الرئيسيةبحث

مجلة الرسالة/العدد 764/الأدب والفن في أسبوع

مجلة الرسالة/العدد 764/الأدب والفن في أسبوع

بتاريخ: 23 - 02 - 1948


نشوء القومية في البلاد العربية:

ألقى الأستاذ ساطع الحصري يوم السبت المحاضرة الخامسة من سلسلة محاضراته بالجمعية الجغرافية الملكية، فتحدث عن (نشوء الفكرة القومية في البلاد العربية حتى الحرب العالمية الأولى).

قال الأستاذ إن البلاد العربية كانت خاضعة للدولة العثمانية باعتبارها دولة إسلامية، وكانت تنظر إليها على أنها حلقة في سلسلة التاريخ الإسلامي، وقد سيطرت الدولة على هذه البلاد بتغلبها على الجنود والحكام، ولم تقاومها الشعوب، باستثناء اليمن لاعتناقها (الزيدية) التي ترى أن يكون الخليفة من آل البيت ومن نسل زيد. وكان المسلمون ينضوون تحت لواء الدولة متجهين إليها سياسياً ودينياً، على خلاف المسيحيين العرب الذين كانت لهم هيئات دينية منفصلة عن الدولة، وكانوا يمجدون الفكرة العربية منفصلة عن الدين؛ وكان هؤلاء المسيحيون ثلاثة طوائف: الأرثوذكس والكاثوليك والبروتستانت، وكان يلي المناصب الدينية بالكنائس الأرثوذكسية الشرقية رجال الدين من اليونان، وكانوا يفرضون اللغة اليونانية في الصلاة وغيرها من شعائر الدين؛ وكذلك كان الرومان واللغة اللاتينية في الكنائس الكاثوليكية الشرقية، وتحدث الأستاذ عن جهود العرب المسيحيين في مقاومة اليونانية واللاتينية في البيئات الدينية حتى استبدلوا بهما اللغة العربية؛ أما البروتستانت فكانوا من الأمريكيين الذين تعلموا اللغة وعملوا على نشر مذهبهم في البلاد العربية بلغتها، وأنشأت الطوائف الثلاث مدارس كانت تهتم باللغة العربية وتعلم بها، على حين كانت مدارس الحكومة تعلم بالتركية ولا تلقى العربية من عنايتها إلا قليلاً.

وفي أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين نشأت تيارات فكرية مختلفة، فالمسيحيون وبعض المستنيرين من المسلمين كانوا يدعون إلى انفصال البلاد العربية عن الدولة العثمانية وكان فريق كبير من المسلمين يعمل على جعل الخلافة عربية، ودعا فريق آخر إلى الإصلاح والاشتراك مع العثمانيين في إدارة دفة الأمور. ثم أعلن الدستور العثماني سنة 1908، فشاركت الأمم العربية الأتراك في السرور بانتهاء حكم الاستبداد، واتجه شعور الجميع نحو التكتل ونسيان الخلافات؛ ولكن ذلك لم يدم طويلاً لأنه كان م نتيجة الحرية بعد إعلان الدستور أن امتدت الأقلام إلى تناول بعض الشخصيات التي كانت مشتركة في الحكم الاستبدادي فكان هذا إلى عوامل أخرى بينها الأستاذ سبباً في الانقسام بين العرب والأتراك، واستمر هذا النزاع إلى أن عقد مؤتمر العرب بباريس وكان من مطالبه جعل التعليم باللغة العربية وإشراك العرب في مناصب الحكم، وحدث في أثناء انعقاد هذا المؤتمر أن اتصل به رسل تركية، وأمكن الوصول إلى الاتفاق تحققت به بعض المطالب العربية وفي جملتها جعل التعليم في بعض المدارس باللغة العربية. على أن هذا الاتفاق لم يقض على المنازعات نهائياً، بل ظلت قائمة حتى نشبت الحرب العالمية الأولى.

وكان الأستاذ قد ذكر السامعين في بدء المحاضرة بما دل عليه تتبع نشوء القوميات في البلاد الأوربية من أن القومية كائن حي روحه اللغة ووعيه التأريخ؛ ويبدو أن الخيط الذي يربط هذه المحاضرة بتلك النظرية هو جهود المسيحيين العرب في مقاومة طغيان اللغات الأجنبية وتمسكهم بالعربية، ثم اهتمام العرب جميعاً باللغة العربية في حركاتهم ومطالبهم السياسية. والمتوقع أن الفكرة ستكون أكثر وضوحاً أو ستصل إلى نتيجتها في المحاضرة القادمة وهي (نشوء الفكرة القومية في البلاد العربية منذ الحرب العالمية الأولى حتى تكون جامعة الدول العربية).

عبث أدبي فني:

الملك بين يديك في إقباله ... عوذت ملكك بالنبي وآله

حر، وأنت الحر في تاريخه ... سمح، وأنت السمح في إقباله

يفديك نصرانيه بصليبه ... والمنتمي لمحمد بهلاله

يجدون دولتك التي سعدوا بها ... من رحمة المولى ومن أفضاله

فاروق جملها وزان بساطها ... عرش يلوذ الشعب تحت ظلاله

وكأن عيدك عيدها لما مشى ... فيها البشير ببشره وجماله

هذه هي الأغنية التي غنتها أم كلثوم ثلاث مرات في يوم عيد ميلاد جلالة الفاروق. وقدمها المذيع بقوله: (عيد الدهر، من شعر أحمد شوقي بك وغناء أم كلثوم) ولاشك أن المستمعين دهشوا. . . فما عيد الدهر؟ وما خطب شوقي؟ وما غَناء ذلك في الميلاد الملكي؟.

أنشأ شوقي قصيدة (عيد الدهر) منذ قرابة أربعين عاماً، منح بها الخليفة العثماني محمد رشاد الخامس، وأشاد فيها بمدينة الآستانة. وقد أخذت من هذه القصيدة الأبيات السابقة التي غنتها أم كلثوم، وليست كل هذه الأبيات من تلك القصيدة، ففيها بيت وربع بيت من نظم غير شوقي، وبيان هذا كما يلي:

أخذ من القصيدة أربعة أبيات بنصها، ثم قصد إلى بيت في القصيدة يعبر فيه الشاعر عن ولوعه بالآستانة، وهو:

في كل عام أنت نزهة روحه ... ونعيم مهجته وراحة باله

فحُذف قوله: (في كل عام أنت) ووضع مكانه: (يا جنة الوادي) وجيء بعد هذه (العملية) ببيت (من الخارج) ثم ختمت الأغنية ببيت من أصل القصيدة وهو: (وكأن عيدك الخ).

ولاشك أنك - وقد علمت كيف تم (إخراج) هذه الأغنية - قد تحولت دهشتك إلى العجب من هذا الصنيع والسؤال عن الحكمة في هذا التحوير والتبديل! أليس هناك غير شعر شوقي؟ لقد فاضت قرائح الشعراء ليلة ميلاد الملك، وما زالت القرائح تفيض مستمدة من معين حبه، أفما كان يغني بعض شعرهم عن هذا الموقف المخجل أمام التاريخ!

وبعد فنحن أمام طريقة جديدة أصدق ما توصف به أنها عبث أدبي فني. وما كان يليق أن يقع ذلك في هذه المناسبة السامية.

الخطابة في مهرجان الشباب:

دعت الإدارة العامة للثقافة بوزارة المعارف يوم الثلاثاء لفيفاً من الصحفيين والأدباء إلى حفل أقامته بإدارة خدمة الشباب لاختبار المتقدمين إلى مباراة الخطابة، وهي إحدى مباريات المهرجان الأدبي والفني الذي تنظمه الإدارة لمناسبة عيد الميلاد الملكي.

انعقدت لجنة التحكيم، وهي مكونة من الأستاذ العقاد والأستاذ توفيق دياب والأستاذ توفيق الحكيم والدكتور إبراهيم ناجي والدكتور محمد صلاح الدين، وقبل أن تبدأ في الاختبار وقف الأستاذ محمد فريد أبو حديد بك المدير العام للثقافة بوزارة المعارف، وألقى كلمة تحدث فيها عن قلق الشباب وحيرته وعام يدل عليه هذا القلق من الحيوية والاستعداد، ووجوب استغلاله في التوجيه والإرشاد. وقال إننا نريد بهذا المهرجان وغيره أن نكشف مواهب الشباب لنشجعها وننميها، وأشار إلى ما تعتزمه الإدارة من إنشاء نواد صيفية للشباب تتوافر فيها الوسائل المختلفة لتنمية المواهب الأدبية والفنية وغير ذلك مما يستغل فيه وقت الفراغ استغلالاً نافعاً.

وتكلم الأستاذ توفيق دياب فقال إنه يلاحظ أن الحياة الثقافية عندنا تنقصها الروح والتشبع بالفكرة، وأننا نماثل الأمم الكبيرة في ضخامة الأبنية وفخامة المظاهر فقط دون أن يكون لدينا شعور قوي برسالة نؤديها، رسالة حاضرة يؤديها الأستاذ، ورسالة للمستقبل يستعد لها الطالب.

وقال الدكتور إبراهيم ناجي إنه وصل من دراسته النفسية لشبابنا أنهم مصابون بمرضين نفسيين: الأول تصيد الأمور وعدم فهم حقائق الأشياء، فكثيرون منهم يتصدون لقرض الشعر وكتابة القصة مثلاً، دون أن يعرفوا ما هو الشعر، ودون أن يقفوا على دقائق فن القصة. والمرض الثاني هو عدم وجود الأهداف أو تعددها، فإما أن لا يكون لهم هدف، أو يريد الواحد منهم أن يكون كل شئ.

ثم شرعت اللجنة في عملها، فأبلغت المتبارين موضوع الخطابة وهو هذا البيت:

من يهن يسهل الهوان عليه ... ما لجرح بميت إيلام

ووزعت الدرجات على النواحي الثلاث التي يقدر فيها الخطيب وهي التفكير والأداء والتأثير. ثم تعاقب الأدباء من الشباب وكان الزمن المعين لكل منهم عشر دقائق. وكانوا خمسة عشر شاباً، بينهم فتاة واحدة، هي الآنسة عزيزة توفيق (وأخصها بالتسمية لأن الرجل لم ينل بعد المساواة بالمرأة!) ولا أريد أن أتعرض بالحكم عليها أو على غيرها من المتبارين، فالأمر للمحكمين وحدهم، أو - كما يقول زملاؤنا الصحفيون - بين يدي القضاة. . . ولكن لا أرى بأساً في بعض الملاحظات العامة

1 - المفروض أن الخطيب إنما يخطب جمهوراً في أمر يهمهم أو قضية تشغل بالهم، فيعالج المسألة معالجة خطابية، ليؤثر فيهم ويوجههم إلى ما يريد، وطبعاً لا يكون ذلك حقيقة في المباراة بل يتمثله فيها الخطيب، وهل يقع في الحياة أن جمهوراً يشغل باله موضوع حكمة عامة ويتهيأ لأن يخطبه أحد فيها؟.

2 - لذلك لاحظت أن أكثر الخطباء اتخذ القضية العربية والقضية المصرية موضوعاً لتطبيق هذه الحكمة وقصر كلامه عليها، على ما في ذلك من بعد عما تصدق عليه وهو الأفراد، أما الأمم فكثير منها يهون ولكن لا يسهل الهوان عليه، لأنه يتحفز ويتحين الفرصة لنيل حريته.

3 - انتهز أحد الخطباء الفرصة ووجه الكلام إلى المحكمين باعتبارهم من قادة الفكر، وقال لهم: دعونا من هذه المسابقة، ماذا فعلتم لعزة البلاد ودفع الهوان عنها؟ وهكذا قلب الوضع فأراد أن يمتحن الممتحنين. . ولكنها فورة الشباب. .

هذا وسيختار من هؤلاء المتبارين في الخطابة أربعة يمنحون جوائز، ويلقي الفائز الأول خطبة في المهرجان العام الذي سيقام في يوم 27 فبراير الحالي.

رقاعة فرنسية:

بعث إلى (المصري) مراسلها من باريس، بحيث جرى بينه وبين وزير الشؤون الإسلامية في الوزارة الفرنسية الجديدة؛ وقد تناول هذا الحديث موضوعاً اتجهت إليه أخيراً الإدارة الثقافة بالجامعة العربية، وهو أن يشمل التعاون الثقافي العربي البلاد المغربية. سأل المراسل الوزير الفرنسي: هل للجاعة العربية أن تحصل على موافقة فرنسا إذا عرضت عليها إرسال مندوبين فرنسيين وجزائريين ومراكشيين إلى القاهرة لتمثيل هذه البلاد في اللجنة الثقافية للجامعة العربية كما وافق فرانكو على إرسال مندوب عن مراكش الإسبانية في هذه اللجنة؟ فقال الوزير الفرنسي في إجابته: (أحب أن أقول لك أنه إذا ثبت قطعاً أن هذه اللجنة تعمل في نطاق ثقافي وروحي فقط فليس مستحيلاً أن تنفذ وزارة الشئون الإسلامية اقتراحك هذا).

ومن المحقق أنه لن يثبت قطعاً ولا من غير قطع أن لجنة الثقافة بالجامعة العربية تعمل في النطاق الثقافي الروحي الذي تريده فرنسا! كما أنه من المحقق أن الشعوب المغلوبة على أمرها لا يمكن أن تفصل بين الثقافة والسياسة إلا على أيدي الممالئين لغالبيها، والثقافة التي لا تبعث شعور الحرية وتغذيه إنما هي ثقافة العبيد.

وإذن فلن توافق فرنسا على إرسال مندوبين يمثلون البلاد المنكوبة بها في تنظيم التعاون الثقافي العربي. وإذا فرض أنه ثبت قطعاً. . الخ، فماذا تفعل فرنسا؟ تقول: ليس مستحيلاً أن تنفذ الاقتراح!

ومن الغريب مع هذا أن ينوه ذلك الوزير في حديثه بالعلاقات الثقافية بين فرنسا ومصر، فيشير بتبادل المحاضرين بين البلدين. . . إلى آخر هذا الكلام المعروف المحلول.

ومعنى كل ذلك أن فرنسا تريد أن توطد علاقاتها الثقافية بمصر التي تجمعها بالمغرب فكرة الوطن العربي الأكبر، وتعمل في الوقت نفسه على توطيد استعمارها للمغرب بقطع صلته الثقافية الطليقة في المشرق، ولها أنشأت (وزارة الشؤون الإسلامية) التي تقابل عند الإنجليز (وزارة المستعمرات البريطانية) مع فرق واحد هو انعدام الحياء في التسمية الفرنسية!

وبعد فانظر إلى تسمية هذه الوزارة، وأضف إليها ما انطوت عليه إجابة وزيرها، وخذ أيضاً تقطيع العلاقة الثقافية بين بلاد متحدة في الثقافة والدعوة أو الدعاية لتوطيدها مع جزء من هذه البلاد - ثم انظر ماذا نصنع بكلمة (الرقاعة) إن لم نضعها هنا.

العباس