مجلة الرسالة/العدد 735/الأدب والفن في أسبوع
→ تعقيبات | مجلة الرسالة - العدد 735 الأدب والفن في أسبوع [[مؤلف:|]] |
البريد الأدبي ← |
بتاريخ: 04 - 08 - 1947 |
عام التوائم:
توالت على الصحف أنباء التوائم في أنحاء البلاد، وأفاضت الصحف في الكتابة عن أحوال هذه الولادات، لما فيها من غرابة وطرافة.
وقد لاحظت اقتران هذا الإخصاب في الولادة، بإخصاب آخر في التأليف، واسترعى نظري إعلان أحد المؤلفين عن كتابين أخرجهما معا، وزاد انتباهي إعلان آخر مماثل. . فقلت في نفسي: نحن حفا في عام التوائم!
ومما يدل على الإخصاب في التأليف هذا العام أن (الأهرام) هالها ما يرد إليها من المؤلفات، ولعلها ضاقت بإلحاح أصحابها في طلب التعريف والتنويه بها، فكتبت يوم الثلاثاء بعد ثبت طويل من الكتب التي عرفت كلا منها بكلمة_كتبت بعد ذلك تعتذر من عدم استطاعتها التعريف بكل ما ورد إليها، فقالت أن عدد المؤلفات قد زاد في هذا العام زيادة لم نعهدها في السنوات الماضية فقد بلغ ما تلقته الأهرام في ثمانية الأشهر الأخيرة 382 كتابا بمعدل 50 كتابا في الشهر تقريبا واعتذرت من التأخير في الإشادة بكل هذه الكتب ووعدت بأنها ستواصل التعريف بها ما استطاعت!
وقد لاحظ بعد الكتاب أن النساء المنجبات هن من الطبقة الفقيرة؛ ولا عجب هي هذا فالطبقات الدنيا هي العاملة المنتجة النجبة في المجتمع. ويلاحظ أيضاً أن أكثر تلك الكتب الوفيرة تدل على أن أصحابها من فقراء الفكر وكثير من هؤلاء يوالي الواحد منهم إصدار المؤلفات في أوقات متقاربة والذي افهمه في فن التأليف أن الشارع فيه تقوم بذهنه فكرة الكتاب، يعاشرها زمنا يقضيه في التفكير فيها وتحقيق مادتها وتحين الفرص التي يبيح ما يخدمها في أثناء المطالعات والتأملات؛ حتى إذا نضجت على مهل، أخرجها للناس كتابا سويا فيكون كالوليد الذي تتغذى أمه وهي تحمله جنينا بغذاء كامل ملائم للحامل، وتتبع في حياتها النظام النافع للحمل، وتقضي المدة اللازمة قبل أن تضع حملها.
وقد أفضى طبيب (ملوى) بأسباب وفاة ثلاثة من الأربعة التوائم التي ولدتهم أمهم هناك، فقال أن أهم تلك الأسباب رداءة تغذية الأم وهي حامل، فهل نأخذ العبرة من هذا للتأليف مع فرق واحد هو أن الوليد السقيم قد تجدي عليه العناية والمعالجة، أما الكتاب الملفق المرتجل فهو الموت في مهده على ميعاد. . .
حكايات (أبو النواس):
جاء في العدد الخاص (بالفراشة) من مجلة الاثنين، فصل في (الفراشة عند العرب) احتوى على بضع حكايات قدم لها بما يلي: (كان العرب يتذوقون النكتة ويجزلون العطاء لقائلها، وقد حفلت كتب الأدب العربي القديم بألوان طريفة من الفكاهات ويرى القراء طائفة منها فيما يلي) والقارئ المستنير يتوقع أن يطالع بعد هذه المقدمة ملحا وطرائف من التي حفلت بها كتب الأدب العربي حقا، والتي هي جديرة أن يزود منها عدد خاص بالفكاهة أو (بالفراشة) كما أطلقوا عليه؛ ولكن الحكايات التي أتى بها إنما هي من التي يتبادلها العامة، ويحصلونها من الكتيبات التي وضعها لهم بعض الوراقين وخاصة ما كان منها عن (أبو النواس) كما يسميه العوام؛ وإلا فقل لي أي كتاب من كتب الأدب العربي القديم حكى عن الرشيد انه أراد أن يفاجئ أبا نواس بزيارته في داره فاختبأ أبو نواس وراء الباب وأزعج جواد الرشيد وهو يهم بالدخول فسقطت عمامة الرشيد فتطير من ذلك وأمر بضرب عنق أبي نواس فيضحك أبو نواس معللا ضحكه بأنه يقتل بغير سبب، فيقول له الرشيد:
- إنما أقتلك لأنك مشئوم الطالع. فقد (اصطبحت) برؤيتك فسقطت عمامتي!
- وأنا اصطبحت بوجهك ففقدت حياتي، فأينا أكثر شؤما؟ فهل كان من طبيعة العلاقة بين الرشيد وأبي نواس، وهل يليق بهما، أن يحدث بينهما هذا الذي يشبه لعب الأطفال المسمى (استغماية)؟ وهل كان خلفاء المسلمين يقتلون للطيرة وشؤم الطالع. .؟ وهل يصح أن يساق هذا الكلام المسف المبتذل على انه فكاهات مختارة من الأدب العربي؟!
لقد كان يمكن تحقيق الرغبة في الإضحاك بإيراد طائفة من فكاهات الأدب العربي (الحقيقية) التي يزخر بها (الأغاني) و (العقد الفريد) و (عيون الأخبار) و (ذيل زهر الآداب) وغيرها من كتب الأدب. وكان يمكن بهذه الفكاهات الجمع بين (الفرفشة) والمتعة الفنية، وكان كل ذلك خيرا من حكايات (أبو النواس) التي لا منفعة فيها إلا أن تفغر أفواه الفارغين. . .
شخصية الفنان: نشرت بعض الصحف البيروتية خبر حادث أسفت له، وأشارت إلى سوء موقعه من النفوس، ذلك أن الأستاذ محمد عبد الوهاب كان في مجلس (عالية) ضم نخبة من رجال السياسة والأدب، وفيهم الأمير مجيد أرسلان وزير الدفاع في لبنان، الذي طلب من عبد الوهاب أن يغنى فرفض واختلفت الروايات فيما حدث بعد هذا الرفض، فقيل انه حدثت مشادة تخللها اعتداء وقيل أن الوزير نهض واقفا كأنه يهم بالاعتداء. . وتدارك الحاضرون الموقف فانتهى بسلام وكذبت الحكومة اللبنانية (أن وزيرا حاول ضرب الأستاذ محمد عبد الوهاب في عالية) وقالت انه خبر عار عن الصحة. ونفى الحكومة ينصب على الاعتداء ومحاولته، أما الاجتماع وما كان فيه من طلب الغناء ورفضه فلم يكذب خبره. وهذا الجزء من الخبر هو الذي يتعلق به موضوعنا أما الإساءة إذا كانت قد وقعت فاليقين أن إخواننا اللبنانيين قد عالجوها أمرها على خير ما يرجى.
أما الذي أرمى إليه فهو (شخصية الفنان) التي حفها عبد الوهاب برفضه إجابة طلب الغناء فهو اعتزاز في موضعه، وحفاظ على كرامة الفنان أن يكون طوع إشارة وزير أو كبير. وقد مضت العصور التي كانت الفنون فيها تعيش في ظلال الكبراء، وصار الفنان (من موسيقى وأديب وغيرهما) يستمد عزته من فنه ومن جمهوره، كما تستمد الحكومات الدستورية سلطاتها من أممها. .
تلك هي روح العصر في الفن وهي اثمن ما كسبناه، وهي تتمثل في أولئك الأعلام الذين برزوا في حياتنا الفنية بأنواعها نهضوا على سوقهم ومشوا بجهودهم إلى غاياتهم مسددين ويسير الجميع الجديد على أثرهم في هذا السبيل، من الشعب نحو الشعب، يرعى الجميع جلالة الفاروق.
أبو زيد الهلالي:
كتب إلى الأستاذ عبد الحميد يونس ما يلي:
(طلب المدير المنتدب للإذاعة المصرية في عهدها القومي إلى الأدباء والكتاب أن يشاركوا بأفكارهم وأقلامهم في تدعيم هذه المؤسسة الثقافية العظيمة التي بلغ من خطورتها في توجيه الرأي العام أن احتفلت بها الهيئات الدولية العليا، وقد رأيت أن أتقدم إلى هذه الإذاعة بطلب متواضع من الجهد الفني، هو تقريب الآثار الشعبية المعروفة إلى جمهور الخواص وبدأت بحلقة من حلقات سيرة أبي زيد الهلالي، ولأمر ما انصرف المعنيون بإخراج هذه الآثار عن اللغة الفصحى إلى اللغة العامية مع أنني كتبتها باللهجة الفصيحة لحكومة ظاهرة، وهي جعل الخواص والأوساط يتذوقون هذه الآثار الشعبية التي يحفظها العامة عن ظهر قلب، ثم أخرجت هذه الحلقة دون أن يصلني كتاب واحد من الإذاعة اللاسلكية القومية التي تشرف عليها الدولة المصرية ينبئني بقبولها أو رفضها أو يدعوني على الأقل إلى مشاهدة إخراجها وإقرار هذا الإخراج، وقد حضرت التجربة النهائية اتفاقا محضاً وكنت بين المخرج وأعوانه كالتطفل على مأدبة لم يدع إليها. وعند التسجيل سحب الصوت من الغرفة التي اجلس فيها عمدا وعلمت بعد ذلك أن القصة التي قدمتها قد حورت في مصنعين تحويرا يمس أثراً محفوظا لدى الشعب قد وقف في تطوره عند صورة متبلورة بعينها، كما أن الحوار حمل أفكاراً وصورا لا يمكن أن اقرها بحال فاضطررت إزاء هذا كله إلى أن اطلب بما لي من حق الاستماع إلى التسجيل الكامل، ولولا وساطة بعض أصدقائي ممن احترمهم وأوقرهم لوقفت إذاعة هذه الحلقة واحتكمت إلى القضاء وبخاصة لأنهم جعلوا المؤلف غيري واكتفوا بان ذكروا أنني قدمت (المادة العلمية) كما يفعل رجال الدعاية الزراعية مثلا. والإذاعة وان غيرت هذا الوضع بعض التغيير وإلا أن الأمر لا يزال على حاله من حيث تحوير القصة وتحميل النص مالا يحتمل. .
ولعل هذا يدعوك إلى تنبيه الإذاعة اللاسلكية في هذا العهد القومي إلى احترام المؤلفين ومحاولة القضاء على ما يشبه الاحتكار الثقافي والفني لفرد أو طائفة.
وأملي أن ينال هذا الموضوع ما يستحق من عنايتكم وعناية الرسالة الغراء)
وقد أصغيت إلى هذه التمثيلية وقت إذاعتها يوم الثلاثاء، فسمعت أصواتا تتصايح بلغة لست ادري ما هي بالنسبة إلى قصة أبي زيد الهلالي، فلا هي لغة جمهور المستمعين العامية ولا هي لغة (شعراء الربابة) التي هي اقرب إلى الفصحى من لغة التمثيلية ولا هي لغتنا العربية الفصحى؛ وإنما هي من لغة بعض القبائل البدوية المعاصرة ولم هذا وقد وضعها مؤلفها معربة فصيحة؟ يقولون في مثل هذا: انه تهيئة للجو الفني في القصة. . فهل يطابق هذا الحوار الذي وضع لقصة ابي زيد الهلالي لغة القبائل العربية بنجد في القرن الخامس؟ وما أظن لغتهم في ذلك الوقت كانت قد بعدت كثيرا عن الفصحى.
على أنني سمعت في تمثيل القصة غناء ينصت إليه أمراء القبيلة، فيدخل عليهم أفراد من القبيلة يصيحون بهم: أمنصتون إلى الغناء والطرب والشعب يهلك من الجوع؟ وسمعت أحد أفراد القبيلة يحاول أن يبيع ابنته ليلقى ضيفاته فيعلم بذلك أمير القبيلة فلا يمنح الرجل ما هو في حاجة إليه ويطلق الفتاة بل يتزوج منها فيعترض عليه أبو زيد ويعلن أن الوقت وقت شدة وعسر ولا يليق أن ينفق في الأفراح بل يجب أن ينفق في مصلحة الشعب ورخائه.
وليست تلك الأفكار الاشتراكية مما يتفق والروح السائد ف زمن القصة وتصرف أمير القبيلة مع والد الفتاة ليس من النخوة العربية، فهل يتفق هذا مع الجو الفني للتمثيلية الذي يعملون على تهيئته بتلك الأصوات المنكرة. .؟
واكبر الظن أن ذلك مما يقصده الأستاذ عبد الحميد بقوله أن القصة حورت وحمل الحوار أفكارا وصورا لا يمكن أن يقرها ويبدو من تغافلهم عنه في أثناء الإخراج انهم كانوا يخفون عنه ما يصنعون بقصته حتى ينتهوا ويضعوه أمام الإفساد الواقع. ومن عجيب الأمر أن ينزل الكاتب المبين منزلة صاحب (المادة العلمية) الذي لا يقتدر على التعبير فيقدمها لمن يصوغها في أسلوب صحيح. .
وبعد فهل تتفق دعوة مدير الإذاعة الأباء إلى المشاركة بأفكارهم وأقلامهم في تدعيم الإذاعة المصرية في عهدها القومي مع هضم حقوق المؤلفين والتصرف في أناجهم بما لا يقرونه؟ أو ليس من حق الأدباء أن تعاملهم الإذاعة في التقدير والأدبي على الأقل معاملة المغنين ومن دونهم من الملهين. . .؟
(العباسي)