مجلة الرسالة/العدد 737/الأدب والفن في أسبُوع
→ تعقيبات | مجلة الرسالة - العدد 737 الأدب والفن في أسبُوع [[مؤلف:|]] |
البريد الأدبي ← |
بتاريخ: 18 - 08 - 1947 |
الفن والبيئة المصرية:
جاء في مجلة المصور ما يلي: (كان من مظاهر عناية جلالة الملك بالفن والفنانين أن أمر جلالته بتخصيص قطعة أرض مجاورة لقصر القبة العامر، مساحتها نحو ثلاثة أفدنة، لينشأ عليها مبنى للصغار الذين يظهرون نبوغاً في فن الرسم والنحت وما إليهما. ويرى جلالته أنه ينبغي تنشئة جيل جديد من الفنانين الذين لم يتشبعوا بعد بالفن الأجنبي ليجيء فنهم مصرياً خالصاً من وحي طبيعة مصر وبيئتها).
وهذا الرأي السامي الذي أرتآه جلالة الملك يتضمن لفتة ألمعية بارعة إلى ناحية من أبرز نواحي النقص في الفنون عندنا، بل لعلها علة القصور في جمهرة الفنانين، وهي الانشغال بالتقليد والاقتباس عن الإحساس بالبيئة وتأمل الطبيعة والأحوال المحيطة، وليس هذا في الرسم والنحت فحسب، بل هو في سائر الفنون. فنرى الروح الغربية تغلب في الرسم والموسيقى والتمثيل وتمتد إلى الأدب، ولم يقف ذلك عند حد الاستفادة من الفنون الغربية بما يجدد فنوننا ويسير بها نحو التقدم، بل إننا نستنفد طاقتنا في أكثر النواحي الفنية، في كل ما هو بعيد عن مجتمعنا وعالمنا ونفوسنا
وما أظن أن لدينا من المرسومات والمنحوتات المصرية البحتة في هذا العصر ما يصح أن يكون إنتاجاً كافياً لأن يقال أن في مصر للرسم والنحت فناً مصرياً له مقوماته وشخصيته
وهذه الموسيقى التي يقال إنها موضوعية أو تعبيرية، تسمع القطعة منها فلا تحمل إلى إحساسك أي شيء من موضوعها، وهي وغيرها أصوات متشابهة، قليل منها ما تستريح إليه الأذن، وأكثرها ما تستريح منه بوقف المذياع! وذلك لأنها محاولات تقليدية لم تبلغ أن تكون فناً أصيلاً يعبر عن الذات ويصور الإحساس. ولقد كانت لأسلافنا موسيقى نسمع عن تأثيرها البالغ ما يؤسفنا لحاضرنا في هذا الفن، كموسيقى الفارابي التي أضحك بها وأبكى، ثم أنام بها الحاضرين وانصرف. . .
وأدبنا أيضاً لا يصدر أكثره عن بيئتنا وحياتنا ولا توحيه طبيعتنا، فالشعر (يستغرب)، والقصة لا تزال غريبة، وحتى الأفكار الاجتماعية تقتبس، وإلى جانب هذه الروح الغربية تغلب أيضاً الروح العربية السلفية، فأدبنا يقضي أكثر أوقاته إما في الماضي، الغرب.
وأصل الداء في كل هذا أننا نسلخ عن بيئتنا ونقتلع أرواحنا من منابتها الأولى، ويتمثل هذا في الناشئ الذي يتعلم في (كتاب) القرية، ثم في مدرسة المركز الابتدائية، ثم في الثانوية بعاصمة المديرية، ثم في جامعة القاهرة أو الإسكندرية، وقد يذهب إلى ما وراء البحار؛ وهو في كل مرحلة من هذه المراحل يبتعد عن القرية بعقله وروحه بمقدار ما انقضى من الزمن وما بعد من المسافة، فإذا رجع إليها وشعر بالفارق بينه وبين أهله وأهلها لم يطب له المقام فيها. . . فيهجرها. . .
وليس لهذا النقص في فنوننا إلا علاج واحد، هو الذي أشار به الفاروق، وهو أن نعيش في مواطننا ونحس بما يضطرب في عالمنا ونستوحي طبيعتنا، ليكون فننا صورة لنا وعنواناً علينا، ويكسب بذلك الروح الذي يكون به فناً حياً.
السجل الثقافي:
رأت المراقبة العامة للثقافة بوزارة المعارف أن كثيراً من الهيئات الرسمية والحرة تقوم بنشاط ثقافي متصل لا يعرف عنه إلا القليل، ولو عرض هذا النشاط متجمعاً واضحاً لكان دعاية قوية لمصر، ولكان مادة نافعة تمكن الدارس من متابعة سير تلك الهيئات وإنتاجها وتوجيهها فيما يزيد الانتفاع بها؛ فتقرر إنشاء قسم بها للقيام بتجميع نشاط الهيئات الثقافية، وسمي (إدارة التسجيل الثقافي) وعمل هذه الإدارة تسجيل مظاهر النشاط الثقافي في البلاد من كافة جوانبه، عدا الجانب الذي تضطلع به معاهد التعليم وفق برامجها الرسمية، ليجتمع للباحثين في شئون الثقافة العامة أسباب العلم بما بلغته البلاد من التقدم العلمي، ومدى وعيها الثقافي، وما ينتظر أن تبلغه على الأيام في هذا السبيل، ليؤدي ذلك إلى غايتيه الطبيعيتين:
الأولى تعريف ضيوف مصر والمهتمين بشئونها من الأجانب، المكانة التي بلغتها مصر من الثقافة العامة.
الثانية إعداد البيانات والوثائق التي تحتاج إليها الحكومة، والهيئات العلمية، والمثقفون في البلاد، لتدعيم النهضة الثقافية، وتوجيهها الوجهة الكفيلة بتحقيق مصلحة البلاد، وتكميل النقص فيها، ومدها بأسباب القوة والاستمرار، حتى تكون مشروعات البلاد وبرامجها الثقافية العامة مستندة إلى أساس، قاصدة إلى هدف.
ولتحقيق هذين الغرضين كان أول ما تهتم به إدارة التسجيل الثقافي إصدار (سجل ثقافي) سنوي يصف مظاهر النشاط الثقافي خلال عام ويبين اتجاهات هذا النشاط ومراميه، وسيشتمل هذا السجل على أبواب النشاط الثقافي في البلاد، وما أدته كل هيئة من الخدمات الثقافية خلال العام، سواء في ذلك الهيئات الرسمية والهيئات الشعبية، كمجمع فؤاد الأول للغة العربية وما يشبهه من المجامع، ودور الكتب في القاهرة والأقاليم، والمتاحف العامة والخاصة، والجمعيات الثقافية، والجامعة الشعبية، والأندية العلمية، والمعارض، والإذاعة، والمسرح، والسينما، وحركة النشر والطباعة، والصحافة، والمحاضرات، والتعاون الثقافي، وما يتصل بذلك من ألوان نشر الثقافة.
وقد استقر الرأي على اعتبار العام الثقافي من أول يناير إلى آخر ديسمبر، ويصدر (السجل الثقافي) السنوي بعد إتمام تجميع مواد العام الثقافي، ويقدر لذلك نحو ثلاثة أشهر، بعد انتهاء العام.
وقد تكونت الإدارة من محمد سعيد العريان رئيساً، والأستاذ عبد الحميد يونس وكيلاً، والأساتذة كامل حبيب وعباس خضر وأنور المعداوي أعضاء فنيين. وابتدأت العمل في مكانها الجديد الذي اختير لها بميدان الخديوي إسماعيل بعيداً عن الديوان العام للوزارة وضغط أصحاب الحاجات الذين تزدحم بهم مكاتب الموظفين وردهات الديوان.
المؤتمر الثقافي:
عرف القراء مما كتبناه فيما مضى أن اللجنة الثقافية بالجامعة العربية دعت إلى عقد مؤتمر ثقافي بلبنان بالأسبوع الأول من سبتمبر القادم تنفيذاً للمعاهدة الثقافية المعقودة بين دول الجامعة العربية.
وسينظر هذا المؤتمر في وضع حد أدنى لمواد الدراسة في المدارس الابتدائية والمتوسطة والثانوية في البلاد العربية، وذلك في اللغة العربية والجغرافية والتاريخ والتربية الوطنية، كما سيعنى بمعالجة طرق تعليم اللغة العربية. ومنذ قليل فرغت اللجنة المؤلفة بوزارة المعارف المصرية لتيسير تعليم اللغة العربية، من مهمتها ووضعت تقريرها، ولكنها رأت عدم إذاعته انتظاراً لما يسفر عنه بحث المؤتمر الثقافي في هذا الموضوع.
وكانت لجنة المؤتمر التحضيرية قد وجهت إلى الحكومات العربية أسئلة في المواد التي هي موضوع نظر المؤتمر، بقصد إثارة النقط التي ستبحث، ليبدي المختصون آراءهم فيها. وقد تلقت اللجنة أبحاثاً كثيرة من الهيئات والأفراد واختارت ما رأته صالحاً منها، ووضعت تقارير عما تضمنته هذه الأبحاث.
ومن الأسس المبدئية التي وضعتها اللجنة التحضيرية لأبحاث المؤتمر بيان العيوب الحالية في طرق التدريس والمناهج، واقتراح ما يراه الباحث من وسائل النهوض بها وخاصة في تيسير القواعد وتيسير الكتابة ووضع خطة نافعة لتدريس تاريخ الأدب ونصوصه.
أما في الجغرافية فيعنى بجغرافية البلاد العربية خاصة ليقف أبناء كل من البلاد العربية على أحوالها المختلفة من طبيعية وعمرانية واقتصادية، ويستعان في ذلك بالمصورات والأفلام والرحلات.
وأما التاريخ فتتجه العناية فيه إلى التاريخ العربي والروابط التاريخية بين البلاد العربية في العصور المختلفة.
وفي التربية الوطنية سيكون أول أغراضها إعداد المواطن العربي المستنير ليكون مواطناً صالحاً في مجموعة البلاد العربية كما هو مواطن صالح في أمته، ويهتم بالوسائل التي تكفل تدريبه كالرحلات والجماعات المدرسية.
وقد تلقت الأمانة العامة للجامعة العربية من الفنادق اللبنانية بيانات للتخفيضات التي قررتها في أجورها لأعضاء المؤتمر، كما قررت إدارات السكك الحديدية المصرية واللبنانية والفلسطينية تخفيضات مختلفة في أجور السفر للأعضاء، وكذلك بعض شركات الطيران والسيارات.
وقد أذاعت وكالة الأنباء العربية من بيروت أنه سيشترك في المؤتمر الثقافي العربي أربعون سيدة عربية.
السينما والأهداف القومية:
من أنباء أمريكا أن دعاة صهيونيين قد اتفقوا مع جماعة من الممثلين والممثلات المشهورين للاشتراك في أفلام تدور حول الدعاية الصهيونية. وقرأت في إحدى المجلات الفنية أن صناعة السينما في إيطاليا تتجه في الوقت الحاضر إلى معالجة الموضوعات التي ترمي إلى النهوض بالأمة من كبوتها، وإلى خلق مجتمع جديد يتمتع فيه الفرد العادي بحقوقه كاملة.
فهل يمكن أن يعمل القائمون بصناعة السينما في مصر أفلاماً من هذا القبيل للدعاية لقضيتنا متخذين مما يدور حولها الآن في مجلس الأمن من عراك ونقاش، مادة لعملهم، وإن في مناظر وفدنا هناك في اجتماعاته ودعاياته ومواقف رئيسه الخطابية في المجلس لمجالاً واسعاً لذلك، وقد أنهت إلينا الأنباء أن مندوبي شركات السينما قد نشطوا في التقاط الصور في مختلف الأوضاع، فما نصيب فننا السينمائي من هذا كله؟ وما جهده في خدمة هذه القضية؟
ومن يدري فقد ينشط الإنجليز في الدعاية ضد قضيتنا بالأفلام أيضاً. فهل نقف أمام ذلك مكتفين بأضعف الأيمان. .؟
إننا نتخذ السينما اليوم ملهاة فارغ، أي أنها تسلي الشعب وتروح عنه ولكنها لا تحمل إليه شيئاً ذا بال، ولكن الشعب لن يصبر طويلاً على هذه الحلوى، فإن وعيه القومي يفتح شهيته لغذاء نافع، وغاية الرجاء أن يصاحب هذا الوعي نضج السينمائيين والتفاتهم إلى مقتضيات الأحوال.
إنني لست متشائماً، فالزمن مع الوعي يحقق ما نصبو إليه، وقد مضى ما يكفي من الزمن واكتملت يقظة الوعي، فالتحول المنتظر وشيك الوقوع.
الأدب بين مصر ولبنان:
قرأت الكلمة التي كتبها من بيروت الأستاذ سهيل إدريس ونشرت في العدد الماضي من الرسالة، والتي عقب فيها على ما كتبته في العدد (734) حول ما يعتب به علينا إخواننا اللبنانيون من إهمال مؤلفاتهم في مصر. وأجمل ردي على تلك الكلمة، أو ما أود أن أقوله فيما تضمنته، فيما يلي:
1 - كتبت في الموضوع واحداً وثلاثين سطراً، أكثرها في بيان تقصير لأدباء المصريين في حق المؤلفات اللبنانية، وذكرت في ثلاثة أسطر ما مجمله أن المؤلفين اللبنانيين لا يرضيهم أن ينقد أدباء مصر مؤلفاتهم نقداً حراً. ففصل الكاتب هذه الثلاثة أسطر وجال حولها جولة أثارت غباراً أوثر أن أكتفي بالقول أنه حجب عن العيون كيفية تناولي للموضوع. . .
2 - قال إنني أطلقت القول دون أن آتي بمثال لمن غضب من النقد. والحمد لله، لقد كفاني الأستاذ نفسه هذا الأمر، إذ حمل عليّ هذه الحملة لمجرد تلك اللفتة الرفيقة التي جاءت بعد كلام شديد في الإنحاء على الأدباء المصريين، وقد كفاني الأستاذ بذلك أيضاً مؤونة الخروج عن منهجي في عدم التجريح بذكر الأسماء.
3 - كنت أراني أستحق نفحة طيبة من رُبَى لبنان، بدل هذا الذي ساقه إليّ الأستاذ سهيل، أو بجانبه على الأقل. .
وبعد فأستشعر (الحساسية والذوق والمودة) وأبعث إلى الأستاذ سهيل إدريس ببيروت - تحية:
(العباس)