أمريكا المفلفلين من يقولون أن الكتاب المقدس يعطيهم هذا الحق، ومن قدس هذا الكتاب. ومن كذب عن لسان الله غيرهم؟ وقد حقق الله وعده لهم فأدخلهم ارض كنعان فلماذا هجروها؟

واليهود أنفسهم لم تبلغ بهم السخافة أن يقدموا هذه الحجة (الحجة التاريخية المقدسة) لقضاة هيئة الأمم لان هؤلاء يتورعون أن يكونوا أضحوكة الأمم وان لم يتورع بعض سخفاء نصارى أمريكا عن الاعتراف بهذه السخافات.

ولكن هل يجسر هؤلاء اليهود الأفاكون أن يقدموا هذه (الحجة الكتابية) للكونت برنادوت؟ وهل يعبرها أذنا إلا بالتحقير لقائليها؟

أن أهل فلسطين الحاليين هم سكانها الأصوليون. كثيراً منذ عهد موسى إلى عهد المسيح يهوداً ووثنيين. ولما جاء المسيح تنصر بعضهم. ولما جاء الإسلام اسلم معظمهم فما خرجوا من أرضهم. وأما القادمون من الغرب فما كانوا إلا وثنيين، فلما احتكوا باليهود المشتتين ورأوا أن اليهود يعبدون إلهاً غير منظور رأوا أن عبادة الأصنام سخافة فتهود بعضهم، ومنهم أسلاف الغزاة البولونيين وأمثالهم.

أن هؤلاء اليهود لا يعرفون غير إله المال فلا ننتظر منهم صدق ولا حفظ عهد، فقد مضى على الهدنة نصف عمرها وهم يصلبونها كل يوم عشرين صليباً.

ولا ندري ماذا يعني برنادوت بقوله لهيئة الأمم انه مرتاح إلى تنفيذ الهدنة كل الارتياح، إلا إذا كان مسروراً من استغلال اليهود لها.

ولا ندري لماذا يطلب سفناً وطائرات إلا إذا كان ينوي أن يمكن اليهود من الاستغلال، وإدخال بعض اليهود إلى البلاد وحفظهم في المعتقل إلى أن يتدربوا ثم يطلق سراحهم لكي ينظموا إلى الهاجاناه.

وما معنى أن يستعد لاستسلام حيفا من الجيش البريطاني؟ هل وطد العزم على الإقامة في فلسطين لكي يحرس دولة إسرائيل؟

إن هذه الألاعيب إذا جازت على الدول العربية فلا تجوز على الشعوب العربية، الشعوب العربية تغلى ألان وتفور، لا على اليهود، بل على الجامعة العربية الصابرة حتى ألان على رذالة اليهود فقد ردت انتصار العرب عدة فراسخ إلى الوراء.

(القاهرة)

نقولا الحداد