الرئيسيةبحث

مجلة الرسالة/العدد 763/الأدب والفن في أسبوع

مجلة الرسالة/العدد 763/الأدب والفن في أسبوع

بتاريخ: 16 - 02 - 1948


نشوء القومية عند الأتراك:

كانت المحاضرات الثلاثة السابقة التي ألقاها الأستاذ ساطع الحصري بالجمعية الجغرافية الملكية في نشوء فكرة القومية في أوربا، وقد انتقل إلى الشرق في المحاضرة الرابعة التي ألقاها يوم السبت، فتحد عن (نشوء فكرة القومية عند الأتراك - التيارات اللغوية والتاريخية التي رافقتها وساعدتها) فقال إن الدولة العثمانية كانت في أول أمرها تتجه إلى الفكرة الإسلامية العامة وخاصة بعد أن تم لها فتح مصر وانتقلت إليها الخلافة الإسلامية، وفي الربع الأخير من القرن التاسع عشر كانت الأفكار الوطنية قد امتدت إليها من أوربا ولكنها أخذت صبغة إسلامية، فكان الأدباء والشعراء يتحدثون عن الوطنية والقومية متجهين نحو التاريخ الإسلامي والعواطف الدينية، وتطورت الأفكار بعد ذلك حتى أخذت فكرة القومية وضعها الأخير. وبيان ذلك أن هذا التطور قام على نواح ثلاث: اللغة التاريخ والسياسة؛ أما من حيث اللغة فقد كان هناك لغتان: لغة الأدب الراقي، ولغة الأدب الشعبي، وكانت الأولى خليطاً من التركية والعربية والفارسية في الألفاظ والتراكيب والقواعد وأوزان الشعر، وكانت لغة شعراء القصور الذين هم عماد الحياة الأدبية الراقية، أما لغة الشعبيين فكانت تركية بحتة ولها أوزان عامية ليس فيها شئ من العربية. وحدث في أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين أن ظهرت دعوات إلى التجديد في اللغة والأدب، ونشأت مذاهب في ذلك، بعضها - وهو المعتدل - يدعو إلى بقاء الألفاظ العربية والفارسية التي سارت على الألسنة مع التزام القواعد التركية ونبذ القواعد العربية والفارسية كالإضافة والنسب وغيرهما، ودعا بعض المذاهب إلى التخلص من كل ما هو أجنبي في اللغة والأدب، ونظم الشعراء المجددون على الأوزان العامية. وقد اشتجرت الأقلام في هذا الميدان، حتى انتهى الأمر أخيراً إلى تغلب اللغة التركية، فهجرت الأوزان والقواعد العربية والفارسية، واصطبغت الأخيلة بالألوان الأوربية والآداب الشعبية؛ أما الألفاظ فقد بقي كثير منها حتى تغيرت حروف الكتابة، فتغير نطق الكلمات العربية وهيآنها تبعاً لتغير الحروف.

وأما التاريخ فقد كانت الدولة العثمانية تسير فيه على العناية بالتاريخ الإسلامي وعدم الالتفات إلى التاريخ التركي قبل الإسلام ولكن لما اتجهت الأنظار نحو القومية التركية تغير الاتجاه في الدراسة التاريخية، فأخذ تاريخ الترك قبل الإسلام مكانه في التاريخ الإسلامي، وتغير نظر الأتراك إلى بعض الشخصيات التركية التي كانت تذكر في التاريخ باللعن والسخط.

وبذلك سايرت اللغة والتاريخ فكرة القومية في تركيا، فأثرا فيها، وأثرت فيهما. وقد أدى كل ذلك إلى نشوء الشعور الوطني وحدوث التطور السياسي الذي جاء بعده التجديد في اللغة والتاريخ. وبدأ العمل السياسي في أوائل القرن العشرين خارج تركيا. وذلك أن الدعاة إلى الأفكار السياسية هاجروا إلى بعض البلاد كمصر وسويسرا، ونشروا فيها أفكارهم بوساطة الصحف وإرسال المنشورات السرية إلى البلاد التركية، وكانت الآراء السياسية مختلفة، فجماعة يدعون إلى الوحدة الإسلامية، وآخرون يدعون إلى العثمانية، وفريق ثالث يعتنق الفكرة التركية البحتة.

ولما أعلن الدستور في تركيا ظهرت الدعوات في داخل البلاد، وأخذ كل فريق يؤيد رأيه، وتعاقبت الحوادث، ففصلت بين هذه الآراء بحكمها.

وختم الأستاذ المحاضرة بأن كل ذلك يدل على أثر اللغة والتاريخ في الفكرة القومية عند الأتراك، وأن هذا يؤيد ما ذهب إليه في المحاضرات السابقة من أن القومية كائن حي روحه اللغة ووعيه التاريخ، وقال إنه سيبين ذلك أيضاً في نشوء الفكرة القومية في البلاد العربية، بالمحضرتين الآتيتين.

نشيد الجامعة العربية:

في أوائل العام الماضي أعلنت الجامعة العربية عن مباراة لوضع نشيد للجامعة العربية. ولما دنا الموعد المحدد لقبول الأناشيد نظرت فيما تجمع لديها، فلم تجد فيه ما يصلح، فأفسحت الوقت وأمدت الأجل، ثم ألفت لجنة للفحص. وانتهى الأجل الممدود وفحصت اللجنة الأناشيد المقدمة، فلم تجد بينها ما يصلح اتخاذه نشيداً للجامعة. ومما يذكر أنه لم يتقدم إليها أحد من الشعراء المعروفين، ورأت اللجنة أن تجيز أحسن ما قدم، فاختارت نشيدين عهدت بأحدهما إلى المعهد العالي للتمثيل والموسيقى، وبالثاني إلى الجامعة الشعبية، على نحو ما ذكرت قبل الآن. وقام المعهدان بالتلحين والإلقاء، وحضرت اللجنة الثقافية بالجامعة العربية التجربة في كل من المعهدين؛ واستقر الرأي بعد ذلك على عدم صلاحية أي النشيدين ليكون نشيداً للجامعة العربية. ورئي بعد ذلك أن يظل الباب مفتوحاً للراغبين في نظم الأناشيد ليتسنى اختيار أحدها واعتباره نشيداً رسمياً للجامعة العربية.

قلت في مناسبة سابقة إن طريقة المسابقات للحصول على إنتاج أدبي لغرض ما - طريقة أصبحت غير مجدية، لأن المعتزين بأنفسهم من ذوي الكفايات يأنفون من دخولها بغض النظر عما يبديه الساخطون من عدم الثقة بالمحكمين، وأشرت وقت ذاك بأن يطلب ما يراد ممن تعرف مقدرتهم فيه. وكان (البسام) الذي يحلو له أن يعاكسني في الاسم غير مكتف بمعاكستي في بعض ما أرى - قد كتب إليّ يقول: (قد يكون الذي يطلب منه أن يضع نشيداً شاعراً عبقرياً ولكنه لا يحسن الأناشيد أو لا يميل بطبعه إلى نظمها فكيف يطلب منه ما لا يحسنه أو لا يوافق طبعه؟) وليس عندي دفع لهذا الاعتراض وإن كنت أحتفظ برأيي للتجريب على الأقل، فهل تأخذ به الجامعة العربية فتعهد إلى من تأنس فيهم القدرة بوضع أناشيد كما صنعت مع من يضع لها معجم البلدان العربية؟ أو تأخذ برأي (البسام) فتسكت حتى يفتح الله على من يضع لها النشيد المطلوب؟ وإني أسبق (البسام) فأقول قبل أن يكتب إلى: هذا نشيد الجهاد لفلسطين، تقدم به الأستاذ حسن أحمد باكثير، من غير مسابقة، فاستحسن ونجح قسم الموسيقى بالجامعة الشعبية في تلحينه وأدائه. فهل يصنع مثل هذا غيره من المجيين المتحرجين من التسابق؟

قواعد جديدة للإملاء:

وضعت لجنة الإملاء بمجمع فؤاد الأول للغة العربية، مشروعاً يتضمن قواعد جديدة للإملاء، وقد مهد له ببيان الحافز على هذا العمل وهو تسهيل الكتابة على المبتدئين ومتعلمي العربية من غير أهلها والقضاء على اختلاف الكتابة بين الأفراد وبين الأمم العربية الناشئ عن اختلاف العلماء في قواعد رسم الحروف، وذكرت أن أساس مشروعها أن تطابق الكتابة النطق.

والقواعد التي تضمنها هذا المشروع هي كما يلي:

1 - كل ما ينطق به يرسم في الإملاء، إلا كلمة (الله).

2 - كل ما لا ينطق به لا يرسم، إلا همزة الوصل، وإلا لام (أل) الشمسية.

3 - الهمزة في أول الكلمة ترسم على ألف مطلقاً، المضمومة والمفتوحة فوقها والمكسورة تحتها.

4 - الهمزة المتحركة متوسطة ومتطرفة تكتب على حرف مناسب لحركتها، ويستثنى من ذلك الهمزة إذا كانت متطرفة وقبلها ألف فتكتب مفردة.

5 - الهمزة الساكنة متوسطة ومتطرفة ترسم على حرف مناسب لحركة ما قبلها.

6 - الألف اللينة يرى بعض أعضاء اللجنة أن ترسم ألفاً مطلقاً، ويستثني بعضهم على وإلى وحتى وبلى ومتى وأنى.

7 - كل كلمتين اجتمعتا تكتب كل منهما منفصلة عن الأخرى، إلا إذا كانت الكلمة الأولى (أل) أو كانت كلتا الكلمتين أو إحداهما على حرف واحد، وإذا حصل بين الكلمتين إدغام كتبتا كلمة واحدة على حسب النطق.

8 - يرسم التنوين ألفاً في حالة النصب، إلا المختوم بالتاء المربوطة.

وقد نظر مؤتمر المجتمع في هذا المشروع، فرأى أن يستمر مجلس المجمع في بحثه ومقارنته بالقواعد الإملائية التي أوصى بها المؤتمر الثقافي العربي الأول، ثم تعرض النتيجة على مؤتمر المجمع في السنة الآتية.

وقد قارنت بين هذه القواعد وبين قواعد المؤتمر الثقافي فلم أجد بينهما إلا اختلافاً يسيراً جداً. وقد فرغ المؤتمر الثقافي من تقرير قواعده مع كثير غيرها في بضعة أيام. فما الداعي إلى إرجاء هذا الموضوع، اليسير في مادته الكبير في أثره، إلى السنة القادمة؟ أهي طبيعة المجمع تلازمه في كل أمر وإن هان؟

سياسة تشجيع التمثيل:

دعت نقابة ممثلي المسرح والسينما لسماع محاضرة الدكتور محمد صلاح الدين بك في: (سياسة تشجيع التمثيل) يوم الاثنين، وقد بدأ يذكر الآساس التي تقوم عليها رعاية الحكومة لهذا الفن، فقال: إنها تبدو في نواح أربع، هي الفرقة المصرية للتمثيل، والفرق المدرسية، والمسرح الشعبي. وأسهب في الكلام على الفرقة المصرية، ومن أهم ما أفاض فيه كيفية اختيار الروايات. فقال: إن هناك لجنة لهذا الاختيار اسمها: لجنة القراءة (والمحاضر عضو فيها) مهمتها بطبيعة الحال اختيار الرواية الصالحة للتمثيل. ولاشك أن الروايات الغربية تتوافر فيها العناصر الفنية، وهي وإن كان يجب تقديم بعضها ولاسيما العالي منها، إلا أنه لابد من رعاية الجانب المحلي في التأليف بتقديم روايات مصرية. ولكن الواقع أن المسرح لا يجد ما يصلح من هذا النوع إلا قليلاً؛ لأن كبار الأدباء عازفون عن التأليف للمسرح، إما ترفعاً عنه، أو لعدم الميل إليه، أو لقلة ما يتوقع من كسبه بالنسبة إلى ما يكسبونه من تأليف الكتب. وقد جربت طريقة المسابقات فلم تؤد إلى نتيجة طيبة؛ لأن الكبار يأنفون الدخول فيها، وما قدم لم يلف صالحاً؛ حتى إنه في إحدى المسابقات رأت اللجنة عدم استحقاق أي رواية مما قدم إليها لأي جائزة، وفي المسابقة الأخيرة أعلنت اللجنة أنها ستمنح الجوائز للأحسن، ومنحت فعلاً الجوائز لخير ما قدم وإن كان لا يصلح للتمثيل. فرأت اللجنة علاجاً لهذه الحال أن تطلب زيادة المبلغ المخصص لتشجيع التمثيل، حتى تستطيع أن تغري كبار المؤلفين بأجور ترضيهم. ولكن وزارة المالية لم توافق على هذه الزيادة. وهنا ذكر المحاضر رأياً للدكتور هيكل باشا أفضى إليه به، وكان يحدثه في هذا الموضوع، وهو أن تذكر اللجنة في طلبها أسماء المؤلفين الذين ستطلب منهم تأليف روايات لمواجهة النقص البادي في التأليف المسرحي، وتحدد العمل والأجر، فإذا تم ذلك فستوافق المالية.

ومن أهم ما ذكره المحاضر أيضاً: مسألة (الاعتمادات) المخصصة لتشجيع التمثيل، قال: إن الجهود الفردية في المسرح لا تستطيع أن تستمر وحدها من حيث المال. لأن المسرح ليس له جمهور يكفيه من هذه الناحية فلابد من إعانة الحكومة وهناك عدة نواح تتطلب هذه الإعانة لتشجيع التأليف وتكبير الفرق المصرية منافسة يستفيد منها الفن. ولكن المبلغ المخصص لذلك هو ثلاثة عشر ألف جنيه، لا يكفي، وقد فكرنا في تحويل بعض الإعانة التي تبذلها الحكومة للفرق الأجنبية ومقدارها أربعة عشر ألف جنيه إلى التمثيل المحلي، وذلك بالاكتفاء ببعض هذه الفرق، مع ما في ذلك من إفساح المجال للفرق المصرية على مسرح الأوبرا.

وقد عقب الأستاذ يوسف وهبي بك، بأن المحاضر لم يتناول في محاضرته مسألة إيجاد المسارح اللازمة للعمل، والواقع أن القاهرة ليس فيها مسرح يصلح للتمثيل غير مسرح الأوبرا الذي تحتله الفرق الأجنبية جزءاً كبيراً من العام. أما مسرح الأزبكية الذي تمثل في الفرقة المصرية عندما تضطرها إليه الفرق الأجنبية فهو غير صالح من الوجهة الفنية.

وقال يوسف بك إنه يجب أن تحول إعانة الفرق الأجنبية كلها إلى التمثيل المصري، فليس من الجائز أن يأكل الضيف كل ما في البيت والعيال والزوجة جائعون.

وعلى أثر ذلك صعد الأستاذ محمد الشريف فأعلن أن لجنة الشئون الاجتماعية بمجلس النواب وافقت على إنشاء مسرحين بالقاهرة، أحدهما صيفي والآخر شتوي.

والملاحظ أن كل هذه الأفكار والاتجاهات الطيبة ليس فيها شئ انتهى الأمر فيه إلى التنفيذ، فما هي إلا أمان ومقترحات. والملاحظ أيضاً أن الدولة لم تقدم بعد على عمل شئ لإنقاذ هذا الفن الجميل في مصر. والغريب أنك ترى مما تقدم أن ما تعان به الفرق الأجنبية أكثر مما يناله التمثيل المحلي، مع أن الأولى تلاقي رواجاً كبيراً من جانب جمهورها الذي يتألف من الأجانب وبعض الأثرياء، وهي تقتضيهم أجوراً مرتفعة، مما لا حاجة معه إلى إعانة الدولة، وإن لم يكفها جمهورها فلتذهب إلى جهنم.

العباسي