مجلة الرسالة/العدد 773/فلسفة حياة
→ الأعلام | مجلة الرسالة - العدد 773 فلسفة حياة [[مؤلف:|]] |
رسالة الفن ← |
بتاريخ: 26 - 04 - 1948 |
الاعتراف بالعيوب
للأستاذ محمد خليفة التونسي
من العيوب ما يدل الاعتراف به عند الضرورة على شجاعة صاحبه ومعرفته الصادقة بنفسه، ومنها ما يكون إظهاره ضرباً من ضروب القحة، ومظهراً من مظاهر الاستهتار، ولا ضرورة تلجئ الإنسان إلى الاعتراف بهذه العيوب.
والنوع الأول متصل غالباً بطبيعة الإنسان، والنوع الثاني متصل بوقائعه التي سقط فيها وآثامه التي ارتكبها.
وحسب الإنسان بلاء أن يعرف الناس من ضعفه ما لا يقدر على إخفاءه، وألا يزيدهم من كشف عوراته وتقديم الشواهد التي لم يروها حتى أراهم إياها، ولم يطلعوا عليها حتى حدثهم بها.
من المفيد لمن يحاول إصلاح نفسه أن يعرف عيوبها ليسهل عليه علاجها، ومن العبر المفيدة للناس أن يروا أمامهم إنساناً ذا نقائص استطاع أن يبرئ نفسه منها، أو تفوق في حياته عليها ونجح معها، فإن هذه العبر تبعث فيهم التفاؤل فتبعثهم على البحث عن نقائصهم وطلب السلامة منها ومحاولة علاجها بطريقة هذا الإنسان أو بطريقة أخرى تلائمهم.
على أن من القحة والاستهتار، والتمادي في التهتك والفجور أن يذكر الإنسان نقائصه وخطاياه في معرض المباهاة والفخار، أو حباً فيما يسمى الصراحة، بينما هو لا يقصد من وراء ذكرها التغلب عليها، والكشف عن عواقبها الوخيمة، وأن تكون عبرة له أو عبرة لغيره.
وما نفع الناس من أن يعترف لهم إنسان بعيوبه دون مطمع إلا أن يصفوه بالصراحة أو الشجاعة أو الإنصاف ونحو ذلك بينما هو في مأمن منهم مهما صلحت الأحوال بينهم وبينه، إذ لا موثق له ببقائها على صلاحها، فهو - حين يعترف لهم بعيوبه - يكشف عن مقاتله لمن لا يستحيل ولا يستبعد أن يناصبوه العداوة والكيد.
ربما كان أقل ما يبتلى منهم أن يقابلوه بالاشمئزاز والاحتقار، وندر أن يكون فيهم من يقابلون عيوبه بالعطف والرثاء، وأندر من ذلك أن يكون فيهم من يلقاها بالعلاج والإصلاح.
إن لم يكن بد للمريض بداء الكلام من الثرثرة فليثرثر بما ليس من عيوبه، فإن لم يكن له بد من الثرثرة بها فلمن يتيقن لديه علاجها أو الوقاية من عواقبها، فيكون مثله أمامه مثل المريض أمام الطبيب الحاذق الأمين حين يفضي إليه بأوجاعه دون خجل ولا ريبة، فالاعتراف على هذا النحو عون للطبيب على فهم مرضه وتمكين له من إبرائه منه، أو تخفيف آلامه عنه. وفي هذا صلاح له.
فإن لم يجد الإنسان هذا الطبيب الحاذق الأمين ولم يكن له بد من الثرثرة فعليه بمن يترقب عنده مقابلة عيوبه بالفهم والعطف ليحسن له الاعتذار والعزاه، فيمده بالثقة والأمل ويكون مثله عنده مثل الابن عند أبيه المشفق الأمين، يخطئ ابنه فيلقي خطاياه بالحنان والتسلية ولو لم يلقها بالإصلاح والتقويم، وصاحب العيوب في هذين الحالين آمن أن يقابل اعترافه بالاحتقار عند المودة، والاستغلال عند الكريهة. . .
محمد خليفة التونسي