مجلة الرسالة/العدد 738/من وراء المنظار
→ مكتبة الأطفال العربية | مجلة الرسالة - العدد 738 من وراء المنظار [[مؤلف:|]] |
تعقيبات ← |
بتاريخ: 25 - 08 - 1947 |
شرف. . .!
مشى العمدة في جلبابه النظيف المهندم وعلى رأسه طربوشه الطويل الأقتم، وفي يده عصاه الغليظة المحلاة بالذهب، ومن خلفه بعض وجوه القرية وبعض خفرائها، وإنه يحرص أبداً أن يسير ومن ورائه عدد من الناس ليوقع الرهبة في نفوس من يمر بهم من أهل قريته، وما يلمح أحد من أهل القرية هذه (الزفة) إلا نهض محيياً يتكلف أكثر ما يستطيع من التأدب والخشوع، فإن كان من ذوي المكانة جرؤ على أن يضيف إلى عبارات تحيته: (تفضل يا حضرة العمدة. . . شرفنا يا سعادة البك) وقنع من حضرة العمدة رداً على تحيته وعلى دعوته بإشارة خفيفة من يده علامة على الرضاء لا تكاد ترى، أو بتمتمة خافتة على شفتيه لا تكاد تسمع؛ وإن كان من عامة الناس فما يستطيع إلا أن ينهض خاشعاً إذا أبصر العمدة من بعد، ثم يظل في خشوعه لا يلتفت يمنة ولا يسرة ولا يرفع رأسه حتى يمر به العمدة فيرفع يده إلى رأسه في ضراعة، ويرد في اهتمام تلحظه في نغمته تحية الإسلام التي قد يلقيها إليه أحد من ساقة هذا الركب، ثم يجلس بعد أن يمر به الركب كله، وفي خياله شارب العمدة وعبوس وجهه وطربوشه الأقتم الطويل وعصاه المذهبة الغليظة، وحسبه جرأة أنه استطاع أن ينظر إلى ذلك الشارب المهيب، وإن كان ذلك بعد أن يمر به العمدة أو يكاد فيلمح طرفي شاربيه وهو ينظر إليه من وراء ظهره. . .
لم يبق على أذان المغرب إلا ساعة أو بعضها، ويرى الناس وكأنهم
سكارى مما فعل بأبدانهم وأرواحهم الحر والصيام وامتداد النهار وشدة
الغلاء، وطول انقطاع ماء الري حتى هلكت الذرة الوليدة أو كادت،
وتفتحت بعض لوزات القطن المحترق قبل أوانها ووقفت سوقه فلا
تنمو.
ووقف العمدة وركبه عند أول السكة الزراعية في مفرق الطرق بين قريته وقريتنا وبعض القرى المجاورة، وهو مكان به عدد من الدكاكين وكثير من الناس، وما أن وقع بصره على رجل من أهل قريته حتى ناداه في عنف، فخف المسكين إليه وهو يتمتم في صوت سمعه بعض الناس: (يا نهار اسود. . . يا خرابي) ويحاول أن يبلع ما أبقى الصيام والقيظ في فمه من ريق فلا يجد شيئاً، ووقف المسكين بين يدي حضرة العمدة، فهل رأيت العصفور الهزيل بين يدي صقر جارح؟ وراح العمدة ينهره في صوت كالرعد أكبر ظني أن المسكين لم يسمعه من فرط رعبه. . يا كيت وكيت ويابن كيت وكيت. . من هاتيك الألفاظ التي تجري بها ألسنة العمد وأصحاب السلطان في القرى، وأمسك العمدة هذا المسكين بإحدى يديه وصفعه بالأخرى مرتين على وجهه المصفار في عنف وغلظة، فما تركه حتى سقط المسكين على الأرض يعفره التراب، فركله العمدة كما يفعل بكلب حقير!
ولم أدر سبباً لهذا الضرب، غير أني أحسست بالدم يصعد حاراً قوياً إلى وجهي، وطاف برأسي في مثل لمحة الطرف طائف مما نلوكه نحن المتعلمين من ألفاظ الحرية والديمقراطية والدستور ومجلس الأمن وأضرابها مما نخادع به أنفسنا، وهممت أن أنقض على هذا الصقر، وأبعثها حرباً بين الأسرتين والقريتين حتى ولو كان المضروب من أكبر المجرمين؛ وما كدت أسمع ممن حولي أنه من المساكين المسالمين، حتى انتفضت انتفاضة المحموم، وخطوت أوقد نار الحرب عليّ أطفئ بها نار غضبي!
ونهض المكين يبكي ويئن ويضع يديه على وجهه مكرراً قوله: (أمري إلى الله. . . أمري إلى الله) وكأنما عز هذا على أحد حاشية العمدة فنهره قائلاً: (اخرس يا حمار. . بوس يد العمدة وقل له ضربك شرف يا سعادة البك، وبذلك يصفح عنك)
وسبقني إلى حيث يقف العمدة وحاشيته شاب يلبس جلباباً أبيض، ويضع طربوشاً فوق رأسه، علمت أنه أخو المضروب، فالتفت إلى ذلك المتكلم الأخير قائلاً: (بل اخرس أنت يا سافل) ومرق مروق السهم إلى العمدة، فوقف يعترض طريقه في جرأة قائلاً: (لماذا تضرب أخي يا حضرة العمدة؟). . . وأخذت العمدة أول الأمر ربكة من هذه الجرأة التي لم ير مثلها قط في سنوات حكمه الثلاثين، ولكنه نظر إلى هذا المطربش في استهزاء كما ينظر المرء إلى مجنون لا يحاسب على قوله أو فعله؛ ولكن هذا المطربش أخذ يقول في عبارة فصيحة: (ما هذا الجبروت؟ إلام الظلم؟ الناس سواسية كأسنان المشط. . . نحن في عهد الدستور. . . قضية الحرية تعرض على مجلس الأمن. . . يا ناس كفى ظلماً واستعباداً لخلق الله. . . ففيم هذا الضرب وهذا الجبروت)!! وتقدم المضروب بدوره، فازداد الناس عجباً إذ سمعوه يتوثب أمام العمدة قائلاً: (إيه الجبرؤوت ده. . . دا ظلم. . . دا جبرؤوت!) ودفعهما أعوان العمدة من طريقه، ومضى العمدة وهو يلعن الدستور والحرية، ويسخر في صوت مسموع من هذه البدع التي أفسدت الناس، ويكظم غيظه من هذا المعلم الإلزامي الثائر الذي غضب لضرب أخيه، والذي يفسد هو ونظراؤه القرى!
واستمر المعلم الجريء النبيل يرفع صوته متحدياً معلناً أنه سيرفع إلى النيابة شكواه واستشهد بي وبغيري، فقبلت أن أشهد مغتبطاً، وأنا أقول لنفسي: هؤلاء هم الذين يصلحون القرى لا الذين يفسدونها، وما يفسدها إلا أمثال هذا المتجبر الطاغية الذي يعيش بجهله وجاهه في القرن الماضي. . ومضيت إلى داري قرير النفس - وقد ذهب عني الغضب - وأنا أقول: لن يكون لمصر دستور بالمعنى الصحيح، حتى يتعلم أبناؤها، ولن تقوم الديمقراطية الحق إلا على أساس من العلم!
أما الذين رفضوا أن يؤدوا الشهادة، فقد انقلبوا إلى دورهم وهم يفكرون فيما سوف يحل بهذا المعلم الإلزامي من نكال أقله تقليع زرعه أو حرقه، وإهلاك ماشيته بالسم، ومطاردة أهله وذوي قرباه، إلا أن تعصمهم من عذاب هذا الطاغية رحمة من الله!!
(الشهداء)
الحفيف
11 - تفسير الأحلام
للعلامة سجموند فرويد
سلسلة محاضرات ألقاها في فينا
للأستاذ محمد جمال الدين حسن
الرموز في الأحلام:
والقيام برحلة بعيدة يعبر في الأحلام عن الموت. وبالمثل جرت العادة أن تقول المربية للطفل عندما يسأل عن مقر شخص مات من زمن وأحس الطفل بفقده أن هذا الشخص قد (سافر). وهنا أقرر كذلك أنني أعني إن هذا الرمز يرجع مصدره إلى هذا الرد الملتوي على سؤال الطفل. فالشاعر يستخدم نفس الرمز عندما يتحدث عن الآخرة فيقول: (هذا العالم المجهول الذي لا يؤوب منه المسافر أبداً)؛ وكذلك من المألوف في حياتنا اليومية أن نتحدث عن (الرحلة الأخيرة) كما أن الشخص الذي له إلمام بالطقوس الدينية القديمة يعرف بلا شك كيف كان الناس يحملون على محمل الجد هذه الفكرة عن رحلة في أرض الأموات، كما هو الحال في المعتقدات المصرية القديمة. ولما كانت القبور تشيد الآن بعيداً عن منازل الأحياء، فقد صارت (الرحلة الأخيرة) للميت حقيقة واقعة.
والرموز الجنسية ليست قاصرة على الأحلام فقط؛ فكلكم يعرف أننا نطلق على المرأة كلمة (شنطة) عندما نريد أن نحتقرها، ولكن ربما لا يعلم الناس أنهم بذلك يستخدمون في حديثهم رمزاً جنسياً. ونحن نقرأ في كتاب (العهد الجديد) أن: (المرأة هي الوعاء الأضعف) وفي الكتب المقدسة لبني إسرائيل، وهي تمتاز بأسلوبها الذي يقرب جداً من الأسلوب الشعري، نعثر على كثير من التعبيرات التي تحتوي على رموز جنسية، والتي لم يفسرها الناس دائماً على الوجه الصحيح. أما في الآداب العبرانية التي جاءت بعد ذلك، فالمرأة تشبه غالباً بمنزل، بينما الباب يمثل الفتحة التناسلية؛ وعلى هذا نرى الرجل يتشكى عندما يكتشف أن المرأة لم تكن عذراء فيقول أنه (قد وجد الباب مفتوحاً) وفي هذه الآداب نرى أن (المائدة) يكثر استعمالها كرمز للدلالة على المرأة، فتقول المرأة عن زوجها: (لقد مددت له المائدة ولكنها قلبها.) ويقال عن الأطفال العرج أن عاهتهم ترجع إلى أن الرجل قد (قلب المائدة.)
وعلماء الكلام يعضدون الاعتقاد بأن السفن في الأحلام تمثل النساء. فهم يؤكدون أن كلمة (سفينة) كانت في الأصل اسماً لوعاء من الخزف، وتؤدي نفس المعنى الذي تؤديه كلمة (دن أو وعاء من الخشب). وأما كون (الفرن) ينثل المرأة أو رحم الأم، فتفسير تعززه الرواية الإغريقية (بيرياندر) وزوجته (ميليشيا)، وذلك أن الطاغية، كما يروي (هيرودتس)، بعد أن قتل امرأته بدافع الغيرة، وكان قد أحبها حباً جارفاً، ناشد خيالها أن يخبره بشيء عن نفسه، وعند ذلك أثبتت المرأة الميتة شخصيتها بأن ذكرته بأنه أي (برياندر) قد (وضع خبزه في فرن بارد) وقد عبرت بهذه الصيغة المستترة عن حادث لم يكن أحد على علم به. وفي كتاب للكاتب (رأفْ. رأسْ. كروسْ) يدعى وهو موسوعة لا غنى عنها لمن يريد أن يلم بكل ما يخص الحياة الجنسية عند الشعوب المختلفة، نقرأ أن الناس في حي خاص من ألمانيا يقولون عن المرأة عندما تضع طفلاً أن (فرنها قد تفتتت أجزاؤه). وإشعال النار وكل ما يتعلق بذلك تتخلله كثير من الرموز الجنسية، فاللهب دائماً يمثل القضيب، بينما الموقد أو المدفأة تمثل رحم المرأة.
وإذا كان قد اتفق أن أخذكم العجب لكثرة وقوع (الأصقاع) في الأحلام كرمز للدلالة على الأعضاء التناسلية للأنثى، فإن في استطاعتكم أن تعلموا من أساطير الأقدمين كيف كانت (أمنا الأرض) تلعب دوراً كبيراً في أفكار الناس ومعتقداتهم، وكيف كان فهمهم للزراعة كله محدداً بهذا الرمز. وإذا كانت الحجرة في الأحلام تمثل المرأة، فإنكم قد تميلون إلى إرجاع هذه الحقيقة إلى الكلمة الألمانية (ومعناها الحرق في حجرة المرأة) التي تستخدم في اللغة العامية للدلالة على المرأة أي أن المرأة تمثل بالمكان المخصص لها لتشغله: ونحن كذلك نتحدث عن (الباب العالي) ونقصد بذلك السلطان وحكومته، كما أن كلمة (فرعون) التي كان يطلقها قدماء المصريين على الحاكم معناها (الفناء الأعظم) (الفناء الذي يقع بين بوابتي المدينة كان يستعمل في الشرق قديماً كمكان للاجتماع مثل الأسواق في العصور الكلاسيكية) ولكني أحسب أن هذا الاشتقاق سطحي جداً، وإنما يتهيأ لي أن الأكثر احتمالاً هو أن الحجرة قد صار استعمالها كرمز للدلالة على المرأة لما لها من خاصية الاحتواء بداخلها على بني الإنسان. وقد سبق لنا أن رأينا المنزل يستخدم في نفس المعنى؛ وإذا رجعنا إلى الأساطير والشعر فإن في استطاعتنا أن نعتبر المدن، والقلاع، والقصور، والحصون رموزاً أخرى كذلك تمثل المرأة. وهذه النقطة من الممكن البت فيها إلى رجعنا إلى أحلام الأشخاص الذين لا يتكلمون الألمانية أو يفهمونها. وقد حدث في السنوات الأخيرة أن أغلب مرضاي كانوا من الأجانب، وإني لأحسبني أتذكر أن الحجرة كانت تبدو في أحلامهم أيضاً للدلالة على المرأة ولو أنه لا توجد في لغتهم العامية كلمة تقابل كلمة عندنا. وهناك دلائل أخرى على أن الرمزية تتجاوز حدود اللغات وهي حقيقة سبق إثباتها قبل الآن على يد الباحث القديم (شوبرت) عام 1882. ومع هذا فإنه لا يوجد بين مرضاي من يجهل اللغة الألمانية جهلاً تاماً، وعلى هذا فإنني أترك هذه النقطة ليبت فيها أولئك المحللون الذي في استطاعتهم أن يجمعوا شواهد من بلاد أخرى لا يتكلم أهلها إلا لغة واحدة فقط
والرموز المستعملة للدلالة على العضو الجنسي المذكر لا يوجد بينها رمز لم يجر استعماله في معرض المداعبة أو الحديث المبتذل، أو في الأسلوب الشعري خصوصاً عند القدامى من الشعراء الكلاسيكيين ونحن لا نعثر هنا على الرموز التي تقع في الأحلام فقط، بل على رموز أخرى كذلك مثل (الأدوات) المستعملة في أنواع العمل المختلفة وأهمها (المحراث). وفضلاً عن ذلك فميدان الرموز المذكرة ميدان متسع إذا نزلنا إليه تعرضنا لكثير من المناقشات والجدل، وعلى هذا فسنتجنب ذلك خوفاً من ضياع الوقت. ولكني أريد فقط أن أوجه بعض الملاحظات إلى الرمز الذي يظهر كثيراً قائماً بذاته؛ أعني العدد (ثلاثة). فهذا العدد تحيط به هالة من القداسة لا نستطيع أن نقرر بعد إن كانت ترجع إلى دلالته الرمزية، ولكن يبدو أنه مما لاشك فيه أن الأشياء الطبيعية المثلثة الشكل مثل عود البرسيم تستخدم كشعار لدلالتها الرمزية. وزهرة الزنبق الفرنسية بأجزائها الثلاثة يقال أنها ليست إلا صورة تنكرية للعضو الجنسي المذكر، وكان الناس في العصور القديمة يعتقدون أن (الأيقونة) منها هي أقوى الوسائل التي تدفع عنهم الشر والأذى، والدليل على ذلك أننا نجد في هذا العصر أن الطلاسم التي تجلب الحظ السعيد ما هي إلا رموز تناسلية أو جنسية. دعونا ننظر في بعض هذه الطلاسم التي تصنع على شكل (دلاّيات) من الفضة وهي: عود البرسيم ذو الأربع ورقات، والخنزير، وعش الغراب، وحدوة الحصان والرجل الذي يكنس المدفأة ومعه سلمه، أما عود البرسيم ذو الأربع ورقات فقد حل محل العود ذي الثلاث ورقات الذي كان في الواقع أنسب للغرض المطلوب وهو الرمزية، وأما الخنزير فرمز قديم للإخصاب، وعش الغراب يمثل القضيب من غير شك، بينما حدوة الحصان ترسم المنحني الذي تتخذه الفتحة التناسلية للأنثى. وأما (الرجل الذي يكنس المدفأة) بسلمه فينتمي إلى هذه المجموعة لأن وظيفته تقارن دائماً بعملية الجماع في الأحاديث المبتذلة. وقد تعلمنا من الأحلام كيف يظهر هذا السلم كرمز جنسي، وهناك تعبيرات في اللغة تدل على الكلمة (يصعد) من الدلالة الجنسية المطبقة مثل قولهم (يجري وراء المرأة). وهكذا الحال أيضاً في اللغة الفرنسية حيث نجد أن كلمة معناها (درجة) وأن الرجل العجوز المتهتك يطلق عليه: وربما كان هذا الترابط بين الأفكار يرجع إلى أن عملية الجماع عند الحيوانات الكبيرة تستلزم أن يمتطي الذكر أو يركب على الأنثى.
أما تمثيل العادة السرية رمزياً بوساطة جذب فرع من الشجرة فليس مما يتفق مع الأوصاف العامية المبتذلة لهذه العملية فحسب، بل إن له كذلك أشباهاً في الأساطير. ولكن الغريب الذي يلفت النظر حقاً هو تمثيل العادة السرية أو على الأصح الخصاء كعقاب للإدمان عليها، بسقوط أو اقتلاع الأسنان؛ لأننا نجد في القصص الشعبية مقابلاً لذلك لا يمكن أن يلم به إلا قليل من الحالمين. فإني أظن أنه ما من شك في أن (الختانة) وهي عادة عند كثير من الشعوب، تعتبر معادلة أو بديلة من الخصاء. وقد وصل إلينا منذ عهد قريب أن بعض القبائل الشاذة في أستراليا تمارس الختانة كطقس للدلالة على البلوغ بينما بعض القبائل الأخرى التي تجاورها قد استبدلت هذه العادة بعادة أخرى وهي اقتلاع إحدى الأسنان.
(يتبع)
محمد جمال الدين حسن
حيفا تحت أضواء القمر
للأستاذ حسن البحيري
إذا نظرت عيناك من بسط الغمض ... مصابيح (حيفا) وهي باهرة الومض
رأيت السنى لف الدجى ورأيتها ... نجوم سماء قد نثرن على الأرض
وإن جلت بالطرف اللموح وأنت من ... ذرى (الكرمل) الشم الشعاف على نهض
وشارفت أرجاء (الخليج) بظلها ... وأمواجه بين التبسط والقبض
وقطر السنى ينهل من قمر الدجى ... فيغسل وجه الماء بالذهب المحض
تصورته صبحاً. . . (وحيفا) وسحرها ... بقية ليلى عند شاطئه الفضى
بقية ليل قد تجمع نجمها ... مضى الليل عنها. . وهي بالنجم لم تمض!
(حيفا) حسن البحيري
مناقشة هادئة: إلي أبي العلاء. . .
للشيخ محمد رجب البيومي
أألف دقيقة أم ألف عام ... كأنك لم تزل تبدو أمامي
أراك تسير بين الناس مثلي ... فأسأل هل فررت من الحمام
وأقسم قد لمحتك ذات يوم ... فسرت إلى لقائك في اهتمام
وجئتك والسرور يقيم نفسي ... ويقعدها على غير انتظام
فأوقعني جلالك في ذهول ... فلم أفطن لإلقاء السلام
ولو أني ملكت زمام نفسي ... لأديت التحية باحترام
لدي إليك أسئلة فأسرع ... بأجوبة تبل بها أوامي
علام لزمت بيتك وهو سجن ... حمدت بظله طيب المقام
سخطت على الورى فمكثت فيه ... ورحت تصب نقدك كالسهام
رأيت الذئب يقرب من أخيه ... فما لك قد بعدت عن الأنام
عذرتك حين ضقت بأم دفر ... وصرت تحن للموت الزؤام
فلو سلمت لك العينان حيناً ... لهمت بحبها كل الهيام
فمن ذا يكره الدنيا وفيها ... تطالعه الطبيعة بابتسام
لئن تك قد فقدت ضياء عين ... فضوء حجاك كالبدر التمام
أنار لك الطريق فسرت فيه ... وذو العينين يخبط في الظلام
أراك مخالفي في كل رأي ... فهل لك من سبيل للوئام
تعاف المال وهو أعز شيء ... حرمت لأجله طيب المنام
ويؤلمني خصامك للغواني ... فما الداعي إلى هذا الخصام
لعلك رمت منهن اتصالاً ... فمثلك ليس يخلو من غرام
فلما أن صددن وضقت ذرعاً ... بهن سلكت خطة الانتقام
رأيت الغيد منية كل فرد ... وإن أبدى السلو على الدوام
تبعت الوهم فاستحدث رأياً ... خلطت به الحلال مع الحرام فهالك أن ترى القصاب يجري ... دم الشاة الضعيفة في الرغام
فهبها لم تكن ذبحت عياناً ... أما سيغولها ليث الحمام
رويدك لست أرحم من إله ... تخيرها غذاء للأنام
نقمت على الزواج وأنت أدرى ... بحكمته فما هذا التعامي
وقلت لئن رزقت فتى سأجني ... عليه بتركه بين الطغام
حنانك، عله يغدو مليكاً ... يتيه على الجبابرة العظام
فتاك دعامة لك كيف تبني ... خلودك في الحياة بلا دعام
جنيت عليه حين سرى لهيفاً ... بظهرك يشتكي حجب الظلام
قضيت العمر في شك ممض ... تفتش عن مصيرك في الرجام
تعز عليك روحك حين تمضي ... فتسأل هل تؤول إلى انعدام
شكوك حيرتك فكنت تصلي ... بها ناراً مؤججة الضرام
فليتك قد أرحت النفس منها ... ولم تنظر إليها باهتمام
ذممت الخمر ثم غرست كرماً ... مددت ظلاله من ألف عام
فها هو شعرك الجذاب يتلى ... فيفعل بالنهى فعل المدام
علام قد ألزمت به قيوداً ... ألم تك في غنى عن الالتزام
تحاول أن تفوق الناس طراً ... وتلك طبيعة الرجل الهمام
بيان يرتقي بالروح حتى ... يطير جناحها فوق الغمام
تكاد إذا رقيت به مريضاً ... تسري عنه آلام السقام
رهين المحبسين وددت أنى ... بلغت بمدحتي حد التمام
ولكني ختمت القول عجزاً ... فما أدنى ابتدائي من ختامي
محمد رجب البيومي