مجلة الرسالة/العدد 759/في السياسة المغربية
→ عقدة منحلة! | مجلة الرسالة - العدد 759 في السياسة المغربية [[مؤلف:|]] |
مسابقة الفلسفة لطلاب السنة التوجيهية (1، 2) ← |
بتاريخ: 19 - 01 - 1948 |
للأستاذ محمد العربي العلمي
كبت الأستاذ محمود شاكر في العدد (758) مقالا بعنوان (لا تملوا) تناول فيه قضية الاستعمار الفرنسي في المغرب من بعض جوانبها، فلم يتعمق البحث، ولم يستقص الوقائع، ولم يتبع المقدمات إلى نتائجها، فأدى به ذلك إلى بعض ما لا تحمد عاقبته وأثره في الوطنيين من أهل المغرب، على حين انهم زعماءهم وأهل الرأي فيهم بالسفه والغفلة والتخاذل والتهاون في حقوق البلاد، أو ما يشبه ذلك من أنواع التهم ليخلص من ذلك إلى الإشادة برجل أو رجال من أهل المغرب اثروا البقاء في مصر مختارين فسماهم بذلك مجاهدين وأبطالا وقادة، حينما رمى غيرهم من زعماء المغرب بما رمى من أنواع التهم لأنهم اثروا أن يبقوا في مجال المعركة بين مواطنيهم يشدون عزائمهم ويقودونهم للكفاح وقد كنت ممن تعرض لهم الأستاذ شاكر في مقاله فحق لي بهذه الصفة أن أصحح بعض الوقائع التي ألقيت إليه فحكاها في مقاله بلا تحقيق ولا روية.
ولست أتهم الأستاذ شاكرا في عروبته ووطنيته وحذقه، ولكنه قد رضى أن يدخل في قضية ليس في يده من أسبابها إلا حديث ألقى إليه فاعتقده كل الحق واغفل ما وراءه من أسباب العلم إذ كان محدثه صديقا غير متهم عنده بالهوى.
وللأستاذ شاكر موقف مثل هذا في قضية المغرب نفسها منذ سنين وقد راجع فيه اليوم نفسه؛ فقد كتب في مجلة المقتطف منذ بضع عشرة سنة مقالا ضافيا يمجد فيه الشيخ عبد الحي ويصفه بما لم يوصف به الصديقون والشهداء والصالحون، والشيخ يومئذ وإلى اليوم شوكة دامية في جنوب الوطنيين. وقد عزف ذلك الأستاذ شاكر اليوم عن الزاهد العابد المحدث الراوية الذي وصفه بما وصف منذ بضع عشرة سنة بلا تحقيق ولا روية؛ ثم انكشف له باطنه وقد كان حسبه هذا مثالا يحمله على ضرورة التروي قبل أن يكتب مقاله الأخير يصف به من يصف من المجاهدين بالغفلة والضعف ليضفي صفات البطولة والمجد على القاعدين المترفين
ويتحدث الأستاذ شاكر في مقاله عن حزب الشورى والاستقلالبالمغرب فيزعم انه حزب بلا شعب لأنه رئيس ونائبه بلا أعضاء ولا أنصار، إذ الأعضاء والأنصار والشع كله لا يستمعون إلا لرأي الزعماء القاعدين في القاهرة؛ وهو يزعم إلى ذلك أن الزعيم محمد بن حسن الوازني الذي يقود قضية المغرب اليوم كان في سالف أيامه تبعا من اتباع هؤلاء القاعدين ثم الشعب وانشعب وانشأ حزبه. ويزعم أن حزب الاستقلال الذي يرأسه علال الفاسي في القاهرة. هو الذي يمثل الرأي الحق حين ينادي من القاهرة بان لا مفاوضة إلا بعد الجلاء والاستقلال وإنه صاحب رأي المغاربة لا يبرم أمر دونه ويزعم أن زعماء تونس والجزائر وممثليهم في القاهرة يرون رأي علال الفاسي في القعود وعدم المفاوضة.
يزعم هذا وغيره، وقد قلت أن ما ألقى إليه من ذلك غير الحق، وأن الحديث عن هذه المزاعم من شانه أن يفتح للقول أبوابا لعلها أن تفسد بين زعماء المغاربة وتضر قضية المغرب اكثر مما يفسد حديث المفاوضات وما يتوقع من منافسات الانتخاب وغير ذلك مما استوحاه الكاتب من الجو المصري الذي يعيش فيه غير متفطن إلى انه يتحدث عن بلاد لم يرها وليس له من أسباب العلم بها وبأهلها إلا القليل أو ما دون القليل.
أما زعمه أن حزب الشورى والاستقلال لا شعب له ولا أنصار فلست أستطيع أن أرد عليه رأيه في ذلك ما دام بعيدا عن البلاد؛ وهي على كل حال قضية حزبية ليس من حسن الرأي أن يشتغل بها قراء الرسالة، إذ كان البرهان العملي فيها في المغرب نفسه لا على صفحات جرائد القاهرة. وثمة برهان عملي آخر على مكانة حزب الشورى في المغرب هو ما بذل من تضحيات، وما لقي رئيسه وأعضاءه من نفي وتشريد، وما زهق من أرواح مجاهدين تحت سياط الفرنسيين في صحراء المغرب ولم يرجع آخر أعضائه من المنافي والسجون منذ سنة 1937 إلا في سنة 1946. ولو علم الكاتب أن المعاهد العلمية الوطنية التي أنشأها هذا الحزب (مضافة إلى أنواع الجهاد الوطني) تضم في مختلف بلاد المغرب اكثر من 35 ألف تلميذ لعرف ما في اتهامه لهذا الحزب من التجني والجحود.
أما أن حزب علال الفاسي يرى أن لا مفاوضة إلا بعد الجلاء يفاوض الفرنسيين في العام الماضي، ومضى في هذه المحاولة خطوات واتصل ما بينه وبين المقيم الفرنسي السابق قبل أن يأخذ حزب الشورى في مباحثاته الجارية، ولسنا بهذا ننكر على علال أو غيره محاولته وإنما نريد أن فكرة لا مفاوضة هذه إنما نشأت منذ قريب لأسباب لا أجد داعيا لاشتغال قراء الرسالة بها.
وحزب الشورى وإن كان يمثل الأكثرية في المغرب لا يريد أن يقطع السبيل على أحد من المجاهدين أو يبرم رأيا لا تقتضيه البلاد ملكا وشعبا. وإذا كان هناك من ينبغي أن ترجع إليه الصحف المصرية في قضية مراكش فهو الأمير عبد الكريم الرجل الذي لا يدفع أحد في الشرق ولا في المغرب زعامته وإخلاصه ووطنيته التي ترتفع فوق الأهواء الحزبية المضللة. ولعلى لا أكون فضوليا أن زعمت أن الذين ذكرهم الأستاذ شاكر من زعماء تونس والجزائر ليسوا معه على الرأي الذي نسب إليهم. وارى من حقي بعد ذلك على الرسالة وقرائها وعلى الأستاذ شاكر نفسه وهو عندي ارفع منزلة مما وضع نفسه أن أبين له ولهم أن إفحام المثقفين من قراء الرسالة في قضية حزبية كهذه القضية التي نحن بصددها ليس من مصلحة المغرب ولا من مصلحة العرب، وليس فيه شئ من الحكمة وأصالة الرأي وبخاصة في هذا الوقت الذي اجتمعت فيه أحزاب المغرب جميعا على رأي مشترك وهدف موحد في لجنة التحرير التي أنشئت بالقاهرة منذ أيام بحسن راس سمو الأمير المجاهد محمد بن عبد الكريم وبرياسته، فقد كان الأمل أن يحرث أبناء العروبة جميعا على تدعيم هذا الائتلاف الوطني المغربي الذي تمثله هذه الهيئة الناشئة لا أن يحاول كاتب ذو مكانة مثل الأستاذ شاكر أن يجعل فيه ثلمة ويلقى حوله بذرة من بذور الشقاق.
أما حديث المفاوضة قبل الجلاء أو بعد الجلاء فأننا نأمل أن لا يتأثر إخواننا في مصر بالجو الذي يعيشون فيه حين يعرضون للحديث عنه وعن قضايا بلاد لا يعرفون على وجه التدقيق ولا التقريب عن جوها السياسي شيئا. وحسبي هذا التلميح دون التصريح خدمة لقضية المغرب العربي. وأحب أن أؤكد للأستاذ شاكر أن ما يجري الآن إنما هو مخابرات، وانه لن يدخل في أية مفاوضة إلا بعد إعلان استقلال البلاد.
محمد العربي العلمي