مجلة الرسالة/العدد 748/الأدب والفن في أسبوع
→ من وراء المنظار | مجلة الرسالة - العدد 748 الأدب والفن في أسبوع [[مؤلف:|]] |
الكتب ← |
بتاريخ: 03 - 11 - 1947 |
الناصر:
مسرحية شعرية وضعها الأستاذ عزيز أباظه باشا، وأخرجها الأستاذ زكي طليمات، وافتتحت بها الفرقة المصرية موسم التمثيل بالشتاء على مسرح الأوبرا الملكية.
تتكون المسرحية من أربعة فصول، يظهر على المسرح في الفصل الأول عبد الرحمن الناصر الخليفة الأموي بالأندلس، وقد عقد مجلساً حضره الوزراء والقواد والعلماء والأمراء والشعراء، لاستقبال الوفود التي بعث بها إليه ملوك البلاد الأوربية، ليخطبوا وده ويؤكدوا حسن علاقاتهم به، ولبعضهم إلى هذا مطالب كإيفاد طبيب معالج أو قائد مدرب يشبه ما يقال له اليوم (البعثة العسكرية) أو (الخبراء العسكريون).
وتتلخص حوادث الفصول الثلاثة الأخر، في علاقة حب بين (الحكم) ولي عهد الناصر وولده الأكبر وبين فتاة من نسل أحد ملوك أسبانيا الذين تغلب عليهم الناصر، وهي تعيش في كنف الخليفة كابنة له وتدعى (شفق) وتحاول جارية أخرى اسمها (منى) من بني جلدتها أن توغر صدرها على الدولة العربية لتشاركها في العمل لصالح قومهما بالتجسس ونقل أنباء جيش الناصر إليهم، فمرة تنصاع لها، ومرة تغلب جانب الوفاء لحبيبها ولي العهد وأبيه الخليفة الذي يتبناها ويرعاها.
وفي خلال ذلك تظهر منافسة بين ولدي الناصر: الحكم وعبد الله، لأن الثاني ينفس على أخيه إيثار أبيه إياه وتقديمه عليه، فلا يجد وسيلة لنقل ولاية العهد إليه إلا الاتصال بدعاة الفاطميين في الأندلس الذين يغشون القصر لملاقاة عبد الله، فتكشف أمرهم الزهراء الجارية التي فتنت الناصر وملكت هواه، فتحاول إصلاح عبد الله، ويبلغ الأمر مسمع الخليفة فيأمر بقتله. أما الجاريتان شفق ومنى فيجري الأمر بينهما على ما تقدم، حتى يبلغ (الزهراء) أن أخبار الجيش تتسرب إلى الأعداء، فتبلغ عبد الناصر، فيهم باتهام ولده الحكم ولي العهد وقائد الجيش، ولكن تسرع شفق فتعترف بأنها الخائنة التي استغلت حب الحكم في انتزاع الأسرار منه وإيصالها إلى الأعداء، فيوبخها الناصر، ويبكتها الحكم، ثم يتركانها تبكي وتنتحب. . . فتأتي إليها منى، ويحتدم الجدل بينهما، شفق تبدي الندم على الخيانة، ومنى تحاول أن تغير شعورها، ولكنها تيأس منها فتطعنها بخنجر وتتركها تتلوى وتهوى.
فيقبل الحكم ويبدي جزعه، ويأتي الناصر، ويستحث الحكم على النهوض للسير بالجيش المعبأ إلى ميدان القتال، فيتثاقل، فيؤنبه الناصر ويبدي استعداده لقيادة الجيش بنفسه وهو في الشيخوخة، فينهض الحكم من جوار جثة حبيبته، ليذهب إلى ملاقاة الأعداء. وتلتقي الستارتان.
فترى من حوادث المسرحية أن الخيط الذي ينتظمها واهن وهذا الخيط هو حب الحكم لشفق، والظاهر أن الهدف عرض صفحة مشرقة من التاريخ العربي الإسلامي في الأندلس، فيمكن أن يقال غن مسرحية (الناصر) هي مجموعة من المناظر المتخيلة في عصر عبد الرحمن الناصر، ويكون هذا القول أدق من أن تكون قصة أو رواية ذات حبكة، ولها محور تدور عليه الوقائع التي تعبر عن الغرض منها، فهي من هذه الناحية تختلف عن مسرحيتي (قيس ولبنى) و (العباسة) اللتين وضعهما المؤلف من قبل.
وكذلك تختلف مسرحية الناصر عن المسرحيتين السابقتين في أسلوب الحوار، فقد عدل الشاعر في هذه المرة عن الأسلوب الخطابي المطول إلى المخاطبة بالقدر الطبيعي المعقول وإلى اللباقة وبراعة اللفتة، مما بعث الحياة في الحركة على المسرح. وقد تجلت إنسانيته في المواقف التي أنطق فيها أشخاصه بالألم من ألوان في الحياة يبدو في ظاهرها النعيم، كحياة الخصي في القصور الخالية من الزوجة والأبناء، وكعيش الجواري في ظلال النعمة السابغة، محرومات من الحرية والكرامة. . . وسمت شاعريته على لسان شفق وهي تتذكر معاهد صباها في ديار قومها وتقارنها بحياة الذل والإسار في ديار الغالبين، وأجادت أمينة رزق في تمثيل ذلك كل الإجادة.
والمسرحية جيدة من حيث هي شعر، وقد نجحت بعض النجاح في تحقيق الغرض منها، وهو إظهار صفحة مشرقة من مجد العرب بالأندلس، ولم أقل بتمام نجاحها في هذا، لأنها لم تستكمل عرض عناصر ذلك المجد، فقد كان عصر عبد الرحمن الناصر العصر العربي الذهبي بالأندلس الذي يماثل عصر الرشيد بالمشرق، ولم تقم (ذهبية) ذلك العصر على القوة العسكرية فحسب بل قامت، إلى جانبها، على التقدم في العلوم والفنون والآداب، والحديث عن شغف الناصر بها وارتقائها على يديه مأثور مستفيض. ولكن مسرحية (الناصر) قليلة الحظ من هذه العناصر، وبعض هذا القصور يرجع إلى الإخراج وبعضه إلى التأليف، فقد كان يمكن أن يعرض شيء من النقوش والتماثيل التي كانت يتحلى بها قصر الزهراء والقصر الكبير في قرطبة، والتي أفاض المؤرخون في الحديث عنها والإشادة بفخامتها ورقائق صنعها. وقلت الموسيقى، وأهمل الغناء كل الإهمال، وقد قدمت إحدى الجواري المهداة إلى الخليفة ووصفت بأنها تجيد الضرب على الطريقة العربية، وكانت الزهراء مغنية، ولكنا لم نسمع من الزهراء ولا من تلك الجارية شيئاً. . . هذا واسم الفرقة التي تقدم المسرحية (الفرقة المصرية للتمثيل والموسيقى والغناء!).
وقد أثر عن عبد الرحمن الناصر الشغف بالعلوم والولع باقتناء الكتب، ولكنك تراه على مسرح الأوبرا يتلقى هدية من ملك الروم هي كتاب في النبات، ولا يظهر من الاهتمام أكثر مما تظهر وأنت تساوم أحد الباعة الطائفين بالكتب على المقاهي.
وقد وقع المؤلف أو المخرج، لا أدري أيهما، في أمر شائع في التمثيل المسرحي والسينمي عندنا، وهو تهيئة (أدوار) لبعض الممثلين والممثلات اشتهروا بها وعرفوا بالظهور فيها، (والدور) هنا أعد لأمينة رزق، أعد لها لكي تبكي وتصرخ وتنتحب. . ندماً على الإثم الذي اقترفته. وقد بالغت في ذلك حتى جاوزت الحد.
وقد نقل إلينا التاريخ من وصف عبد الله بن عبد الرحمن الناصر، انه كان تقياً ورعاً، ولكنا رأيناه على مسرح الأوبرا على خلاف ذلك، رأيناه يغازل الزهراء جارية أبيه مغازلة جريئة حتى اضطرت إلى زجره والعنف في مخاطبته، ورأيناه يغاضب أخاه ويعارض في ولايته للعهد، ويخرج عن طاعة أبيه، دون أسباب تتفق ووصف المؤرخين له. . ويبدو لي أن المؤلف كان هنا في مأزق، لأنه مضطر بحكم الغرض أن يظهر شأن الناصر في مظهر حسن، وهذا المظهر لا يتفق مع إيراد أسباب معقولة للخروج عليه، فضحى بعبد الله!
وقد رأيت آخر حوادث المسرحية اعتراف (شفق) بجريمتها وهي نقل أسرار الدولة غلى الأعداء، فلم يقبض عليها، ولم يحقق أمرها، ولم يبحث عمن تتصل بهم، بل وبخها الخليفة وانصرف وعاتبها ولي العهد ومضى. . ثم طعنت بخنجر وأقبل ولي العهد، فجعل يتوجع لها ويتفجع، ويطيل في التعبير عن ألمه وعاطفته بصوت جامد لا تخالطه نبرة حزن. . وكل ذلك دون أن يسألها عمن طعنها ودون أن يبحث عن القاتل الأثيم، ويقبل الناصر ويرى القتيل ولا يسأل أيضاً ولا يبحث عن اليد الخفية المتصلة بالأعداء وتلتقي الستارتان.
غزل علية:
قرأت في العدد الأسبق من الرسالة مقال الشيخ محمد رجب البيومي الذي عنوانه (الغزل في شعر المرأة) وهو المقال الأول في هذا الموضوع الجدير بالبحث، ويدل بدء تناوله للموضوع على ما يرجى من التوفيق في السير فيه.
وقد وقفت في هذا المقال عندما عرض لغزل علية بنت المهدي إذ قال إنها افتدت بحميد بن ثور الهلالي في التجائه إلى الكناية في الغزل عندما تعذر عليه، كما تعذر عليها، الغزل الصريح، ولذلك تغزلت، كما تغزل، في السرحة، قال الشيخ رجب فقد علقت (علية) غلاماً لها يسمى طلا ونظمت فيه من الرقائق الأنيقة ما هو جدير بأمثالها من المثقفات الناعمات، ولكن هرون يقف أمامها وقفة تحدى بها الفن تحدياص صارخاً، فلجأت إلى التغزل في المسرحة مقتدية بحميد إذ تقول
أيا سرحة البستان طال تشوقي ... ومالي إلى ظل لديك سبيل
فالشيخ رجب يرى أن علية تكنى بالسرحة عن وطل، وليس الأمر كذلك، إنما صحفت (طل) بنقط الطاء فصار (ظل) وتشوقت إليه تحت السرحة، قال أبو الفرج في الأغاني:
(حجب طل عن علية فقالت وصحفت اسمه في أول بيت:
أيا سروة البستان طال تشوقي ... فهل لي إلى الظل لديك سبيل)
ومن صنيع علية في مثل هذا أنها كانت تقول الشعر في غلام آخر يقال له (رشأ) وتكنى عنه بزينب. . . ومن قولها فيه.
وجد الفؤاد بزينباً ... وجداً شديداً متعبا
أصبحت من كلفي بها ... أدعى سقيماً منصبا
ولقد كنيت عن اسمها ... عمداً لكي لا تغضبا
وجعلت زينب سترة ... وكتمت أمراً معجبا
وقالت في موضع آخر:
خبأت في شعري اسم الذي ... أردته كالخبء في الجيب
سفير الفن المصري: أرسلك إحدى شركات السينما نسخة من الفلم المصري (سفير جهنم) إلى نيويورك لكي يعرض هناك. وهذا حسن لأنه خطوة في سبيل ما يرجى للفلم المصري من الرواج في البلاد الأجنبية وأخذ مكانه في فن السينما العالمي.
ولكن قال النبأ: وعرض (سفير جهنم) على الرقابة الأمريكية لكي تجيز عرضه. وجلس الرقيب يشاهد الفلم، من جاء منظر ترقص فيه هاجر حمدي، فإذا الرقيب يصيح: قف. ثم يأخذ رقم المنظر. ويمضي العرض. . ومرة أخرى يصيح الرقيب: قف. ثم يأخذ رقم منظر آخر. ثم يأمر بقص المنظرين ويقول في تقريره عن المنظر الأول (يحذف منظر الفتاة التي ترتدي ملابس الرقص وترقص بطريقة فاضحة) ويقول عن المنظر الثاني (تحذف الحركات التي تأتيها الفتاة بجسمها في أثناء الرقصة)
وتحذف الرقابة الأمريكية المنظرين الفاضحين المخلين بالآداب واللذين مرت بهما رقابة الأفلام بالقاهرة مر الكرام. .
ورقابة الأفلام المصرية لم تخص سفير جهنم بالكرم والتسامح، وإنما يعم فضلها سائر الأفلام. وليس الأمر مؤسفاً من ناحية الآداب العامة فحسب، وإنما هو مؤسف أيضاً من الناحية الفنية. . ذلك أن القوم عندنا يسترون العجز في الفن بالاستثارة المخزية والإضحاك الفارغ، وإنك لتراهم يعلنون فيقولون شركة كذا تقدم فلاناً وفلانة في فلم كذا. . فالمقصود فلان الذي يضحك (الطوب) وفلانة التي. . .
أما الفلم وقيمته الفنية فشيء يأتي في المرتبة الثانية على أحسن تقدير.
ولا أنسى منظر إحدى الملهيات وقد قامت في الحفل تؤدي مهمتها، وأمر ما لم تكن في تلك الليلة (متحلية) فأعدى جمودها الجمهور، فران عليه الفتور. . . وما أن حركت الفتاة جسمها فتثنت وهزت ما برز منها، حتى صحا النائم وتنبه الغافل. وشارك الرقص التصفيق (على الوحدة!)
فهذه الفتاة لما لم تستطع التأثير بالفن لجأت إلى غير الفن مثلها في ذلك مثل كبير من الأفلام!
وأنظر. . . لقد كنا ندعو إلى عدم محاكاة الأجانب في استهتارهم وتبذلهم، فإذا نحن نسبقهم حتى يخشوا على أخلاقهم منا! وإذا نحن وهم كما قال أبو نؤاس: وكنت فتى من جند إبليس فارتمى ... بي الحال حتى صار إبليس من جندي
الراجع في هبته:
قال النبي ﷺ: الراجع في هبته كالراجع في قيئه.
وهذا التشبيه من روائع البلاغة النبوية، ومساقه هنا الآن لمناسبة رجوع البدراوي باشا عن تبرعه بأربعين ألف جنيه لإنشاء معمل أمصال الكوليرا.
(العباس)