الرئيسيةبحث

مجلة الرسالة/العدد 750/الأدب والفن في أسبوع

مجلة الرسالة/العدد 750/الأدب والفن في أسبوع

مجلة الرسالة - العدد 750
الأدب والفن في أسبوع
[[مؤلف:|]]
بتاريخ: 17 - 11 - 1947


مات الزين

مات أحمد الزين! فكان موته فجيعة الأدب في الشاعر الكبير ووجيعة القلب في الصديق الكريم، ومأساة الأسرة في العائل الراحل.

أما الصديق الكريم فقد غشينا من الأسى لفقده ما غشينا. وتلاقينا بعد نعيه وكان الواحد منا يقول لصاحبه: مات الزين! ويكاد يجهش لولا التجلد والتجميل. ونطرق صامتين برهة. . ثم تتلاقى نظراتنا كليلة منداة. . وفي نفس كل منا ما فيها من المشاعر والخواطر، وكلها تدور حول ذلك الفقيد الذي ظل حياته ينفح بأدبه وينافح بجلده، حتى صرعه الموت، بعد أن عرقته العلة، وأستنفد العلاج القليل المدخر، ولم يبق إلا الصغير اليتيم الذي لم يكد يضع قدمه الغضة على عتبة المدرسة. . .

صفحة للتاريخ الأدبي:

كان الزين من أعلام الشعر في هذا العصر، وكان يستمد شعره من نبع فياض هو نفسه الشاعرة، وكان يجل فنه ويقدسه، فلم يقصد به إلى منفعة، ولم يتوسل به إلى كسب. كان يقول الشعر يصور به نفسه ويعبر عن مشاعره، فقال كثيراً في الغزل العاطفي الرقيق، الذي يدل على عاطفته القوية الصادقة التي تتجلى أيضاً في رثائه لأصدقائه الراحلين. والمستوعب لشعره يجد العاطفة هي السلك الذي ينتظم حباته، ومن ذلك قصر مدائحه على أصدقائه من كبار الرجال، وله خواطر ألمعية في نقد المجتمع وأحوال الناس، كان يصوغها صياغة فنية بارعة. ولعل آخر مطولاته القصيدة التي قالها في ذكرى أحمد تيمور باشا سنة 1945 ومطلعها: -

ذكرى على صدق الوفاء دليل ... يمضي بها جيل ويقبل جيل

وفيها يقول:

لا تبك من عاش عمراً واحداً ... إن التراب على التراب مهيل

هل عاش أو هل مات لا تسأل به ... فمماته بحياته موصول

ما زاد عن تعب الولاد لأمه ... والناس وهو إلى الثرى محمول

ومن البلية أن أكثر من نرى ... في الناس ذاك العائش المتك فأملأ موازين الزمان فلن ترى ... في الناس ميزان الزمان يميل

تقضي العصور على الرجال بحكمها ... والباقيات الصالحات عدول

تيمور إن نفقد حديثك بيننا ... فصداه في أفق الزمان يجول

وقال بعد هذه القصيدة قطعاً مختلفة لعل آخرها عشرة أبيات مدح بها معالي إبراهيم عبد الهادي باشا، في أوائل هذا العام، منها قوله:

ماذا تزيدك في العلا أقوال ... من بعد ما شهدت لك الأعمال

عمر تضيق سنوه عن أعماله ... فكأنما أعوامه أجيال

ماض ملئ بالجهاد وحاضر ... حفل، وآت كله آمال

ومواهب جمعت لديك لو أنها ... في أمة لم يكفها استقلال

ومواقف أغنى خلود حديثها ... عن أن يقام لخلدها تمثال

وكان صديقاً لمعاليه. ولك أن تعجب من صداقة موظف باليومية لم يبلغ الدرجة السادسة إلا أخيراً لرئيس ديوان جلالة الملك! ولكن عجبك يتحول إلى الإكبار عندما تعلم أن فقيدنا كان، إلى عظم منزلته الأدبية، كبير النفس، فلم يكن ليصغرها بطلب شيء لذاته، وربما رجا لغيره. . . ومن هنا ظل شعره بعيداً عن أن يكون سبباً من أسباب الحاجات مع توفر هذه الحاجات!

ولم يكن الزين من المقلدين في الشعر والمزيفين للشعور، بل كان صادق الفن، يصدر عن ذات نفسه ويعبر عن خالص وجدانه، وكان مرهف الحس دقيق الشعور واضح المعاني، يؤدي كل ذلك في ديباجة مشرقة وألفاظ عذبة، لا تجد له لفظاً مستكرهاً ولا معنى ملتوياً.

وكان يعني بالتوقيع الموسيقي في شعره، يؤلف أجزاءه منسجمة متآخية، ثم يردده في تنغيم خاص يطرب له، ويستدعي به ما بقي من القصيدة. . .

وكان رحمه الله يريد أن يجمع شعره في ديوان، ولكن شغلته شواغل العيش ثم متاعب المرض ثم عاجلته المنية. . . وقد نشر أكثر شعره بالرسالة والأهرام والثقافة، وقد طبع في مستهل حياته الأدبية ديواناً سماه (قلائد الحكمة) أكثره أراجيز تدل على بدء معالجته للقريض كما يدل على ذلك تخميسه لقصيدة امرئ القيس (قفانبك) الذي أخرجه أيضاً في مطبوع صغير. وأطلق عليه لقب (الراوية لكثرة ما كان يحفظه ويرويه من أشعار العرب.

وكان للزين جهد جليل الشأن في تحقيق الآثار الأدبية وتصحيحها وإخراجها - وكان يعمل في ذلك بالقسم الأدبي بدار الكتب المصرية، وقد أخرج ستة أجزاء من (نهاية الأرب) وأخرج الجزء الأول من أشعار الهزليين وكان يعمل في الثاني، ومن مجهوده في هذا الميدان خارج دار الكتب اشتراكه مع الأستاذ أحمد أمين بك في إخراج كتاب (الإمتاع والمؤانسة) ومعه ومع الأستاذ إبراهيم الأبياري في إخراج أربعة أجزاء من كتاب (العقد الفريد). وقد أشترك الثلاثة أيضاً في إخراج (ديوان حافظ) بتكليف من وزارة المعارف وأخرج الأستاذ الزين (ديوان إسماعيل صبري) وقدمه بدراسة قيمة.

وقد تخرج الفقيد في الأزهر إذ حصل على شهادة العالمية سنة 1925 وكان وهو طالب يتردد على الجامعة المصرية القديمة لسماع محاضراتها الأدبية. وفي سنة 1926 عين مصححاً بالقسم الأدبي بدار الكتب المصرية، وظل بها حتى نقل في هذا العام إلى المراقبة العامة للثقافة بوزارة المعارف. وقد توفى في العقد الخامس، وكانت وفاته يوم الأربعاء 5 نوفمبر سنة 1947.

المأساة:

كان الزين موظفاً باليومية في دار الكتب المصرية، ولا تحسب في أجره الضئل أيام الاثنين (العطلة الأسبوعية في دار الكتب) والإجازات والأعياد، وظل مرتبه اليومي يزداد قروشاً طيلة مدة خدمته، حتى وصل إلى ثلاثة وأربعين قرشاً يعطي منها ثمانية قروش لكاتبه الذي كان يلزم له في عمله بحكم حالته إذ كان مكفوف البصر. وجاء أخيراً (كادر العمال) فقفزت به أحكامه إلى الدرجة السادسة. . وقد عد من العمال لأنه يعمل باليومية مثلهم!

وعاش الشاعر الكبير صابراً على هذه الحال، متجملا بالتعفف، منطوياً على عزة نفسه، يروح ويغدو وفي وجهه ماء الكرامة والكبرياء. . وظل مع ذلك يصدح على أيكة الشعر ويخرج الأدب المصفى في هذا البلد الذي يحترق فيه كرام الأدباء وينال خطوة أوليائه الهتافون ومن إليهم من سائر الوصوليين. . . . ثم داهمه المرض من نحو ستة أشهر، وتعاوره الأطباء. . . هذا يقول: (قرحة المعدة) وذاك يقول له: (داؤك في الكبد) وثالث يقول بثالث. . . وكل يعطي حقناً ويكتب (روشتة) ويأخذ (كشفاً) حتى نفد القليل الذي أدخره من أجرة على تصحيح الكتب التي أشترك فيها خارج عمله الحكومي، وحتى نفدت أثمان حلي الزوجة. . . ثم نفد الرجل. . وخلف ثروة أدبية لا نفع فيها للأيم واليتيم الذي تركه في نحو العاشرة من عمره. ويقضي قانون الحكومة بمنح الورثة مكافأة تجمع من أجر نصف شهر عن كل سنة من مدة خدمة موظف اليومية!.

وبعد فماذا عسى أن يكون مصير أبن أحمد الزين الشاعر الرواية والأديب الكبير؟

أيتها الدولة. عينك بصيرة وليست يدك قصيرة. . . .

ذكرى شوقي في الأوبرا:

لعل القراء يذكرون ما كنا قد أخذناه على اللجنة التي ائتلفت لإحياء ذكرى شوقي من اعتزامها الاحتفاء بالذكرى في (أوبرج) الأهرام، وتسعير مشاهدة الحفل، واشتمال البرنامج على رقص و (منلوجات).

وقد حدث بعد تنفيذنا ذلك أن أعاد أعضاء اللجنة النظر في الموضوع، واقتضى ذلك تأخير الاحتفاء بالذكرى عن موعدها وقد أستقر الرأي أخيراً على أن تقام حفلة إحياء ذكرى شوقي في مسرح الأوبرا بدلا من (الأوبرج) وقد عين لإقامة هذه الحفلة يوم 28 نوفمبر الحالي.

ويشتمل برنامج الحفلة على شعر من خليل مطران بك والأستاذ محمود حسن إسماعيل والأستاذ علي محمود طه والدكتور إبراهيم ناجي والأستاذ طاهر أبو فاشا.

وممن سيلقى كلمات نثرية معالي إبراهيم دسوقي أباظه باشا ومحمد صلاح الدين بك وعزيز أباظه باشا والأستاذ أنور أحمد. ويتخلل ذلك موسيقى، وتمثيل من مسرحيات شوقي، وغناء شعر لأحد الشعراء في ذكراه.

وقد جرت محادثات أو مفاوضات مع عبد الوهاب وأم كلثوم للاشتراك في الحفلة بغناء في شعر شوقي. أما عبد الوهاب فأبى أن يغني أمام الجمهور ورأى الاكتفاء بتسجيل قطعة تذاع في الحفلة. فلم تقبل اللجنة هذا الوضع الذي طالما غنى شعره أمام الجماهير وأما أم كلثوم فكانت قد تمنعت، ولكن لا تزال المفاوضة جارية معها، والمأمول أن تساهم في ذكرى شوقي، ولو مقابل (سلوا قلبي) و (أغنية السودان) و (ريم على القاع) التي أخذتها بالمجان من ديوان المحتفى بإحياء ذكراه. . .

بقى أمران لا بد من الإشارة إليهما، الأول أن الحفلة لا تزال مسعرة، أي أن مشاهدتها ستكون بنقود تدفع ثمناُ (لتذكرة الدخول) ولم تجر العادة بذلك في الحفلات الأدبية.

الأمر الثاني رياسة (شرف) الحفلة، المسندة إلى هيكل باشا الموجود الآن في أمريكا. ولو فرضنا أنه في القاهرة وسيحضر الحفلة فما أظن أنه يترفع عن الرياسة (الفعلية) لحفلة إحياء ذكرى شوقي، كما أظن أن (رياسة الشرف) شيء قديم لم يعد الآن مستساغاً.

المازني يتزوج الأدباء:

كتب الأستاذ المازني في (أخبار اليوم) مقالا عناونه (لو أصبحت امرأة) وما كنت لأتعرض لمثل هذا الموضوع لولا أن كاتبه المازني، ولولا أنه يصور طوراً من الأطوار التي يمر بها إنتاج هذا الأديب الكبير. ذلك الإنتاج الذي يخف ولكنه لا يبرد، فهو دائماً تشيع فيه روح الدعابة والظرف، وقد تشبع هذا الموضوع الأخير من ذلك، بل زاد فيه حتى جاوز درجة التشبع. . .

نفر المازني من تصور أمرأة، فأبعد هذا الانقلاب التصوري عن نفسه، وحوله إلى الأدباء، متصوراً أنهم نساء وأنه يختار أحدهم أو إحداهن زوجة. أستقبح هذا التصور وجعل يصور قبحه، فقال عن العقاد: (. . ثم من هذا الذي يطيق امرأة فيلسوفة تأتي إلا الغوص والتعمق في كل شيء، وإلا أن تتناول كل مسألة بالعقل والمنطق) ثم أنتقل إلى غيره فقال: (أوخذ توفيق الحكيم - أو توتو، أو فيفي، أو حكمت، إذا جعلناه امرأة) إلى أن قال (. . . . وتنقدها كل شهر (مصروف) البيت فتثير عليك، وتقدم لك الطعام - إذا قدمت شيئاً - في (برشامة) ويدع الحكيم فيقول: (وإن طه حسين لكريم يجب لين العيش وخصبه، ولكن هذه الرفاهة ستكون على حسابي لأعلى حساب (حسنية)! ثم إنه يجب السيطرة والتحكم وإن كان يبدو ليناً، وأنا أكره حسنية هذه - كفانا الله السوء زوجتي فسينتهي الأمر بأن أخنقها أو تخنقني. وحسنية تحب باريس والغرب وأنا أكرههما وأحب الشرق. . . الخ).

ولم يخل الموضوع من شيء، فقد أشار - كما ترى - إلى صفات في هؤلاء الأدباء بهذا المزح الأكثر من اللازم. . . كل ذلك وعنوان المقال (لو أصبحت امرأة) ويظهر أنه وضعه ليسير في التخيل ونسى العنوان، أو أبقاه على طريقة لفت الأنظار بالعناوين الشاذة!

ونرجع إلى حيث بدأ، فتصور المازني في امرأة! لا عليك من المنظر. . . إنه كريم ظريف حلو الشمائل لين الجانب، ولكن من يتزوج (زيزي) التي لن تفرغ له، لأنها تكتب في 99 % من الصحف والمجلات المصرية؟! إن الحياة مع (زيزي) هذه لا بد أن تكون سلسلة من المتاعب والمقالات. . .

(العباس)