الرئيسيةبحث

مجلة الرسالة/العدد 742/الأدب والفنّ في أسبُوع

مجلة الرسالة/العدد 742/الأدب والفنّ في أسبُوع

مجلة الرسالة - العدد 742
الأدب والفنّ في أسبُوع
[[مؤلف:|]]
بتاريخ: 22 - 09 - 1947


أحزبية في الأدب:

من بلائي أني أقرأ أكثر ما يكتب في هذه الأيام، وخاصة ما يتعلق بالآداب والفنون، وقد وقعت أخيراً في مجلة (العالم العربي) على كلمة في كتاب (أبو الهول يطير) الذي ظهر أخيراً للأستاذ محمود تيمور بك، بتوقيع (أنور المعداوي - من الأمناء)

قال ذلك الذي هو من (الأمناء) بعد أن وصف ما كتبه تيمور في أول الكتاب عن فجيعته في ولده: (ولست أدري ما الذي دفع بيدي - وأنا في دنيا تيمور الحزينة - إلى كتاب (وحي الرسالة) لتقلب صفحاته حتى تقف بي عند صفحة تحمل عنواناً حزيناً هو (ولدي)، لقد رحت أقارن بين الكلمات هنا وهناك فماذا رأيت؟ رأيت البون شاسعاً بين آثار الفجيعة في الأديب المصنوع وأثرها في الفنان المطبوع).

ومجلة العالم العربي كانت قد أعلنت، بعد أن تنحى عنها الأستاذ سيد قطب، أن سيشترك في تحريرها الأستاذ محمود تيمور بك، ثم كتبت على غلافها (يشترك في التحرير: محمود تيمور بك) والمعروف عن تيمور أن مشاركاته في الصحف والمجلات لا تتعدى قصة أو مقالا يكتبه للصحيفة أو المجلة، وليس الأمر إلا كذلك في علاقته بمجلة العالم العربي، وقد فهم الناس بطبيعة الحال أنها ترمي إلى الاستعانة باسم تيمور، فهل البون الشاسع بين أثر الفجيعة. . الخ، تيحة لتيمور على حساب النيل من الأقدار!

أو أن البون الشاسع. . الخ، بدوة من بدوات (الأمناء) وزفرة من زفراتهم الحرار التي تحتبس بين ضلوعهم من يوم أن ساق إليهم صاحب (دفاع عن البلاغة) قاصمة الظهر في كلمته البالغة الخالدة عندما تعرضوا لكتابة في مجلة (الكتاب)؟

ونعرف كثيراً من دوافع النقد في مصر، ولمكنا لم نعهد بينها أن جماعة تنتمي إلى البلاغة والأدب وتتسمى باسم أستاذها، تضطغن على من يخاصمه هذا الأستاذ، فتحاول النيل منه بالدعاوى المطلقة والقول الجذاف، فأصبحنا بذلك أمام حزب كأحزاب السياسة، يستعمل أدواتها في التشهير بالخصوم. .

ثم ما هذا الذي يقوله ذلك (الأمين) المعداوي؟ إنه يردد ما هرف به بعض العجزة المتخلفين، إذا قالوا إن الأستاذ الزيات يصنّع في أدبه، وهم يقصدون ما يتوخاه في كتابته من حسن الصياغة وجمال الديباجة وإجادة الرصف وإحكام النسج. ومن أعجب العجب أن يعاب الكاتب بهذه المزايا، كأن الركاكة وضعف الأسلوب من إمارات العبقرية والنبوغ! على أن الزيات يحلى أصالة الطبع ببراعة الصنعة، وهو في كتابته كالرجل الأنيق المعني بهندامه وزيه دون إسراف ولا تكلف؛ وقد أجمل العقاد نعته بقوله: (أنيق في غير بهرجة ولا فضول، بليغ في غير عسر ولا تكلف).

على أن تيمور أخذ هو أيضاً منذ سنوات يميل إلى التنميق اللفظي، وخاصة في هذا الكتاب (أبو الهول يطير) وهذا هو يقول في خطاب ولده في الفصل الذي وازنه الكاتب (الأمين) بمقال (ولدي):

(تهتاج بين جوانحي رغبة متقدة في الكتابة إليك، في مخاطبتك. . . في فك الإسار عن نفسي التي تتنزى في القيود والأصفاد! لقد أسكنت هذه النفس قمقما من قماقم (سليمان) وأحكمت سده بالرصاص، وقذفت به في قاع المحيط، هنالك تحت أعماق الماء، حيث يتكدس الظلام والصمت طبقات فوق طبقات) فترى الصنعة بادية في هذا الكلام، وهي جديرة ان تعد من عناصر الجمال الفني فيه، فهل معنى ذلك أن تيمور أديب مصنوع؟

إني لا أناقش هذا (الأمين) وهو لم يأت بدليل يناقش ولا حجة تدفع، ولكني كنت مدرساً، وأراني، في هذا الوطن قد غلبت عليَّ طبيعة المدرس، فجنحت إلى الشرح وإيراد المثال.

يا بني، إني آتيك بشيء من مقال (ولدي) فاسمع:

(كنت في طريق الحياة كالشارد الهيمان، أنشد الراحة ولا أجد الأنس، وأكسب المال ولا أجد السعادة، وأعالج العيش ولا أدرك الغاية! كنت كالصوت الأصم لا تُرجِّمه صدى وكالروح الحائر لا يقره هدى، وكالمعنى المبهم لا يحدده خاطر! كنت كالآلة نتجتها آلة واستهلكها عمل، فهي تخدم غيرها بالتسخير، وتميت نفسها بالدءوب، ولا تحفز نوعها بالولادة؛ فكان يصلني بالماضي أبي، ويمسكني بالحاضر أجلي، ثم لا يربطني بالمستقبل رابط من أمل أو ولدن فلما جاء (رجاء) وجدتني أولد فيه من جديد).

فهل رأيت يا بني أبلغ من هذا في التعبير عن حال رجل قلق حائر ينشد تجديد حياته بولد؟

وهاك أثر الفجيعة في الأديب (المصنوع):

(إن قلبي ينزف من عيني عبرات بعضها صامت وبعضها معول! فهل لبيان الدمع ترجمان، ولعويل الثاكل ألحان؟ إن اللغة كون محدود فهل تترجم اللانهاية؟ وإن الآلة عصب مكدود فهل تعزف الضرم الواري؟ إن من يعرف حالي قبل رجاء وحالي معه يعرف حالي بعده؟ أشهد لقد جزعت عليه جزعاً لم يغن فيه عزاء ولا عظة! كنت أنفر ممن يعزيني عنه لأنه يهينه، وأسكن إلى من يباكيني عليه لأنه يُكْبِره، وأستريح إلى النادبات يندبن القلب الذي مات والأمل الذي فات والمَلك الذي رفع!).

إن كلامك - يا بني - يدل على أنك قرأت هذا المقال من قبل، وأن له في نفسك صدى من قديم، ويلوح لي أنك ذو فهم، ولكن تعصبك لجماعتك وتأثرك بجوها يغطيان على بصرك. . .

ذكرى شوقي في (الأوبرج):

على أثر ما كتبناه في العدد الماضي عن حفلة ذكرى شوقي المزمع إقامتها في (الأوبرج) يوم 14 أكتوبر المقبل، نشرت اللجنة المؤتلفة لتنظيم هذه الحفلة بياناً في الصحف جاء فيه (أما الغرض من إقامة هذا المهرجان فهو تخليد ذكرى أمير الشعراء فعليا بإنشاء قاعة محاضرات باسم شوقي).

والجنة ترد بذلك على ما وجه إليها من النقد الخاص بتسعير شهود الحفلة بأسعار (الأوبرج) العالية وما في هذا من الاستغلال المادي لذكرى شوقي، فاللجنة تقول إنها ستنشئ بما تغله الحفلة قاعة محاضرات باسم شوقي. وبطبيعة الحال لن تغل الحفلة ما يكفي لإنشاء هذه القاعة إلا إذا كانت حفله (الأوبرج) بمعنى الكلمة يشترك في إحيائها فلان وفلانة كما نشرت بعض المجلات، أي أن شوقي شاعر مصر الخالد الذي أوفدت البلاد العربية كبار شعرائها للاشتراك في تكريمه بالأوبرا - سيحيي ذكرها في آخر الزمن شكوكو وتحية كاريوكا. . .!

ولم كل هذا الابتذال والإسفاف؟ لإنشاء قاعة محاضرات باسم شوقي!

عندنا قاعات للمحاضرات كثيرة، أعرضت عنها اللجنة وتأبى إلا إقامة الحفلة في (أوبرج) الأهرام. . . حيث تقام حفلات أجمل (مايوه) في ضوء القمر، وانتخاب ملكة الجمال. . . فما دامت الأفكار قد تطورت إلى هذا الحد، وأصبحت قاعات المحاضرات (مودة) قديمة. . فلم العناء بإنشائها وتجشم تكاليفها؟ إن إحياء شوقي نفسه لا يبرر هذه المهازل، فضلا عن تخليد ذكراه بقاعة محاضرات!

نفهم أن تقام في (الأوبرج) حفلة لإحياء ذكرى (أسمهان) أما شوقي فمسرح الأوبرا يعرفه، وقاعة الاحتفال الكبرى بالجامعة وغيرها ترحب بالاحتفال لإحياء ذكراه احتفالا يتمثل فيه الأدب الرفيع والفن المستقيم. . .

البعثة الثقافية إلى السودان:

جرت وزارة المعارف في السنين الأخيرة على دعم العلاقات الثقافية والأدبية بين مصر والسودان، فأوفدت بعض الأساتذة لإلقاء المحاضرات، وأنشأت مدرسة الملك فاروق الثانوية بالخرطوم كما أنشأت مدارس أولية في جهات مختلفة.

وشرعت الوزارة في استئناف هذا النشاط في هذا العام، فأعدت بعثة تتكون من ثمانية أساتذة بعضهم من الجامعة والبعض الآخر من رجال الوزارة، ومعهم ثلاثون طالباً من طلبة معهد التربية العالي للمعلمين ومعاهد المعلمين الابتدائية؛ على أن تكون مهمة الأساتذة إلقاء المحاضرات ببعض العواصم السودانية، ويزور الطلبة مختلف الأماكن هناك. وكان المقرر أن تسافر هذه البعثة في خلال سبتمبر الحالي، وأرسلت الوزارة إلى وكالة حكومة السودان بالقاهرة تطلب حجر أماكن لسفرها من الشلال إلى الخرطوم. . . وما كان أشد دهشة الوزارة عندما تلقت من هذه الوكالة أن الحكومة السودانية لا تسمح بسفر هذه البعثة إلى السودان (نظراً لتوتر الحالة السياسية!) ولا تزال الجهات المسئولة تبحث هذه المسألة وإن كان قد غطى على أهميتها بيان حاكم السودان بالنيابة الذي تضمن الإصرار على تنفيذ الخطة التي ترمي إلى فصل السودان عن مصر وانفراد الإنجليز بحكمه.

والواقع أن الإنجليز ينظرون إلى دعم الصلات الثقافية والأدبية بين شقي الوادي بعين القلق والخوف، لأن الثقافة العربية الإسلامية المشتركة هي الروح التي تسري في (نخلة الوادي) من جذعها بالجنوب إلى جريدها وسعفها بالدلتا، وإخواننا في الجنوب يقرؤون المؤلفات والصحف والمجلات المصرية بشغف عظيم، وتعمل الحكومة السودانية جاهدة على نشر اللغة الإنجليزية هناك بمختلف الوسائل، فلغة الحكومة انجليزية، والتعليم في المدارس بالإنجليزية فيما عدا اللغة العربية؛ ورغم كل ذلك يهتم السودانيون بالدارسات العربية اهتماماً كبيراً، ولكثير من الأساتذة المصريين الذين زاروا السودان وحاضروا في نواديه أطيب الذكر وأجمل الأثر.

فلا عجب أن يخشى الإنجليز خطر البعثات المصرية إلى السودان وإن كانت ثقافية، بل إن الرابط الثقافي أفعل من الدعاية السياسية في هدم سياستهم الاستعمارية.

توصيات المؤتمر الثقافي:

اختتم المؤتمر الثقافي العربي بلبنان أعماله في اليوم العاشر من سبتمبر الحالي. وقد وزعت قرارات المؤتمر التي اتخذت بإجماع الآراء، ومن أهم ما جاء فيها خاصاً بالتربية الوطنية وجوب بث الروح الوطني في نفوس النشء، وأن يعد الوطن هو الوطن المحلي، ثم الوطن الكبير الذي يضم الدول العربية، وأن تكون الدراسات الاجتماعية أساساً لتدريس التربية الوطنية على أن يشمل هذا الأساس إبراز الاتصال الجغرافي التام بين البلاد العربية والتدليل على الدور الخطير الذي قامت به الدول العربية على ممر العصور في إنشاء الحضارات وتقدم الإنسانية، والتوسع في إبراز دور الإمبراطورية العربية، وأن العروبة لم تكن يوماً لدين ما، بل هي أمانة في عنق كل عربي، وأن التعصب لم يعرف في البلاد العربية إلا في العصور التي حكم فيها الأجانب.

ومن القرارات الخاصة بالجغرافيا، العناية بجغرافية الوطن المحلي، ثم جغرافية البلاد العربية واتخاذ قدر مشترك يختاره كل قطر عربي، وإقامة رحلات بين مختلف الطلبة العرب ليطلعوا عملياً على جغرافية البلاد العربية.

ومن القرارات الخاصة بالتاريخ العناية بالتاريخ الوطني المحلي وصلاته ببقية الأقطار العربية، ثم تتسع الدراسة على ضوء القدر المشترك من التاريخ العربي وإبراز أبطاله وأمجاده، والتبسط في الصلات التاريخية بين البلاد العربية وإظهار أثر الحضارة العربية في الحضارة العالمية، وتمجيد الأحداث العظيمة، وتخليد ذكرى عظماء الشرق العربي سواء بإقامة التماثيل لهم أو تسمية الشوارع بأسمائهم، وضرورة اتخاذ الطريقة العملية في دراسة التاريخ.

وقد قدمت هذه التوصيات بعد موافقة اللجان عليها من هيئة المؤتمر العامة للإدارة الثقافية لجامعة الدول العربية، لتعرضها على مجلس الجامعة، فإذا أقرها أصبحت توصيات لكل بلد عربي أن يأخذ بها بالقدر الذي يرتضيه.

ويلاحظ القارئ أن هذه القرارات أو التوصيات لا تشمل اللغة العربية، وهي من موضوعات المؤتمر مع التربية الوطنية والجغرافيا والتاريخ، وقد ترامى إلينا أن القرارات التي أذيعت هي التي وافقت عليها اللجان بإجماع الآراء، ولم يتم ذلك فيما يختص باللغة العربية.

(العباسي)