مجلة الرسالة/العدد 776/من تاريخ الطب الإسلامي
→ على ذكر حوادث فلسطين! | مجلة الرسالة - العدد 776 من تاريخ الطب الإسلامي [[مؤلف:|]] |
الأحلام ← |
بتاريخ: 17 - 05 - 1948 |
لصاحب السعادة الدكتور قاسم غني
سفير إيران بمصر
سعادة الدكتور قاسم غني سفير ايران بمصر شخصية علمية من الطراز الأول، لم يمض عليه في مصر الا أشهر معدودات ومع ذلك استطاع أن يكسب لنفسه ولأمته أصدقاء ممتازين، لا في الميحط الاجتماعي والدبلوماسي فحسب، ولكن في المحيط العلمي أيضاً، وقد كان ذلك واضحاً في قاعة المغفور له علي ابراهيم باشا بكلية الطب، ثم في قاعة دار الحكمة حيث ألقي الدكتور السفير العالم محاضرتيه عن (تاريخ الطب الإسلامي) فكنت ترى الحاضرين مزيجاً مختلفاً ما بين سياسيين ووزاء وعلماء وأطباء وآباء روحانيين وغيرهم مما لم نألف قاعات المحاضرات في مصر شهوده كثيراً، وكلهم أصدقاء للدكتور قاسم غني معجبون بعلمه وأدبه وفضله
ولقراء الرسالة عهد بهذا العالم البحاثة من قبل، فقد قدمه اليهم سعادة الدكتور عبد الوهاب عزام بك في عدد من اعدادها. وهو الآن مهتم بنقل كتابه العظيم الذي الغه بالفارسية عن (التصوف الإسلامي) إلى اللسان العربي.
وقد ظفر صديق من أصدقاء الدكتور والرسالة بهذا البحث العلمي القيم، الذي ألقي في كلية الطب ودار الحكمة فآثر به قراء الرسالة، وها نحن أولاء نقدمه في أعداد متوالية شاكرين معجبين:
(الرسالة)
1 - طب العرب في الجاهلية:
في بدء ظهور الإسلام عندما كانت الشريعة الجديدة لم تتجاوز بعدُ حدود القبائل العربية في الحجاز إلى سائر بلاد العالم كان معظم القبائل العربية، مثل بقية القبائل البدوية لا يهتم بالعلوم والفنون المختلفة؛ وكان جل اهتمامهم منصباً على التعمق والتوسع في علوم العربية وأحكام الشريعة الإسلامية.
وبما أن معالجة المرضى وتمريضهم من الأمور الطبيعية لدى الإنسان، وأن لجماع البشر حتى في بداوتها غريزة حفظ الحياة، وأن حاجتها لتسكين آلامها وأوجعها تجبرها على البحث عن العلاج اللازم لأدوائها وأوجاعها؛ فكان لابد من أن ينشأ بينها نوع من الطب والعلاج البدائي وقد كان. فقد ظهر وشاع طب من هذا القبيل بين القبائل العربية البدوية.
وقد كان الطب الشائع بين القبائل العربية في مبدأ ظهور الإسلام عبارة عن بعض المعالجات التجريبية، مقرونة بأعمال السحر والخرافات كما كانت الحال لدى أكثر القبائل الرحل، وكما لا يزال شائعاً إلى يومنا هذا لدى بعض الأقوام غير المتحضرة، فإن عوامل شتى كالمصادفات والتجارب والاختبارات ومشاهدة الطبيعة، والنظر في أحوال المرضى واتباع الغرائز الطبيعية والدوافع الفطرية وتقليد الحيوان، والتدبير والتفكر في أعماله، دفعت الإنسان للوصول إلى تدابير طبية، وهدته إلى اتخاذ وسائل علاجية، ثم أضيف إلى ذلك كله بالتدريج، عقائد ومعارف وافتراضات صحيحة وغير صحيحة مثل الشبه الموجود بين الإنسان والعالم الأكبر، وتأثير النجوم والكواكب والأجرام السماوية الأخرى في الإنسان، وعبادة الأرواح، والاعتقاد بتناسخها، وعودتها إلى الأجسام، والإيمان بوجود الجن والشياطين والأرواح الخبيثة، وحلول الشياطين والأرواح الشريرة في بدن الإنسان وتسبيبها للآلام المبرحة، إلى غير ذلك من المعتقدات، فتكون من مجموع ذلك كله نوع من الطب، كما أشرنا إليه آنفاً.
وقد كان جماعة من الشيوخ المجربين ومن بعدهم أبناؤهم والمتصلون بهم ممن كانوا يشاهدون التجارب والمعالجات التي يقوم بها الشيوخ، كانوا يقومون بعلاج المرضى؛ وهؤلاء يمكن اعتبارهم أطباء تلك الحقب. وكان عدد قليل من العرب ممن درسوا الطب في البلاد المجاورة لجزيرة العرب، ولاسيما إيران يزاولون مهنة الطب بين قومهم، منهم الحارث بن كلدة الذي كان قد درس الطب في مدرسة جند يسابور، وابن أبي رمثة التميمي، وكان جراحاً معروفاً، وزينب، وقد اشتهرت بمعالجة الرمد والجراحات.
وقد كان ظهور الإسلام سبباً في لم شعث القبائل العربية البدوية، إذ أنشأ جامعة سياسية ودينية واجتماعية قوية لهم، استطاعت في زمن وجيز أن تقلب أوضاع العالم المحتضر حينذاك رأساً على عقب، وأن تخلف امبراطوريتي الفرس والروم.
وقد كان من أثار غلبة العرب على أقوام كانت تسبقها في الحضارة والعلوم والفنون أن اقتبس العرب كثيراً من علوم تلك الأقوام وفنونها، فإن تقدمهم السريع واستقرار مدنيتهم، كانا يستلزمان هذا الاقتباس.
ولابد لمعرفة مصادر الطب الإسلامي من أن نلقي نظرة إجمالية على تاريخ الطب قبل الإسلام وفي العصر الأول الإسلامي لنعرف كيف ومن أي الأقوام وعن أي طريق وصت تلك العلوم! ومن جملتها الطب إلى العرب، والحالة التي كانت عليها تلك العلوم عندما تلقاها المسلمون عنها. وبعد ذلك نستطيع أن نعرف إلى أي حد خدم المسلمون هذه العلوم ومبلغ ما نالته تلك العلوم على أيديهم من تقدم وعظمة.
2 - مصادر الطب الإسلامي:
لقد أسلفنا القول في أن الأمم القديمة جميعها كان لها نوع من الطب والعلاج، وأن تاريخ ظهور الطب هو تاريخ ظهور النوع البشري، أعني أن الأمراض والأوجاع المختلفة لازمت الإنسان الأول منذ بدء الخليقة وأن الآثار التاريخية التي اكتشفت عن الإنسان الأول تدل على وجود أثار بعض الأمراض لديه، ومن الثابت أن الإنسان - مثل سائر الحيوان - كان يبحث بحكم الغريزة والفطرة والإيحاء الطبيعي عن علاج لتسكين آلامه وإبراء أمراضه.
وقد كان لدى بعض الأمم القديمة كالصينيين وسكان ما بين النهرين ومصر وإيران والفنيقيين واليهود طب مدروس مدون، وكان الطب يعتبر لديهم مهنة خاصة لها ناحيتان علمية وعملية، غير أن اليونان من الأمم القديمة تعتبر الأمة التي بلغ الطب لديها شأواً عظيماً من الرقي، وكان له لديها شأن جليل.
وكان بلوغ الطب هذه المنزلة الرفيعة لدى اليونان بفضل بُقراط الذي يُدعى بحق (أبا الطب).
لقد عاش بقراط في عصر من أزهى عصور الرق العلمي في اليونان، أعني عصر بركليس الذهبي الذي ظهر فيه كثير من عظماء اليونان أمثال توسيديد، وفدياس وسوفوكل وأوريبيد. ويعد بُقراط بحق أعظم أطباء الأمم القديمة علماً وعملا، وقد بقى زهاء ألفي عام شخصية طيبة مسيطرة على عالم الطب في الدنيا كلها، وقد كانت أقواله وآراؤه المرجع الوحيد في هذا الباب وعليها المعول طوال هذه الحقبة حتى النهضة الأوروبية.
وإن الشطر الأكبر من المعارف التي رتبها ونظمها بقراط عن الطب مأخوذ ومقتبس من سائر الأمم أو اليونانيين السابقين عليه في الزمان، غير أن له فضل دراسة كل هذه المعارف ونقدها والوصول عن طريق النقد والبحث العلمي إلى معارف ومعلومات جديدة.
وقد كانت هذه هي الطريقة التي جرى عليها كثير من مواطنيه أمثال أفلاطون وأرسطو كلٌّ في بابه - فقد اقتبسوا من معارف الأمم التي سبقتهم أو التي عاصرتهم، واستفادوا منها، ولكنهم لم يكتفوا بذلك، بل درسوا تلك المعارف، ونقدوها نقداً علمياً دقيقاً، وفرقوا بين أصولها وفروعها وغشها وسمينها ورتبوا استنتاجاتهم وبوَّبوها على خير وجه، ووضعوها في متناول طالبي العلم في العالم أجمع.
لقد خلص بقراط الطب من أجواء الهياكل والمعابد المشبعة بالأسرار والألغاز، وحرره من قيود الكنهة ورجال الدين، وأقامه على أسس العلوم الحيوية الصحيحة، وأرجع المرض والحياة لقوانين طبية ثابتة، وبرهن على أن الوصول إلى تلك القوانين الثابتة ممكن عن طريق دراسة الطبيعة دراسة دقيقة وافية، كما بين الروابط التي تربط العلة بالمعلول. وقد جعل أساس كل بحوثه الطبية الدرس والتجربة بعد أن وازنهما بالنظر والاستدلال والمنطق واهتدى بهديهما، ولاءم بين التجارب العملية والأمور النظرية، وقد وفُق في ذلك توفيقاً عظيماً.
يعتقد بقراط أن الإنسان جزء من الطبيعة والكون، وكما أن كل كائن حي في هذا الوجود مرتبط بالطبيعة طبقاً لقواعد مقررة وقوانين ثابتة، كذلك الإنسان فإنه خاضع لهذه القواعد والقوانين نفسها؛ والموازنة بين العوامل الطبيعية هي الصحة والحياة؛ وإن قُوى الفرد كلها تهدف لإيجاد هذا التوازن والتعادل.
وعندما يختل هذا التوازن لعل خارجة، تبادر جميع قُوى الفرد لدفع هذه العوامل الخارجية والعلل الضارة وإيجاد التوازن المطلوب وإقراره، وأن مهمة الطبيب مقصورة على خدمة طبيعة الفرد ومساعدتها في هذا المسعى الحيوي الذي تقوم به، ولذلك كان يسمى الطبيب بخادم الطبيعة.
وحيث أن تشريح الجثث الإنسانية كان غير مستطاع حينذاك وكان علم التشريح وعلم وظيفة الأعضاء ناقصين تبعاً لذلك، فإن المعارف التي كانت لدى بقراط عن الطب لم تكن كبيرة من حيث الكم، فإن دائرة معارفه عن الأمراض كانت ضيقة لا يستطيع بها إيضاح تطورات المرض وتحولاته كما ينبغي؛ غير أن معارفه كانت على مبلغ عظيم من الأهمية من حيث الكيف.
لقد بنى بقراط طريقته على أسا علمي متين، فقد فصل الطب عن الدين فصلاً تاماً وجعل حالة المريض نفسه أساساً لعلاجه.
ويتضح من صيغة القسم المعروف بعهد بقراط ومن الرسائل الطبية التي ألفها، أنه قد حدد بوضوح تام حقوق الطبيب ووظائفه وواجباته الأخلاقية والاجتماعية، كما يتبين من ذلك كله أنه قد أضفى على هذه المهنة صورة خلقية، وجعل منها عملاً إنسانياً وقياماً بالواجب محتما، وكان هو نفسه مثلا حياً للأخلاق الفاضلة من إيمان بالحق ودفاع عنه وحب للخير وإيثار وعطف على المرضى والموجعين، وهمة عالية في نشر العلم والعرفان وغيرة عليها لا تجاري.
وقد ترك بقراط للعالم مجموعة طبية تعتبر أقدم تراث طبي قدم للبشرية، وأثمن مجموعة، ألا وهي المجموعة الأبقراطية. وفيها بحوث عن جميع النواحي النظرية والعملية في الطب؛ وتعد أهم مصادر الطب الإسلامي.
واحتذى إبنا بقراط وصهره وبعض تلاميذه من بعده حذوه وترسموا خطاه في بحوثهم الطبية. وأضاف إليها أفلاطون وأرسطوا بنظرتهما الفلسفية آراء في كليات الطب. ثم ظهرت في المدن وبعض الجزر اليونانية مجامع أو حلقات مهمة لدراسة الطب. وبرز كثير من الأطباء الكبار في هذا المجال وكانوا جميعاً مع تفاوت في الدرجة من شراح مؤلفات بقراط وآثاره إلى أن أصبحت الإسكندرية مركزاً للعولم الطبية اليونانية، وأجيز تشريح جثث الموتى وتقدم علم التشريح وعلم وظائف الأعضاء تقدماً كبيراً.
فالإسكندرية كانت بالنظر لموقعها الجغرافي وماضيها الاجتماعي محل اختلاط شتى القبائل والأقوام الإفريقية والآسيوية والأوربية وكانت من أهم المراكز الاجتماعية والثقافية في الدنيا القديمة، لذلك تجمع فيها معارف مختلفة من مصادر شتى أضيفت هذه كلها إلى طب بقراط.
وقد انتشر طب اليونان بين الروم أيضاً، وكان معظم القائمين بمزاولة هذه المهنة من اليونانيين أنفسهم إلى أن ظهر في القرن الثاني للميلاد، أستاذ عظيم آخر في عالم الطب، وهو جالينوس. أجل، كان ناك في الحقبة الواقعة بين عصر أبقراط وعصر جالينوس عدد من كبار الأطباء أمثال تيوفراست ودبيكلس وسلس وديوسقوريدوس وبليناس الحكيم , وكاليوس أورليانوس وارته وغيرهم. وقد أضاف كلٌّ منهم شيئاً جديداً إلى المعارف الطبية القديمة كما أظهر بعضهم نظريات حديثة أحياناً. غير أن أساس الطب بصورة عامة لم يتغير عما كان عليه في زمن بقراط، إلى أن ظهر جالينوس العظيم من برغامس وهو من يوناني آسيا الصغرى، فكان الشخصية الطبية العظيمة الثانية بعد بقراط.
لقد تلقى جالينوس دروسه الأولى في مسقط رأسه، ثم استمر في تلقي العلم في جزيرة كورينتس ثم رحل إلى الإسكندرية، فتلقى فيها الطب علماً وعملاً، ثم شدَّ رحاله إلى جزيرة قبرص وجزائر أخرى من جزائر البحر الأبيض المتوسط وفلسطين، وكانت رحلاته كلها للدرس والبحث عن الأعشاب الطبية والاتصال بعلماء تلك البلاد، ثم عاد بعدها إلى موطنه ومارَس مهنة الطبِّ هناك مدة، ثم استقرَّ به المقام في روما وأسس فيها حلقة لدرس الطب في حِمى مارك أورل.
وكان عالماً محباً للعلماء والفلاسفة واشتغل أيضاً بمزاولة الطب هناك، وكان يقوم في نفس الوقت بتربية جماعة من تلاميذة كما كان يقوم بتأليف مؤلفات مهمة في علم الطب أصبحت فيما بعد مصدراً من أهم مصادر الطب الإسلامي.
وكان جالينوس يعد بصفة خاصة أستاذ علم التشريح غير منازَع مدى أربعة عشر قرناً، أي من القرن الثاني للميلاد إلى القرن السادس عشر منه. وكان جميع أطباء القرون الوسطى ومن ضمنهم الأطباء المسلمون يدرسون التشريح عن طريق مؤلفاته، حتى ظهر في القرن السادس عشر للميلاد الطبيب البلجيكي الشهير فزال من علماء التشريح الكبار مؤلف في التشريح برهن فيه على وجود نقائض في تشريح جالينوس فأسقطه من الاعتبار. والخلاصة أن اليونانيين وضعوا أساس علم الطب بالاستعانة بمعارف سائر الأمم وتجاربهم. ومن أهم رجالهم في هذا الصدد بقراط العظيم الذي أقام بحوثه على أساس البحث والتحليل والنقد العلمي والتجارب، فأبرزه لنا بصورة علمية صحيحة؛ وسعى خلفاؤه من بعه في هذا البناء على تلك القواعد المتينة. ثم تقدمت الدراسات الطبية في الإسكندرية؛ وظهر بعد ذلك جالينوس في القرن الثاني فدون معارف العلماء المتقدمين وأظهرها بصورة علمية منظمة واضحة.
وقد تهيأت مقدمات سقوط امبراطورية روما الغربية نتيجة لضعفها وفساد الإدارة فيها وحدوث حوادث اجتماعية وسياسية مختلفة، ووقوع حروب وتفشي أمراض، ثم سقطت تلك الإمبراطورية، ونتج عن سقوطها أن مراكز العلم والحضارة أصبحت هدفاً لهجوم القبائل البربرية؛ إذ أن هؤلاء البرابرة انحدروا من جبال الإلب واستولوا على إيطاليا، وكان من جراء ذلك أن العلوم والفنون ومن ضمنها الطب لم تتوقف عن التقدم فحسب، بل عادت القهقري ثانية، واستولى على الطب السحر والشعوذة والدجل والخرافات، وحلت التمائم والعزائم محل العقاقير والأدوية الطبية مرة أخرى.
ولم يكن انتشار الدين المسيحي واعتناق الناس له بصورة رسمية في روما الشرقية - الامبراطورية البيزنطية) مشجعاً للعلماء إذ أن الكنيسة كانت تعتبر العلم والفلسفة مخالفين للشرع نوعا؛ ما لذلك قامت بسد أبواب المدارس والقضاء على المجامع العلمية واعتبرت العلماء والفلاسفة كفرة مارقين عن الدين. ففي القرن الخامس للميلاد مثلا أغلقت الكنيسة أبواب مدرسة الرها (أوس) وكانت قائمة محل أورفة الحالية - وطردت منها النسطوريين فرحل جماعة منهم إلى إيران والتجأت إليها، وكان لبعضهم فضل كبير في تقدم مدرسة جندي سابور. وكان هؤلاء - النسطوريون من اتباع نسطوريوس أسقف القسطنطنية الذي نفي منها بناء على طلب المجامع الدينية بتهمة الابتداع في الدين، والذي مات حوالي سنة 440 ميلادية بمصر، وتفرق معظم اتباعه وتلاميذه في بلاد سورية وبين النهرين وإيران وعاشوا فيها ونشروا الحضارة اليونانية في أرجائها وفي سائر بلاد الشرق بترجمتهم للمتون اليونانية إلى اللغة السريانية (الأرامية الحديثة) وتأسيسهم المدارس في (الرها) و (نصيبين) وبعض المدن الأخرى، واشتغال بعضهم بتدريس العلوم المختلفة كالرياضيات والفلسفة والطب وغيرها في مدرسة جند يسابور. وفي القرن السادس للميلاد عندما طرد الفلاسفة الوثنيون الأفلاطونية الحديثة من الأسكندرية بناء على أمر الامبراطور جوستنيان الأول واضطهدوا أولى هؤلاء وجوههم نحو بلاد المشرق وانضموا إلى النسطورين. وانضم إليهم كذلك جماعة من اليهود والأقباط ممن كانوا على اطلاع واف على علوم اليونان وقاموا جميعاً بنشر العلوم والمعارف اليونانية ومن جملتها الطب في بلاد الشرق.
هذا مجمل تطور الطب قبل الإسلام ذكرنا مقدمة لما نريد أن نبسط فيه القول فيما بعد. وبعد هذه المقدمة ليس في وسعنا أن نفهم بصورة جلية كيف كانت حالة هذه العلوم عندما اتجه نحوها المسلمون وبأية درجة كانت في متناول أيديهم، وما مبلغ اقتباسهم منها؛ وأخيراً ما هي الخدمات التي أسداها المسلمون لتلك العلوم وكيف أسديت إليها.
(يتبع)