الرئيسيةبحث

مجلة الرسالة/العدد 758/الكتب

مجلة الرسالة/العدد 758/الكتب

بتاريخ: 12 - 01 - 1948


الفلسفة القرآنية

تأليف الأستاذ عباس محمود العقاد

حين قرأت كتاب (الله) للأستاذ العقاد، وقفت طويلا عند بحثه براهين وجود الله وبخاصة عند الأدلة القرآنية؛ وذلك إذ أني رأيت العقاد في أصالته وضلاعته وسعة أفقه قد أجاد أيما إجادة إذ تناول هذا الجانب القرآني، وتمنيت يومئذ لو تناول العقاد حقيقة بهذا الكتاب الذي أقدمه للقارئ في غبطة عظيمة.

هو (كتاب عن مباحث الفلسفة الروحية والاجتماعية التي وردت موضوعاتها في آيات الكتاب الكريم) كما يطالعك بذلك عنوانه، وقد أراد الأستاذ المؤلف أن يبرهن فيه (على صلاح العقيدة الإسلامية أو الفلسفة القرآنية لحياة الجماعات البشرية) وأن الجماعات التي تدين بها تستمد منها حاجتها من الدين الذي لا غنى عنه، ثم لا تفوتها منها حاجتها إلى العلم والحضارة، ولا استعدادها لمجارات الزمن حيثما أتجه بها مجراه).

وفي رأي الأستاذ العقاد (أن القرآن الكريم يشتمل على مباحث فلسفية في جملة المسائل التي عالجها الفلاسفة من قديم الزمن وأن هذه الفلسفة القرآنية تغنى الجماعة الإسلامية في باب الاعتقاد ولا تصدها عن سبيل المعرفة والتقدم هي لذلك تحقق ضرورة حرية الفكر وحرية الضمير وليس للعلماء ولا للفلاسفة أن يطلبوا من الدين غير هذا).

بهذا الرأي الروح كتب المؤلف كتابه، وقد أحكم تبويبه لأن موضوعه كله كان قائما في ذهنه جملة قبل أن يسرد تفصيله، لذلك لم يدع شيئا (من جملة المسائل التي عالجها الفلاسفة من قديم الزمن) فبعد أن مهد للبحث بفصلين ممتعين بين في أولهما نظرة القرآن العلم وأورد الآيات التي تدل على أنه (يحث على التفكير ولا يتضمن حكما من الأحكام يشل حركة العقل في تفكيره أو يحول بينه وبين الاستزادة من العلوم ما استطاع حيثما استطاع. كما لم يكفل كتاب من كتب الأديان) وبين في الثاني (إن الحوادث كبيرها وصغيرها لا يمكن أن تحدث إلا بأمر الخلق المباشر من إرادة الله) أقول بعد ذلك تناول المجتمع بما فيه من الأسرة وشئونها والمرأة ومركزها والطبقات والحكم والأخلاق، ثم تناول العلاقات الدولية، ثم تجاوز الأرض وما عليها إلى البحث في الإله الخالق وتعرض لمسالة الروح والقدر والعبادات ثم أختتم هذا البحث الجليل القدر بفصل في التصوف وآخر في الحياة الآخرة.

وبعد، فهذا كتاب يجب أن تقراه لتعرف مبلغه من الأهمية ومكانته بين ما آلف في الفلسفة الإسلامية، فما يغنى كلام مهما طال في التعريف به، ولا نقد مهما استفاض عن فصل واحد منه وقصارنا أن نتقدم بالتحية للأستاذ الجليل الذي أسدى إلى الفكر الشرقي بكتابه (الله) وإلى الدين الإسلامي بكتابه هذا (الفلسفة القرآنية) صنيعين لا يقدم مثلهما إلا الأفذاذ؛ وللمكتبة العربية أن تعتز بأمثال هذين البحثين الذين ينفيان عنا تهمة التقصير.

وحسب المسلم أن يخرج من هذا الكتاب الذي أحدثه عنه، وفي نفسه أنه (في هذا العصر الذي تتصارع فيه معاني الحياة بين الإيمان والتعطيل وبين الروح والمادة، وبين الأمل والقنوط، تلوذ الجماعات الإسلامية بعقيدتها المثلى ولا تخطئ الملاذ، لأنها عقيدة تعطيها كل ما يعطيه الدين من خير، ولا تحرمها شيئا من خيرات العلم والحضارة) وهذا ما بينه الأستاذ الجليل أحسن بيان في هذا الكتاب.

الخفيف

أنات غريب

تأليف الأستاذ حبيب الزحلاوي

شاءت صحيفة يومية أن تعرف كتاب (أنات غريب) فقالت أن مؤلفه الأستاذ حبيب الزحلاوي أودعه حنينه إلى وطنه وأشواقه إلى مغانيه ودياره، وهذا طبعا ما يوحيه عنوان الكتاب وقد تساءلت بعد أن طالعت الأقاصيص التي يتألف منها، ما معنى هذه التسمية، لأن العادة قد جرت أن تطلق على مجموعات الأقاصيص عنوان أولها، أو أبرزها، أو عدد القصص التي تتألف منها المجموعة. ولكني شئت أن أتلمس أسباب إطلاق عنوان (أنات غريب) على مجموعة قصص تجري حوادث أكثرها بمصر، والقليل منها ما ينتقل بالقارئ إلى غير مصر من بلاد الله، وخاصة سورية ولبنان، فهل يجب أن نرى في العنوان تلميحا مجازيا إلى أن المؤلف غريب بروحه عن هذا المجتمع الذي يعيش فيه، فهي أنات نفس معذبة كابدت إلا ما تتردد فيها (وجيعة مهذبة).

ولعل القارئ أن يتبرم بهذا الإلحاح في البحث عن تفسير لعنوان شاء مؤلف أن يتوج به كتابه، وأن يجد في هذا البحث إرهاقاً له وللمؤلف. . .

ولكنني في بعض الأحيان أتعلق بأمور صغيرة أسمى للكشف عما يقصد بها، في حين تفوتني أموركثيرة، أهم منها خطرا فلا أحاول فهم أغراضها.

وبعد، فإن قراء العربية يعرفون الأستاذ حبيب الزحلاوي قاضيا له طريقته في تأليف الأقاصيص، وأسلوبه في سرد الحواث، ومذهبه في وصف الشخصيات وتحليلها، وأغراضه الاجتماعية التي يرمى إليها في أكثر القصص التي يكتبها. واذكر أني قلت كل الخير الذي أعتقده في أدب الأستاذ الزحلاوي القصصي عندما نشر المجموعة الأولى من أقاصيصه بعنوان (شعاب قلب).

تلك الطريقة نفسها في سرد وشرح البواعث التي دفعت بأبطال الأقصوصة إلى إتيانها، والتوسل بهذا الشرح لتحليل نفسية بطل القصة. كل هذا في حبكة قوية، وربطة محكمة واسترسال قد يتعدى في بعض الأحيان حد الأقصوصة. ولا تخلوا أقاصيص الأستاذ الزحلاوي من وصف لحياة المجتمع أو نقد لبعض عاداته، وتستطيع أن تقرا أية واحدة من هذه الأقاصيص التي تتألف منها هذه المجموعة فانك واجد فيها غرضا اجتماعيا بارزا فهذه أقصوصة (لقيط) يصور فيها سريا متزوجا خفية عن أهله بفتاة يونانية أنجبت له غلاما، ولكنها عندما كانت بالمستشفى تضع أبنها، عرفت أنه تزوج بفتاة مصرية، وانقطع من زوجته الأولى، فاضطرت إلى العودة إلى أهلها، بعد أن أودعت أبنها أحد ملاجئ أبناء السبيل.

وكذلك نجد مثل هذه الأغراض في أقاصيص (بكارة) و (غاية المرأة) و (الغريق) و (يتيم) وفي أكثر هذه الأغراض نجده.

والأستاذ الزحلاوي في أكثر هذه الأغراض التي يتوخاها، ينحي ناحية إنسانية في عاطفة سليمة وإحساس مستقيم. ويجب أن نخص بالإشارة أقصوصة (ذكريات) التي وصف فيها بعض أبطال الثورة السورية الأولى، وقد اجتمعوا بالقاهرة، واخذوا يستعيدون ذكريات بطولتهم الماضية، وما تعرضوا له من أخطار.

ولا يقف أدب الأستاذ حبيب الزحلاوي عند التأليف القصصي، فإنه نقادة أدبي، ولعل النقد الأدبي كان أول ما عالجه من فنون الأدب، إذ تقدم كتابه (أدباء معاصرون) غيره من الكتب. وقد ظهر ميله إلى النقد في أقصوصة (الدميم) لأنه عرض فيها للحبكة والعرض، والفكرة، والوحدة، وذكر أنه (ليست قيمة القصة في المادة التي تتألف منها، ولا في كيفية ترتيب تلك المادة، بل قيمتها في الكيفية التي تؤدي بها وفي عرضها عرضا خاصا بمهارة فنية، بالتشويق والترغيب وفي صدق الرواية عن الحياة. . .).

وقد أضطر لبيان ذلك، إلى حشر أقصوصتين في أقصوصة واحدة، وهما لا رابط بينهما غير فكرة العرض بمهارة وبغير مهارة! وهي حبكة واهية ضعيفة تخرج بالأقصوصة عن جوها الضيق المحدود، ناهيك عن أنها وسيلة مفتعلة لبيان فضل الأقصوصة الثانية عن الأولى.

تناول الأستاذ حبيب الزحلاوي النقد الأدبي في شئ من الجراة وكثير من العنف، مما جعل له خصومات أدبيه قديمة وحديثة كانت إحداها مع أديب له مقامه المرموق في عالم البحث والأدب والشعر، والتجديد الذي يحلوله هذا الأديب الفاضل لا يروق الأستاذ الزحلاوي، وهو حر في راية وكنت أعتقد أن هذه الخصومة تقف عند حد النقد الأدبي ولا تتعداه إلى التعريض في إحدى القصص بذلك الأديب والحق أني كنت أجل صديقي الأستاذ الزحلاوي عن أن يستعمل مثل هذه الوسيلة لينال من أديب نابه لا يرضى هو عن أدبه. . .

ولعلني لعدت بهذا الاستطراد عن جو الأقاصيص التي ضمها كتاب (انات غريب) وهو جو خليق بان يتدبره القارئ وإذا كان من الخطا الشائع أن القصص تطالع لتزجية الوقت فلأن أقاصيص (انات غريب) قديرة على أن تساهم في تبديد هذا الخطا لأنها تجمع بين المتعة والفائدة وتثير مسائل اجتماعية جديرة بان يتناولها الناس بالتفكير والتدبير. وقيمة الكتاب من الناحيتين الأدبية والاجتماعية. حرية بان تلفت اليها أنظار القراء، تمنيه بالثناء والإطراء

(الإسكندرية)

صديق شيبوب