الرئيسيةبحث

مجلة الرسالة/العدد 745/الكتب

مجلة الرسالة/العدد 745/الكتب

بتاريخ: 13 - 10 - 1947


كتاب (الله)

(تأليف الأستاذ عباس محمود العقاد)

بقلم الأستاذ محمود عماد

حاولت أكثر من مرة أن أكتب كلمة عن كتاب (الله) ولكنى ما كنت أهم حتى أحجم. لأن غرض الكتابة لا يعدو تقديم المؤلف، أو تقديم الكتاب. أما المؤلف فهو غنى عن التقديم لأنه (العقاد)، وأما الكتاب فأنى أرى كل تقديم له تأخيراً. إذ هو ليس من الكتب التي تلم بها الكلمة العابرة، وتضع منها أمام القارئ صورة مصغرة.

وإذا كانت كل أوراق مغلفة تسمى كتاباً، فأن هذه الأوراق شئ أجل من كتاب. إنها حادثة من حوادث القلم التي لا تقع في عالم التأليف إلا في آماد متباعدة.

ولو أن هذا الكتاب ظهر في بلاد غير مصر لكان له فيها دوى يزلزل آلاف الكتب عن رفوفها. ولكنه ظهر في مصر فكان حسبه أن يجد له بين كل ألف رف مكاناً واحداً، وأن يكون هذا المكان هو أهدأ أمكنة المكتبة حركة، حتى أذن الله فيقيض له مترجماً يترجمه إلى لغة أجنبية. عند ذلك يحدث الدوى، وتكون الزلزلة. إذ يرى فيه العالم أول كتاب تقصى تاريخ العقيدة البشرية، من عهد الطوطمية إلى عهد التوحيد، مستهديا بالعلم والفلسفة والإلهام، مذ طور الخلية حتى طور العقل.

وهى رحلة طويلة شاقة إلا على قلم رحال متقص كقلم العقاد الذي عقد في فناء كتابه مؤتمرً من فلاسفة الأمم، شرقيها وغربيها، قديمها وحديثها، تبوأ فيهم العقاد مكان الصدارة، وأخذ يناقش كل فيلسوف رأيه، نقاش الخبير بكل رأى، فيخذل هذا حتى لا يجد له من ناصر، وينصر ذاك حتى لا يتصدى له خاذل. ثم يخلص إلى رأيه الخاص، يطالعك به واضحاً مشرقاً كالشمس تخلصت من السحب، في عبارة غنية، وحجة حاسمة، ومنطق مستقيم. وهى صفات التفوق.

قلت إن كتاب (الله) لايلخص، ولكنه يقرأ. فليقرأه من يريد أن يعتز بالعبقرية الشرقية، والبيان العربي. وما كتبت هذه الكلمة تقديماً للكتاب، ولكن لأجد بها فرجة في جو (الرسالة) الفسيح من شعور مكبوت يغالبني منذ قرأته. بل هو يغالبني كلما قرأت محضر ساعة من ساعات العقاد التي يجلسها بين كتبه. تلك الساعات الحافلة التي أقول فيها بحق:

عباس طرت إلى السماء ... ولمست ذرات الضياء

ونفذت قبل إلى طبا - ق الأرض من يبس وماء

لم تحتجب عنك الكثا - فة، لا ولا دق الصفاء

أفأنت روح خلص ... أمأنت سر الكهرباء؟

كلا، فأنك مثل هذ - االناس محمود البناء

يعروك ما يعروهمو ... من راحة أو من عناء

فيم اهتديت إلى الذي ... ضلوا وأحصيت الخفاء؟

هذا بأنك شاعر ... والشعر يعرف ما يشاء

والشعر يبدو في النظ - يم أو النثير على السواء

ساعاتك الغر السوا - نح من نفاذ وامتلاء

جثم الزمان بها كما ... جاس الوليد القرفصاء

وتحدثت فيها الحيا - ة بغير لبس والتواء

أكبر بساعتك التي ... وسعت نواميس البقاء

في أي حجم صيغ (عقر ... بها) وفي أي استواء؟

أتراه فوق الأرض ركـ - ب أم على وجه السماء؟

يا ليته قيست به ... أعمارنا قبل الفناء

فإذا بها تضفو كأعما - ر النجوم على الفضاء

محمود عماد