الرئيسيةبحث

مجلة الرسالة/العدد 766/على الأعراف

مجلة الرسالة/العدد 766/على الأعراف

بتاريخ: 08 - 03 - 1948


للأستاذ محمود غنيم

ما للكنانة بعد طول مطافِ ... وقفَتْ سفينتُها على الأعراف؟

ولقد تكشّفت الأمور وأمرها ... داجي الغياهبِ حالكُ الأسداف

قالوا: السلام فقلت: دون سلامكم ... وقع الصوارم والقنا الرعّاف

والله ما ساد السلام بعالم ... حُرِمَ الضعيف به من الإنصاف

إن الذين ولوا السلام قضوا بما ... يدع السلامَ مزعزَعَ الأكناف

حكموا ففاحت من بوادر حكمهم ... ريحُ الدم الفوَّار للمُسْتاف

طرحوا القضية في السِّلالَ فهل تُرَى ... يومَ القيامة يومَ الاستئناف

قل للألى طال التداول بينهم ... ليس الصباح على البصير بخاف

فيم التداول إن قُرصَ الشمس لا ... يحتاج ناظره إلى كشّاف

خدعت بمعسول الوعود ممالكٌ ... لم تجن غير مرارة الإخلاف

هل كان ميثاقُ المحيط روايةً ... وهمية محبوكةَ الأطراف

كشفت قضية مصر ثوب ريائهم ... يا للرياء وثوبه الشفّاف

حلفاؤنا الأحرار لما نكّلوا ... بخصومهم مالوا على الأحلاف

سبعون عاماً في احتلال دائم ... يا للكنانة من سنين عجاف

ضيفٌ ألمّ بها فأصبح ربَّها ... ثم استباح كرامة المضياف

قالوا: استقل النيل والمحتل في ... واديه محمولٌ على الأكتاف

إن الأسار له مذاق واحد ... ولو أنه متعدِّدُ الأوصاف

لسنا بأحرار لعمري ما بدا ... لوجوههم طيف من الأطياف

أبني أبينا في الجنوب تحيةً ... كالزهر كللِّ بالندى الرفاف

في مصر عترتكم وما في غيرها ... من عترة لكموا ولا أسلاف

النيل ألف بيننا بنميره ... كتألف الندمان حول سلاف

أخوا رضاع ليس يفصل بيننا ... في الوضع غير شريعة الإجحاف

لا يخدعنكم الدهاة بزائف ... من قولهم عذب المذاق ز الأجنبي بأرضنا وبأرضكم ... كالغيم في الجوّ الطليق الصافي

إن الذي تبع الدخيل منوَّمٌ ... في الصحو مسلوبُ الإرادة غاف

إن غرّه كرم الدخيل فطالما ... ذُبح الفصيلُ بمدية العلاّف

ضموا الصفوف إلى الصفوف وأرهفوا ... بيضَ العزائم أيَّما إرهاف

إن الأماني كالغوانيَ دأبها ... ألاّ تلينَ لخاملين ضعاف

لا ينفُذُ الحقُّ الصريح بنفسه ... كلا ولا عدل القضاة بكاف

الحقُّ يعوزُهُ مُحقٌّ ساهر ... كالسيف تعوزه يد السيّاف

ولقد تألّبت الخطوب على الحمى ... وبنوه رهنُ تناحر وخلاف

ما ضر لو نسي الجميع نفوسهم ... فيعودَ صفوُ الوُدّ بعد تجاف

شتّى فئاتٍ يهتفون لغاية ... فكأنهم سِفُرٌ بألف غلاف

هتفوا لزيد بالحياة وخالد ... لكن وقفت على الجلاء هتافي

بطل الجلاء سقت ضريحك ديمةٌ ... تسقي الرياض بها طل وكاف

درجت عليك الأربعون ولم تزل ... من كل قلب عالقاً بشغاف

لك سيرة يتلو الشباب فصولها ... كالآي من ياسين والأحقاف

سور ترتّلها فتشعل في الدِّما ... ما تشعل النيران في الألياف

قف بالفلاة وقل: هنا الكنز الذي ... دفنوه بين جنادل وفياف

قف بالفلاة وقل: هنا فردٌ إذا ... قيس الرجال يُقاس بالآلاف

حمل الأمانة وحده فكأنه ... من نفسه في فيلق زحاف

ما ضر أعظمه تواضع قبره ... فالدرّ درّ وهو في الأصداف

يا سيد الشهداء غرسك لم يزل ... نسقيه من دمنا ليوم قطاف

وتراثك الوطنيُّ في دم معشر ... لا واهن عزماً ولا وقاف

نفرٌ من الأشراف أن جدَّ الحي ... في البحث عن نفر من الأشراف

رجعوا إلى أعراقهم فتجمّعوا ... بعد الخلاف تجمع الآلاف

من كل باذل نفسه أو ماله ... للنيل مقتنع بعيش كفاف

ما أنكروا حقاً ولا إن جادلوا ... في باطل لجئوا إلى الإسفاف لا الحكم طأطأ من رسؤسهمو ولا ... لانت قناتهمو لغمز ثقاف

لا تستخف الحادثات حلومَهم ... ويقابلون الموت باستخفاف

قالوا معاهدة الفخار وقلتمو ... داءٌ عضال لا دواء شاف

حتى إذا لاح الصباح لناظر ... شهدوا لكم بإصابة الأهداف

أدركتمو عيب الأمور كأنكم ... تتلونها من صفحة العرّاف

وتزعزع المتزعزعون وأنتمو ... كالطود في عصف الرياح وقاف

ووفيتمو لبلادكم بالعهد في ... زمن يقل به الأمين الوافي

محمود غنيم