الرئيسيةبحث

مجلة الرسالة/العدد 759/الأدب والفن في أسبوع

مجلة الرسالة/العدد 759/الأدب والفن في أسبوع

مجلة الرسالة - العدد 759
الأدب والفن في أسبوع
[[مؤلف:|]]
بتاريخ: 19 - 01 - 1948


الأديب والسياسة:

هذا عنوان المحاضرة التي ألقاها الدكتور طه حسين بك في مساء يوم الاثنين بقاعة الليسيه فرنسيه، وقد بدأ بالتساؤل عن معنى الأدب والسياسة، فانتهى إلى الكلام لا يكون أدبا إلا إذا زيد فيه على تأدية المعاني العادية الإمتاع الفني الذي يتحقق في المعنى واللفظ وطريقة الأداء حين يريد الأديب أن يؤثر في النفوس ويثير فيها العواطف المختلفة، كما انتهى إلى أن السياسة اعم مما يفهم منها حين يراد بها العلاقة بين الحكومة والشعب، أو بين البرلمان والحكومة وحين يراد بها النزاع بين الأحزاب على الحكم ونظمه لان السياسة تشمل شئون الشعب من حيث علاقات أفراده وجماعاته وطبقاته بعضها ببعض كما تشمل علاقة الشعب بالشعوب الأخرى في شتى نواحي الحياة، أي إنها تشمل الحياة الاجتماعية كلها. وقال الدكتور: أن هذا هو المعنى الذي افهمه للسياسة حين أتحدث إليكم في العلاقة بين الأديب والسياسة.

وعلى هذا الوضع نستطيع أن نتبين هل يمكن للأديب أن يعيش في عزلة عن المجتمع؟ أن ذلك لا يمكن لأن الأدب ظاهرة اجتماعية والأديب أداة اجتماعية لا يستطيع أن يعيش بنفسه ولنفسه، ساق حياة المعري مثلا على العزلة الظاهرية التي تدل على عدم إمكان الانقطاع عن حياة الناس؛ لأنه لزم داره حقا، ولكنه أنشأ أدبه في شئون الناس؛ ينتقد حياتهم ويسفه اراءهم؛ فاعتزال الأديب غير ممكن، وما مسالة البرج العاجي غير خداع وأوهام. وقال انه عرف بعض الأدباء الذين يزعمون انهم يعتصمون بالبرج العاجي من المصريين وغير المصريين فلم ير أحداً اشد منهم تهالكا على نشر آدابهم وحرصا على رضا الناس عنهم وخوفا من سخطهم على إنتاجهم.

فلندع إذن هذه المسالة الوهمية لننظر فيما يضطلع به الأديب؛ فهو أما أن يكون مترفا في أدبه يخلص من مشاغل الحياة إلى إمتاع العقل والقلب بفن رفيع وهذا الحقيقة لا يتجنب مسائل الحياة، وإنما يعالجها على نحو لا يدركه إلا الخاصة، أو يكون الترف بالتلهية والتسلية كالذي يقصر الوقت بين الاستلقاء على الفرش والاستغراق في النوم، أو يعمد الأدب إلى جد الحياة فيشارك في التوجيه والتثقيف وبصور الآلام والآمال.

والأديب على كل حال من هذه الأحوال فرد في المجتمع يعمل كل يعمل أفراده ويتحمل نصيبا من التبعات قل أو كثر حتى أديب التسلية فانه يعين على التخفف من التبعات في بعض أوقات الفراغ.

وبعد أن استعرض الدكتور بعض العصور الماضية مبينا اثر السياسة في الأدب وانشغاله بها، خلص إلى الوقت الحاضر فقال أن أدباءنا جميعا - وأنا منهم - غارقون في السياسة إلى الأذقان، فهم جميعا يتحدثون في كتبهم وفي الفصول التي تنشرها لهم الصحف. والمجلات. عن شئون الحياة ومشاكل العصر، ولو لم يفعلوا ذلك لكانوا طفيليين في الحياة، وغاية ما في الأمر إننا نستطيع أن نحدد ما ينفع وما لا ينفع ومن الثاني الاشتغال بخصومات الأشخاص وأغراضهم ومطامعهم، وفي غير ذلك لا يجعل بالأديب أن يتجنب السياسة. ويحدث أن يلقاني بعض الناس أو يلقوا غيري من الأدباء فيقولوا: لو تركت السياسة وخلصت للأدب! وهؤلاء لا يفهمون السياسة ولا الأدب.

تعقيب:

رأيت أن الدكتور طه وسع معنى السياسة حتى جعلها تشمل كل شئون الحياة، وليس هذا هو مدلولها الذي جرى الناس عليه وقد انساق في هذا التوسيع - كما يخيل إلى - ليدخل السياسة في اختصاص الأديب. وكن هل هذا الفرض في حاجة إلى التوصل إليه بذلك المزج؟ أن الأديب يتناول كل شئ في الحياة بطريقته الفنية فيكتب الأدب السياسي والأدب الاجتماعي وغيرهما؛ وليس معنى هذا أن كل شئون الحياة سياسة، وإلا فهل تعد القصة التي يكتبها الأديب ممثلا ويدبر فكرتها وحوادثها على زوجين لم يسعدا لاختلافهما في العمر اختلافا كبيرا هل يعد مثل هذا سياسة؟

أما هل يكتب الأديب في السياسة أو لا يكتب فيها فهذه مسالة أخرى وان كان مما لا شك فيه انه حين يكتب في السياسة فيمتع ويشعر بجمال الفن، لا يبعد عن الأدب، ولكن أدبه سياسي يختلف عن ألوان أخرى من الآداب.

مؤتمر المجمع اللغوي:

احتفل مجمع فؤاد الأول للغة العربية يوم الاثنين بافتتاح مؤتمره السنوي أي الجلسات التي تنعقد بحضور الأعضاء الأجانب شرقيين وغربيين، وقد جرى المجمع على أن يحتفل في أولى هذه الجلسات بافتتاح هذا المؤتمر.

افتتح الحفل معالي رئيس المجمع احمد لطفي السيد باشا ثم ألقى معالي وزير المعارف عبد الرزاق السنهوري باشا كلمة لا احسبني مغاليا أن قلت إنها ثورة لغوية. . . فقد أشار إلى ما ذكره في خطاب العام الماضي من أن هناك علامتين لسلامة اللغة، هما اقتراب لغة الخاصة من لغة العامة، وابتعاد لغة الحاضر عن لغة الماضي. ثم قال أن لغتنا العربية في الوقت الحاضر قد تطورت تطور كبيرا لأنها اليوم اقرب إلى لغة العامة وابعد عن لغة الماضي إلى حد كبير، فهي لغة سليمة، وليست اللغة السليمة هي التي تقراها في كتب القرون الماضية، فهذا صورة تاريخية من صور تطور اللغة الغربية؛ والذين يقولوا أن اللغة العربية قد دخل عليها الفساد وركبتها البدعة يعتقدون أن اللغة العربية ليست إلا هذه الألفاظ والعبارات التي جرت بها الألسن في القرون الأولى ودونتها الكتب والمعاجم في العصور السالفة ولكنا نذهب إلى غير رأيهم فلا تملك الأموات من هذه اللغة اكثر مما تملك الأحياء.

ووصلت الثورة إلى مداها عند ما قال معاليه: هأنذا استعمل لفظ (التطور) وهو لفظ عربي لا أخال انه يستند إلى نص أو قياس ولكنه لفظ اجمع عليه كتاب العربية في عصرنا الحاضر، فهل يجوز لأحد اليوم أن يخطئ في استعماله؟ وقد أكون استعملت في كلمتي هذه أو في غيرها ألفاظا قد تكون مضبطة على القاموس أو غير منضبطة وقد تكون واردة في المعاجم الأولى أو غير واردة فسواء كان هذا أو ذاك فأنها ألفاظ عربية سليمة متى انعقد عليها إجماعنا في العصر الحاضر.

ونوه معاليه بأهمية الإجماع في اللغة وتطورها وحياتها، ثم نبه على انه لا يقصد به الفوضى التي تأتى من استعمال ألفاظ بعيدة عن أصول اللغة وقواعدها

وألقى الأستاذ عباس محمود العقاد بحثا في (موفق الأدب العربي من الآداب الأجنبية في القديم والحديث) فأوضح معالم الموضوع وبينه بيانا حسنا على اضطراره إلى الإيجاز فيه. قال أن الأدب العربي تأثر بمخالطة الأمم الأجنبية قديما كما تأثر بها حديثا، غير أن تأثره بها في القديم كان على أكثره - من ناحية الحضارة بملابسة الأمم في أصول المعيشة وعادات المجتمع، وان تأثره بها حديثا كان - على أكثره - من ناحية الثقافة بالاطلاع على آداب الأمم في لغاتها والتوفر على دراستها.

قال الأستاذ في بيان التأثر القديم: كان اعتزاز العرب بلغتهم صافا لهم عن تعلم اللغات الأجنبية منذ أيام الجاهلية فلما جاء الإسلام أضاف الاعتزاز بالعقيدة إلى الاعتزاز باللسان، لكنهم خالطوا الأمم في حضارتها وان لك يتكلموا بألسنتها فاثر ذلك في أدبهم وطهر أثره في أوزان القصيدة ومعانية، وفي الإسلام زاد الاتصال فدخل في أغراض الشعر كثير من مظاهر الحضارات التي تجمعت في بلاد الدولة الإسلامية كوصف المهرجانات والمواسم.

ثم قال في بيان التأثر الحديث: أن موقف الأدب العربي من الأمم الأجنبية في العصر الحديث هو على الأغلب موفقه من الأمم الأوربية، وصبغة الثقافة فيه اظهر من الحضارة على وجه التعميم، ولقد كانت اللغتان الفرنسية والإنجليزية اقرب مسالك الثقافة الأوربية إلى البلاد العربية، واتفق أن كان هذا الاتصال في عهد النهضة العلمية أو عهد التحقيق والتمحيص فقرا أدباء العرب كتب القوم وهي تضيف مزايا التعبير العلمي إلى مزايا التعبير الأدبي في أقلام البلغاء، فكان من اثر ذلك دقة الأداء وتخصيص اللفظ بمعناه وكان من أثره اتساع أفق الكتابة والشعر، وبخاصة ما كتب أو نظم في تمثيل الجوانب النفسية وتحليل دواعي الحس والعاطفة.

وألقى الشيخ عبد القادر المغربي كلمة عن (مجامعنا اللغوية وأوضاعها) تحدث فيها عن المحاولات الأولى في إنشاء هذه المجامع فالمجمع الأول أنشئ سنة 1892 برياسة السيد توفيق البكري والمجمع الثاني أنشئ سنة 1917 برياسة الشيخ سليم البشري وكان الأستاذ لطفي السيد (باشا) مقررا له وقد انتج هذان المجمعان نتاجا لم يكد يولد حتى مات لأسباب منها ما يرجع إلى طبيعة الألفاظ التي وضعت ومنها ما يرجع إلى التغافل عن الطرق المؤدية إلى استعمال تلك الألفاظ واستمالة أنظار الجمهور إليها. وعد الأستاذ المغربي من تلك المحاولات، ما كان منه ومن المغفور له احمد تيمور باشا إذا اتفقا على العمل على استعمال ألفاظ فصيحة بدلا من العامية والدخيلة وانتقى تيمور باشا عشرين كلمة من الفصيح ونشرها في المؤيد سنة 1908 ونصح الجمهور باستعمالها، ثم كتب الشيخ المغربي تطبيقا عليها مقالا في المؤيد بعنوان (تمرين على الكلمات العشرين).

ثم تحدث الأستاذ عن المجمع العربي بدمشق ومجمع فؤاد الأول بمصر أثرهما في اللغة وما يرجى منهما.

وألقى الأستاذ محمد كرد على بحثا في (عجائب اللهجات) بين فيه اثر اختلاط العرب بغيره وخاصة بعد الإسلام في تعدد اللهجات، واستمر في بحثه حتى وصل إلى العصر الحاضر فساق أمثلة كثيرة لاختلاف اللهجات في الأمم العربية.

ووقف الأستاذ جب المستشرقين الإنجليزي فاعتذر من عدم حضوره مؤتمر المجمع في السنتين الماضيتين لانشغاله مع زملائه أساتذة الثقافة الشرقية في الجامعات الإنجليزية بتنظيم الدراسات الشرقية وقال انهم ألفوا جميعه خاصة بهم في السنة الماضية.

أعمال المجمع:

وقد ألقى الدكتور منصور فهمي باشا كاتب سر المجمع كلمة في (أعمال المجمع خلال الدورة الماضية) وأرهفت الآذان لتلقى أنباء هذه الأعمال فإذا هي تتلخص في إلقاء بحوث في الجلسات من بعض الأعضاء وفي النظر في بعض المصطلحات العلمية وتقرير تعريفها والنظر في منهاج العمل بالمعجم الوسيط والمعجم الكبير، وفي مواصلة اللجان أعمالها، فلجنة الأدب أنجزت مسابقة الإنتاج الأدبي في العام الماضي وتعمل في مسابقة العام الحالي، ولجنة الأصول أمامها مقترحات في تيسير الكتابة العربية لا تزال تبحثها.

وكل تلك الأعمال عدا المسابقة الأدبية لم تظهر لأعين الناس بعد، ولم يزل المجمع يتحدث عنها منذ سنين كما يتحدث عنها الآن حتى المجلة، التي قالوا منذ اكثر من عام إنها على وشك الظهور لا تزال طي الخفاء. . وقد فاتني أن اذكر من أعمال المجمع انه قرر نشر المجلة مرتين في السنة

أشعر الشعراء:

كانت مجلة الهلال قد نشرت في أكتوبر الماضي استفتاء لقرائها عن الشعراء الخمسة الأول بين العرب الأحياء، وعمن هو أجدرهم بلقب الإمارة الآن. وكنت قد عقبت على ذلك ببيان عدم الحاجة إلى هذه الإمارة، وتفنيد طريقة استفتاء قراء أكثرهم ليس أهلاً لمثل هذه الأحكام الأدبية.

وقد أحسنت الهلال إذ أعلنت في الشهر نتيجة الاستفتاء خالية من (أمير الشعراء) قاصرة على (الشعراء الخمسة الأول) واصطنعتن اللباقة في (دغم) مسالة الإمارة، إذ ذكرت أن المشتركين في الاستفتاء (قالوا أن آثار كبار شعرائنا تكاد تكون في مستوى واحد من القوة والإبداع، ويكاد لا يوجد وجه لتقديم بعضهم على البعض الأخر) وهكذا خلصت إلى ما عرف عن دار الهلال من الاتزان وإرضاء الجميع. ثم أعلنت (إن الشعراء الخمسة الأول بين الشعراء الأقطار العربية هم بالترتيب الذين حازوا اكثر الأصوات: خليل مطران بك. علي الجارم بك. السيد بشارة الخوري. الأستاذ علي محمود طه. الأستاذ أحمد رامي).

وقد جاءت هذه النتيجة - كما ترى - وفقا لما ينتظر من قراء يتوخون اكثر الأسماء شهرة في المحيط العام دون التفات أو دراية بما تستحق من تقديم أو تأخير - وأنت تعلم - كما اعلم - أن ثمة شعراء يرجحون بعض هؤلاء في الموازين الأدبية. وقد نشرت المجلة تعقيبا على هذا الاستفتاء للدكتور عبد الوهاب عزام بك قال فيه أن الناقد لا يستطيع أن يوازن بين جماعة من الشعراء (إلا أن يقرا ديوان كل واحد منها قراءة ناقد مثبت ويكون قد عنى بها وقراها واستقر على رأي فيها على مر الزمان. . . . وليت شعري من فعل هذه من النقاد؟) أقول: إذا كان هذه مستبعدا على النقاد فما بالك بالقراء. . . .؟

ملك الشعراء:

ومما قاله الدكتور عزام بك في ذلك التعقيب: (وإذا نظرنا في تاريخ الآداب الشرقية. وجدنا ألقاب الإمارة والملك معروفة بين شعراء إيران مثل ملك الشعراء معزى. وقد تلقب بلقب ملك آخرون من شعراء الفرس من بعده وفي عصرنا هذا يعرف الشاعر الكبير بها بلقب ملك الشعراء وهو أستاذ في جامعة طهران، وأما في تاريخ الأدب العربي فلم تعهد الألقاب. . . وبعد فان لم يكن بد من بيعة أحد الشعراء المعاصرين بالإمارة أو الملك فايسر وسيلة لذلك أن يجتمع الشعراء وحدهم ويختاروا لأنفسهم ملكا أو أميرا عليهم. فان فعلوا فليس بعد رأيهم مقال لقائل) وأنا لا أرى أن هذه وسيلة يسيرة فضلا عن أن تكون ايسر وسيلة. فمن يضمن لنا أن كلا من شعرائنا سينتخب غيره وأن سيكون لهذا الانتخاب نتيجة سوى أن يكون عدد الفائزين مساويا لعدد الشعراء وخاصة إذا كان المطلوب صاحب جلالة في الشعر لا أميرا فحسب.

ولم كل هذه وعندنا (ملك الشعراء) الدكتور زكي مبارك وقد كفى سائر الشعراء مشاق الاجتماع والنزاع والاختيار، فأعلن نفسه ملكا عليهم ولعلة كان قد انتظر أن يشعروا بأحقيته لهذا المنصب الخطير فلما رآهم مشغولين كلبنفسه وجد من حق نفسه هو أيضا أن يتقدم إلى مكانه.

والدكتور زكي مبارك أو ملك الشعراء، يفوق الشعراء جميعا بالحرية التامة في التعبير عما يريد فيشعر صورة صادقة لنفسه ليس فيها مداجاة ولا تزوير وهو رجل سليم الطوية لا يخشى - إذا ملك - أغن يجور وفيم يجور.؟

(العباسي)